العدد 212 -

السنة التاسعة عشرة رمضان 1425هـ – تشرين أول 2004م

لماذا يكرهوننا؟

لماذا يكرهوننا؟

أرادت الولايات المتحدة أن تلصق تهمة الحادي عشر من سبتمبر بالمسلمين، فكان لها ما أرادت.
ثم بعد ذلك، أرادت أن تبين لشعبها الدافع وراء ذلك، فقالت لهم: “لأنهم يكرهوننا”، فكان أن صدَّق شعبها ذلك، ورأى أن الذي قام بهذا أناس يحتقرون حكومة الولايات المتحدة، وطريقة عيش الأميركيين، وما ينبني عليها “من مبادئ كونية”.

إن الولايات المتحدة تصر على أن نظامها الرأسمالي محل حسد من العالم، وأن على مواطنيها أن يكونوا فخورين بأنهم أميركيون. تجسد ذلك في وصف ريتشارد برود هيزر، في نيويورك أو بزرفر، في 17 أيلول 2001، للولايات المتحدة قائلاً: “إنها إمبراطورية الرأسمالية والديمقراطية… وكل واحد في العالم غير سعيد بحظه ينظر إلينا، كبلاد وكمدنيّة، فيجدنا البديل. وإذا كان لديه عقلية طموحة، فإما أن يحاول أن يأتي إلينا، أو يقلدنا. وإذا كان لديه عقلية مضطهدة، فإنه يحمِّلنا المسؤولية. وإذا كان لديه موارد دولة معادية، أو ما يعادلها عملياً، فإنه سيحاول قتلنا… إن الفاشلين في العالم يكرهوننا؛ لأننا أقوياء،وأغنياء، وصالحين..”.
هذه الفكرة الزائفة بأن العالم يحسد الولايات المتحدة هي المنحى الذي تمحورت حوله وسائل الإعلام الأميركية والسياسيون باستمرار.. “إنهم يكرهوننا؛ لأن ثقافتهم رجعية وفاسدة، ولأنهم يحسدون قوتنا وهيبتنا” “لأنهم إرهابيون.. فاشيون.. أغبياء.. ستالينيون.. خدام أسامة بن لادن.. مترهلون.. قساة القلوب.. إلخ”.
ما الذي تملكه أميركا حتى تكون محل حسد وكره العالم، إلى هذه الدرجة، سوى العديد من المثالب والنقائص من مثل:
1. النمط الاستهلاكي كطريقة عيش.
2. مفهوم الحرية المفتقد للضوابط.
3. مفهوم الفرد الذي يقدم كأنه صانع نفسه، وكلّي السيادة.
4. فرد لا يدين بشيء، لا للآخرين، ولا للمجتمع.
5. تراجع الزواج، والحياة العائلية.
6. جهاز ضخم للتسلية والاتصال يمجد هذه الأفكار وينشرها.
إذاً، ما بقي من خير في هذا المجتمع، يشدُّ أنظار العالم “الآخر”، للاقتداء بحضارة المجتمع الأميركي “العظيمة”. بقي ما يقال عن رفاهية، وغنى، وكفاية، وتقدم في العلوم، والصناعات، والعمران… لكن في ظل فراغ، وضياع، وشقاء، عند البشر.
لقد صار الإنسان في أميركا، وفي الغرب عموماً، عبداً لشهواته، وصارت المادة هي كل حياته. إنّهم يدَّعون أن في أميركا تنبع سلطة الحاكم من إرادة محكومه، وهي إرادة الشعب. وهذه كذبة. أما الحقيقة، فإن أميركا، وغيرها من دول الغرب، يقودهم زعماء سياسيون، جشعون، لا حد لمطامعهم، ومطامع الشركات الكبرى العملاقة التي تقف من ورائهم، والتي تهون كل قيمة، وأي مبادئ، أمام مصالحهم، يقتلون العباد – ولو كانوا من أبنائهم – من أجل تجارتهم، وبقاء نفوذهم، وتسلطهم، وفتح الأسواق لمنتجاتهم.
هذه هي أميركا “أرض الحرية” التي يحسدها العالم، دولة أسيرة الجريمة والخوف، حيث إن 52% من الرجال، و68% من النساء، يخافون أن يصبحوا ضحايا الجريمة، حيث ترتكب جريمة قتل كل 22 دقيقة، وجريمة اغتصاب كل 5 دقائق، وجريمة سرقة كل 49 ثانية، وسطو كل 10 ثواني –حسب الأسوشيتيد برس-. ناهيك عن حرب عصابات المخدرات داخل المدن. وحوادث السيارات، وجرائم العنف، من قبل أولاد ذكور، أعمارهم 18 عاماً. إذاً على ماذا سوف نحسد أميركا ونكرهها؟!
إن الذي أعمى بصيرة أميركا، وجعلها ترى الأمور مقلوبة؛ فتظن أنها تملك مقومات السعادة الحقيقية التي يحسدها العالم عليها، هو اغترارها بقوتها المادية التي تمتلكها. ألم يكن فرعون يظن بجبروته أنه الرب الأعلى؟ ألم يقل لقومه: ((ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد))؟
فأميركا -فرعون العصر- تريدنا أن نرى ما ترى، تريدنا أن نرى أن الديمقراطية العفنة، التي أزكمت رائحتها الأنوف، هي أرقى وأعظم ما أنتجه العقل البشري، حتى يومنا هذا. وتلك الحريات التي يتحلل بها المرء من كل قيد، ودين، وعرف، وأخلاق، ومبادئ، وقيم، أعظم ما يملكه الإنسان وبها يحقق السعادة. فالسعادة من وجهة نظرهم هي إشباع أكبر قدر من المتع الجسدية. إذ إن إشباع هذه المتع الجسدية مسألة وقتية لا تلبث أن تطلب الإشباع مرة وراء المرة، فيظل الإنسان يركض في دائرة مغلقة من الملذات والشهوات، فلا يشعر بالاطمئنان مطلقاً، بل تجده لاهثاً وراء شهواته ورغباته، لا يمنعه عنها إلا الموت. بينما السعادة عند المسلمين هي نيل رضوان الله سبحانه وتعالى، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه إلا بالالتزام بأوامر الله ونواهيه.
إن المبدأ الرأسمالي الذي تتبناه أميركا، وترى فيه “الفكرة الجيدة” التي يجب أن يتبناها العالم، لا يشغل باله بالبحث فيما وراء الكون، والإنسان، والحياة، ولذلك يترك معتنقيه في حالة من الضياع والتشبث بالدنيا، الشيء الذي يجعل حالة القلق والاضطراب هي الحالة الأصلية، التي يتم إخفاؤها بين أصوات الموسيقى الصاخبة، واللهث وراء المتع والشهوات.
لذلك، فإن الواقع الصحيح هو أن أميركا هي التي تكرهنا وتحسدنا، وليس كما تدعي هي. هم يكرهوننا عندما يرون هذا الترابط الأسري في حياتنا الاجتماعية، فالأولاد يحترمون الآباء، والآباء يرعون شؤون الأبناء. فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وصلة الأرحام أمر مقدس عند المسلمين، وبر الوالدين حكم شرعي، ولقد  بالجار حتى ظنَّ الصحابة الكرام أنه سيورثه، والمرأة مطيعة لزوجها، وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم محافظة على بيتها، وغير ذلك من الأحكام الشرعية التي تنظم العلاقات الاجتماعية بين المسلمين، برغم غياب دولة الإسلام. وهي أمور مفقودة تماماً في المجتمع الأميركي.
هم يكرهوننا؛ لأنّ الله حبانا بخيرات كثيرة، كانوا يتمنون لو أنها كانت في أرضهم، هم يكرهوننا لأننا نؤمن بالله.
وإذا كان العالم يكره أميركا، فهو يكرهها لا للأمور التي تدعي أميركا أن العالم يكرهها من أجلها، إنما يكرهها لأنها دولة إجرامية، لا تملك أي قيم أو مُثُل، لا تملك سوى حضارة مزيفة، تقوم على أساسها دولة متوحشة. ولهذا فهي تتهاوى، وفي طريقها إلى الفناء، ولن يعجل بتهاويها وفنائها سوى دولة الخلافة التي ستقوم قريباً بإذن الله

شريف عبدالله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *