العدد 165 -

السنة الخامسة عشرة شوال 1421هـ – كانون الثاني 2001م

العلماء والحكّام

          قال صلى الله عليه وسلم: «صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء» [رواه أبو نعيم في الحلية].

          مع كثرة ظهور بعض العلماء على شاشات التلفزة الأرضية والفضائية، خاصة من ينطبق عليهم وصف «وعاظ السلاطين»، كثر النفاق والتزلف والاسترضاء للحكام الظلمة على حساب الدين وقول الحق، وكشف الباطل والخيانة للناس، وفي هذا المقام يقول الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين [ج7/ 92] ما يلي:

          «فهذه كانت سيرة العلماء وعادتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقلة مبالاتهم بسطوة السلاطين، ولكنهم اتكلوا على فضل الله تعالى أن يحرسهم، ورضوا بحكم الله تعالى أن يرزقهم الشهادة، فلما أخلصوا النية أثر كلامهم في القلوب القاسية فلينها وأزال قساوتها، وأما الآن فقد قيدت الأطماع ألسُن العلماء فسكتوا، وإن تكلموا لم تساعد أقوالهم أحوالهم فلم ينجحوا، ولو صدقوا وقصدوا حق العلم لأفلحوا، ففساد الرعايا بفساد الملوك وفساد الملوك بفساد العلماء. وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه، ومن استولى عليه حب الدنيا فلم يقدر على الحسبة على الأراذل فكيف على الملوك والأكابر، والله المستعان على كل حال» انتهى كلام الغزالي.

          إذا كان هذا حال العلماء في عصر الغزالي، فما هو حال علماء اليوم ؟

          إن بعض علماء اليوم يقفون على منابر المساجد ويمتدحون الحكام ويهاجمون حَمَلَة دعوة الحق، ويطيلون اللسان عليهم، ويسكتون على جور الظالمين المعتدين، ويقبلون المكافآت والهبات والأعطيات ثمناً لنفاقهم. وكلما سمعوا صوتاً يطالب بإسقاط الحكام، حكام الجور وإقامة خليفة يحكم بكتاب الله وسنة رسوله ويوحد الأمة ويجاهد الكفار، ويسترجع البلاد المغتصبة، ويطرد أميركا والغرب من بلاد المسلمين ويسترجع النفط المنهوب، ويستعيد الأموال المجمدة في بنوك وأسواق مال الغرب، ويحرر الاقتصاد من التبعية، ويحرر الإعلام من الفساد، ويخلص الإدارة من الفساد والرشوة والمحسوبية، ويصلح نظام التعليم، ويصلح السياسة الخارجية…الخ، نرى هؤلاء العلماء ينفعلون وتنتفخ أشداقهم ويصبون جام غضبهم وكأنهم هم الحكام المقصودون بالتغيير، ويردون ردوداً لا يجرؤ الحاكم أن يواجه الأمة بها لأنه يخاف من مواجهتها بشكل مباشر فيوجه العلماء لمواجهة حَمَلَة الدعوة وكأن لسان حاله يقول: «لا تزايدوا على العلماء الكبار فهؤلاء يفهمون في الدين أكثر منكم». حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *