العدد 175 -

السنة الخامسة عشرة شعبان 1422هـ – تشرين الثاني2001م

الخصخصةُ إفرازٌ نَتِنٌ من إفرازات النظام الرأسمالي العفِن (2)

       الخصخصة مخالفة لأحكام الإسلام وهدم للاقتصاد وتمكين للكافر المستعمر وأذنابه

         وللأسف نجد أن الدراسات والأبحاث كلها علمانية ولم ترق دراسة واحدة إلى مستوى الفكر الإسلامي، ولم تقدم ولا دراسة واحدة من وجهة نظر الشرع، وإنما بحثت على أساس التبعية للغرب ومقياس النفعية، ووجهة نظر الرأسمالية، وسوف نقدم هذه الدراسة من وجهة نظر الإسلام.

         إن ما تقوم به الحكومات من بيع الشركات والمؤسسات العامة للقطاع الخاص وللمستثمرين الأجانب (فكرة الخصخصة) مخالفة لأحكام الإسلام وهدم للاقتصاد وتمكين للكفار وأذنابهم. أما مخالفتها لأحكام الإسلام فإنها آتية من الأدلة الشرعية التي تبين واقع الملكيات في الإسلام، وواقع الملكية العامة بشكل خاص، وكيفية التصرف بها.

         وجاء الإسلام وحدد حيازة المال وهو: كل ما يتمول به بكيفية معينة تتفق مع فطرة الإنسان بحيث تمكنه من إشباع حاجاته الأساسية إشباعاً كاملاً، وتمكنه أيضاً من الوصول إلى إشباع حاجاته غير الأساسية، فحارب الإسلام إلغاء الملكية وكذلك تحديدها بالكم لتناقضه مع فطرة الإنسان، وفي الوقت ذاته حارب حرية التملك لأنها تؤدي إلى فوضى العلاقات بين الناس وتسبب الشر والفساد، فحدد الإسلام الملكية بالكيف لا بالكم فنص على ثلاثة أصناف هي:

         أولاً:  الملكية الفردية:

         وهي حكم شرعي مقدر بالعين أو المنفعة، يقتضي تمكين من يضاف إليه من انتفاعه بالشيء وأخذ العوض عنه، والحق في ملكية العين ليس ناشئاً عن العين نفسها ولا عن طبيعتها أي عن كونها نافعة أو غير نافعة وإنما هو ناشئ عن إذن الشارع.

         ثانياً:  الملكية العامة:

         وهي إذن الشارع للجماعة بالاشتراك في الانتفاع بالعين، والأعيان التي تتحقق فيها هذه الملكية هي الأعيان التي نص الشرع على أنها للجماعة مشتركة بينهم ومنع الفرد من حيازتها وحده، وهي ثلاثة أنواع:

         1 – مرافق الجماعة:

         التي إن لم تتوفر في جماعة تفرقوا في طلبها، كالماء والمراعي ومصادر الطاقة قال صلى الله عليه وسلم    : «المسلمون: شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار»، وقال صلى الله عليه وسلم       : «ثلاثة لا يمنعن: الماء والكلأ والنار»، وورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم   : قد أباح للأفراد امتلاك الماء الفائض عن حاجة الجماعة، فاستنبط من هذه الأحاديث، أن كل شيء يتحقق فيه كونه من مرافق الجماعة (أي إن لم يتوفر تفرقت الجماعة في طلبه) يعتبر ملكية عامة، سواء أكان من هذه الثلاثة أم من غيرها، وبالنسبة لما هو من مرافق الجماعة في الأشياء التى جاء نص الشارع عليها بأن الناس شركاء فيها، وهي الماء والكلأ والنار، وكل ما تنطبق عليه علة كون الناس شركاء فيه وهي كونه من مرافق الجماعة.

         آلات استخراج المياه:

         يختلف حكمها باختلاف المياه، فإذا كانت المياه من المياه الخاصة كالآبار الخاصة التي يملكها الناس فإنها ملكية فردية، فلكل واحد أن يقيم آلة على البئر الذي يملكه وأن يستخرج المياه وأن يبيعها للناس، ولكن بشرط ألاّ يمد الأنابيب أو يحدث أي عمل في الطريق العام لأن ملكيته عامة، ولا يصح أن يختص أحد بشيء منها اختصاصاً دائماً يمنع غيره لأنه نوع من الحمى وهو حرام.

         أما إن كانت المياه من المياه العامة كالآبار العامة والعيون العامة والأنهار والبحيرات، فإن آلات استخراج المياه للناس في هذه الحالة ملكية عامة، لأن الماء ملكية عامة للناس جميعاً فتكون الآلة التي تستخرجه للناس ملكية عامة، تشرف عليها الدولة الإسلامية وينتفع بها جميع المسلمين.

         وذلك لأن القاعدة تقول: (كل آلة تستعمل فيما هو من مرافق الجماعة فإنها تأخذ حكمه فتكون من مرافق الجماعة).

         ويجوز لكل واحد من الرعية أن يقيم له آلة على النهر أو البحر ليأخذ منه الماء لنفسه أو يسقي به الناس ويأخذ أجره، بشرط أنه إن أخذه، لا يمنع أحداً من الرعية أن يأخذوا من النهر أو البحر، ولو تحقق أنه منع أحداً لما جاز له ذلك ومنع من قبل الدولة، وكذلك لو تحقق أن هذه الالة تمنع الرعية من الوصول إلى الملكية العامة حتى ولو كان الممنوع فرداً واحداً منهم سواءً من حيث الوصول إلى الماء أو إقامة الآلات على النهر أو البحر يستخرجون بها الماء فإن تلك الآلة تمنع من قبل الدولة الإسلامية.

         آلات توليد الكهرباء:

         يختلف حكمها باختلاف الغاية التي يجري توليد الكهرباء من أجلها، فإن كان توليد الكهرباء من أجل الانارة فإن الآلة في هذه الحالة تكون ملكية فردية، فالنور ليس من الملكية العامة، مما لو فقد تفرقت الجماعة في طلبه كالماء، ولم ينص عليه الشرع، بخلاف الماء والنار والكلأ التي تتفرق الجماعة أو القبيلة أو البلد أو المدينة في طلبهم، وبالتالي فتوليد الكهرباء من أجل النور ملكية فردية، فيجوز لأي فرد أن يملك آلة لتوليد الكهرباء من أجل النور ويبيعها للناس، ولكن ليس له أن يضع أعمدة وأسلاكاً في الطريق العام، لأن الطريق ملكية عامة.

         أما إن كان توليد الكهرباء من أجل أن تستعمل مقام النار، والنار ورد ذكرها في الحديث ونص عليها الشرع، أي ان تستعمل في الطبخ وتدوير الآلات وصهر المعادن والتدفئة فإنها تكون ملكية عامة، لأنها داخلة تحت نص الحديث «المسلمون شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار» .

         والمراد بالنار “الوقود وما يتعلق به” لذلك فمحطات توليد الكهرباء من أجل الحرق ملكية عامة، وتكون الدولة هي المسئولة عن توليد الكهرباء للحرق كسائر المصانع الداخلة في الملكية العامة.

         وقد يقال إن الكهرباء تستخدم في آن واحد للإنارة والحرارة في التيار نفسه وتعيين الكهرباء لوجه من الاستعمال دون غيره أمر مستحيل لذلك يكون حكم الكهرباء أنها ملكية عامة.

         والجواب: إن الكهرباء وإن كانت واحدة تولدها الآلة، ولكن واقع الغاية التي تستعمل من أجلها يختلف فهي تستعمل للإنارة، وتستعمل للحرارة، والقاعدة الشرعية (إن الصناعة تأخذ حكم ما تنتجه)، فكان لابد أن يختلف حكم الكهرباء باختلاف ما تستعمل له.

         فالشرع قد جعل النار ملكية عامة، والنور ملكية فردية، كما جعل الملح ملكية عامة والقمح ملكية فردية، فالآلة التي تستخرج وتنقي الملح ملكية عامة، والآلة التي تزرع القمح أو تحصده ملكية فردية، وكذلك الآلة التي تولد الكهرباء للحرارة ملكية عامة، والآلة التي تولد الكهرباء للنور ملكية فردية، فإن كان غالب ما تستعمل له الكهرباء هو الانارة، فإن الالة حينئذ تكون ملكية فردية ككهرباء البيوت، وان كان غالب ما تستعمل له الكهرباء هو الحرق (أي النار)، فإن الآلة حينئذٍ تكون ملكية عامة كالكهرباء التي تستعمل للطبخ والتدفئة وفي الورش والمصانع وأماكن اللحام وصهر المعادن…الخ.

         وبالتالي تأخذ حكم الأصل والتابع لا يفرد بحكم، فإن كان غالب ما تستعمل له الكهرباء هو الحرارة (الحرق) فإن الآلة تأخذ حكم الملكية العامة والنور تابع له.

         وإن كان غالب ما تستعمل له الكهرباء هو النور فإن الآلة تأخذ حكم الملكية الفردية والحرارة تابعة له، ونظير ذلك الأرض المشجرة، فإنها إن كان الشجر أكثر من الأرض كان الحكم للشجر والارض تابعة لها فيصح تأجيرها وهو المساقاة، وإن كانت الأرض أكثر من الشجر كان الحكم للأرض والشجر تابع لها، فلا يجوز تأجيرها، فالحكم هو للاصل لا للتابع.

         هذا الحكم للكهرباء إذا كان توليدها من الآت ومحطات كهربائية، أما إذا كان توليدها من مساقط المياه العامة، فإنها ولا شك تكون من الملكية العامة سواءً أكانت الغاية منها هي الإنارة أو الحرارة (النار)، لأن مساقط المياه من الملكية العامة، فيمنع اختصاص أحد بها اختصاصاً دائماً يمنع غيره، فهي من الحمى الواجب حمايته من قبل الدولة.

         وما ينطبق عليه حكم مرافق الجماعة مصنع الكبريت، لأنه نار ويأخذ حكمه، ويدخل تحت حديث «الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار».

         وكذلك مصانع استخراج الفحم الحجري ومصانع النفط والغاز، لانها تولد النار، وكذلك مصانع الصناعات البتروكمياوية القائمة على مادة البترول الخام وصناعة الغاز الطبيعي.

         وبناءً على هذا يحرم خصخصة آلات المياه العامة وآلات ومحطات توليد الكهرباء للحرارة أو من مساقط المياه العامة، أو مصانع استخراج الفحم الحجري أو الكبريت أو مصانع تكرير البترول الخام والغاز.

         2 – المعادن العِدّ كالمناجم:

         والدليل على أنها من الملكية العامة وأنه لا يجوز أن تملك ملكاً فردياً، ما رُوِيَ عن أبيض بن حمال: «أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم       فاستقطعه الملح فقطع له، فلما ولى قال رجل من المجلس: أتدري ما قطعت له؟ إنما قطعت له الماء العد، قال: فانتزعه منه» . فشبه الملح بالماء العد لكثرته، وفي رواية عمر بن قبيس المأربي قال: (استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  معدن الملح بمأرب فأقطعنيه، فقيل يا رسول الله انه بمنزلة الماء العد – يعني أنه لا ينقطع – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم      : فلا، إذن) ، وهذا يشمل كل معدن على شكل منجم، كالحديد والبترول والغاز، والفوسفات والنحاس، وما شاكلها.

         فهذا الحديث يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم         اقطع ملح الجبل لأبيض بن حمال مما يدل على أنه يجوز الاقطاع، فلما علم أنه من المعدن الدائم الذي لا ينقطع رجع عن إقطاعه وأرجعه ومنع ملكية الدولة له ومنع ملكية الفرد له أيضاً لأنه ملكية عامة أي ملكية للجماعة، وهذا يدل على أن المعادن ملكية عامة وليست ملكية فردية ولا ملكية دولة، وهذا يشمل المعادن الظاهرة كالملح والكحول والياقوت وما شابهها أو المعادن الباطنة التي لا يتوصل إليها إلا بالمؤنة والجهد والعمل كمعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص وما شاكلها، وسواءً كانت جامدة أو سائلة كالزئبق الأحمر مثلاً.

         الصناعة تأخذ حكم ما تنتجه:

         إن الصناعة تأخذ حكم ما يجري صنعه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم         قد حرم عصر الخمر وهو صناعة، عن أنس قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم        في الخمرة عشرة: عاصرها ومعتصرها… الحديث» وعن ابن عمر قال (لعنت الخمرة على عشرة وجوه: (لعنت الخمرة بعينها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها)… الحديث. فصناعة العصر من حيث هو عصر مباحة سواء أكانت عصر عنب أو برتقال أو تفاح أو غير ذلك لأن الصناعة من حيث هي مباحة ومنها صناعة العصر فتدخل في عموم إباحة الصناعات.

         فجاء الرسول وحرم صناعة عصر الخمر، وتحريمها هنا لأنها عصر ينتج خمراً، فأعطى العصر حكم ما يجري عصره وهذا يعني اعطاء الصناعة حكم ما تنتجه. وهذا ليس خاصاً بالخمر بل عام في كل محرم، فصناعة الحشيش والأفيون والهيروين وما شاكلها حرام لأن هذه الأشياء حرام، وصناعة الصليب حرام لأن اتخاذ الصليب حرام، وصناعة التماثيل حرام لأن التماثيل حرام وهكذا…، وما ظهر في اليمن لهو أمر مؤسف، حيث ظهر رسم الصليب على حزام الجنابي (الخناجر) اليمنية من أجل إغراء النصارى في شراء ذلك بالدولار، وعلى مرأى ومسمع من النظام ولم ينكر على صانعي الحزام منكر.

         وعلى ذلك فإنه يستنبط من الحديثين في لعن عاصر الخمر ومعتصرها قاعدة (الصناعة تأخذ حكم ما تنتجه)، وهذا الاستنباط واضح فيه وجه الاستدلال كل الوضوح، فالنهي عن عصر الخمر ليس نهياً عن العصر وإنما هو نهي عن عصر الخمر، فالعصر ليس حراماً ولكن عصر الخمر هو الحرام، فجاءت حرمة الصناعة من حرمة الإنتاج الذي تنتجه، وهذا دليل على أن الصناعة تأخذ حكم ما تنتج، وبناءاً على ذلك تكون صناعة الأشياء المحرمة كصناعة الصلبان مثلاً ممنوعة، وهكذا الأشياء الداخلة في الملكية العامة (كاستخراج النفط والغاز، واللؤلؤ من البحار، وكذلك المعادن العد كمصانع استخراج الذهب والحديد والنحاس واليورانيوم والملح والكبريت والفحم الحجري والصناعات النفطية والبتروكيماوية والغازية…الخ يحرم امتلاكها فردياً سواء من أفراد أو شركات خاصة محلية أو أجنبية، وبالتالي يحرم صناعتها فردياً بمعنى أن لا يملك الأفراد أن يباشروا صنع شيء محرم كالتماثيل ولا صنع شيء يدخل في الملكية العامة ليكون ملكية فردية لهم تسلب عنه خاصية كونه ملكية عامة كاستخراج الحديد أو صناعة النفط مثلاً. وبالتالي فالمصنع يأخذ حكم ما ينتجه، وإنتاج المصنع يحول المصنع إلى أن يأخذ حكم هذا الإنتاج، فإذا كان المصنع مثلاً للعصر ويمكن أن يعصر به أي شيء، فإنه يجوز اقتناؤه، أما إذا كان لعصر الخمر فإنه يمنع استعماله ويمنع اقتناؤه، وبذلك أخذ المصنع حكم ما ينتج وكذلك بالنسبة لصناعة التماثيل والصلبان وغيرها.

         فإذا كان المصنع خاصاً بإنتاج ما هو داخل الملكية الفردية، فإنه يجوز للأفراد أن يملكوه ملكاً فردياً، وإذا كان المصنع خاصاً بإنتاج ما هو داخل الملكية العامة، فإنه يمنع الأفراد من امتلاكه ملكاً فردياً، ومتى منع المصنع من إنتاج معين منع إقتناؤه وملكه فردياً، سواءً أكان المنع لأنه حرام أم لأنه داخل في الملكية العامة، كمصانع المعادن واستخراج النفط والغاز…الخ.

         قد يقال إن المصانع ملكية فردية وليست ملكية عامة، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم         استصنع خاتماً واستصنع المنبر؟

         تقول: لقد جاء الإسلام وبين أحكام المصانع بأن الأصل فيها أنها ملكية فردية، فلكل فرد من أفراد الرعية أن يملك المصانع، فالمصنع من حيث هو داخل في الملكية الفردية وليس داخلاً في الملكية العامة ولا في ملكية الدولة، والدليل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم         استصنع خاتماً، وأنه عليه الصلاة والسلام استصنع المنبر، واستصنعهما عند من يملك المصنع ملكية فردية، وكان الناس يستصنعون في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم    وسكت عنهم مما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم    أقرَّ الملكية الفردية للمصانع سواء أكانت مصانع اسلحة أم مصانع معادن أم مصانع نجارة أم غيرها، ولم يُرْوَ أي نهي عن ملكية المصنع، ولم يرد أي نص على أن المصنع ملكية عامة كما لم يرد أي نص على أن المصنع ملكية دولة، فيبقى الدليل عاماً على أن المصانع داخلة في الملكية الفردية.

         هذا هو الحكم الشرعي في المصانع: بأن الأصل فيها أنها ملكية فردية إلا أن تكون لصناعة ما هو داخل في الملكية العامة، فتتحول حينئذٍ إلى ملكية عامة وتصبح ملكاً عاماً، أي ان واقع المصنع من ناحية الآلة ملكية فردية ولكن من ناحية الإنتاج فإنه يختلف باختلاف الأموال المنتجة، فمن الأموال ما تكون ملكية فردية وحينئذٍ يبقي المصنع كما هو ومنها ما تكون ملكية عامة فيتحول المصنع إلى ملكية عامة.

         والشرع وحده هو الذي يحدد الأموال العامة وهو الذي يعرفها، ولقد حددها تحديداً واضحاً لا لبس فيه بنصوص شرعية كما أسلفنا في أصناف الملكية.

         ولم يجعل الشرع للدولة أي سلطة على الملكية الفردية أي ليست حرة في أن تستولي على ملك أحد من الناس بحجة المصلحة العامة، وليست حرة أن تقول هذا ملكية فردية وهذا ملكية عامة، بل الدولة الإسلامية مقيدةٌ بأحكام الاسلام، وقد حرم عليها الإسلام أن تمد يدها إلى أموال الناس الفردية أو إلى ملكيتهم العامة تحريماً قاطعاً.

         قال صلى الله عليه وسلم   : «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه» وقال صلى الله عليه وسلم        : «إنما أموالكم ودماؤكم عليكم حرام…» وهذا عام يشمل الدولة وغيرها.

         إلا أن للدولة أن تراقب الملكية الفردية، وتشرف على الصناعات التي تنتجها المصانع الفردية كالجودة والمواصفات والمقاييس وعدم الغش والاحتكار…الخ.

         وبالتالي ما يسير عليه النظام الحاكم في اليمن لخصخصة مصافي النفط ومصانع الأسمنت ومصانع المعادن…الخ لا يجوز وهو حرام ومخالف لشرع الله.

         3 – الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها:

         فهي الأعيان التي تشتمل على المنافع العامة، وهي وإن كانت تدخل في القسم الأول لأنها من مرافق الجماعة، ولكنها تختلف عن القسم الأول من حيث إن طبيعتها أنه لا يتأتى فيها أن يملكها الفرد، بخلاف القسم الأول فإنه يتأتى أن يملكه الفرد، فعين الماء يمكن أن يملكها الفرد، ولكنه يمنع من ملكيتها إذا كانت الجماعة لا تستغني عنها، بخلاف الطريق فإنه لا يمكن أن يملكها الفرد، ولهذا فإن هذا القسم وان كان دليله انطباق العلة الشرعية عليه، وهي كونه من مرافق الجماعة فإن حقيقة واقعه تدل على انه ملكية عامة، وهذا يشمل الطرق والأنهار والبحار والبحيرات والأقنية العامة والخلجان والمضايق… ونحوها، ويلحق بها المساجد ومدارس الدولة ومستشفياتها والملاعب والملاجئ والغلاف الجوي والهواء وما شابهها.

         الصيد والشواطئ:

         إن الثروة السمكية التي خلقها الله في البحار والمحيطات هي من الملكية العامة للأمة، وتدخل تحت الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بها.

         فالصيد هو حق لكل واحد من أفراد الرعية فله أن يصنع له قارباً ويمارس عمل الصيد في أي مكان في البحر، بشرط أن لا يختص به ذلك الفرد ولا يمنع غيره من الاصطياد في ذلك المكان والأصل في آلات الصيد كالسفن الكبيرة والقوارب الصغيرة أنها ملكية فردية، يجوز لكل فرد من أفراد الرعية أن يملكها ويمارس مهنة الصيد، ويبيع ما حصل عليه من الأسماك وغيرها، والدولة هي التي تشرف على هذا العمل وتنظمه وتراقبه، ولا يجوز أن يملكه أحد ملكاً خاصاً ويمنع غيره منه، كما لا يجوز للدولة أن تأخذه بحجة المصلحة العامة وتمنع الأفراد منه ولا يجوز أن تعطيه للكفار الأجانب بحجة الاستثمار والخبرة والإمكانيات.

         وكذلك الشواطئ للأمة، لا يجوز اعطاء شخص أو هيئة محلية أو أجنبية أراضي هذا الشواطئ ولا بيعها لأحد كما هو حادث هذه الأيام حيث بيعت كثير من الشواطئ في بلاد المسلمين وفي اليمن كشواطئ عدن والحديدة والمكلا وغيرها إلى التجار الرأسماليين والى الحكام وأسيادهم الكفار، إلا أن على الدولة أن تشرف على هذه الشواطئ وتستغلها لصالح الأمة وتضع وارداتها في ديوان الملكية العامة، ويقاس عليها الموانئ ومحطات التزود بالوقود والمضائق…الخ.

         ثالثاً:  ملكية الدولة:

         وهي كل مال كان الحق فيه لعامة المسلمين والتدبير فيه للخليفة يخص بعضهم بشيء من ذلك حسب ما يرى، كالخراج والفيء والجزية… وما شابهها، وهي أموال لا تدخل في الملكية العامة، بل هي داخلة في الملكية الفردية، لأنها أعيان تقبل الملك الفردي كالارض والاشياء المنقولة، ولكنه تعلق فيها حق لعامة المسلمين، فصارت ليست من الملكية الفردية، وهي لا تدخل في الملكية العامة، فتكون حينئذ ملكاً للدولة، وملك الدولة هو ما كان الحق فيه لعامة المسلمين والتدبير فيه للخليفة يخص بعضهم بشيء من ذلك، حسب ما يرى ومعنى تدبيره هذا هو أن يكون له سلطان عليه يتصرف فيه، وهذه هي الملكية لأن معنى الملكية أن يكون للفرد سلطان على ما يملك، وعلى ذلك فكل ملك مصرفه موقوف على رأي الخليفة واجتهاده يعتبر ملكاً للدولة، وقد جعل الشارع أموالاً معينة ملكاً للدولة، للخليفة أن يصرفها حسب رأيه واجتهاده مثل الفيء والخراج والجزية وما شابهها لأن الشرع لم يعين الجهة التي تصرف فيها، أما إذا عين الشارع الجهة التي تصرف فيها، ولم يتركها لرأيه واجتهاده فلا تكون ملكاً للدولة، وإنما تكون ملكاً للجهة التى عينها الشرع، ولذلك لا تعتبر الزكاة ملكاً للدولة، بل هي ملكٌ للأصناف الثمانية الذين عينهم الشارع، وبيت المال هو محل إحرازها من أجل صرفها على جهاتها.

         وإنه وإن كانت الدولة هي التي تقوم بتدبير الملكية العامة، وتقوم بتدبير ملكية الدولة إلا أن هناك فرقاً بينهما وهو أن ما كان داخلاً في الملكية العامة، لا يجوز للدولة أن تعطي أصله لأحد، وإن كان لها أن تبيح للناس أن يأخذوا منه بناءً على تدبير يمكنهم جميعاً من الانتفاع به، بخلاف ملكية الدولة فإن للدولة أن تعطيها كلها لأفراد معينين، ولا تعطي الآخرين، ولها أن تمنعه عن الأفراد إذا رأت في ذلك رعاية لشؤونهم من ناحية أخرى غير إعطائهم، فالماء والملح والمراعي وساحات البلدة لا يجوز أن تعطيها لأفراد مطلقاً، وإن كان يجوز للجميع الانتفاع بها بحيث يكون النفع لهم جميعاً دون تخصيص أحد دون الآخر، والخراج يجوز أن تنفقه على الزراع فقط دون غيرهم، لمعالجة شؤون الزراعة، ويجوز أن تنفقه على شراء السلاح فقط، ولا تعطي أحداً منه شيئاً فهي تتصرف كما ترى مصلحة الرعية.

         وقد حرص الإسلام على حماية هذه الملكيات من أي اعتداء من الأفراد أو من الدولة، وبخاصة الملكية الفردية والملكية العامة.

         ففي الوقت الذي جاء فيه الإسلام بالتشريعات والتوجيهات التي تصور الملكية الفردية، واعتبر التعدي عليها من قبل الدولة مظلمة يشكو صاحبها إلى محكمة المظالم على الحاكم، إذا فعلها، لترفع مظلمته، فلا تستطيع الدولة أن تملكه جبراً عن صاحبه مطلقاً، إلا إذا رضي صاحبه أن يبيعه لها، كما يبيعه لأي فرد فتشتريه كما يشتريه سائر الأفراد، فحرم بذلك التأميم الذي هو تحويل الملكية الفردية إلى ملكية دولة، في الوقت نفسه حرص الإسلام أيضاً على حماية الملكية العامة، ومنع الأفراد والدولة من امتلاكها فلا تستطيع الدولة امتلاكها ولا تمليكها للأفراد مهما كانت المصلحة، لأن المصلحة في هذه الأموال قد قدرها الشرع في بيانه ما هي الملكية العامة.

         وهكذا حرم تحويل الملكية العامة إلى ملكية خاصة والذي ينص عليه مفهوم الخصخصة في أحد جوانبه، أما إعطاء الدولة من ملكيتها للأفراد بيعاً أو صلة فهو أمر مباح، فلها أن تخص بها أفراداً معينين، وتمنعها من آخرين إذا ما رأت في ذلك رعاية لشؤونهم، فملكية الدولة أصلاً هي أعيان تقبل الملك الفردي ولكنه تعلق فيها حق لعامة المسلمين، فكلفت الدولة أصلاً بتدبيرها نيابة عن المسلمين.

         فكان للخليفة أن يصرفها حسب رأيه واجتهاده، وهذا غير الخصخصة التي جاء بها النظام الرأسمالي، والتي تنص على إلغاء ملكية الدولة، وتحويلها إلى ملكية فردية، وتحجيم دورها الاقتصادي وحصره في الرقابة وحفظ النظام فقط.

         وهذا الامر الاخير يخالف الإسلام مخالفة بينة، فالدولة هي راعية شؤون الناس قال صلى الله عليه وسلم        : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالامام راع ومسؤول عن رعيته…» الحديث. ورعاية شؤون الرعية المالية أي الاقتصادية هي من أعظم جوانب هذه الرعاية.

         هذا من حيث المخالفة لأحكام الإسلام.

         أما هدم الاقتصاد:

         فإن الدويلات القائمة في العالم الثالث، ومنها بلاد اليمن، تقوم بتنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، تلك المؤسسات التي أنشأتها الدول الاستعمارية الكافرة لنهب ثروات العالم الثالث، وترك سكانه يعيشون الفقر، كما هو الحال في البلاد الإسلامية وغيرها التي تزداد فقراً وضعفاً، والدول الكبرى تزداد ثراء وسيطرة، فقد جاء في كتاب استقالة أحد كبار موظفي البنك الدولي “بيرجلان” – بلجيكا – ما يلي (البنك الدولي كنت آمل في الماضي أنه سيساهم في إنماء مسؤولية مشتركة تجاه مستقبل الشعوب الاقل حظاً في العالم، ولكنه لم يكن كذلك، الفقر يزداد… الجوع يقتل بالتاكيد أكثر من الحروب…، فالحلول المقترحة من البنك الدولي من أجل التنمية هي الدواء المسموم…!) ثم يقول أيضا (إفريقيا تموت، والبنك الدولي يزداد ثراء، آسيا وأروبا الشرقية يرون ثرواتهم تنهب، والبنك الدولي يدعم صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية التي تبيح النهب للثروات المادية والعقلية…).

         ومع ذلك تلتزم الحكومة اليمنية وغيرها من الحكومات في العالم الإسلامي بوصفات وتوجيهات هذه المؤسسة المجرمة، وتغري الأميركيين والأوروبيين للاستثمار في اليمن، فالحكومة اليمنية قد قدمت معلومات كاملة وأبحاثاً كبيرة عن واقع النفط والغاز والمعادن والثروة السمكية والسياحة للأميركيين والأوروبيين، وتستجديهم أن يقوموا بالاستثمار في اليمن.

         إن حالة الاقتصاد في اليمن تتردى يوماً بعد يوم، وما الثبات الحالي إلا نتيجة لأخذ المليارات من الخارج (ترسيم الحدود البرية أو الحدود البحرية)، ولعله الهدوء الذي يسبق العاصفة، عاصفة الفقر والجوع والغلاء، وتركز الثروة في يد الكفار وأذنابهم.

         أما تمكين الكفار من السيطرة:

         فإن الكافر المستعمر دأب على ان يظل هو المسيطر عقائدياً واستراتيجياً وسياسياً واقتصاديا وعسكرياً، وبالتالي فهو ينشر مبدأه ويفرض قوانينه، ويغرس أنظمته وأفكاره وأحكامه في كل بلاد المسلمين، وما فكرة الخصخصة إلا أحد الأبواب التي يلج منها الاستعمار إلى اليمن، وباسم الاستثمار والخصخصة، فإنه يسيطر على ثرواتنا وينهبها ويغرس جواسيسه ويزرع عملاءه، ما دام انه موجود في البلاد، وباسم الشريك الاستراتيجي أو الخبرة الأجنبية يدخل اليهود بلاد المسلمين لنهب ثرواتهم وزرع جواسيسهم وعملائهم، وكما حدث في الأردن ومصر وتركيا، حيث دخلت إسرائيل كشريك في مشاريع كثيرة في تلك البلدان.

         ولقد حرم الله علينا ان نجعل لهؤلاء الكفار سبيلاً علينا، قال تعالى: ]ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً[ (النساء).

         ولكننا نحن الذين جعلنا سبيلهم – أي الكفار – علينا، بأخذ أنظمتهم وقوانينهم والسير وراءهم في كل مخططاتهم ومؤامراتهم، قال صلى الله عليه وسلم       : «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً شبراً، وذراعاً ذراعاً حتى إذا دخلوا جحر ضب دخلتموه» وقال الصحابة: اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: «فمن»، وفي رواية (فمن غيرهم) ويقول صلى الله عليه وسلم  : «لا تستضيئوا بنار المشركين»، وهو كناية عن الاستعانة بهم في أي أمر.

         وبالتالي فالخصخصة هي تمكين للكفار والمستعمرين الجدد وعملائهم وهذا التمكين حرمه الله وجعل من يقوم به ناكثاً للعهود ويفعل في عباد الله بالإثم والعدوان، ومن رضى به وتابع ولم يغير على هؤلاء الحكام فهو أيضاً راضٍ ومتابع لهم مثله مثل الحكام. قال صلى الله عليه وسلم   : «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» (رواه مسلم).

         إن للخصخصة آثاراً خطيرة على المسلمين وعلى من تطبق عندهم، أهمها:

  • تركز الثروة الزراعية والصناعية والتجارية في أيدي بعض الأفراد أو الشركات التي تمتلك رؤوس أموال هائلة وتتمتع بخبرات إدارية وفنية وتقنية عالية، وهذا يعني حرمان السواد الأعظم من الناس من هذه الثروات، ويصبح المال دولة بين الأغنياء فقط، وقد حرم الله ذلك بقوله: ]كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم[ (الحشر/7)، فتكون الخصخصة بذلك سبباً يضاف إلى أسباب سوء توزيع الثروة، وهذا أمر ظاهر في البلاد الرأسمالية وبخاصة أميركا وأوروبا.

  • اقتران الخصخصة في بلاد المسلمين بفتح الأبواب أمام المستثمرين الأجانب يعني وقوع البلاد تحت أيدي الاستعمار الاقتصادي، سواءً أكان المستثمر فرداً أم شركة، لأن الأفراد الرأسماليين وكذلك الشركات الرأسمالية هي التي تحكم في الدول المستعمرة، ويترتب على ذلك نهب ثروات البلاد، وإحكام السيطرة السياسية على حكام البلاد وأهلها، ولا أظن المستعمر الأجنبي إلا ساعياً وراء تحقيق أعظم الأرباح في أسرع الأوقات، دونما التفات إلى حاجات أهل البلاد من السلع والخدمات، أو إلى النهوض بالصناعة في هذه البلاد، كل ذلك إذا كان المستثمر الأجنبي مشغلاً لما له في المشاريع الاقتصادية ليعطي ربحاً، أما إذا كان مستثمراً له استثماراً مباشراً أو غير مباشر فتلك مصيبة عظيمة ليس هذا موضع بحثها. وقد حاولت بعض الدول التي خضعت للخصخصة إطلاق اسم الشريك الاستراتيجي على هذا المستثمر لتجميل صورته وإخفاء حقيقته.

  • كثيراً ما يؤدي نقل المشاريع وبخاصة الزراعية والصناعية من ملكية الدولة أو الملكية العامة إلى الملكية الفردية، إلى تقليص عدد العاملين أو تقليص أجورهم لأن المستثمر أو صاحب المشروع أو مديره في النظام الاقتصادي الرأسمالي يعتبر تقليص العاملين وتخفيض أجورهم أسهل وأسرع الوسائل في رفع كمية الإنتاج وتخفيض التكلفة، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة أعداد العاطلين عن العمل واتساع رقعة الفقر ولا يخفى على أحد ما للبطالة والفقر من أثر على المجتمع وعلى مستوى الإنتاج والنمو الاقتصادي.

  • إن إلغاء الملكية العامة أو ملكية الدولة يعني تخلي الدولة عن واجباتها تجاه رعاياها، فتتنصل من الكثير من مسئولياتها، لأنها تفتقد لمصادر التمويل، فعلى سبيل المثال لا الحصر لا تستطيع توفير الحاجات الأساسية لمن قصرت بهم السبل وعجزوا عن حاجاتهم الأساسية، ولا تتمكن من توفير التطبيب والتعليم لرعاياها، وغير ذلك.

  • تنشيط الدولة في البحث عن مصادر تمويل بديلة لتلك المصادر التي باعتها وتخلت عنها، فلا تجد مصدراً غير فرض الضرائب الباهظة على المصانع والمشاريع والمؤسسات الاقتصادية، سواء التي باعتها أو التي هي مملوكة أصلاً للأفراد فيؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار، وفي المحصلة يجد المستهلك نفسه هو الذي يدفع هذه الضرائب للدولة وليس المستثمر، وآثار ذلك إذا ما اقترن بالبطالة وتخلي الدولة عن مسؤولياتها الدعوية تكون وخيمة.

  • الأموال التي تجنيها الدولة من بيعها للمشاريع الاقتصادية لا تستغلها في مشاريع إنتاجية بديلة لتدر على البلاد عوائد غير منقطعة، بل تذهب معظم هذه الأموال كما تريد المؤسسات الدولية، صندوق النقد وغيره، إلى الإنفاق المبالغ فيه على ما يسمى بالبنية التحتية وما يسمى بالمحافظة على البيئة وتنميتها وما يسمى بتنمية الموارد البشرية، والتي كلها تسهيلات لاجتذاب رأس المال الأجنبي وفي هذا هدر لثروات البلاد وإنفاقها لمصلحة المستثمر الأجنبي، وحرمان الناس من عوائدها، إلا أن بعض الحكومات تحاول إخفاء هذه الحقيقة بالترويج لفكرة ما يسمى (صندوق الأجيال).

  • حرمان عامة الناس من حقهم في الاستفادة من الملكيات العامة من مثل الماء والنفط والممرات المائية والموانئ وغيرها، وفي ذلك ظلم لهم وإفساد لمعاشهم.

  • خصخصة وسائل الإعلام وخاصة الإعلام التلفزيوني والإذاعي يفسح المجال أمام الغزو الفكري الرأسمالي، ما يشكل تهديداً حضارياً للأمة.

         هذه بعض آثار الخصخصة وهي غيض من فيض.

الحل الجذري لهذه المشكلة ولغيرها من مشاكل المسلمين

         لا يكون بتوصيات البنك الدولي ولا يكون بأخذ أفكار الغرب الرأسمالي، بل باستئناف الحياة الإسلامية وذلك بإقامة دولة إسلامية تطبق انظمة الإسلام في الحياة أي تطبق دستور دولة الإسلام وليس الدساتير العلمانية المستوردة، وتضع هذا الدستور بكافة جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليم…الخ موضع التطبيق.

         إن الإسلام يجب أن يؤخذ كاملاً شاملاً وبالتالي لا يجوز تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي وحده في ظل أنظمة علمانية، فالإسلام إما أن يؤخذ كله ويطبق أو يترك كله، فالله تعالى يقول: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب) (البقرة/85).

         إن نظام الخلافة يختلف عن باقي أنظمة الحكم الأخرى، سواءً في الأساس الذي يقوم عليه أو في هيئة الدولة وشكها وقوانينها.

         إن عمل الدولة الإسلامية هو الإشراف والتنظيم والرقابة والرعاية للملكيات حسب الأحكام الشرعية.

         نعم إن الحل الجذري للمشكلة لا يكون ببقاء بلاد المسلمين ممزقة ومقسمة إلى دويلات سواء أكان كبيراً مثل إندونيسيا (المخطط لتمزيقه إلى مزق صغيرة) أم نقطة على الخارطة كقطر والبحرين. وبقاء البلد مبتوراً عن أصله هو المشكلة، وأصله هو دولة الخلافة. وأخذ حكام المسلمين النظام الرأسمالي وتطبيق إفرازاته على المسلمين مشكلة أخرى، فالخصخصة هو إفراز نتن من إفرازات النظام الرأسمالي العفن، وكلما خرج نظام أو قانون للغربيين حملوه إلينا لتطبيقه في بلادنا، وعندما ندقق في مشاكلنا، نجد أنها مشاكل كثيرة، نتجت عن مشكلة أساسية، هذه المشكلة الأساسية إذا حلت حلت باقي المشاكل، لأنها الأساس والقضية المصيرية للمسلمين.

         هذه القضية تتمثل في استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة، التي توحد المسلمين وتطبق أنظمة الحكم والاقتصاد والاجتماع…الخ عليهم، أي تطبق عليهم أنظمة من دينهم ومبدئهم، إذاً فالعلاج الجذري لا يكون بالتخطيط الاقتصادي فقط، ولا بالخطط الخمسية، ولا بأخذ قوانين الخصخصة ولا نصائح الغرب ولا توصيات البنك الدولي، وإنما يكون علاجها علاجاً سياسياً، فالأنظمة القائمة حالياً تحمل ولاءً فكرياً للغرب، ومرتبطة بالإنجليز والأميركان واليهود، فالعلاج هو تغيير الأنظمة السياسية القائمة في العالم الإسلامي، وإقامة نظام واحد على أساس الاسلام، ولا يكون ذلك إلا بجعلها ولايات تحت ظل دولة الخلافة، وتطبيق الإسلام تطبيقاً انقلابياً شاملاً. ويجب أن ندرك أن ديننا كامل وتام، وكل شيء مفصل فيه تفصيلاً، ولا نحتاج إلى استيراد أنظمة من خارجه، قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)(المائدة/3).

         فالخصخصة كما أسلفنا هي مخالفة لأحكام ديننا الحنيف، ولا تحل مشكلاتنا، بل تضيف مشاكل أخرى إلى مشاكلنا، وتصبح عقدة تضاف إلى عقد المجتمع الكثيرة.

         إن الحكام باسم الخصخصة والاستثمار يتخلون عن رعاية شؤون الناس، التي فرض الله عليهم، وباسم الشريك الاستراتيجي والخبرة الأجنبية، يملكون مقدرات ومصالح الأمة للكفار، وهذه جرائم يستحق فاعلها والساكت عليها عذاب الله في الدنيا والآخرة.

         أما آن للمسلمين أن يدركوا أن الحل الوحيد والخيار البديل لما يعانونه هو الإسلام عقيدة ونظام حياة، ورفض كل ما هو ليس من الإسلام سواءً الخصخصة أو العولمة أو التجارة الحرة…الخ.

         أما آن لهم أن يفهموا أن النظام الاقتصادي في الإسلام هو النظام الوحيد الذي يكفل للناس إشباع حاجاتهم الأساسية فرداً فرداً، ويمكنهم من العمل لإشباع حاجاتهم الكمالية، وهو النظام الوحيد الذي حدد المشكلة الاقتصادية الحقيقية، وهو الوحيد الذي يبين أنواع الملكية الصحيحة، لقد بين أن المشكلة الاقتصادية هي “كيفية توزيع الثروة على الأفراد” وأنها ليست إنتاج الثروة أو امتلاكها لأن امتلاكها مظهر من مظاهر غريزة البقاء الموجودة لدى كل إنسان، يندفع إليه الإنسان تلقائياً.

         أما آن للمسلمين أن يدركوا أن تغيير الواقع السيئ هي مسؤوليتهم، وأن التقصير في ذلك إثم يترتب عليه عذاب من الله، وإن ممارسة أنظمة الكفر والأعمال الحرام، كالحكم بالنظام الجمهوري وإحلال الديمقراطية، والربا، والمتاجرة مع الكفار، وبيع ثرواتنا وأملاكنا للمستثمرين الكفار الأجانب، والسكوت عن مثل هذه الأعمال جريمة كبرى يعاقبنا الله عليها.

         أما آن لهم أن يعملوا مع العاملين لإقامة الخلافة الراشدة، التي تجعل منهم أمة عزيزة قوية، تستغل ثرواتها بنفسها، بناءً على أحكام دينها، لتصبح غنية مصدرة، بدل أن تكون فقيرة مستوردة، وتصبح قائدة مؤثرة بدل أن تكون مقودة خاضعة، وتجعل منهم الدولة الأولى في العالم، تطبق الإسلام على رعيتها وتحمله رسالة خير ونور وهدىً إلى غيرها، لتنقذ البشرية من شقاء الرأسمالية وظلمها، لتنقذ البشرية من الايذر والمخدرات والفقر وتسلط الرأسماليين، وتوصلهم إلى السعادة والرفاهية والعدالة في ظل الإسلام، وتخلص العالم من الذئاب البشرية الشرسة، وتقوم بالدور الذي أناطه الله بها من هداية البشر، ورعاية شؤون العالم بأحكام الإسلام.

         (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) (الأنعام)

[انتهى]

المهندس ناصر عبده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *