العدد 11 -

العـدد الحادي عشر – السـنـة الأولى – شعبان 1408هـ – نيسان 1988م

كلمة «الوعي»: كيسنجر وإخوانه اليهود يوصون بسحق الانتفاضة

 جريدة السفير البيروتية نشرت في تاريخ 08/03/1988م مقاطع من مذكرة يهودية كانت قد سربت إلى صحيفة «نيويورك تايمز» التي نشرت مقاطع منها في 05/03/1988م. والمذكرة أعدها الرئيس السابق لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية جوليويس بيرمان، عن لقاء مغلق عقده عدد من الشخصيات اليهودية الأميركية قبل حوالي خمسة أيام من التاريخ المذكور أعلاه، مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر.

قالت المذكرة: إن كيسنجر ركز على ثلاث نقاط رئيسية هي الآتية:

1- الآن ليس الوقت ملائماً لزعماء الجالية اليهودية الأميركية كي يهاجموا علناً إسرائيل أو سياساتها تجاه الفلسطينيين.

2- على إسرائيل أن تمنع وسائل الإعلام من الدخول إلى الأراضي (المحتلة) التي تشهد تظاهرات، وأن تقبل نقداً قصير الأجل من الصحافة العالمية على هذا السلوك، وأن تُسقِط الانتفاضة بأسرع وقت ممكن، وبشكل شامل وقاس وسريع.

3- أن مؤتمر السلام الدولي، كما يراه وزير الخارجية بيريز، لا يجوز لإسرائيل أن تقبل به، لأنه سيحرجها ويطالبها بالعودة إلى حدود عام 1967 (باستثناء القدس ربما).

وقال كيسنجر: إن إسرائيل ارتكبت خطأين رئيسين، الأول أنها لم تطرد وسائل الإعلام من الأراضي المحتلة، والثاني أعلنت أنها «ستضرب» المشاركين في العنف بدل أن «تقتلهم».

هذا شيء مما ورد في توصيات كيسنجر. ومعلوم أنه يهودي. وهو في آرائه هذه لا يتكلم كأميركي فقط، بل كيهودي صهيوني تلمودي.

قال الله تعالى: (قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ).

إن كيسنجر وبيرمان والشخصيات اليهودية الأميركية تعتبر إسرائيل أخطأت حين قررت أن تضرب وتعتقل شباب الانتفاضة، وكان يجب أن تقتلهم. وهم يلحّون على إسرائيل أن تصحح خطأها وذلك بأن تسارع إلى سحق الانتفاضة بالقتل الشامل السريع ودون السماح لوسائل الإعلام بالاطلاع على ذلك.

ويبدوا أن شامير قد قرر الأخذ بهذه التوجيهات. وأصبح أمر الانتفاضة الآن في منتهى الجدية والخطورة.

وها نحن نرى حكام العرب ينادون لعقد قمة للنظر في شأن الانتفاضة وفي شأن عقد المؤتمر الدولي للصلح مع اليهود.

هل سيبحث قادة العرب في دعم الانتفاضة وحمايتها من غدر اليهود، وتطويرها إلى حرب حقيقية تزيل إسرائيل من جذورها؟ أو سيبحثون في كيفية احتواء الانتفاضة وتسخيرها وتنفيسها؟

الأمل معلق على الشعوب العربية والإسلامية وليس على الحكام والمسؤولين، لأن الحكام والمسؤولين لا يفكرون في تحرير فلسطين ولا في إزالة إسرائيل، بل يفكرون في مفاوضة إسرائيل في مؤتمر دولي، وهم موافقون على مقررات فاس، وهم أقرّوا واعترفوا بإسرائيل ضمن حدود ما قبل سنة 1967.

حكام العرب وقادتهم يخشون أن تنتقل عدوى الانتفاضة إلى سائر البلاد العربية، ولذلك ينادون للاجتماع، ولن يقر لهم قرار حتى يتم خنق الانتفاضة. هذه هي حقيقتهم، ومن يحسن الظن فيهم، فهو مخدوع. وسبق لأحد الشعراء أن قال فيهم:

خافوا على العار أن يمحى

فكان لهم على الرباط مؤتمر

الأمر جدّ، إسرائيل قررت سحق الانتفاضة. حكام العرب سيتظاهرون أنهم يعملون وأنهم معتمون في الأمر لخداع شعوبهم ريثما تكون إسرائيل فرغت من جريمتها، وقد سبق لهؤلاء الحكام أن صمتوا صمت القبور أثناء عدوان إسرائيل على لبنان سنة 1982.

لا تركنوا يا شباب الانتفاضة إلى حكام العرب وقادتهم. ولا تقبلوا توجيهاتهم وما يرسمون لكم من خطط. واحذروا من اندساس العملاء في صفوفكم. وإياك واليأس أو السأم، بل وطنّوا أنفسكم على الصبر والعمل على النفس الطويل. فأنتم الآن طليعة في أمتكم وأنتم تسنون سنة حسنة لكم أجرها وأجر من يعمل مثلها إلى يوم القيامة. والتزموا دائماً خط العقيدة الإسلامية، ولا تجعلوا للرياء أو الحمية أو القومية أو الوطنية أو التبعية للزعماء حظاً في جهادكم، بل ليكن عملكم خالصاً لله، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

نسمع كثيراً من الناس يبدون إعجابهم من اقتصار الانتفاضة على الحجارة، ويعتبرون أنها لو تطورت إلى استعمال الأسلحة لاستطاعت إسرائيل أن تقضي عليها.

إن هذا الفهم يدل على أن صاحبه، لا يفكر في إزالة إسرائيل، بل هو يسلّم قرارة نفسه أن إسرائيل وجدت لتبقى.

إن من يحمل نفسه هذه القناعة يعتبر جرثومة فتاكة في جسم الأمة الإسلامية.

إن ثمل هذه القناعة أشد فتكاً من طائرات إسرائيل وصواريخها.

إن حجر الأساس في العمل ضد إسرائيل هو وجود القناعة أن إسرائيل لا تملك مقومات البقاء وأن وجودها عابر، وأن نجمها آذن بالأفول.

وزوال إسرائيل لا يكون بالاقتصار على ضربها بالحجارة. وما هذه الحجارة إلا المقدمة. ولعلها ترمز إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ستقاتلون اليهود حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله».

إن قتال إسرائيل لا يجوز أن يقتصر على أهل الضفة وغزة، ولا على أهل فلسطين وحدهم، بل يجب على المسلمين جميعاً، الأقرب فالأقرب حتى تحصل الكفاية ويتم القضاء عليها.

ويجب أن يكون واضحاً أن الانتفاضة ليست من أجل كسب شفقة العالم، كالطفل الذي يبكي ليستدر عطف الكبار، إن مثل هذا هو تذلل وانكسار، ونربأ بالمسلمين أن يخطوا إلى هذا الدرك،وقد جعلهم الله قادة العالم وخير أمة أخرجت للناس.

ويجب أن يكون واضحاً أن هدف الانتفاضة ليس إقناع شامير والضغط عليه للموافقة على المؤتمر الدولي للتفاوض كما تريد أميركا. وليس من أجل إدخال قوات دولية وإيجاد كيان فلسطيني كما يريد عرفات. وليس من أجل إيجاد المبرر للمفاوضات بين الأردن وإسرائيل كما يريد بيريز وحسين.

إن هدف الانتفاضة هو إبراز أنه لا يمكن العيش تحت حكم إسرائيل ولا يمكن التعايش معها، وهو إيجاد شرارة احتكاك لإسقاط مقررات فاس وقرارات مجلس الأمن 242 و338 وغيرها، وهو إيجاد حالة من النضال ثم القتال تجبر الحكام العرب على التنصّل من التهالك على المفاوضات والصلح مع اليهود، وهو إلهاب مشاعر العرب والمسلمين للاستعداد لنبذ الاستسلام ونبذ قادة الاستسلام، وهو لإبراز أن اليهود جبناء والقضاء عليهم وعلى دولتهم أمرّ غير مستحيل.

إن سكان المخيمات في قطاع غزة والضفة الغربية هم من أهل فلسطين المحتلة سنة 1948، سكان هذه المخيمات لهم الدور الأكبر في الانتفاضة. ولا يُعقل أن يتحرك هؤلاء من أجل انسحاب إسرائيل من الضفة والقطاع فقط ولا يتحركون من اجل طردها من مدنهم وقراهم المحتلة سنة 48.

إن هذه الانتفاضة ستعم فلسطين بأسرها، وقد بدأ الفرز، وها قد بدأ العرب العاملون في شرطة اليهود يثوبون إلى رشدهم وينسحبون منها.

والآن وقد قررت إسرائيل سحق الانتفاضة، وهي تعد العدة لذلك، هل ستقف الشعوب العربية موقف المتفرج، وهل ستقف الجيوش العربية موقف المتفرج، أو أنها ستجبر الحكام العرب على القيام بالواجب من مؤازرة الاخوة وقصم ظهر المعتدي.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله».

أسرة الوعي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *