العدد 353 -

السنة الثلاثون العدد 353 جمادى الثاني 1437هـ ،آذار/نيسان 2016م

مسلمون أم إسلاميون

بسم الله  الرحمن الرحيم

 

مسلمون أم إسلاميون

أبو راتب- الخليل

 

يعتبر التفاهم بين الناس من ضروريات الاتصال والتعامل فيما بينهم. فكانت اللغات من أهم الأدوات للتعبير عما يدور في الأذهان وتتصوره العقول، وإنه وإن كانت اللغة لا تعبر عن الحقيقة دائـمًا لأن الذي يعبر عن حقيقة الواقع هو الفكر فإنها أي اللغة لازمة عند إيصال الفكر إلى الآخرين  بالكلام أو التدوين، وهي الوعاء للفكر وليست الفكر. وألفاظ اللغة منها ما هو خاص بوجهة نظر معينة مثل كلمة الحرية ومعناها عند الديمقراطيين، ومثل كلمة البيعة عند المسلمين، ومنها ما لا علاقة له بوجهة النظر وهي الألفاظ التي اصطلح عليها في أصل الوضع وبقيت على وضعها، وهناك المصطلحات ذات الاختصاص والتي لا علاقة لها بوجهة النظر كذلك، مثل كلمة جراحة في مجال التطبيب.

  والأصل أن تكون اللغة العربية لغة المسلمين إذا تيسر لهم ذلك؛ لأنها لغة القرآن الكريم وبها يفهم الإسلام. وبالاستقراء يتبين أن اللغة العربية تحتوي على ثلاثة ألفاظ، منها الألفاظ ذات الحقيقة اللغوية الوضعية مثل كلمة الشمس والقمر أو كلمة التاريخ وهكذا. وهناك الألفاظ العرفية التي وقع التعارف عليها مخالفة للأصل، ومخالفة للمدلول الذي وضعت له، مثل كلمة الدابة التي كان مدلولها في الوضع هي كل ما يدب على الأرض، واختصت فيما بعد بالدابة التي نعرفها وتمشي على أربع. وأما الثالثة فهي الحقيقة اللغوية الشرعية، وهي الاسم الشرعي مثل كلمة الحج والصلاة والجهاد، ومثل كلمة المسلمين  التي لا بد من الحرص عليها وعلى كل حقيقة، وينبغي استعمالها كما هي وكما وردت للمدلول الذي جعلت له؛ لأن الإسلام نهى عن تسمية الأفعال أو الأشياء بغير مسمياتها (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا )

 ونحن المسلمين اليوم إذ نصارع صراع الحضارات، فإن كلمة المسلمين لم تسلم حتى هي من المغالطة  والتضليل، ولا يلجأ إلى المغالطة والتضليل إلا من أفلس وافتقر إلى الحجة والبرهان، في حين أننا حين نصارع أفكار الكفر والأسس التي بنيت عليها ننقضها بالحجة والبرهان، ولا نلجأ إلى ما يلجأ إليه الأعداء من مغالطة وتضليل، وحين يبث بيننا كلمة الإسلاميين مثلًا نجد الكثير من رجال الصحافة وغيرهم من الكتاب يستعملونها لتدل على فئات أو جماعات من المسلمين، ما هو إلا مغالطة  وتضليل للتمييع وخربطة الأوراق، ومتى كان المسلمون إسلاميين. حتى إن استعمال هذه الكلمة لهذا المدلول ما كان إلا حديثًا جراء ما تقدم .

  وبالرجوع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الصحابة ومن أتى بعدهم لم نجد لهذه الكلمة استعمالًا لهذا المدلول ولا  لغيره أبدًا، وما ورد في القرآن الكريم لهذا المدلول قوله تعالى (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ )، وفي قوله (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ )، وفي قوله (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ). وهنالك الكثير من الآيات بهذه التسمية ولهذا المدلول.

  وفي الحديث قوله عليه الصلاة والسلام (المسلم أخو المسلم)، وقوله تعالى (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده). وكلمة المسلم كانت في الحقيقة الوضعية معناها المطيع المنقاد، ثم صار مدلولها في الحقيقة الشرعية الذي آمن بالله ورسوله، والجمع لكلمة المسلم هو (المسلمون)، وهم الذين يشهدون الشهادتين طبقًا للحقيقة الشرعية  كما هي في الكتاب والسنة، وليس لنا أن نخالف ذلك ونقول عن بعض المسلمين (إسلاميون أو إسلاميين) ليكون مفردها إسلامي.

  ولكن ليس معنى  ذلك أن كلمة (إسلامي) لا وجود لها في اللغة العربية؛ لأن التصريف والتنسيب  موجود في اللغة العربية، وهو جائزٌ هنا لغير العاقل، كأن تقول بلد إسلامي نسبة إلى الفتح الإسلامي، أو تقول فهم إسلامي ومفاهيم إسلامية ومجتمع إسلامي، وأما ما كان عالمـيًا فلا ينسب إلى الإسلام؛ لذلك لا يقال تطبيب إسلامي لأن التطبيب عالمي، وعليه فإن استعمال كلمة إسلاميين بدل من مسلمين يكون مخالفًا للحقيقة اللغوية الشرعية. هذا من ناحية، وأما من الناحية اللغوية فإن اسم العاقل مثل المسلم يجمع جمع المذكر السالم؛ فيكون مسلم مسلمون والمفرد المذكر لغير العاقل كبلد إسلامي يجمع بالمفرد المؤنث فنقول بلاد إسلامية؛ فلا يوجد إذًا حتى من الناحية اللغوية جمع ينتهي بالإسلاميين. وعليه فلا بد  من الحذر تجاه هذا النوع من التضليل والالتزام بتسمية الأفعال والأشياء بمسمياتها كما وردت في الحقيقة اللغوية والشرعية.q

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *