العدد العاشر -

السنة الأولى، العدد العاشر، رجب 1408هـ، الموافق آذار 1988م

فكر إسلامي: حتى لا تتحول الصحوة إلى تخدير

شهد الكفار كما شهد المسلمون، أن المسلمين كَبَوا كبوة. ولا بد أن يعود الفارس إلى صهوة حصانه يمتطيها ويحلّق بها ليعود هو الفارس الأول على أرض المعركة. وقد كبا المسلمون كبوات أفاقوا بعدها سريعاً فامتطوا قيادة العالم مرّة بعد مرّة حتى أن العالم كان لا ينتظر اغفاءةً من المسلمين بل كان ينتظر ترجلهم، ولكنهم لم يكونوا عند ظن العالم بهم، بل هذه المرة أخذوا يغُطّون في نوم عميق حتى وصل صوت شخيرهم إلى جيرانهم. فسقطت دولتهم وتركوا الالتزام بعقيدتهم وأفكرها السامية ومعالجاتها الراقية ليتمسكوا بفتات ألقاه إليهم عدوهم.

أثار وشواهد:

من المعروف أن النائم يبقى على جنب واحد حتى يأخذ الجسم راحته ثم يبدأ ينتقل من النوم على جانبة الأيمن إلى الأيسر إلى النوم على ظهره أو على وجهه. إن حصل هذا فهو يعني أن الجسم أخذ من راحته القسط الأهم.

هذا هو واقع المسملين فقد انحدروا وهم نائمون انحداراً سريعا شوديداً حتى وصلوا إلى الوادي ليصطدموا بصخرة أو بقطرات ماء من جدول الوادي ليعيد لهم شيئاً من صوابهم وليقطع عليهم غفلتهم فبدأ هذا الجسد بالشعور بألم السقوط من قمة الجبل، وبدأ يتحسس آثار الجروح والخدوش التي ملأت جسمه فبدأ بغسل جسمه من ذلك الماء ليقفز مرة واحدة إلى القمة من جديد.

لقد عادت الأمة الإسلامية تدرك ما وصلت إليه فبدأ تفرك عينيها بعد طول سبات لتقم بعدها، فهل تفتح عينيها قبل أن يعطيها من أسقطها وجبة جديدة من النوم بإبرة مخدر أشدَ تأثيراً هذه المرة.

في المساجد شباب في مقتبل العمر: منظرٌ غير مألوف في السابق، يوم الجمعة لا تتسع المساجد مع كثرتها، الكتاب الإسلامي هو الأكثر رواجاً في عالم السوق العربية وحتى غير العربية، الحجاب عاد ليفرض نفسه من جديد ولصبح هو سيد الموقف في لباس المرأة.

هذه الصحوة الإسلامية شهد لها القاصي والداني وبدأت تظهر إلى حيّز الوجود مع إطلالة الثمنانينات، فهل تكون مجرد مظهر عابر كالمظاهر الباريسية، كما يحلوا للبعض تصويرها، أم تثبت نفسها وتعطي أكلها كل حين، فتكون مفتاح النهوض من جديد؟

وهل تفتح الباب للمسلمين ليعودوا أسياد العالم؟

بين النوم واليقظة:

إن هذا الانتشار الواسع والسريع للصحوة الإسلامية لا يمنع أن نقول أنها ما زالت قاصرة، ومظاهرها ما زالت محدودة، وتأثيرها في المجتمع ما زال قليلاً. لماذا؟ أين الخلل؟ ما الواجب عمله؟ كيف نعمل؟…الخ.

رغم كل هذه المظاهر للصحوة فإن الخطر عليها كبير فهي مهددة بأن تنتهي من حيث بدأت، أو أن تدور في حلقة مفرغة. لا سمح الله.

نقول لا سمح الله ونحن ندرك أن الدعاء وحده لا يكفي. لذلك في هذه العجالة سنحاول أن نبرز بعض الأجوبة عمّا أسلفنا من أسئلة.

إن تصور الكثيرين من أبناء هذه الصحوة للإسلام يقتصر على عبارات (تحكيم القرآن( و(تحكيم الشرعية( حتى إذا سئل عن مقصده سارع إلى المطالبة بإغلاق المراقص وعلب الليل والملاهي والخمّارات، وإقامة حد السارق والزاني.. وتحكيم القرآن.

لا شك أن هذه كلها مظاهر للحياة الإسلامية وأنها كلها أحكام واجبة التطبيق ولكنها مظاهر لسبب، فلو قلنا أننا نطالب بتحكيم الإسلام وبدولة إسلامية لأغنانا عن سرد كل هذه المطالب. بل إن الإسلام أشمل من هذا بالكثير الكثير، الإسلام يتناول كل مشكلة وكل حادثة وكل أمر عظم أم صغر، ويعطي له الحل والجواب (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ).

إن الإسلام جاء لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، لذلك قال الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).

لقد تعلّقت أحكام الإسلام بكل جانب من جوانب الحياة، فمن العبادات إلى العقائد إلى المطعومات إلى الملبوسات إلى الأخلاق إلى المعاملات إلى العقوبات، فكان هناك نظامٌ اجتماعي ونظامٌ اقتصادي ونظامٌ سياسي داخلي وخارجي وسياسة تعليم، وفصّل فيها كل ما يلزم: من علاقة الدولة الإسلامية بغيرها إلى دخول المسلم وخروجه من الحمام.

لقد ظهرت الصحوة وكل هذه الأحكام معطلة، نشأت في مجتمع يطبق الرأسمالية المرقّعة، ولعل هذا من الأسباب التي جعلت هذه الصحوة لا تُدرك حقيقة المهمة الملقاة على عاتقها، فلم تنعم بالعيش في ظل مجتمع يتقيد في علاقاته بشرع الله. لذلك وجدنا طبيعياً أن يكون الاتجاه العام في هذه الصحوة قاصراً على فهم الإسلام والتفاعل معه، والإكتفاء بترديد الشعارات وذكر الصحوة ومظاهرها.

ليست يقظة:

إن الذين يطمعون في أن تؤدي هذه الصحوة يوماً ـ بفهمها القاصر للإسلام ـ إلى إيجاد مجتمع إسلامي مثلهم كمثل الذي أضاع قطعة نقدية على رصيف مظلم فراح يبحث عنها على الرصيف المقابل لأن النور منتشر على الرصيف المقابل، فهم لم يدركوا حقيقة المجتمع الإسلامي ولم يدركوا حقيقة مكونات المجتمع حتى يغيّروها لذلك توقعو أن مجرد عودة الأفراد بهذه السرعة إلى الالتزام بأحكام الإسلام هو العصا السحرية التي ستقلب المجتمع، ولعل عذرهم هو جهلهم بأن المجتمع لا يتكوَّن من أفراد حتى ا صلحوا صلح المجتمع، بل المجتمع يحوي الإنسان ـ وليس الفرد ـ إلى جانب الفكر والمشاعر والنظم، أي لم يدركوا أن المجتمع هو ناسٌ وعلاقات دائمة تربطهم فلو تغيَّر الأفراد فلن تتغير العلاقات لأنهما أمران منفصلان.

إن إصلاح الأفراد، أو الخطب الرنّانة بل وحتى تقنين الأحكام وتطبيق بعض الأحكام الإسلامية لا يوصلنا إلى ما نريد، بل ما هو إلا أُلهية وتنفيس عن الأمة لتعود إلى سباتها أو لتبقى في فراش النوم فتبقى بين النوم واليقظة فتأخذ غفوات وهي جالسة ثم لا تجد أمامها سوى أن تعود إلى النوم لأنه الأريح للجسم طالما أنها لا تستطيع النهوض، فاليقظة في عينيها أما أطرافها وباقي جسدها فما زال في استرخاء ونوم.

الإستيقاظ:

إن الدولة الإسلامية غائبة، فالإسلام معطل إلى حد كبير إن شرائع الكفر تتحكم برقاب المسلمين، فالمسلمون في درك سابع أو عاشر، بل هم أدنى من ذلك بين الأمم والشعوب.

والآن وقد أنعم الله علينا بأن بدأنا نستيقظ فعلينا أن لا نجعل هذا الاستيقاظ لأجل أن نحوِّل الجنب الذي ننام عليه، بل أن نقذف بما وضع علينا من غطاء بعيداً وأن نمسح ما علق بعيوننا من قذى ونباشر إلى الماء فنأخذ حمّاماً وليس غسل وجه فقط، لنعود إلى نشاطنا من جديد.

وطالما أن الله أكرمنا بهذه الصحوة علينا أن نفهم أن الإسلام ليس أموراً فردية أو بعض الحدود والأحكام فقط، بل الإسلام نظام سياسي شامل لكل العلاقات والمعاملات على وجه الأرض. وأن عقيدته عقيدة سياسية، لذك فمن الخطأ والخطر أن نقبل بترقيع لبعض نظمنا، بل يجب أن نعمل على عودة الإسلام كل الإسلام إلى المسلمين كل المسلمين لنحمله إلى العالم بطريق الجهاد.

علينا أن نفهم أن العلاقات بين الأقطار الإسلامية بحاجة إلى تغيير جذري تنسف فيه العلاقات القائمة على غير الاسلام، أن ندرك أن واجبنا أن نكون دعوة إنقلابية شامل تسعى لنقل الأمة من هذا الوضع المنحط إلى وضع الأمة الكريمة العزيزة (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) فنبدأ في إنشاء علاقات إسلامية أساسها العقيدة الإسلامية ودليلها النصوص الشرعية وضلالها الأحكام الإسلامية المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله لتتحكم بعلاقاتنا الداخلية وأن نوحّد هذه الأمة لا أن نجعل بينها اتحاداً.

إذن فالصحوة الإسلامية لم تتجه حتى الآن الوجهة الصحيحة كي تصل إلى الهدف المنشود: تطبيق الإسلام عن طريق إيجاد الدولة الاسلامية، والصحوة الإسلامية لم تتناول الإسلام كمنهاج للحياة، فلم يقم العلماء والواعون فيها بدراسة الإسلام دراسة واعية مستنيرة فيضعوا النظم والقوانين التي تتحكم بالعلاقات حين يقدر الله لهم الوصول.

قد يقول قائل: أن هذا يعطل العمل أو يؤخره، فحين نصل نأخذ من القرآن والسنة ما نريد من أحكام! لمثل هؤلاء نقول أن يتقوا الله فيما يقولون وأن ينظروا ثم ينظروا وأن يفكروا ويفكروا وأن يتعمقوا في ما هم فيه من واقع، وما عليهم من أعباء إن وصلوا للدولة الإسلامية هذا إن وصلوا، ولم يعوا على الإسلام كيف سيحلُّون مشاكلهم الداخلية وكيف سيتعاملون مع العالم كله، وهو الذي سيطْبق عليهم من أول يوم محاولاً قتلهم في مهدهم، فهل سيقولون للغرب: انتظروا حتى نوجد دستوراً وقوانين وننظم أوضاعنا ثم أقدم إلينا فبارزنا.

إن كل عامل للتغيير يستجب أن يعي كل أمر يتعلق بالدولة الاسلامية، لأنه سيكون قائداً للمسلمين في طريق الحق ولا يحق له أن يقول أنا لا أريد، لأن هذا واجب عليه، فالأصل فيه أن يكون كذلك لأنه هو الذي وعى على الإسلام وفهمه فناضل فأوصله ليحكم الناس. أما باقي الناس فقد رضوا أن يكونوا مع الخوالف وغرتهم الحياة الدنيا وركنوا إلى الأرض.

نسأل الله أن يوفق هذه الأمة لتعود كما كانت خير أمة أخرجت للناس تحمل الهدى والنور والحضارة والعزّة والرفاهية والطمأنينة للعالم.

(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ)

مراسل «الوعي» في باكستان

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *