العدد 165 -

السنة الخامسة عشرة شوال 1421هـ – كانون الثاني 2001م

كلمة الوعي: الأمّة في واد … والحكّام في واد !!

          ما أكثر الأحداث التي تلمّ بالأمة الإسلامية اليوم وما آلمها! إن لها في كل حدث مؤلم قصة مع حاكمها بل حكامها المفروضين عليها. فهم لا يرعون لها حرمة ولا يقيمون لها وزناً، ولا تهمهم مصلحتها، ولا تشغلهم همومها، ولا يسوؤهم ما يسوؤها… بل هم متآمرون عليها وينصرون أعداءها عليها، ويحكمون باسمها زوراً وبهتاناً. فلماذا يقف هؤلاء الحكام من الأمة هذا الموقف.

          إن شخصية الحكام تختلف عن شخصية الأمة كل الاختلاف، وتوجههم تختلف قبلته، ومفاهيمهم ومقاييسهم وقناعاتهم ومشاعرهم مختلفة عما عند الأمة اختلافاً حاداً.

          فالأمة الإسلامية تحب إسلامها وتجمعها قضاياه، وهي مع عودته إلى واقع الحياة بينما نرى أن الحكام يعملون على إبعاد الأمة عن دينها، وإقصاء الدين عن الحكم، وهم يحاربون عودة الأمة إلى إسلامها ويصفون من يدعو إلى ذلك ويعمل له بأنه ظلامي ومتخلف وأصولي وإرهابي…

          والأمة الإسلامية ترى أن الغرب هو سبب ما هي عليه من ذل وهوان وفقر وضلال، وأن له أهدافه الاستعمارية التي يسعى إلى تحقيقها ضد المسلمين، وأن خطته الاستعمارية تقضي بأن يبقى المسلمون رهينة الغرب اقتصادياً وعسكرياً وفكرياً وسياسياً… وهي ترى في الوقت نفسه أن الحكام بدل أن يقفوا في صف الأمة ويعادوا من يعاديها، تجدهم يوالون الغرب ويساعدونه في تحقيق أهدافه ويمكنونه من خيرات المسلمين…

          والأمة الإسلامية هي مع الوحدة على الإسلام، بينما ترى أن الحكام يعملون على شرذمتها وشق صفها وإدخالها في أتون الصراعات والعداءات حين يعادي بعضهم بعضاً بسبب ولائهم المختلف، وبالرغم من كثرة اختلافات الحكام فيما بينهم نرى أن الأمة لم تعادِ بعضها ولم توالِ حاكماً في صراعه مع حاكم آخر، بل هي تنظر إلى اختلافاتهم نظرة ازدراء، وتعلم أن هذه الخلافات من صنع الغرب الذي يواليه هؤلاء الحكام.

          والأمة الإسلامية تعلم أنه كان لها في السابق دولة واحدة هي دولة الخلافة، وبعد أن قسمها الغرب على قاعدة «فرق تسد» وأصبحت نيفاً وخمسين دويلة مشتتة القوة، مشتتة الإمكانيات، نصّب على كل دويلة حاكماً تابعاً؛ فكان الحاكم في نظر الأمة من صنائع الغرب نصبه ليكون ناطوراً له لتأمين مصالح الكافر المستعمر وتمكينه من نهب ثروة البلاد وبسط النفوذ كما يشاء.

          والأمة الإسلامية ترى أن اليهود أعداء لله ولدينه، وهم أعداؤها الذين لا مراء في عداوتهم، وهي تتشوق لمحاربتهم والقضاء عليهم ولكن الحكام يشكلون سياجاً لحمايتهم، ويعتبرون أن صراعهم مع اليهود هو صراع حدود لا صراع وجود. لذلك ما أن أعطت أميركا الضوء الأخضر للصلح معهم حتى تهالك الحكام لعقد المعاهدات معهم وإنهاء حالة الصراع، وإقامة علاقات اقتصادية، وفتح مكاتب وسفارات لهم. هذا في العلن وما تخفي صدورهم أكبر. هذا في قضية فلسطين التي تعتبر قضية مركزية عند المسلمين. أما موقف هؤلاء الحكام من باقي قضايا المسلمين كقضية الشيشان وكشمير وكوسوفو والبوسنة فإنه موقف يسير بالاتجاه المعاكس لموقف الأمة الإسلامية التي بقيت تعرض قضاياها من منطلق إسلامي.

          وهكذا فإن الأمة ترى أن خيراتها منتهبة وترى أن الغرب والحكام يتقاسمون نهبها، والأمة تريد العيش بكرامة والحكام يذلونها، وتريد العيش باكتفاء والحكام يجيعونها، وتريد العيش بأمان والحكام يخيفونها، وتريد أن تملك قرارها والحكام يرهنونه، وتريد النهضة وأن تأخذ دورها في الحياة والحكام يخشون كل هذا ويحاربونه…

          والسؤال الذي يرد هنا هو: كيف يصل هؤلاء الحكام، وهم على هذه الحال، إلى الحكم والتحكم برقاب المسلمين ومصالحهم ومصائرهم؟ ومن الذي ينصبهم؟

          إنهم يبدأون حكمهم بانقلاب عسكري يتعاونون فيه مع السفارات الأجنبية، وبعد وصولهم يصبحون محسوبين على دول هذه السفارات مرهونين لإرادتها وخاضعين لسياساتها… ثم يستمرون في الحكم عن طريق انتخابات زائفة يتحكمون في وضع قوانينها حتى تأتي لمصلحتهم، ويستعملون مختلف وسائل الترغيب والترهيب… فمن يستطيع أن يقول (لا) في استفتاء التجديد العلني لرئيس عربي؟ ومن يجرؤ على الترشح للانتخابات ضد الحزب الحاكم؟ ومن يستطيع أن لا يخرج في مظاهرة تأييد للحاكم… حتى إن الحاكم عندما يطول عمره ويتحقق أنه لا يستطيع الاستمرار في الحكم يفكر بابنه من بعده… إن كل ذلك يحدث تحت سمع الغرب وبصره وباسم الديمقراطية، فلماذا يسكت الغرب ولا يتكلم؟ وهو الذي يدعي كذباً أنه نصير للحق وداعم للحريات ومحقق للأمن حامٍ لحقوق الإنسان وناشر للسلام، وفارض للعدل…

          إن العالم يعيش في كذبة كبيرة هي كذبة الديمقراطية يتشدق بها مَن لا خلاق لهم ويتستر وراءها ذئاب تنهش بلحوم البشر. إن العالم يعيش اليوم في همجية فاقت كل وحشية سابقة، أسلحتها متطورة، وخطابها متقدم وكيدها خفي وتعبيرها يظهر على أنه إنساني وهو في حقيقته أكثر من حيواني. والذي ينظر إلى الحكام الذين يحكمون المسلمين اليوم يرى أنهم أدوات الغرب التي يحافظ بهم على مصالحه ويقمع بهم كل مخلص، وبذلك يشكل هؤلاء الحكام العائق الأكبر أمام تصحيح أوضاع المسلمين واستقامة حياتهم على أمر الله.

          إنه إذا كان واقع حكام المسلمين اليوم على هذه الحال، فما العمل المطلوب من المسلمين لتغييرهم وتصحيح الأوضاع وإعادتها سيرتها الأولى: خلافة راشدة على منهاج النبوة؟

          إن المسلمين أصحاب رسالة يؤمنون بأن الله سبحانه خلقهم واستخلفهم، وطلب منهم إعمار العالم وليس استعماره. وهذه الرسالة تفرض على المسلمين أن يقيموا حياتهم على الإسلام، وأن يحملوا رسالة الإسلام إلى العالم ولتحقيق ذلك لا بد من إقامة دولة إسلامية يكون الخليفة فيها أميناً على أمانة الإسلام، حريصاً على المسلمين، أولى بهم من أنفسهم. وعندها تصبح الأمة وحاكمها جسماً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، الحاكم يرعى شئون الأمة، وهي تسمع له وتطيع في غير معصية، يجمع شملها ويوحد صفها ويقودها للجهاد، فيعيد ما اغتُصب من أرض الإسلام، ويقضي على كيان يهود، ويُذل الكفر وأهله، وترتفع راية العقاب من جديد راية لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

          (إنا لَننصرُ رسلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *