العدد 292 -

العدد 292 – السنة الخامسة والعشرون، جمادى الأولى 1432هـ، نيسان 2011

قوانين الطوارئ: تشريع وتقنين لشريعة الغاب

قوانين الطوارئ: تشريع وتقنين لشريعة الغاب

 

أ. أحمد القصص

رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في لبنان

على الرغم من اختلاف الناس -باختلاف وجهات نظرهم في الحياة وقواعدهم الفكرية- حول مصدر شرعية القوانين التي يجب أن تسود المجتمعات وترعى شؤون الناس، فإن الجميع اتّفقوا على الضرورة الملحّة والحتمية لوجود هذه القوانين، إذ هي من مقتضيات انتظام العلاقات التي بها يتكوّن أيّ مجتمع. ولولا هذه القوانين -سواء أكانت مدوّنة أم عرفية- لما أمكن لهذه العلاقات أن تستمرّ، وبالتالي كان المجتمع عرضة للانهيار في أي لحظة من لحظات التاريخ. ولـّما كانت القوانين مجموعة من القواعد السلوكية التي تنظّم العلاقات في المجتمع كان من أهمّ تلك القوانين تلك التي تنظّم علاقة الحاكم بالمحكوم. إذ على الرغم من أنّ الأصل في وجود الحاكم هو توافق المجتمع على ضرورة وجود السلطان الذي توكل إليه رعاية شؤون الناس ويفصل الخصومات بينهم ويمنع تعدّي بعضهم على البعض الآخر وفق القوانين التي جرى التعارف عليها، إلّا أنّ طبيعة السلطة وما يلابسها من النفوذ والسطوة والسيطرة والغلبة والقدرة على فرض الإرادة واستخدام القوّة، لطالما دفعت عشّاق النفوذ والغلبة إلى نيل السلطة لتحقيق رغباتهم الجامحة، أفرادًا كانوا أو جماعات، ولطالما أغرت السلطة عشّاق الثروات في الإمساك بها لأنها من أقوى الوسائل في تحقيق هذه الثروات وتنميتها، ولعل تحكّم حيتان المال بالسلطة هي التي تسِم هذا العصر الرأسمالي. بل لطالما أغرت السلطة حكّامًا بالاستبداد والبطش والظلم بعد أن تسلّموها مخلصين للناس راغبين برعاية شؤونهم بكلّ أمانة وصدق وتفانٍ. من هنا أيضًا لطالما توافق العقلاء على ضرورة أن تتضمّن القوانين مجموعة من القواعد التي تضبط تصرّفات الحاكم وتحدّد صلاحياته وتنظّم علاقته برعيّته التي أوكلته رعاية شؤونها.

هذه هي الحالة الصحيحة في تكوّن المجتمعات والدول والأنظمة السياسية. إلّا هذا ليس هو السائد دائمًا في هذا العالم، في ماضي التاريخ وفي العصر الحاضر. ولعلّ من أبرز الدول التي غابت عنها هذه القواعد البدهية، هي الدول القائمة في العالم الإسلامي، ولا سيّما تلك القائمة في المنطقة العربية منه، والتي تشهد في أيامنا هذه سلسلة من الثورات التي اقتضتها طبائع الأشياء وسنن التاريخ ومنطق الأمور. ذلك أن هذه الدول المصطنعة أنشأها الغرب على طريقة الهندسة الوراثية التي أتقنها علماؤه، فأنشأوا منها مسوخًا وكائنات شوهاء، لتكون مصادر جديدة للربح وإنشاء الثروات وتنميتها. فلم تنشأ هذه الدول نشوءًا طبيعيًا يجعل علاقة الحاكم بالمحكوم تلبّي الحاجة التي لأجلها نشأت الدولة، وهي رعاية شؤون الناس. وإنّما أُنشئت لتحول دون قيام الدولة التي تعبّر حقيقةً عن هويّة الأمّة الإسلامية وهي الدولة الإسلامية التي قضى الغرب مئات من السنين في حالة حرب معها إلى أن تمكّن من إزالتها فعليًّا. وكان لا بدّ له – للحؤول دون عودتها – من أن يقيم على أنقاضها “أشكال” دول تبدّل هويّة الأمّة بتبديل أفكارها وأنظمتها وتشويه حسّها وذوقها وشعورها. وكان لا بدّ له من تسليم الحكم في هذه البلاد لحكّام لا يمتّون بصلة حقيقية لهذه الأمة، حتّى لا يوجد التكامل والتفاعل الإيجابي بين الحاكم والمحكوم، لأنّ من شأن التكامل والتفاعل هذين إن حصلا يومًا من الأيّام أن يؤدّيا إلى توافقٍ على استعادة هويّة الأمّة وسيادة الشرع وسلطان الأمة والانفكاك من ربقة التبعيّة للغرب وقطع دابر مصالحه الاستعمارية في العالم الإسلامي. لذلك لم يكتفِ باختيار أناس صنعهم على عينه ثقافيًّا وفكريًّا، بل حرص على تسليم الحكم لجماعات لا تنتمي إلى هذه الأمّة من أيّ جانب من الجوانب، بل تكنّ لها العداء التاريخي سافرًا كان أو أو دفينًا. ومن تأمّل مليًّا في حال حكّام معظم الأقطار في العالم الإسلامي، يلمس انتماء هؤلاء إلى جماعات أو أصول لطالما اعتمل في نفوسها الحقد على الأمّة والسواد الأعظم من الناس. ففي بعض الأقطار سلّم الحكم لأقلّيات طائفية، وفي أخرى لأشخاص ذوي أصول يهودية، وفي غيرها لقبائل أو عائلات أو قرى لطالما كانت منبوذة في ماضي التاريخ، وفي غيرها لرجال أعمال ارتبطت مصالحهم بالنفوذ السياسي والرأسماليين أصحاب السلطة في الغرب… ما أدّى طبيعيًّا إلى تعامل هذه الجماعات الحاكمة مع السلطة، لا بوصفها طريقة لرعاية شؤون الناس وتحقيق تطلّعات المجتمع الذي تولّوا أمره، بل  بوصفها مكسبًا فرديًّا أو طائفيًّا أو عائليًّا أو قبليًّا أو ماليًّا… وبوصفها مغنمًا يتّخذون كافّة الإجراءات – مهما كانت دنيئة أو قذرة – للحفاظ عليه، ونظروا إلى الأمّة بوصفها عدوًّا يتربّص بها الدوائر ويتحيّن الفرص لاستعادة سلطانه المسلوب، وبالتالي ما على هذه الجماعات الحاكمة سوى الارتماء في أحضان السيّد المستعمر الذي منّ عليها بهذه الهديّة الثمينة التي لولاه لما كانت لتحلم مجرّد حلم بها. كما لا بدّ لها من اتّـخاذ كافّة التدابير التي من شأنها حمايتها من هذا العدوّ المتربّص، فتنشئ درعًا عسكريًا للنظام لا للدولة، كالحرس الرئاسي أو الملكي أو الجمهوري أو سرايا الدفاع أو حرس الثورة أو الكتائب الأمنية أو جهاز أمن الدولة…  وتنشئ جيشًا من الجواسيس وعناصر المخابرات الذين ينتشرون بين الناس للتجسّس عليهم ورصد حركاتهم وإحصاء أنفاسهم وإلقاء الرعب في قلوبهم لئلّا يفكّروا في انتقاد الحاكم أو التغيير عليه. ومن وقع في هذا “المحظور كان نصيبه السجن والخضوع لشتّى فنون التعذيب والتنكيل، بل للتصفية الجسدية إن اقتضى الأمر.  كما تعمل هذه الأنظمة على شراء الذمم واصطناع العملاء والأزلام من المثقّفين والمشايخ والوجهاء. وتنشئ برنامجًا تربويًا وآخر إعلاميًا يقوم على تقديس الحاكم والتسبيح بحمده وإسباغ صفات القداسة عليه وتشويه صورة كلّ من يعارضه ويأبى الخضوع لجبروته والانقياد لسياسته. وقد كان من أهمّ الوسائل التي اعتمدتها بعض الأنظمة الحاكمة لاستباحة كرامات الناس وأموالهم ولإيداعهم أفواجًا في السجون والزنازين حمايةً للكرسيّ ومن يتربّع عليه: قوانين الطوارئ. فما هذه القوانين؟!

إعلان حالة الطوارئ أو قانون الطوارئ، كما عرّفه بعض القانونيين: هو نظام دستوري استثنائي قائم على فكرة الخطر المحيق بالكيان الوطني يسيغ اتخاذ السلطات المختصة لكلّ التدابير المنصوص عليها في القانون والمخصّصة لحماية أراضي الدولة وبحارها وأجوائها كلًّا أو جزءاً ضدّ الأخطار الناجمة عن عدوان مسلّح داخلي أو خارجي، ويمكن التوصّل لإقامته بنقل صلاحيات السلطات المدنية إلى السلطات العسكرية. بهذا المعنى فإنّ قانون الطوارئ لا يلجأ إليه إلّا على سبيل الاستثناء لمواجهة ظروف محدّدة بحيث يفترض إيقاف العمل به فور زوالها. ولكنّ هذا القانون في البلاد العربية هو تشريع وتقنين لحالة التحلّل من القيود القانونية التي تحدّ من اعتداء الحاكم وزبانيته و”بلطجيّته” (وفق التعبير المصري)، أو “بلاطجته” (وفق التعبير اليمني)، أو “الشبّيحة” (وفق التعبير السوري) على الناس وكراماتهم وأمنهم وأموالهم وممتلكاتهم ومصالحهم… فتعطي هذه القوانين الجهاز العسكري والأمني والمخابراتي صلاحية انتهاك كافّة المحظورات، بذريعة حماية الدولة أو الحفاظ على مكتسبات الثورة أو حشد القوى لمواجهة العدوّ الصهيوني أو القوى الإمبريالية…! حتى تحوّلت حالة الطوارئ في بعض الدول من حالة استثنائية إلى حالة أصلية دامت عشرات السنين جاثمة على صدور الناس كاتمةً أنفاسهم. وضرب حزب البعث الحاكم في سوريا وآل الأسد الرقم القياسي في مدّة حالة الطوارئ (الاستثنائية!)، إذ فرضها حزب البعث على البلاد منذ استيلائه على الحكم سنة 1963م وإلى يومنا هذا، بموجب الأمر العسكري الصادر عن “المجلس الوطني لقيادة الثورة” الذي قرّر ما يلي: تعلن حالة الطوارئ في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية ابتداء من  8/3/1963م وحتى إشعار آخر». ولم يحن موعد هذا “الإشعار الآخر” منذ ما يقارب نصف قرن من الزمان!. ثمّ تأتي في الدرجة الثانية، من حيث تمادي زمانها، حالة الطوارئ في مصر، إذ امتدّت ثلاثين عامًا، منذ سنة 1981م عقب قتل الرئيس السادات، ولم ترفع حتّى يومنا هذا على الرغم من إسقاط الطاغية حسني مبارك. ثمّ تأتي في الدرجة الثالثة حالة الطوارئ التي فرضت في الجزائر سنة 1992م عقب الانقلاب الذي قام به الجيش للحؤول دون إتمام الانتخابات التي كادت أن توصل الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى الحكم، بعد أن نالت في الدورة الأولى من هذه الانتخابات الأغلبية الساحقة من الأصوات. وقد أعلنت السلطة الجزائرية منذ أسابيع قليلة رفع حالة الطوارئ في البلاد في محاولة منها لدرء خطر التحاق الجزائريين بالثورات الناشئة في المنطقة العربية. ومن المفارقات الغريبة أنه في الوقت الذي يثور فيه الناس على القمع وأحكام الطوارئ، أعلن طاغية اليمن على عبد الله صالح حالة الطورائ يوم الجمعة بتاريخ 18 آذار (مارس) الماضي، للمرة الثانية بعد الوحدة حيث كانت المرة الأولى في منتصف أيار (مايو) 1994م عندما اندلعت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب. وقد أعلنت حالة الطوارئ في العاصمة صنعاء وعواصم المحافظات وحظر التجوال بالأسلحة بعد أحداث جمعة الإنذار التي قتل فيها أكثر من خمسين شخصًا برصاص القنّاصة من “بلاطجة” علي صالح. أمّا تونس فقد كانت تعيش حالة أشدّ وأنكى من القمع وكتم الأنفاس دون أن يكون فيها إعلان لحالة الطوارئ. واللافت للنظر أن حالة الطوارئ أعلنت في تونس عقب سقوط طاغيتها زين العابدين بن عليّ لمواجهة أعمال التخريب التي قامت بها العصابات التابعة له في محاولة يائسة منها لإجهاض الثورة التونسية التي كانت فاتحة سلسلة الثورات المباركة، وسرعان ما أعلنت السلطة بعد ذلك رفع حالة الطوارئ.

يُذكر أنّ هذه التشريعات الاستثنائية تعرف في الدول ذات النظام القانوني اللاتيني بقوانين حالة الطوارئ أو حالة الحصار (State of Siege) بينما تعرف في الدول ذات النظام القانوني الأنجلوسكسوني بقوانين الأحكام العرفية (Martial Law)، وكلاهما وإن كانا يستهدفان الهدف ذاته إلّا أنّهما يختلفان في عدد من الخصائص.

نأتي الآن إلى بعض النصوص التي تتضمّنها قوانين الطوارئ هذه والتي لايوجد اختلاف يذكر فيها بين دولة وأخرى إلّا في الشكل، إذ ليست الغاية منها التقيّد بنصوصها، وإنّما الغاية اتّخاذها كما أسلفنا ذريعة للتحلّل من القوانين الأصلية التي تحدّ من الاعتداء على الناس ومنع تجاوز الحكّام والعسكر وأجهزة الأمن.

والجدير ذكره أنّ قانون الطوارئ المفروض في كلّ من سوريا ومصر هو نفسه، إذ حين فرض في سوريا كانت آنذاك جزءًا من الجمهرية العربية المتّحدة قبل أن يفكّ حزب البعث المستولي على الحكم هذه الوحدة. ثمّ قام حسني مبارك بتطبيق القانون نفسه سنة1981م.

وممّا ينصّ عليه هذا القانون:

– يجوز إعلان حالة الطوارئ كلّما تعرّض الأمن أو النظام العامّ في أراضي الجمهورية أو في منطقة منها للخطر، سواء كان ذلك بسبب وقوع حرب، أو قيام حالة تهدِّد بوقوعها، أو حدوث اضطرابات في الداخل أو كوارث عامّة أو انتشار وباء.

– يكون إعلان حالة الطوارئ وانتهاؤها بقرار من رئيس الجمهورية.

– لرئيس الجمهورية متى أُعلنت حالة الطوارئ أن يتّخذ بأمر كتابي أو شفوي التدابير الآتية:

1- وضع قيود على حرّية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معيّنة، والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العامّ واعتقالهم، والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيّد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، وكذلك تكليف أيّ شخص بتأدية أيّ عمل من الأعمال.

2- الأمر بمراقبة الرسائل أيًّا كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحرَّرات والرسوم وكافّة وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها.

3- تحديد مواعيد فتح المحالِّ العامّة وإغلاقها، وكذلك الأمر بإغلاق هذه المحالِّ كلِّها أو بعضها.

4- الاستيلاء على أيِّ منقول أو عقار، والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسَّسات، وكذلك تأجيل أداء الديون والالتزامات المستحقَّة والتي تستحقّ على ما تستولى عليه أو على ما تفرض عليه الحراسة.

5- إخلاء بعض المناطق أو عزلها، وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.

– ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية توسيع دائرة الحقوق المبيّنة في المادة السابقة، على أن يعرض هذا القرار على مجلس الأمّة في أوّل اجتماع له.

– ليس للشخص المعتقل وفقًا للمادّة السابقة أن يتظلّم من أمر الاعتقال قبل انقضاء ستّة أشهر من تاريخ صدوره دون أن يفرج عنه. ويكون التظلّم بطلب يقدم إلى محكمة أمن دولة عليا تُشكَّل وفقًا لأحكام هذا القانون، ولا يكون قرار المحكمة بالإفراج نافذًا إلّا بعد التصديق عليه من رئيس الجمهورية.

– يجوز لمن فرضت الحراسة على أمواله ولكلّ ذي شأن أن يتظّلم من أمر فرض الحراسة أو يتظلّم من إجراءات تنفيذه، ويكون التظلّم بطلب يرفع إلى محكمة أمن دولة عليا تُشكَّل وفقًا لأحكام هذا القانون. ويجب أن تختصم فيه الجهة الإدارية التي تتولّى تنفيذ الأمر الصادر بفرض الحراسة، وتفصل المحكمة في التظلّم بتأييد الأمر أو إجراء تعديله. ولا يكون قرار المحكمة بإلغاء أمر فرض الحراسة نافذًا إلّا بعد التصديق عليه من رئيس الجمهورية. ويجوز لمن رُفض تظلّمه أن يتقدّم بتظلّم جديد كلّما انقضت ستّة أشهر من تاريخ الرفض.

– تتولّى قوّات الأمن أو القوّات المسلّحة تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه. وإذا تولّت القوّات المسلحة هذا التنفيذ يكون لضبّاطها ولضبّاط الصفّ ابتداء من الرتبة التي يعيّنها وزيرالحربية سلطة تنظيم المحاضر للمخالفات التي تقع لتلك الأوامر. وعلى كلّ موظّف أو مستخدم عامّ أن يعاونهم في دائرة وظيفته أو عمله على القيام بذلك، ويُعمل بالمحاضر المنظّمة في إثبات مخالفات هذا القانون إلى أن يثبت عكسها.

وممّا ورد في قانون الطوارئ في الجزائر:

– يمكن وزير الداخلية والجماعات المحلّية أن يأمر بوضع أيّ شخص راشد يتّضح أنّ نشاطه يشكّل خطورة على النظام والأمن العموميين أو على السير الحسن للمصالح العمومية, في مركز أمن في مكان محدَّد.

– يخوَّل وضع حالة الطوارئ حيِّز التنفيذ, لوزير الداخلية والجماعات المحلِّية في كامل التراب الوطني, وللوالي على امتداد تراب ولايته في إطار التوجيهات الحكومية, سلطة تحديد أو منع مرور الأشخاص والسيارات في أماكن وأوقات معينة, والمنع من الإقامة أو الوضع تحت الإقامة الجبرية لكلّ شخص راشد يتّضح أنّ نشاطه مضرّ بالنظام العامّ أو بسير المصالح العمومية, وتسخير العمّال للقيام بنشاطهم المهني المعتاد في حالة إضراب غير مرخّص به, أو غير شرعي, ويشمل هذا التسخير المؤسَّسات العمومية أو الخاصّة للحصول على تقديم الخدمات ذات المنفعة العامّة, والأمر استثنائيًا, بالتفتيش نهارًا أو ليلًا.

– يؤهّل وزير الداخلية والجماعات المحلّية, والوالي المختص إقليميًا, للأمر عن طريق قرار, بالإغلاق المؤقّت لقاعات العروض الترفيهية, وأماكن الاجتماعات مهما كانت طبيعتها, وبمنع كلّ مظاهرة يحتمل فيها الإخلال بالنظام والطمأنينة العمومية.

– يمكن وزير الداخلية والجماعات المحلّية أن يعهد عن طريق التفويض, إلى السلطة العسكرية قيادة عمليات استتباب الأمن على المستوى المحلّي أو على مستوى دوائر إقليمية محدّدة.

– يمكن تبليغ المحاكم العسكرية بالجرائم والجنح الجسيمة المرتكبة ضدّ أمن الدولة مهما كانت صفة المحرِّضين على ارتكابها, أو فاعليها أو الشركاء فيها.

أمّا قانون الطوارئ الذي أعلن في اليمن، فممّا ورد فيه:

يناط تطبيق أحكام هذا القانون بمجلس الدفاع الوطني، ولرئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس أن يصدر أوامر كتابية باتخاذ التدابير الآتية:

– وضع القيود على حرية الأشخاص في الاجتماع أو الانتقال أو الإقامة أو المرور في أماكن أو أوقات معيّنة، وإلقاء القبض على المشتبه بهم أو الخطيرين على الأمن والنظام العامّ، والترخيص بتفتيش الأشخاص والأماكن ووسائل النقل دون التقيّد بأحكام قانون الإجراءات الجزائية أو أي قانون أخر، والأمر باستخدام القوّة بالقدر اللازم في حالة الممانعة أو المقاومة.

فضلًا عن المضامين الواردة في القوانين السابقة.

الخلاصة العملية من هذه النصوص، أنه بذريعة المحافظة على أمن الناس والمجتمع وتحقيق التنمية… يعطى رجال الأمن السلطات الآتية:

القبض على أيّ فرد مشتبه فيه في أيّ وقت وفي أيّ مكان، مهما كان وضعه الاجتماعي أو الصحي، وبدون إذن النيابة فى معظم الأحوال.

– القبض على أيّ فرد بتهمة إثارة القلاقل ومعارضة نظام الحكم أو منع تطبيقه بالقوة.

– القبض على أيّ فرد بتهمة إحداث فتنة طائفية والمساس بالسلام الاجتماعي.

– القبض على أيّ فرد بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم.

– القبض على أيّ فرد بتهمة الانتماء إلى تنظيم حزب غير مرغوب فيه.

– القبض على أيّ فرد بسبب شكوى كيدية لحين ثبوت عكس ذلك.

– القبض على أيّ فرد يسعى لترشيح نفسه للانتخابات منافسًا لآخر فى النظام الحاكم.

– القبض على أيّ مشتبه فيه.

وعادة ما يتمّ هذا بطريقة غير منضبطة وعشوائية، ولطالما اتّسعت دائرة المقبوض عليهم بمجرّد الشبهة، أو «على الرائحة» بتعبير البعض. وعلى المقبوض عليهم أن يعترفوا بما لم يرتكبوا، وإلّا رزحوا تحت فنونٍ وألوان من التعذيب والتنكيل والإرهاب… ولقد سجّل التاريخ أحداثًا وحالات ليس في مقدور أحد من الناس إحصاؤها.

ومن الكوارث التي جلبتها قوانين الطوارئ والأحكام العرفية على الناس ما يلي:

– لا يُسمح بإنشاء مشروع استثماري إذا كان من بين مؤسّسيه من هو غير مرغوب فيه لدى النظام الحاكم والأمن، ويحرم من أبسط حقوقه الإنسانية والسياسية.

– لا يُسمح بإنشاء مشروع استثماري أو صحافي أو إعلامي أو سياحي… إذا كان من بين مؤسّسيه من لهم انتماء فكري يؤثِّر على الأمن السياسي.

– لا يُسمح بإنشاء مشروع استثماري تعليمي له طابع فكري معيّن، حتّى لا ينشر تلك الأفكار… وهذا بدوره خطر على الأمن السياسي.

هذا هو واقع تلك الأنظمة من حيث طبيعة ممارستها للسلطة ونظرتها إلى الرعيّة. ولو كانت تلك الأنظمة تحكّم الإسلام وتجعله نظامًا للدولة والمجتمع وحَكَمًا بينها وبين الرعيّة، لما اعتمدت تلك الوسائل في التعامل معهم. فالإسلام حرّم على الحاكم هذا النمط من التعامل مع الرعيّة.

ولنلق نظرة على بعض أحكام الإسلام في هذا المجال.

فأمّا الاعتداء على الرعيّة بتعذيبهم والتجسّس عليهم وانتهاك كراماتهم وحرماتهم، فلقد حرّم الإسلام على الحاكم تعذيب الناس وإيذاءهم. روى مسلم عن هشام بن حكيم قال: «أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا». وقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ…» (الحديث رواه مسلم عن طريق أبي هريرة). كما أنّ الإسلام حرّم الاعتداء على حُرُمات المسلمين وكراماتهم وأموالهم وأعراضهم وهتك حُرمات بيوتهم. قال عليه الصلاة والسلام: «… كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» (طرف من حديث رواه مسلم من طريق أبي هريرة). وقال وهو يطوف حول الكعبة: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا» (رواه ابن ماجة من طريق عبيد الله بن عمرو). وقال: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» (رواه البخاري ومسلم من طريق عبد الله بن مسعود). وقال في حرمة البيوت: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ» (رواه مسلم من طريق أبي هريرة). وعن سهل بن سعد الساعدي قال: «اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم  وَمَعَ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم  مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ» (رواه البخاري ومسلم). وقال  صلى الله عليه وسلم : «مَنْ اطَّلَعَ عَلَى قَوْمٍ فِي بَيْتِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ» (رواه أحمد من طريق أبي هريرة).

وكذلك حرّم الإسلام التجسّس على المسلمين ومراقبتهم وملاحقتهم وتفحُّص أخبارهم السرّية والخاصّة. كما حرّم أن يكون المسلم جاسوسًا على المسلمين، قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا [ [الحجرات 12]، والرسول  صلى الله عليه وسلم  قال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» (رواه البخاري ومسلم من طريق أبي هريرة)، وقال: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ» (رواه أحمد من طريق أبي برزة الأسلمي). فالآية والأحاديث تُحرِّم على المسلمين أن يتجسّسوا على المسلمين،  كما تحرِّم عليهم أن يتتبّعوا عوراتهم، وتُهدِّدهم بأنّ من يتتبّع عورات المسلمين فإنّ الله سيتتبّع عوراته ويفضحه. كما وردت أحاديث تُحرِّم على المسلمين العمل في أجهزة المخابرات للتجسّس على المسلمين. فقد روى المِسْوَر عن النبي  صلى الله عليه وسلم  أنّه قال: «مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْلَةً فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُ مِثْلَهَا مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ كُسِيَ ثَوْبًا بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَكْسُوهُ مِثْلَهُ مِنْ جَهَنَّمَ…» (رواه أبو داود وأحمد).

وكما يحرم التجسّس على المسلمين، فإنّه يحرم التجسس على الرعايا من أهل الذمّة، لأنّ لهم ما للمسلمين من الإنصاف، وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف. والرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم  أوصى بهم خيرًا ونهى عن إيذائهم، حيث قال: «من ظلم معاهدًا، أو كلّفه فوق طاقته فأنا حجيجه إلى يوم القيامة» (رواه يحيى بن آدم في كتاب الخراج). وقال عمر: «أوصي الخليفة من بعدي بذمّة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  خيرًا أن يوفّي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلَّفوا فوق طاقتهم» (رواه يحيى بن آدم).

وأمّا تفويض أمر الناس للعسكر والأجهزة الأمنية، وتحويل الدولة إلى الحكم العسكري أو ما يسمّى بالحكم البوليسي، فقد حرّم الإسلام أن يكون الحكم بوليسيًّا. فالحكم والسلطان في الإسلام هو رعاية شؤون الناس بأحكام الشرع. وهو غير القوّة، فالقوّة في الدولة ليست رعاية لشؤون الناس، ولا تصريفًا لأمورهم. أي هي ليست السلطان، وإن كان وجودها وتكوينها وتسييرها وإعدادها لا يتأتّى بدون السلطان، وهي عبارة عن كيان مادّي، يتمثّل في الجيش ومنه الشرطة، يُنفِّذ به السلطان الأحكام، ويَقْهَر به المجرمين والفسقة، ويَقْمَع به الخارجين، ويصدّ به المعتدين، ويتّخذه أداة لحماية السلطان، وحماية ما يقوم عليه من مفاهيم وأفكار، وحملها إلى الخارج.

ومن هذا يتبيّن أنّ السلطان غير القوّة، وإن كان لا يمكن أن يعيش إلّا بها، وأنّ القوّة غير السلطان، وإن كان وجودها لا يتأتّى بدونه. لذلك لا يجوز أن يصبح السلطان قوّة، لأنّه إن تحوَّل السلطان إلى قوّة فسدت رعايته لشؤون الناس، لأنّ مفاهيمه ومقاييسه تصبح مفاهيم ومقاييس للقهر والقمع والتسلّط، وليست مفاهيم ومقاييس لرعاية شؤون الناس، ويتحوَّل إلى حكم بوليسي، ليس له إلّا الإرهاب والتسلّط والكبت والقهر وسفك الدماء.

وكما لا يجوز أن يصبح السلطان قوّة، كذلك لا يصحّ أن تكون القوّة سلطانًا، لأنّها ستصير تحكم الناس بمنطق القوّة، وترعى شؤون الناس بمفاهيم الأحكام العسكرية، ومقاييس القمع والقهر. وكلا الأمرين يسبّب الخراب والدمار، ويولّد الرعب والخوف والفزع، ويوصل الأمّة إلى حافّة الهاوية، مما سيوقع أفدح الضرر بالأمّة. وما حكم العسكر في البلاد العربية والإسلامية إلّا خير شاهد على ذلك.

وأمّا ما يتعلّق بالأحكام العرفية التي تفتح المجال أمام الحاكم والعسكر لاعتقال الناس دون بيّنة، ولحجز أموالهم ومنعهم من حقوقهم، ومعاقبتهم دون حكم محكمة، فهذا أيضًا لا يجوز في شرع الإسلام. فالأصل في الشرع براءة الذمّة. ودليل ذلك ما روي عن وائل بن حجر قال: «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لِأَبِي. فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ  صلى الله عليه وسلم  لِلْحَضْرَمِيِّ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ. فَقَالَ: لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ»(رواه مسلم). وقال عليه الصلاة والسلام: «البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر» (أخرجه البيهقي بسند صحيح). والحديثان يدلّان على أنّ المدّعَى عليه بريء حتّى تثبت إدانته.

كما أنّه لا يجوز أن يعاقب أحد إلّا بحكم محكمة. قال عليه الصلاة والسلام: «من أخذت له مالًا فهذا مالي فليأخذ منه، ومن جلدت له ظهرًا فهذا ظهري فليقتصّ منه» (أخرجه أبو يعلى). وقد قال الرسول  صلى الله عليه وسلم  ذلك وهو حاكم، وهو يعني: من عاقبته دون حقٍ فليقتصّ منّي، وهو دليلٌ على تحريم أن يعاقب الحاكم أحدًا من الرعيّة من غير أن يثبت عليه ارتكاب ذنبٍ يستحقّ عليه هذه العقوبة. وفي قصّة الملاعنة قال النبيّ  صلى الله عليه وسلم : «لو كنت راجمًا أحدًا بغير بيّنة لرجمتها» (متفق عليه)، وهذا يعني أنّه لم يرجمها لعدم وجود بيّنة مع وجود شبهة فيها. وهذا دليل على أنّ الحاكم لا يجوز له أن يوقع عقوبة على أحد من الرعيّة إلّا بعد أن يرتكب ذنبًا نصّ الشرع على أنّه ذنب، وبعد أن يثبت ارتكابه هذا الذنب أمام قاضٍ له صلاحية القضاء في مجلس قضاء. وإذا جاز للحاكم أن يحبس المتّهم بذنب قبل ثبوت التهمة ريثما يقدّم للمحاكمة للبتّ في أمرها، فإنّ هذا الحبس لا بدّ أن يكون مدّة محدّدة، ولا يصحّ أن يحبسه من غير تحديد مدّة، وأن تكون هذه المدّة قصيرة، ودليل ذلك ما أخرجه الترمذي وأحمد: «أنّ النبيّ  صلى الله عليه وسلم  حبس رجلًا في تهمة، ثمّ خلّى عنه»، وفي رواية للحاكم: «أنّ النبيّ  صلى الله عليه وسلم  حبس في تهمة يومًا وليلة»، وعند البيهقي «أنّ النبيّ  صلى الله عليه وسلم  حبس رجلًا في تهمة ساعة من نهار ثمّ خلّى عنه». وكلّ هذا دليل على أنّه لا بدّ من تحديد المدّة لهذا الحبس، وأن تكون أقلّ مدّة ممكنة، لأنّ الرسول  صلى الله عليه وسلم  حبسه ثمّ خلّى عنه، وأنّه حبسه يومًا وليلة، وأنّه حبسه ساعة من نهار، علمًا بأنّ هذا الحبس ليس عقوبة وإنّما هو حبس استظهار لينكشف به بعض ما وراءه.

هذا بعضٌ من المسافة الشاسعة التي تفصل بين عدل الإسلام وظلم الأنظمة التي تحكم المسلمين في هذا العصر وتسومهم سوء العذاب. نسأل الله تعالى أن يعجّل لنا بالفرج، دولةً إسلامية راشدة، يَعِزّ فيها الإسلام وأهله، ويَذِلُّ فيها الشرك والنفاق والظلم وأهله، إنّه سبحانه سميع مجيب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *