العدد 292 -

العدد 292 – السنة الخامسة والعشرون، جمادى الأولى 1432هـ، نيسان 2011

نداء إلى العلماء لممارسة دورهم في تغيير الأوضاع الجارية

نداء إلى العلماء

لممارسة دورهم في تغيير الأوضاع الجارية

 

السادة العلماء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

قال تعالى:  ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)). وقال أيضاً:  ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)). ويقول الرسول  صلى الله عليه وسلم: «العلماءُ وَرَثَةُ الأنبياءِ”. (أخرجه أ. داود والترمذي).

وإن النصوص التي تتحدث عن فضل العلم والعلماء  كثيرة كثيرة، وكان هذا الفضل بسبب نشر العلم والعمل به. فالعلم لا يطلب لذاته ولا للتباهي به، قال عليه الصلاة والسلام: «لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ» (أخرجه ابن ماجه من حديث جابر بإسناد صحيح). وإلا تحول هذا الفضل إلى نقمة وحجة على صاحبه، وهذا إبليس الرجيم مع غزارة علمه كان من الغاوين… إذ إنه لم ينتفع بعلمه بل كان من المتكبرين وغره كثرة علمه فتكبر على أمر الله والعمل بما أمر.

كما أن كتمان العلم مصيبة كبرى على أصحابها، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) [البقرة 159] وقال: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) [آل عمران 187].

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمُهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَجَّمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ».

ولا يشك عاقل أن السكوت عن البيان في معرض الحاجة وشدتها له يعتبر من الكتمان.

وقد ورد في بعض الآثار: إنه يُغفر للجاهل سبعين مرة حتى يُغفر للعالم مرة واحدة، ليس من يعلم كمن لا يعلم.

وقيل لإبراهيم بن عيينة: أي الناس أطول ندماً؟ قال:أما في عاجل الدنيا فصانع المعروف إلى من لا يشكره، وأما عند الموت فعالم مفرط.

وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: إذا رأيتم العالم يغشى الأمراء فهو لص.

فإذا سكت العلماء عن بيان الحق وحكمه فيما يقع فيه الناس، بل وتوجيههم وقيادتهم نحو مرضاة الله باتباع أمره، فإن الناس سيقعون في الباطل والجهل، وسيتبعون كل ناعق وضال ومضل يأخذ بأيديهم إلى النار… وليس لهم من أحد غير العلماء؛ ولذلك فمسؤوليتهم كبيرة كبيرة عند الله تعالى.

وعلى مر التاريخ وقف علماؤنا الأفاضل بوجه الحكام الظالمين فأخذوا على أيديهم وأطروهم على الحق أطراً، أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولم تأخذهم في الله لومة لائم، وإن قتلوا وقطعوا، وشتان بين أولئك الحكام وبين حكام اليوم.

فها هو سيد التابعين سعيد بن جبير يقف بوجه ظلم الحجاج ويُقتل في سبيل قول الحق ومنع الظلم، وها هو ابن حنبل يقف بوجه الخليفة المأمون ويبين الحق ويسجن في سبيل قول الحق وإحقاقه، وها هو سلطان العلماء العز بن عبدالسلام خطيب المسجد الأموي يقف بوجه والي الشام الصالح سليمان حينما تصالح مع الصليبين وأُقيل من الخطابة بل واعتقل وعذب لوقوفه بوجه الباطل، ولما ذهب إلى أرض الكنانه أرض مصر وقف بوجه واليها المملوكي الصالح أيوب ومعاونيه وأوجب أن يباع المماليك (الحكام في ذلك الوقت) ثم يجعل ثمنهم لبيت المال ثم يعتقون، وعرف فيما بعد ببائع الملوك، وقيل له مرة  كيف تجسرت على هذا السلطان مع شدة سطوته؟ فما خفته؟! فقال: استحضرت هيبة الله في قلبي، فصرت أراه كالقط.

 وهذه قصة حاتم الأصم الذي سار مرة إلى المدينة فاستقبله أهل المدينة فقال: يا قوم، أية مدينة هذه؟ قالوا: مدينة رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، قال: فأين قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم  حتى أصلي فيه؟ قالوا: ما كان له قصر، إنما كان له بيت لاطىء بالأرض، قال: فأين قصور أصحابه رضي الله عنهم؟ قالوا: ما كان لهم قصور، إنما كان لهم بيوت لاطئة بالأرض؛ قال حاتم: يا قوم فهذه مدينة فرعون، فأخذوه وذهبوا به إلى السلطان وقالوا: هذا العجمي يقول هذه مدينة فرعون، قال الوالي: ولم ذلك؟ قال حاتم: … قال الله تعالى((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )) الممتحنة 6] فأنتم بمن تأسيتم؟ أبرسول الله صلى الله عليه وسلم  أم بفرعون أول من بنى بالجص والآجر؟

السادة العلماء إنكم اليوم في امتحان، ونعم ما قيل: «وعند الامتحان يكرم المرء او يهان»، فمن زل عند الامتحان فقد انقلب على عقبيه وخسر آخرته ودنياه، ومن ثبت وصبر وافتكر العاقبة ظفر ونجا وأنجى الناس من سخط الله تعالى، وجعله سبباً في الفرج من البلاء وجازاه الله جزاء لا يعلمه إلا رب العباد، فانه أعد لعباده الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .

 وهذه فرصتكم لتقرنوا العلم بالقول والعمل، قال تعالى: ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) [البقرة 44] وقال: (لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)) [الصف 2-3] وقال تعالى حكاية عن قول شعيب عليه السلام لقومه: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ) [هود 88].

ورجال الله تعالى أناس يعرفون بمواقفهم الصلبة التي يحبها الله في وقتها، فالأوائل يا سادة ما فاقونا بكثرة علم ولا بكثرة عبادة، بل بقوة مواقف كان لها ما بعدها، وآجرهم الله تعالى عليها ما لم يؤجر غيرهم في نفس الفعل ولكن بأوقات مختلفة، وأنتم تعلمون أنه ليس من أنفق من قبل الفتح وآمن كمن فعل مثله فيما بعد، قال تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) [البقرة 44] وهذا الصدّيق حينما كانت الحاجة شديدة للمال أنفق كل ماله في سبيل الله، فنزل جبريل بنفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم  ليقرئه سلام الله ورضاه عن الصدّيق، وهذا ذو النورين عثمان يجهز جيش العسرة ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ» (أخرجه الترمذي) بل ها هم أهل بدر يقول النبي فيهم: «لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» (رواه مسلم).

أيها السادة العلماء، أما تحبون أن تفوزوا بالامتحان وتقفوا المواقف التي يحبها الله تعالى ويرضى عنكم رضى ما بعده سخط ويقول لكم:» ما ضركم ما فعلتم بعد اليوم، اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» فأنتم والله في فرصة تعليكم عند الله إلى أعلى الدرجات، فعن بلال بن الحارث المزني قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، يَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، يَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عَلَيْهِ سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (رواه أحمد) أوتظنون أن هذه الكلمة التي ترفع صاحبها تلك التي تخرج من الأفواه سهلة ميسورة دون أي تبعة!! أو تلك التي تلوي النصوص لتتلاءم مع هوى الظالم والباغي!!

أوما قرأتم حديث رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «مَنْ بَدَا جَفَا، وَمَنْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتُتِنَ، وَمَا ازْدَادَ عَبْدٌ مِنْ السُّلْطَانِ قُرْبًا إِلَّا ازْدَادَ مِنْ اللَّهِ بُعْدًا» (رواه أحمد عن أبي هريرة).

وها هي الأمة الإسلامية اليوم تقول كلمتها بوجه الحكام الظالمين الذين طالما أذلوها ونهبوا ثرواتها ووالوا أعداءها وعطلوا حكم الله فيها وفعلوا فيها ما فعلوا ولازالوا يفعلون، وبالرغم من شدة سطوتهم أخذت القرار بخلعهم وإنهاء حكمهم وظلمهم وطغيانهم دون أن تعي على البديل من أحكام الله، وهي مستعدة لأن تقف وتنقاد لمن يقف معها بوجههم، فإن لم يبادر العلماء بذلك قادها غيرهم من المضلين والمضللين وخضعت لهم، وإثمهم على العلماء الساكتين، والناطقين باسم مغتصب السلطة الحاكم المستبد.

يا معشر القراء يا ملح البلد

ما يصلح الملح إذا الملح فسد؟

وحذار حذار أن نكون مثل علماء الضلال في بني إسرائيل أو أشر منهم، فقد كانوا يخبرون السلطان بالرخص وبما يوافق هواه لا بما أوجبه الله تعالى عليهم مما يستثقله فخافوا منه ولم يخافوا من الله، والآية التي مثلتهم هي قوله تعالى في سورة الجمعة: ( كمثل الحمار يحمل أسفارا ) [الجمعة 5] بسبب حملهم للكتاب وعدم العمل به، وهي تنطبق على من ماثلهم في أعمالهم.

السادة العلماء: أين نذهب بقوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [آل عمران]

وإن ترك هذا الواجب يعرضنا للعنة الله وإن صمنا وصلينا… قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) [المائدة].

وأين نذهب بأحاديث الرسول  صلى الله عليه وسلم  ومنها كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَده، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ». وفي رواية: «وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ».

وكما في مسند الإمام أحمد: عن حذيفة بن اليمان، أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ». وحديث «إذا لم تقل أمتي للظالم ياظالم فقد تودع منها».

فأين أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر ووقوفكم بوجه الظالمين وأين؟ وأين؟ وأين؟

و هل يقبل الله عذر من احتج بالنصوص التي توجب طاعة أولي الأمر؟ مع أن هؤلاء الحكام طغاة وليسوا بأولي الأمر، إذ لم يحكموا بشرع الله، ولا جاؤوا بإرادة الأمة، فهم مغتصبون للسلطة؛ ولذلك يجب عزلهم ومحاكمتهم…

وفي الوقت نفسه يُتغاضى عن النصوص التي تأمر بالوقوف مع الحق وتبليغه، ونصرة المظلوم وإعانته، والأخذ على يد الظالم… بل ويلام المظلوم ويمدح الظالم…

وهل يُلام الناس في صرختهم مما يعانوه من ظلم … وهل يلام المجلود على صراخه في حين يُسكت عن الجلاد الباغي بل ويتم الوقوف إلى جانبه، ما لكم كيف تحكمون؟! قال تعالى: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)) [الشورى].

أيها السادة العلماء، لقد ملأتم آذاننا بأحكام الطهارة وحسن الخلق وآداب المسلم، وهذا فيه خير عميم، ولكن أن تعلمونا ذلك في وقت نذبح فيه وتسفك دماؤنا بالطرقات وتنتهك أعراضنا بالساحات والبيوت ويعتقل أبناؤنا وتداهم مساجدنا ويدنس قرآننا ويسب ربنا ويهان نبينا… دون أن تذكروا أحكام الله تعالى فيمن تسبب بذلك، بل وحين يتناول بعضكم ذلك تلقون بالمسؤولية على الضحية، فهلا إخوتي الكرام وقفتم معنا، وأرضيتم الله تعالى وأخذتم على يد الظالم ونصرتم وانتصرتم للمظلومين والمستضعفين،  وحذار مجدداً أن يغركم طول الأمل والرغد من العيش الهانئ … في ظل السكوت وترك الناس دون توجيه وقيادة الصالحين والخاضعين لأحكام الله تعالى، قال تعالى: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) [القصص 60]. وإن خفتم بطش الفراعنة والطواغيت فبطش الله أعظم وأشد قال تعالى: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ) [البروج] وقال أيضاً: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ) [الفجر] وإن غمسة واحدة في الجنة تنسي أشقى الأشقياء في الدنيا ما عانى، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ الْكُفَّارِ فَيُقَالُ: اغْمِسُوهُ فِي النَّارِ غَمْسَةً، فَيُغْمَسُ فِيهَا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: أَيْ فُلَانُ، هَلْ أَصَابَكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، مَا أَصَابَنِي نَعِيمٌ قَطُّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ الْمُؤْمِنِينَ ضُرًّا وَبَلَاءً فَيُقَالُ: اغْمِسُوهُ غَمْسَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً، فَيُقَالُ لَهُ: أَيْ فُلَانُ، هَلْ أَصَابَكَ ضُرٌّ قَطُّ أَوْ بَلَاءٌ؟ فَيَقُولُ: مَا أَصَابَنِي قَطُّ ضُرٌّ وَلَا بَلَاءٌ» (أخرجه ابن ماجه).

فعلامَ الخوف والله هو القوي ذو القوة المتين؟! وعلامَ الحرص وبيد الله ملكوت كل شيء؟! وعلامَ الحزن أليس الله بكاف عبده؟! وعلامَ طول الأمل والموت ملاقيك؟! وعلام؟! وعلام؟! وعلام؟!… فالله يريدكم أن تكونوا أولياءه ومن جنده ومن حزبه

 والأمة في هذه الأيام تحتاجكم بدعوتكم وعهد الله عليكم أن تبينوا لها حكم الله في هؤلاء الظالمين الطغاة، وأن تقودوها في عزلهم ومحاكمتهم، وأن تقيموا على أنقاضهم حكم الله … لا أن تقودكم هي كما حصل في بعض البلاد حين وقف بعض العلماء مع الظالم بوجه المظلومين، ولما نصر الله المظلومين انقلبوا معهم يشيدون بثورتهم …

وإن استطاع الناس عزل الظالم ولم يعوا على البديل واحتاروا فيه فهلّا بينتم لهم وجوب تحكيم شرع الله وإقامة حدوده بجعل الشريعة الإسلامية المصدر الأوحد للدستور، ووجوب الكفر بكل دساتير تخالف ذلك، ووجوب توحيد بلاد المسلمين تحت ظل خليفة واحد دون أن يكون بينهم وبين أي مسلم آخر أي فروق باطلة بناها الغرب المستعمر بينهم من وطنية وقومية وعرقية ومذهبية … وهلّا بينتم أن دولة الإسلام هي دولة إنسانية ترعى شؤون رعيتها دون تمييز بين مسلم وكافر، وترفض إيقاع الظلم على سائر الناس، وتسعى لنصرة المظلومين حيثما وجدوا، سواء في ظل دار الإسلام أم دار الكفر، وهلّا، وهلّا، وهلّا… فخذوا دوركم الذي أوجبه الله عليكم وارتضاه لكم يرحمكم الله.

وفي الختام اختاروا لأنفسكم منزلة ترتضونها في مستقبلكم القادم قال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *