العدد 223 -

السنة التاسعة عشرة شعبان 1426هـ – أيلول 2005م

كلمة (الوعي) ماذا بعد الانسحاب من غزة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة (الوعي)

ماذا بعد الانسحاب من غزة؟

في نيسان 2004م أعلن شارون عن خطته للانسحاب من غزة. وقال حينها “إن خطته ستخلق واقعاً أفضل بالنسبة لدولة إسرائيل”. وتنص هذه الخطة على إخلاء أربع مستوطنات يهودية معزولة في الضفة الغربية يبلغ عدد سكانها 603 مستوطنين، و21 مستوطنة في قطاع غزة عدد سكانها حوالي 8265 مستوطناً وهذا العدد هو على الورق فقط، أما في الواقع فهم أقل من ذلك بكثير. وتنص على انسحاب (إسرائيل) من منطقة غزة التي تبلغ مساحتها 365 كلم2، أي ما يعادل 1.4% من مساحة أرض فلسطين السليبة. أما خط فيلادلفيا، فبعد أن كانت الخطة تلحظ بقاء (إسرائيل) فيه لتحاصر القطاع من الشمال والشرق والجنوب، وتحوله إلى سجن كبير، فقد عدلتها وقبلت أن تسلمه لـ 750 جندياً مصرياً ولكن بشروط (إسرائيلية) مهينة، لا تختلف بطبيعتها عن تلك التي أملتها على مصر في كمب ديفيد، والتي وفت بها مصر تمام الوفاء. فقد أملت عليهم أن يكون سلاحهم فردياً وأحصت عليهم رصاصات بنادقهم ومسدساتهم، وهذا على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، وقد قبلت مصر مهمة حماية (إسرائيل) وتأمين أمنها بدل أن تأخذ على نفسها جهادها والقضاء عليها. هذا وتحتفظ (إسرائيل)، بموجب هذه الخطة، بحقها في الدفاع عن النفس، والرد من خلال استخدام القوة ضد التهديدات التي ستنشأ في المناطق التي ستنسحب منها، وكل ذلك يتم من طرف واحد هو طرف (إسرائيل) حتى لا تكون ملزمة دولياً بأي اتفاق حدود، ولتضع السلطة الفلسطينية تحت هاجس الخوف من إعادة احتلاله، إذا لم تقم بما هو مطلوب منها من ضرب المقاومة وحماية (إسرائيل).

وفي آب 2005م باشر شارون تنفيذ هذه الخطة. وقد رافق هذه الخطة انتقال السلطة الفلسطينية من رام الله في الضفة إلى غزة. وهذه خطوة لها دلالتها وتنم عن أنها خطوة مهمة في الخطة، وتكشف عن دور معدٍ لهذه السلطة عليها أن تنجح فيه لتصبح في نظر المجتمع الدولي طرفاً جديراً للانتقال معها إلى مفاوضات الحل النهائي. وهذا ما لمح إليه بوش في نيسان 2004 عقب اجتماعه بشارون في البيت الأبيض حيث قال: “إذا قررت الأطراف اتباع هذه الخطة (خطة شارون) فسيفتح ذلك الباب لحصول تقدم، ويضع حداً لواحد من أعقد النزاعات في العالم” وأضاف: “وقد يؤدي ذلك إلى إقامة دولة فلسطينية مسالمة، وديمقراطية، وقابلة للحياة”. أما عن الدور الموكل للسلطة الفلسطينية في هذه الخطة فقد كشفه بوش حين قال للتلفزيون الإسرائيلي في 11/8: “إنه سيتم العودة إلى خارطة الطريق بعد تنفيذ خطة فك الارتباط” وأضاف: “إنه بعد فك الارتباط ينتقل عبء الإثبات حول الرغبة في السلام إلى القيادة الفلسطينية ونيتها في مكافحة الإرهاب” وكشفه شارون بقوله: “إن أي تقدم بعد فك الارتباط مرهون بتقدم السلطة الفلسطينية في مكافحة الإرهاب” وكشفته رايس حين صرحت في 18/8: “إن على السلطة الفلسطينية في موازاة ذلك (الانسحاب) أن تتقدم على طريق السلام بالعمل سريعاً على تجريد المنظمات الناشطة من سلاحها”. ووصف رئيس السلطة الانسحاب بأنه خطوة على طريق تنفيذ (خريطة الطريق) وإقامة الدولة الفلسطينية.

فما الذي يوجد في خطة (خريطة الطريق) ويجب على السلطة أن تنفذه؟ لقد جاء في الخطة:

l يعلن الفلسطينيون وقفاً لا يقبل التأويل العنف والإرهاب، ويقومون بجهود مرئية على الأرض ليعتقلوا ويعطلوا ويوقفوا الأشخاص والجماعات التي تشن وتخطط لهجمات عنيفة ضد الإسرائيليين في أي مكان.

l تبدأ أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، بعد إعادة بنائها وتركيزها، بشن عمليات مستمرة واضحة الهدف، بهدف مواجهة جميع المتورطين في الإرهاب، وتفكيك البنى التحتية للإرهابيين وقدراتهم.

l تقطع الدول العربية التمويل العام والخاص، وكل أشكال الدعم الأخرى للجماعات التي تدعم العنف والإرهاب وتشارك فيهما.

هذا هو المطلوب الآن من السلطة، وقد أصبحت الكرة في ملعبها بعد انسحاب شارون. إن عليها استحقاقاً يتمثل بـ (وحدانية السلطة) وما يتطلبه ذلك من تفكيك المقاومة المسلحة، وسيعاونها في هذه المهمة القذرة الأنظمة العربية على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والمالية… طمعاً، كما يصرحون، بأن يتحرك المجتمع الدولي وخصوصاً الولايات المتحدة لتنفيذ وعوده بتطبيق خريطة الطريق وإقامة الدولة الفلسطينية. وواضح أن السلطة غارقة في وهم هذا الانسحاب الخديعة من شارون والوعد الكاذب من بوش؛ لذلك فهي مستعدة للقيام بهذا الدور القذر بمشاركة الدول العربية. وقد صرح عباس لإذاعة مونت كارلو في 19/8 فقال: “لا أعتقد أن هناك ضرورة للمقاومة والسلاح” وأضاف: “إن التنظيمات تريد أن تذهب إلى صندوق الاقتراع وهي تسير حثيثاً نحو التحول الديمقراطي والحزبي”.

نحن الآن أمام مشهد جديد وفصل جديد من مسرحية قديمة يجدد موضوعها كل حين، وهو القضاء على قضية فلسطين، قضية المسلمين جميعاً، يقوم بها شذاذ الآفاق من مجرمين ألبسوا لباس المسؤولية من قبل أعداء الأمة زوراً وبهتاناً. ولكي تستطيع السلطة أن تقوم بهذه المهمة القذرة تم إخراج الانسحاب ا لإسرائيلي بصورة مأساوية، فرافق عملية الانسحاب التافه هذا ضجة إعلامية عالمية، وغطت وسائل الإعلام العالمية والعربية تفاصيله، وصور على أنه تشريد وتهجير للمستوطنين يدمي القلوب. (يذكر أن كل عائلة فقدت منـزلها في أي مستوطنة من مستوطنات غزة حصلت مقابله على منـزل آخر في مستوطنة أخرى من أرض فلسطينية مسروقة، ومعها مبلغ 250 ألف دولار، بالإضافة إلى مبلغ شهري يدفع على مدى السنوات المقبلة). وذرفت دموع التماسيح وعلى رأسها دموع شارون الذي وصف انسحابه بأنه تنازل مؤلم… ماذا يعني هذا؟

إنه يعني أنه يجب أن تقوم السلطة في مقابل ذلك بخطوة مؤلمة… بضرب المقاومة… إنها ضريبة السلام التي تكلف الجانبين غالياً، كما يصورون خداعاً ونفاقاً.

فهل ستقوم السلطة وحدها بهذه المهمة القذرة، أم ستعاونها الأنظمة العربية الخائنة العميلة في ذلك؟..

إن ما تقوم به مصر منذ مدة بالإشراف على الاجتماعات بين السلطة والمقاومة يصب في إقناع المقاومة بالتخلي عن العمل المسلح والتحول إلى العمل السياسي الحزبي، وإن ما أعلنته دول الخليج وعلى رأسها الإمارات من أنها مستعدة لبناء غزة، وما أعلنه حاكم الأردن في مؤتمر القمة الأخير في الجزائر من دعوة إلى تطبيع العلاقة مع (إسرائيل) وعدم ربط ذلك بعملية السلام، وما قيل عن استعداد عشر دول عربية لإقامة علاقات مع (إسرائيل)، كل ذلك يشير إلى الخطوات السريعة التي تسير بها الدول العربية للتطبيع مع (إسرائيل)، ونيتهم إقامة علاقات دبلوماسية معها ما يستتبع ذلك من عقد اتفاقات اقتصادية، وإشراكها في الاتفاقات والاجتماعات الأمنية بحجة محاربة الإرهاب، وإدخالها في منظومة دول الشرق الأوسط الكبير الذي خططت له أميركا. كل هذا الثمن يريد شارون أن يقبضه في مقابل هذه الانسحاب التافه. إن شارون هذا الذي يضرب المثل في إجرامه بحق المسلمين قال عنه مبارك لصحيفة يديعوت أحرونوت في 18/8: إنه “الإسرائيلي الوحيد القادر على صنع السلام” واصفاً إياه بالشجاع ذي عقيدة استراتيجية واضحة. إن شارون هذا صرح قبل الانسحاب وبعده أن “الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل في أية تسوية مقبلة”. ودعا إلى “تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس بعد الانسحاب”. شارون هذا لا يهمه إلا مصالح (إسرائيل) العليا، شارون هذا يهمه من خريطة الطريق فقط الاقتتال الداخلي بين المسلمين والقضاء على المقاومة. ولا ندري أي فلسطين ستبقى للسلطة بعد هذا… ستبقى لهم الألقاب ليس إلا: رئيس السلطة، رئيس مجلس الوزراء، رئيس المجلس التشريعي ورئيس الأمن الوقائي… حرس شرف وسيارات ومواكب فارهة… وسينطبق عليهم قول الشاعر:

ألقاب مملكة في غير موضعها     كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد

أيـّها المسلمون:

إن الانسحاب التافه هذا من غزة، وما قد يستتبعه من انسحابات تافهة أكثر من بعض المستوطنات المعزولة في الضفة إن هو إلا ألهيات عن الانسحاب الحقيقي، والذي لن يكون انسحاباً بل قتالاً وقضاءً على يهود ودولتهم، إن شاء الله، كما بشرت بذلك الأحاديث النبوية الشريفة… وإن الشرع والواقع لينبئان بهذا، فالأمة في حالة عودة وصحوة ورفض للواقع السيئ الذي فرض عليها… وإن (إسرائيل) لا تحارب المسلمين في فلسطين وحدها، بل يساعدها حكام المسلمين المفروضين عليهم كما ترون وتسمعون: يمكنون لها ويحمونها، ويقيمون العلاقات معها، ضاربين بشرع الله، وكرامة الأمة التي هي من كرامة دينها، عرض الحائط… لذلك يجب تغيير كل هذه الأوضاع، وأول الخير في ذلك هو العمل على تغيير حكامكم لا تركيزهم ولا الانخداع بوعودهم، إنهم رأس الشر فاقطعوه، وإن واجب العمل للتغيير يطال أول ما يطال أهل القوة من أبنائكم؛ فدعوهم لأن يكونوا أنصار الله ليرضى الله عنكم وعن أبنائكم، وإن التغيير يجب أن يأتي من الأمة، من أبنائها، لا من خارجها؛ ليعيننا الله ويرضى عنا، وإن قوة الإسلام الكامنة في الأمة ليخشى الغرب منها كل الخشية، ويعمل دائباً على منعها. فاستغلوا وجودها وابنوا على أساسها دولة تحقق وعد الله ورسوله؛ فننال بها العز في الدنيا والرضـى من الله في الآخرة: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ @ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ) [الروم:4-5]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *