العدد 352 -

السنة الثلاثون جمادى الأولى 1437هـ – شباط / آذار 2016م

بالحق والعدل تنهض الأمم لا بالظلم والقهر

بالحق والعدل تنهض الأمم لا بالظلم والقهر

 

يشيع البعض بأن إقامة الدول تحتاج إلى حزم وقسوة ولو أدى ذلك إلى ظلم الناس، بحجة أن تثبيت أركان الدولة وبسط هيبتها وفرض تماسكها هو الأولوية. لذلك تجدهم يلتمسون الأعذار لحكام الجور والعسف والاستبداد، الذين يسيئون رعاية شؤون الناس، يبطشون بهم وينشرون فيهم الرعب، كصدام حسين والقذافي والأسد وغيرهم من حكام المسلمين.

إلا أن المدقق في هذه المقولة يجد تداعياتها على عكس ما يفترضون، فالظلم والبطش والقسوة والجبروت من أشدِّ العوامل فتكاً بالدول عبر التاريخ، وهي مدعاة لتفكيك المجتمعات وباعث على الثورات والانقلابات لا على النهضة والاستقرار، فالمجتمع المهان يصبح غيرَ قادرٍ على العطاء والإبداع، وتنمو فيه النفوس على الضغينة والثأر والشغف بالانتقام.

لذلك فإن ما يفعله هؤلاء الحكام من انتهاج خط الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي أعمل السيف في رقاب المسلمين وأقام السوط مكان الرحمة والعدل، هو الذي أورث الأمة الشقاق والبغضاء، وحوَّل الدولة الإسلامية من دولة رحيمة إلى سلطة جبرية يدور كل شيء في فلكها وحولها ولأجلها! وما نشاهده اليوم من سَوق الجماهير إلى صراعات دموية عبثية في عموم بلاد المسلمين هو في أحد أبعاده نتيجة ذاك الاحتقان الخانق المتراكم الذي سكن النفوس فجاء من يؤججها ويفجرها بين أبناء الأمة الواحدة. كما أن المقياس الصحيح يؤخذ من النصوص والقواعد الشرعية التي تنص صراحة على خلاف هذا المنهج الفاسد.

يقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا )، ويقول (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ). ويقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )  قال المفسرون: أي لا يحملنكم شدّة بغضكم للمشركين على ترك العدل فيهم، أو نقض العهد تشفيًا مما في قلوبكم. فإذا كان هذا العدل مطلوباً مع المشركين فما ظنك بالعدل مع المؤمنين؟ وعن معقل بن يسار (رضي الله عنه) قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرّم الله عليه الجنة». فمن ولاّهُ الله تعالى شؤون خلقه وجب عليه أن يحوطهم بالنصح، ويحكمهم بالعدل، ومن قصّر في حق من حقوق الرعية فهو غاش للأمة، مستحق للوعيد الشديد. يقول الإمام الماوردي صاحب كتاب الأحكام السلطانية في القواعد التي تصلُح فيها الأمة: «ومنها العدل الشامل الذي يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطاعة، وتتعمر به البلاد، وتنمو به الأموال ويكثر معه النسل، ويأمن به السلطان ..»

في السياق ذاته، كتب والي خراسان الجراح بن عبد الله إلى الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز: «إن أهل خراسان قومٌ ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن في ذلك. فكتب إليه عمر: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت؛ بل يصلحهم العدل والحق، فابسط ذلك فيهم. والسلام.»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *