العدد 345 -

السنة الثلاثون شوال 1436هـ – تموز/ آب 2015م

يسير وراء الغرب في محاربة الإسلام (داخلياً وخارجياً) (2)*

بسم الله الرحمن الرحيم

يسير وراء الغرب في محاربة الإسلام (داخلياً وخارجياً) (2)*

 

أبو عبد الله – بلاد الحرمين الشريفين

 

بين سطوة «رجال الدين» وسيطرة الليبراليين!

استمد حكام آل سعود – منذ بداية حكمهم لهذه البلاد – ما أسموه شرعيتهم في حكم هذه البلاد بادعاءاتهم المتكررة بحفاظهم على صحيح الدين الإسلامى، وحماية عقيدة التوحيد السليمة، وتزييف حقيقة حكمهم وإلباسه لبوس الدين والدفاع عنه، وحمايتهم لمنهج أهل السنة والجماعة (جريدة الحياة 03-01-2014م)، في مواجهة خطر التشييع ومواجهة البدع التي أوهموا الناس بها. إضافة إلى ادعائهم بانفرادهم – كدولة – بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.

وعلى ذلك نجد منذ بداية حكمهم وهم يعطون نفوذاً واسعاً لمشايخهم وعلماء بلاطهم ولهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – التي أصبحت حتى وقت قريب كالسيف المسلط على رقاب الناس – ويسمحون بزيادة نفوذهم وتوغله في المجتمع، بحجة تطبيق صحيح الدين والمحافظة عليه، وهم في حقيقتهم متسلطون على رقاب العباد، يفتنون الناس في دينهم وينفرون الناس منه، سواء بجمود في الفكر أم بسوء معاملة وغلظة في التعامل مع الناس تحت مسمى وعظهم وإرشادهم، ويضمنون بهم استقرار الحكم للأسرة الحاكمة من غير أن ينافسهم في حكم البلاد أحد، مجهضين أي محاولة لمحاسبتهم أو لتغيير الواقع المفروض على أهل هذه البلاد. إضافة إلى إحكام السيطرة على الناس بدعاوى حرمة الخروج على الحاكم (جريدة الشرق 05-11-2012م)، واعتبار كل من يفكر في ذلك باغياً يجب قتاله (جريدة الرياض 22-04-2014م)، وتحريم الأحزاب والجماعات (الاقتصادية 24-04-2014م) التي تدعو إلى تغيير الواقع الأليم الذي يعيشه أهل بلاد الحرمين ليفرقوا بذلك كلمة المسلمين ويمنعوا قيام أى عمل جماعي لفضح خيانتهم. وغيرها من الفتاوى التي لا تنقطع لإجهاض أي محاولة لزعزعة استقرار الحكم لهؤلاء الحكام. إضافة إلى التركيز في دروسهم على جوانب مجتزأة من العقيدة والتوحيد والعبادات، وإغفال أي أمور متعلقة بالجوانب السياسية للدولة، مسقطين أي علم له علاقة بتسيير أمور الأمة ورعاية شؤونها وتمييع أمور محاسبة الحكام، ليُفردوا حكام آل سعود بالأمور السياسية يتصرفون فيها كما يشاؤون دون وجود من يحاسبهم أو يقف لهم، حتى إن أحد المشايخ وقف يعظ طلاب العلم بأن يتفرغوا للدراسة، وأن يتركوا السياسة لأهلها (المدينة 18-02-2014م). وكم من خطبة، وكم من درس، وكم من فتوى، وكم من مؤتمر، خرج ليدعو إلى عدم العمل بالسياسة، وتحريم تكوين أحزاب وجماعات، ووجوب طاعة ولاة الأمور.

إلا إنه في الأعوام الماضية بدأت الأسرة الحاكمة في محاولات عدة ملحوظة للحد من صلاحيات المشايخ والعلماء والدور المؤثر لهم في المجتمع السعودي في مقابل زيادة نفوذ أصحاب الأفكار العلمانية والليبرالية في المجتمع. وبدأ في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز ظهور طاغٍ لمناصري هذه الأفكار ونمو وجودهم في المجتمع، حتى أصبح إبراز الدعاوى العلمانية والليبرالية في المجتمع ظاهراً للعيان، وهي الدعاوى التي كان من المحرمات من قبل الحديث عنها. وأصبحت تذخر الصحف اليومية بكتَّاب للرأي يمجدون العلمانية والمفاهيم الليبرالية، ويدَّعون عدم فهم الناس لها على حقيقتها وما فيها من خير، وينكرون حقيقتها وما فيها من شر وهدم لمفاهيم الإسلام، ويُلبسونها لباس الفضيلة وتحرير العقل وإعلاء شأنه. فأطلقت أيدي هؤلاء العلمانيين في المجتمع تحت دعاوى مكافحة الإرهاب ومواجهة الفكر المتشدد والأصولي، والدعوة إلى الحداثة المدنية والمشاريع الإصلاحية.

ولا تخفي هذه الزمرة من العلمانيين انبهارها بالغرب الكافر، ولا تكف عن التشدُّق بأفكاره وقيمه وأخلاقه، وعن التهجم والسخرية من المسلمين وإنكار أحكام الإسلام وحضارته. فليس من الغريب أن يخرج علينا كاتب اعتاد الهجوم على كل ما هو إسلامي ويشبه حكم الإسلام بحكم الأكاسرة والقياصرة وأنه تقليد لهم (جريدة الجزيرة 26-04-2013م) ويهاجم الحضارة الإسلامية ويقول إن غالبية المسلمين يتوهمون أن الحضارة الإسلامية كانت فريدة من نوعها ولم يسبق لأي أمة قبلهم أن احتضنت حضارة كحضارة المسلمين (جريدة الجزيرة 30-11-2013م). وآخر يدَّعي أن إعادة الخلافة هي من الأحلام المستحيلة، وماهي إلا وهم أسطوري (جريدة الوطن 22-05-2014م). وآخر ينعت الأمة بالبؤس لدعائها على الكفار والعلمانيين والليبراليين، وإنها لا تعرف إلا الجهل والإقصاء والقتل والإرهاب، ويتغنَّى بأمم الغرب وأنها لا تعرف إلا العدل والمساواة والحرية (جريدة الوطن 19-03-2014م). مروراً بكاتب يبدي إعجابه بأخلاق الغرب، وأن لا فضل في أخلاق الإسلام والمسلمين على أخلاق الغرب (جريدة الشرق 20-01-2014م)، وكاتبة تعرف لنا العلمانية بأنها الطريق لكل ما هو خير، وأنها هي نعمة الحياة وبهجة الإنسان وصورة التسامح وابتداء الحرية (جريدة الرياض 13-03-2014م)، وتهاجم حرمة الاختلاط في مقال آخر، وما هو إلا طبيعة التقاء بشرية مكونة من آدم وحواء (جريدة الرياض 17-04-2014م)، ونجد كاتباً يعطينا دروساً في الديمقراطية، ويتغنَّى بالنموذج الأميركي في الانتخابات وفي التسامح وعدم الإقصاء بين المرشحين (جريدة الرياض 18-04-2014م). وغيرها من مقالات وآراء تنشر بشكل يومي تمجد أفكار الغرب وأخلاقياته وأنظمته، وتسفه  المجتمع المحافظ وعاداته وموروثاته الثقافية.

ثم لم يتورع البعض عن عدم التأدب مع الله ورسوله، فتتحول القضية بخبث الإعلام إهانة للإسلام ونشر أفكار إلحادية في المجتمع، إلى قضية رأي وحرية تعبير وحرية فكر. فيفرج عن بعضهم ويحكم على آخرين بأحكام شكلية لذر الرماد في العيون، ثم ما تلبث أن توقف بعفو ملكي أو قانون حكومي…

ولم يسلم المشايخ والعلماء من سلاطة لسان هؤلاء المضبوعين بالثقافة العلمانية الغربية ولا من جانب المسؤولين الرسميين في الدولة. فترك الحكامُ أعداءَ الدين المضبوعين بالثقافة الغربية لينهشوا في العلماء والمشايخ كل يوم في مقالاتهم وصحفهم، وحتى الوزارة المعنية بشؤون الدعوة والإرشاد تقف محذرة ومتوعدة كل إمام وكل خطيب بالإبعاد في حالة عدم الاستجابة للملاحظات والتوجيهات (جريدة الرياض 03-04-2014م)، وكل يوم يتم منع العشرات من الأئمة والخطباء بدعوى التشدد والتطرف ونشر أفكار حزبية. وحتى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طالتها سهام العلمنة، وهي تحت قيادة ذلك العلماني القابع في رئاستها الذي وصف تعيينه بالمزيد من الانفتاح والاعتدال، وبدأت ينسحب دورها تدريجياً من المجتمع، فبدأت هيئة الخبراء في مجلس الوزراء بوضع لوائح تنفيذية لعمل الهيئة الميداني (جريدة عكاظ 24-11-2013م)، بجانب دورات الأمن الفكري المتعددة لأعضاء الهيئة في كافة أنحاء المملكة (جريدة المدينة 07-01-2014م) ودورات ابتعاث خارجي لهم لتعلم اللغة الإنجليزية (جريدة الشرق الأوسط 30-07-2009م) (مجلة سيدتي نقلاً عن جريدة الحياة 12-03-2013م) ودورات الابتعاث. وحتى المظاهر الإسلامية الخارجية التي كانت تعتبر من ثوابت المجتمع وتحرص الهيئة على تطبيقها ومراقبتها مثل إغلاق المتاجر وقت الصلاة، خرج رئيس الهيئة ليصرح بأنه يمكن للعاملين في المتاجر الصلاة داخل أماكن عملهم بدلا ًمن الذهاب إلى المسجد، وأن الهيئة قد تخفف قواعد تفرض إغلاق المتاجر والشركات للصلاة (رويترز 01-01-2014م) (جريدة أراب نيوز 01-01-2014م).

الصراع على السلطة: أفول نجم الأبناء وصعود الأحفاد

وفي هذا الأمر لم يختلف خلف عن سلف. فمنذ نشأة هذه الدولة والصراع على السلطة يعتبر سمة من سماتها، وهو إن كان أمراً غير معلن؛ ولكنه كان ظاهراً لكل متابع مدقق للأمور. وهو الأمر الذي خلَّف حالة من عدم الاستقرار والترقب في المجتمع خاصة في ظل تواتر الأخبار عن صحة الملك، وحالة الجدل والتكهنات حول مستقبل الحكم، ومن سيخلف الملك عبد الله في ظل تردي الحالة الصحية لخلفه سلمان. وصراع الأسرة على السلطة، ومحاولة تصعيد لأسماء ومرشحين بأعينهم من كل فرقة من الفرق المتصارعة التي انقسمت إليها العائلة، وهو الأمر الذي أحدث في المجتمع جدلاً إضافياً حول مشروعية انفراد آل سعود وحدهم في الحكم من الأساس، إلا أن ما زاد من حالة عدم الاستقرار في المجتمع وانقسام العائلة المالكة إلى فرق قرارات التعيينات والتنحيات، التي تصدر تباعاً بإبعاد من يعتبر من أصحاب النفوذ القوي في العائلة الحاكمة، وتمهيد الطريق أمام جيل الأحفاد وخاصة أبناء الملك الحالي للتحكم في مفاصل الدولة. مثل إبعاد محمد بن فهد عن إمارة المنطقة الشرقية، وخالد بن سلطان عن نيابة وزارة الدفاع، وخالد الفيصل عن إمارة مكة المكرمة. وتم استحداث وزارة الحرس الوطنى لابن الملك متعب التي مكنته من حضور اجتماعات رئاسة الوزراء، بجانب تعيين ابنه عبد العزيز نائباً لوزير الخارجية. وتولى ابنه مشعل إمارة مكة المكرمة، وتركي إمارة الرياض. وليبدو أمر انتشار أبناء الملك عبد الله طبيعياً في مناصب الدولة، وما هو إلا إعداد وإدخال جيل الأحفاد إلى مناصب الدولة وإعدادهم لتولى مناصب رفيعة في الدولة، تم تعيين محمد بن سلمان في منصب وزير دولة، وسعود بن نايف أميراً للمنطقة الشرقية. ثم تم استحداث منصب جديد وهو ولي ولي العهد، الذي اختير له الأمير مقرن بن عبد العزيز، في محاولة لإحداث الاستقرار النسبى في المجتمع. وهو القرار الذي رحب به الكثيرون وأبدوا ارتياحهم به (الرياض 29-03-2014م) ، حتى إن أحد الشيوخ وصف مقرن بأنه صمام الأمان للمملكة (الشرق 06-04-2014م)، وهو التعيين الذي فرض حالة من الترقب بين الفرق المتصارعة على الحكم، وجنب البلاد والأسرة الحاكمة – إلى حين – مواجهة كانت قريبة، وفصل جديد من فصول الصراع على الحكم، وفرضت على الجميع إعادة ترتيب الأوراق انتظاراً لما ستشهده الأيام المقبلة. [إن هذا المقال كتب في حياة الملك الراحل عبد الله، وما جاء من تغييرات في المناصب السياسية في عهد الملك الحالي سلمان من عزل أهم الرموز الموالين للملك عبد الله من الحكم، بعد وفاته، وتعيين الموالين له ولسياسته الأميركية لدليل واضح على هذا التوجه الثابت لدى كل من حكم المملكة من آل سعود]

موقف النظام من الثورات وعداؤه للإسلام

 قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «ما من امرئ يخذل امرأً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته. وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته» رواه أحمد. ويبدو أن حكام آل سعود قد حفظوا هذا الحديث الشريف عن ظهر قلب ووعوه، ولا يسيرون خطوة إلا إعراضاً عن هذا الحديث!، فمنذ قيام الثورات في العالم العربى وحكام هذه البلاد لا يألون جهداً لإجهاض هذه الثورات أو حرفها عن مسارها، وهي الثورات التي قامت في الأساس من أبناء هذا الأمة ضد حكامهم عملاء الغرب بسبب سياساتهم التي أدت إلى بؤسهم وشقائهم، فاستضافت بن علي تونس خير استضافة في جدة، وعرضت نفس الأمر على مبارك مصر. وكان موقفها من الثورة المصرية عن طريق أتباعها في مصر العمل بكل جد على تفريق كلمة المسلمين، وبث مشاعر الكراهية والعداء بينهم حتى يتندروا على النظام الساقط. وعملت بكل ما في وسعها على إجهاض ثورة الكنانة خوفاً من امتداد هذا التغيير الذي يحدث في المنطقة إليها، ورفض المسلمون فيها الأنظمة العميلة، وهو الأمر الذي وضح جلياً في مساندة الانقلاب العسكري الذي حدث في مصر منذ اليوم الأول له، فأنفقت بلايين الريالات لدعم الحكومة المصرية الجديدة محاولة منها لإنقاذها من الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تعيشها مصر تثبيتاً لها في السلطة، وبدأت هذه المساعدات بمبلغ 3 بليون دولار (موقع العربية دوت نت 09-07-2013م)، ووصلت إلى دعم بمبلغ 600 مليون دولار شهرياً حتى أغسطس القادم (جريدة الجزيرة 18-05-2014م). هذا غير الدعم السياسى للانقلاب. حتى إن الملك عبد الله خرج بتصريحين يساند فيهما الحكومة المصرية في شهرين متتاليين يعلن دعمه الكامل للانقلابيين ولقتلهم المسلمين في أرض الكنانة تحت حجة القضاء على الإرهاب (جريدة الاقتصادية 16-08-2013م)، ويصرح وزير الخارجية بأن بلاده على استعداد لتعويض مصر بالمساعدات التي هددت بعض الدول الغربية بقطعها (فرانس 24 – 19-08-2014م) وإصدار أوامر ملكية وقرارات من وزارة الداخلية باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية تدعيماً للموقف الحكومي المصري من هذه الجماعة.

ولا يختلف موقف حكام آل سعود من الثورة السورية، التي لا هم لهم إلا حرفها عن مسارها الإسلامي، بعد أن ظهر معدن الثورة الحقيقي بأنها ثورة إسلامية خالصة، لا تقبل بإملاءات ولا بخطط غربية. فعملت الحكومة السعودية على شراء بعض الكتائب تحت مسمى دعمها في مواجهة النظام النصيري، ودعمتهم بالأسلحة وبالمال بغرض إحكام السيطرة السياسية عليهم وتوجيههم للمسار الموافق للخطط الغربية. هذا غير مشاركة السعودية ودعمها لمؤتمر جنيف2  (جريدة الرياض 22-01-2014م) الذي هدف إلى إيجاد مخرج للنظام السوري والتآمر على المشروع الإسلامي في سوريا، مشروع الخلافة الإسلامية الذي أصبح مطلباً لا يتنازل عنه أهل الشام المشتاقين إلى عودة حكم الإسلام وإقامة خلافة إسلامية.

كل هذه المواقف انعكست على المجتمع، فأصبح أهل هذه البلاد في حيرة من أمر حكامهم، من دعمهم ومساندتهم لمن يقتل المسلمين في أرض الكنانة فيدعمهم بالمال وبالمواقف السياسية، ويقف في خندق واحد مع دعاة العلمانية وأعداء الإسلام في مصر والشام. غير أن مواقف بعض المخلصين من علماء ومشايخ وأبناء هذه البلاد لهي دليل قاطع على انفصال حكام هذه البلاد عن أهلها، حيث أصبح كثير منهم يعلنون سخطهم من مواقف الحكومة الداعمة للانقلاب ولقتل المسلمين، يدعون المسلمين لرفع شعارات المطالبة بالشريعة بدلاً من الشرعية الديمقراطية الزائفة، ويصدرون البيان تلو الآخر بتوقيع علماء مخلصين مسجلين دهشتهم واستنكارهم من السكوت عن الجرائم التي تحدث، ومن دول سارعت بالاعتراف بالانقلاب ودعمه. والموقف من الثورة السورية زادت البعد بين الحكام وأهل البلاد، فحين تحترق مشاعر الناس على دماء أهلنا في سورية ويبذلون أموالهم وحتى أرواحهم مناصرة للمسلمين هناك، تضع الحكومة العراقيل وتمنع من يساند المسلمين في الشام بالمال والسلاح والنفس، حتى وصل الأمر إلى الاعتقال لمن يخالف المنع الحكومي، واعتبار من يقوم بجمع هذه الأموال ممن يشعلون الفتن (جريدة الرياض- 10-01-2014م)، هذا غير تهديد وتوعد أبناء بلاد الحرمين ممن يبذلون أرواحهم في الشام انتصاراً للإسلام والمسلمين معتبراً أنهم يشوهون الإسلام ويعودون بأفكار التكفير للمجتمع (الجزيرة 09-04-2014م). ورغم هذا التهديد والوعيد يصر المخلصون على مواقفهم المشرفة المضادة لمواقف آل سعود المخزية.

خاتمة

قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – فيما روي عنه «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله». لقد أدرك الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم، معنى العزة بالإسلام، فآمنوا بالله وبرسوله وبما جاء به من أحكام شرعية تسير بها حياتهم. حملوا الإسلام عقيدة فكرية، ميزان عدل يقيسون به أفكارهم ومشاعرهم وأمور حياتهم، جعلوا سعادتهم الوحيدة في العمل لنيل رضوان الله بطاعته واتباع أوامره، رفضوا أن تبقى العقيدة الإسلامية التي يحملونها حبيسة في صدورهم فاستجابوا لأمر الله تعالى فحملوا الدعوة الإسلامية إلى العالم أجمع، ونشروا الإسلام في ربوع الأرض، وكان خطابهم لطواغيت الأرض «إن الله تعالى ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ظلم الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها وسعة الآخرة». فأقاموا دولة كانت هي الدولة الأولى في العالم، قائدها خليفة مسلم يطبق الشرع الإسلامي، ورسالتها عقيدة إسلامية جاءت لتجب كل ما سواها.

والآن، وبعد أن نجح الكافر المستعمر بمساعدة عملائه في بلاد المسلمين في إسقاط الخلافة الإسلامية وتغييب أحكام الإسلام واستبدالها بقوانينه ونظمه وفكره، أصبحنا أهون الأمم، ولا نجد إلا الذل والهوان من حكام سلطوا علينا، ولا همَّ لهم إلا استرضاء أسيادهم في الغرب، ولا صنعة لهم إلا نهب خيرات البلاد، ولا شغل لهم إلا التمسك بملكهم الزائل. أصبح المسلمون نتيجة لذلك في ضنك من العيش، لا يجدون من يرعى شوؤنهم، لا يجدون من حكامهم إلا فساداً في مجتمعهم وأفكاراً مسمومة تبث ليلاً ونهاراً، فأفسدوا الأجيال بإفسادهم التعليم ونظم المجتمع والأفكار السائدة فيه، وقلب مفاهيم المجتمع ومقاييسه من حلال وحرام إلى مادة ومصلحة وانحلال فكري وعصبية جاهلية وتنازع دنيوي.

إن عزة المسلمين وصلاح حالهم، وقبل هذا كله رضوان الله سبحانه وتعالى، لن يكون إلا في ظل دولة الخلافة الإسلامية، التي تتخذ العقيدة الإسلامية أساساً لها، وتتخذ اتباع الأحكام الشرعية والحلال والحرام مقياساً لها، لا تحكم إلا بأحكام الإسلام، رسالتها حمل الدعوة إلى الإسلام للعالم أجمع، تتبنى مصالح الناس ورعاية شؤونهم. وإن الطريق لهذه الدولة لن يكون إلا بالعمل الجاد والصادق استجابة لقوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، لن يكون إلا بالعمل الجماعي للتصدي لهؤلاء الحكام والإلقاء بهم في مزابل التاريخ، واستبدال حكمهم بحكم إسلامي بمبايعة خليفة مسلم، على كتاب الله وسنة رسوله.

فيا أهل بلاد الحرمين، أيها المسلمون المحبون لدينكم، التواقون لعزته ومجده ورضى ربكم، إننا ندعوكم إلى العمل الجاد المخلص لاستئناف حياة إسلامية خالصة، في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة، نرضي بها الله عزَّ وجلَّ، وتكون لنا بها المنعة والعزة.

قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).q

*نُشِر الجزء الأول من هذا المقال في العدد (341)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *