العدد 354-355 -

رجب وشعبان 1437هـ – نيسان / أيار 2016م

التغيير في اليمن آتٍ بإذن ربه رغم أنف الرافضين

بسم الله الرحمن الرحيم

التغيير في اليمن آتٍ بإذن ربه رغم أنف الرافضين

 

م. شفيق خميس-اليمن

بالرغم من مضي خمس سنوات، من العام 2011م،  إلا أن الخوف من الشباب الذين يشكلون من 60 إلى 70 % من تعداد السكان في اليمن، لا يزال قائمًا إلى اليوم، فشباب اليمن لم يستسلموا من إحداث تغيير حقيقي في حياتهم، بدليل توجيه الأعمال السياسية تجاههم من أطياف الوسط السياسي في اليمن المؤيد منهم لثورتهم، والمعارض الذي قامت عليه الثورة. والأخير الذي بدأ ثائرًا ثم تحالف تحالفًا غريبًا مع من شارك في الثورة عليه، فجميع هؤلاء يقومون بالأعمال السياسية التي تستهدف صرف الشباب عن التغيير بكل الوسائل كإيفادهم إلى خارج اليمن، وإلقامهم الوظائف، وإشغالهم بمنظمات المجتمع المدني ومن هم على شاكلتهم، أو بتجنيدهم للقتال… ووجه هؤلاء خطابهم إلى الشباب بالانضواء تحت قيادتهم. فعلي صالح يقوم بالعمل على جعل الشباب تحت قيادته ومهاجمتهم إن هم أبَوا، ويتهمهم بأنهم في ثورتهم ليسوا سوى ضحايا لمخططات غيرهم، وأنهم لم يكونوا سوى مقلدين لما جرى في تونس ومصر، ونسي بأن حال الشباب واحد في جميع تلك البلاد، وهو ما انفك يكرس جهوده لجعل الشباب يبدون ندمهم على فعلهم في 2011م، ويسلط جهوده لتطويعهم وإبعادهم عن التغيير الحقيقي، ويصمهم بالإرهاب إن هم أرادوا التغيير، وتستمر أحزاب اللقاء المشترك من غير حياء في دعوتها للشباب للعمل تحت قيادتها، بعد أن فعلت بهم ما فعلت في الاستحواذ على جهودهم، وترؤسها لحكومة الوفاق 2012م – 2014م وسوء إدارتها. أما الحوثيون فإنهم ما فتئوا يسوقون آلاف الشباب إلى قتال لا ناقة لهم فيه ولا جمل.

ومع أن منظمات المجتمع المدني قد بدأت بالظهور في اليمن قبل العام 2011م كتهيئة للدعوة إلى الدولة المدنية التي أطلقتها هيذر رئيسة المعهد الديمقراطي الأميركي في اليمن من ساحة التغيير في صنعاء في شهر آذار/مارس 2011م، ولم يكن الشباب في الساحة حينها يعرفون أنهم يساقون للدعوة إلى الدولة المدنية. وقد قامت أحزاب اللقاء المشترك بتبني الدعوة إلى الدولة المدنية بوصفها حلًا ومخرجًا ومطلبًا لشباب التغيير في اليمن، مستخفين بقدرة الشباب على فهم الالتفاف على مطلبهم التغييري وتغيير نمط العيش البائس في السياسة والاقتصاد والتعليم، ومراهنتهم على الوقت الطويل الذي يتطلبه الشباب ليعوا حقيقة الدولة المدنية ورفضها.

ولصرف الشباب عن التغيير، بدأت خطة إبعاد أعداد منهم ومن قياداتهم من الساحات عن طريق سماسرة موجودين في الساحات، وبتواطؤ من النظام الحاكم، وإرسالهم في دورات إلى كل من تركيا والقاهرة وبيروت وطهران ومن ثم إلى عواصم غربية؛ لصياغة عقولهم في كيفية إعادة صياغة أنظمة الغرب وأفكاره، ومن ثم جعلهم مروِّضين للشباب في الساحات للقبول بالتغيير المستورد؟!

ووسط الاختناق الذي أُلجئ إليه الشباب وعدم تصورهم الدقيق حينها لمطلب التغيير الحقيقي تحت شعارهم المرفوع “الشعب يريد إسقاط النظام” ظهرت منظمات المجتمع المدني كمنقذ، وأن لديها الترياق لما يعانيه الشباب؛ فالتبس مسمى منظمات المجتمع المدني على الشباب ليظنوا أنه الحل، ولكن هيهات هيهات، فجميع منظمات المجتمع المدني مرتبطة بسفارات الدول الأجنبية، وهي وإن كانت بدأت بالسفارة الأميركية، إلا أن السفارات الأوروبية تبعتها ليبلغ عددها 74 منظمة دولية عاملة في اليمن انضوى تحت أجنحتها ما يقارب12500 منظمة مجتمع مدني، فماذا يرجى منها؟ وبدلًا من إنكار أنظمة الغرب وأفكاره التي هي البلاء القاتل وموردتنا للمهالك منذ سُمح لها بالدخول إلى حياتنا لحل مشاكلنا بدلًا من أنظمة الإسلام وأفكاره؛ إذا بنا نسمح مجددًا لتلك المنظمات التي تكرس الارتباط بدول الغرب وتعيد إنتاج أنظمته وأفكاره للتدخل في حياتنا. وإن جميع من يريدون إبقاء النظام على ما هو عليه وعدم إسقاطه قد ركبوا موجة منظمات المجتمع المدني، ووصم من يرفضونها ولم ينخرطوا فيها بتهمة الإرهاب على الطريقة الغربية “كان هؤلاء الذين بحثوا في الافتراضات الخاطئة التي سوغت للحرب يتعرضون للهجوم بوصفهم غير وطنيين. أما من أشاروا إلى الأدلة الزائفة والتناقضات الصارخة فقد اتهموا بدعم الارهاب” [كتاب هجوم على العقل آل جور ص91] ففي غياب المنظمات الدولية الغربية الـ 70 العاملة في اليمن مع منظمات المجتمع المدني أصبح يدعى جهارًا لعودتها، تقول كريمة الحكيم رئيسة مؤسسة فجر الغد للحقوق والحريات: “لقد أصبح الشباب يعيشون فراغًا وشتاتًا واسعين، دفعهم للقيام بممارسات اقترب معظمها من العمل الإرهابي….” [صحيفة اليمن اليوم. العدد 1306/3مارس 2016م]

وأصبح الشباب يوهَمون بأن المنظمات الدولية الغربية ذات الطابع الاستعماري هي من ستقوم بالتنمية وسد عجز البطالة في اليمن. فقد أفسح لها المجال أكثر بعد 2011م لإهدار طاقات الشباب وحرفها عن وجهتها المنتجة للتغيير على أنها ستقودهم إلى التنمية، وهذه دعوة باطلة ومغالطة للشباب، حتى أصبح يروج وينادي ببقائها، أمثال إبرهيم المحني الأمين العام لمنظمة جسور اليمن الجديد الذي يقول: “مع الأحداث التي شهدتها اليمن، تغيرت الخارطة بشكل عام ،وكان من مخرجات ذلك مغادرة المانحين الدوليين ما أثر سلبًا على استمرار عجلة التنمية خصوصًا على أنشطة الشباب الذين يرون في منظمات المجتمع المدني المتنفس والمكان الملائم لتنمية قدراتهم” [صحيفة اليمن اليوم العدد 1306/ 3مارس 2016م]. وأمثال خليل الشجني نائب رئيس المجلس المحلي للشباب بذمار الذي يطالب بعودتها فيقول: “عودة الجهات المانحة تشكل نقطة تحول في حياة الشباب ودورهم الوطني والمجتمعي لسد عجز البطالة عن العمل، إلى جانب العديد من الأسباب التي تجعلنا نوجه الدعوة لمواجهة تحديات الشباب الراهنة” [صحيفة اليمن اليوم العدد 1306/ 3مارس 2016م]

من جهة ثانية، تم الزج بالشباب في الصراع العسكري الدائر في اليمن على جبهتي القتال منذ تحالف الحوثي صالح ودخولهم صنعاء بقوة السلاح في 2014/09/21م، وتمددهم للسيطرة على كامل اليمن، ومن ثم انضمام القوى الإقليمية بجانب القوى المحلية في الحرب لتحقيق مصالح القوى الدولية المتصارعة على اليمن في 26/03/2015م وحتى الآن؛ لصرف جهودهم وتفكيرهم عن التغيير، ولإفراغ طاقاتهم سدى، وذهاب الآلاف منهم خدمة لمخططات بريطانيا وأميركا في اليمن، ولضخ مزيد من الشباب في جبهات القتال رفع علي صالح والحوثي في 11/10/2015م سيفًا مصلتًا على رقاب الشباب يحمل اسم وثيقة الشرف القبلية التي أنشئت لتجبرهم على الانخراط في جبهات القتال، وان لم يفعلوا فهم متهمون بالخيانة، وبالتالي يجري إيذاؤهم ومحاربتهم في قبائلهم ووظيفيًا في مرافق عملهم. وبدلًا من أن يَعتبر علي صالح بما حلَّ بمن هم مثله ممن حكموا وظلموا، كمثل ما حل بمبارك من سجنه والوقوف أمام المحاكم بعد الصولجان والهيبة، وما حل بمعمر القذافي من الإهانة والقتل… ذهب صالح إلى التحالف “الذي وضعه له معهد التشاتم هاوس البريطاني في نيسان/أبريل 2012م للحفاظ على نفوذ بريطانيا السياسي في اليمن”مع الحوثي بغية عدم ترك الساحة خالية للحوثيين الذين يستخدمهم الأميركان لبسط نفوذهم السياسي محل النفوذ السياسي البريطاني. والآن وسط الوضع الاقتصادي المتردي في اليمن يخطَّط للخليج بأن يستقبل الشباب المهاجر إليه من اليمن بعد أن تباطأ في تقديم 6 مليارات دولار لنظام صالح كتوصيات لمؤتمر لندن للمانحين في تشرين ثاني/نوفمبر 2006م.

  إن السنوات الخمس الماضية منذ 2011م، لم تضِع سدى على الشباب، فالتغيير ليس عبارة عن تغيير أشخاص فحسب، وإنما هو قلع نظام حكم غريب علينا من جذوره، والإتيان بنظام حكم غيره منبثق من جنس عقيدتنا مكانه؛ ليتسنى لهم التغيير الحقيقي، وكذلك التصدي للقوى الدولية المتصارعة على اليمن (بريطانيا وأميركا) وعدم الانخراط في مخططاتهما، وإن الوسط السياسي في اليمن بشتى أطيافه موبوء، فهو مضبوع بثقافة الغرب الذي أخذ أنظمة الغرب وأفكاره، وهو يروج لمخططاته، وينخرط في الأعمال السياسية التي تحقق مخططاته السياسية. فها هو تحالف الحوثي صالح في الشمال، والصراعات الدموية في الجنوب، إنما هو تكرار لما مضى من الصراع الاستعماري بين بريطانيا وأميركا في اليمن بأيدي محلية ورعاية إقليمية.

ليس لدى علي صالح للشعب اليمني سوى توريث حكم اليمن لأولاده من بعده، ويشترك معه الحوثيون في توارث حكم اليمن لأولادهم؛ أما أحزاب اللقاء المشترك فليس لديهم غير التنافس بالتناوب على القيادة لحزب من بعد حزب، ويتفق جميعهم على الدولة المدنية؛ ما يعني بقاء الحال كما هو عليه، وذهاب التغيير أدراج الرياح. وهذا ما لم يعد في حسبان الشباب في اليمن؛ لأن ثورتهم لابد أن تستكمل وتحدث تغييرًا حقيقيًا؛ وذلك بحسب ما قاله عثمان بخاش رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير “ولقد سبق أن ناشدنا، منذ أول 2011م، مرارًا أهلنا في مصر وتونس وغيرها أن يستكملوا الثورة بدفن النظام الاستعماري وإقامة دولة الخلافة، وما سوى ذلك فالثورة مبتورة ولم تستكمل هدفها بتحطيم الهيمنة الاستعمارية” [صحيفة  الراية العدد 67/22 جمادى الآخرة 1437 هـ] وإلا فسيعودون أدراجهم يائسين؛ لأن ذلك سيعيدهم كالعبد الآبق ذليلًا إلى سيده؛ فينتقم منه أيما انتقام، وإن عليهم إدراك كيف يكون التغيير على أساس مبدئي بأن يغيروا على أساسه النظام الحالي إلى نظام هم يرتضونه لأنفسهم مبني على عقيدتهم وأنظمة الحكم المنبثقة عنها، وهذا ما ذكره عثمان بخاش بقوله: “وفي هذا دلالة كبرى على أن النظم العلمانية التي فرضها الغرب، سواء في تركيا أم في تونس أم في سواهما… تلفظ أنفاسها الأخيرة” [صحيفة  الراية العدد 67/22 جمادى الآخرة1437  هـ].

فلينظر الشباب كيف أن الغرب يبحث مفكروه اليوم عن بديل عن الدولة المدنية صاحبة فصل الدين عن الحياة، وبديل عن الديمقراطية، وهم في الوقت نفسه يدعوننا لأخذها كي نبقى دائمًا وراءهم ومتخلفين عنهم في السباق الحضاري. وهذا لا يعني سوى أن دورة الحياة للتبديل الحضاري قد أوشكت على بزوغ الحضارة الإسلامية مقابل أفول الحضارة الغربية التي تصارع لتبقى حية. ودور الشباب في رفض كل معالجات مشاكل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وفق المبدأ الرأسمالي الحالي وأنظمة حياته، وبالتالي نظر الشباب إلى مشاكلهم وإلى العالم من زاوية عقيدتهم الإسلامية وما سينتج عنها من أنظمة الحياة، والتي سيقوم بتطبيقها نظام سياسي واحد هو دولة الخلافة على منهاج النبوة، تحكمهم بالإسلام، وتجمع شتاتهم في العالم، وتجعلهم أقوياء بعد ضعف، متآخين غير متناحرين كما هم اليوم، واقتصاديًا ينعمون بثرواتهم التي حرمهم الغرب منها، وصناعيًا ينهضون، وزراعيًا يزرعون، وتعليميًا يضعون مناهجهم التعليمية بأنفسهم لتنتج حشود العلماء كما كان أسلافهم من قبل، واجتماعيًا بحيث تعود الطمأنينة إلى حياتهم، ودعويًا بدعوة غيرهم من المسلمين للانضمام إليهم عاجلًا غير آجل؛ وهذا ما يخشاه الغرب لأنه سيكون سببًا في انقطاع نفوذه وسيطرته على اليمن، وهذا ما دفعه للعب بورقة  إيصال الإسلام المعتدل إلى الحكم حتى لا يتغير المشهد كثيرًا ويبقى في ظله وتحت سيطرته، وكذلك اللعب بورقة تشويه الخلافة والإسلام لينفر المسلمين والعالم أجمع من إسلام الحكم، ولكن خاب مسعاه فلن يفلح بعون الله. فالتغيير في اليمن، كما في سائر بلاد المسلمين، آت بإذن ربه، وصدق قول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ   .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *