العدد 234-235 -

العددان 234-235 – السنة العشرون، رجب وشعبان 1427هـ، الموافق آب وأيلول 2006م

سقطت الخلافة فسقطت فلسطين وأخواتها وستعود بعودتها

سقطت الخلافة فسقطت فلسطين وأخواتها وستعود بعودتها

 

بدأت قضية فلسطين مع الموقف العظيم الذي اتخذه آخر خليفة للمسلمين عندما راوده يهود على فلسطين. ذلك أنه لم يكن لفلسطين وأخواتها من ولايات الإسلام  أن تحتل وتغتصب بوجود سلطان الإسلام ودولة الإسلام. وإن كل ما حصل للمسلمين ولبلادهم من تمزيق وإضعاف وهوان، حصل بعد أن تمكن الغرب الكافر من هدم دولة الإسلام، ونفي آخر خليفة للمسلمين إلى سالونيك في اليونان. إن من يدرك أن كل بلايا المسلمين كانت ولاتزال بسبب غياب حكم الله في الأرض بعد زوال الخلافة الإسلامية يعي ويقطع أن عودة العزة للمسلمين مرة أخرى، كما كانت أيام خلافتهم، تحتاج إلى موقف لا يكون أقل قوة من موقف الخليفة عبد الحميد. أما هذا الموقف، فليس هناك مرشح لاتخاذه اليوم إلا خليفة المسلمين القادم قريباً بإذن الله. وسيكون الموقف واحداً ومشتركاً بين أميرين: أحدهم رفض التنازل عن فلسطين، وعندما زالت الخلافة أخذت فلسطين غصباً، والآخر سيعيد فلسطين بعد أن تقوم الخلافة على منهاج النبوة مرة أخرى. هذه هي المعادلة فعلاً: سقطت فلسطين وأخواتها بسبب مباشر ألا وهو سقوط الخلافة، وستعود بعودتها.

وليسمع كل من لديه عقل وبصيرة ماذا قال السلطان عبد الحميد لهرتسل حين راوده عن فلسطين. قال: «إن فلسطين ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، واذا مزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن. أما وأنا حي، فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة العثمانية. من الممكن أن تقطع أجسادنا ميتة، وليس من الممكن أن تشرح ونحن على قيد الحياة». رحمك الله أميرنا، لقد أدركت الأمر حقاً، وأدركت أن سقوط فلسطين هين سهل بتمزق الخلافة. وهاهي فلسطين تذهب بلا ثمن. رحمك الله أميرنا، لقد اعتبرت أن الحياة للمسلمين تكون بوجود كيان لهم وأن موتهم يكون بغياب هذا الكيان. لقد تمثل فيك الإمام الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه أنه الجُنَّة الذي يتقى به ويقاتل من ورائه.  رحمك الله أيها السياسي، لقد كنت تدرك ما يحصل من مؤامرة، وكنت لا تقبل إلا أن تسوس أمتك بسياسة الإسلام. أين أشباه الساسة حكام المسلمين منك اليوم. إنهم أعجز من أن يرعوا قطيع غنم. إنهم يدركون تمام الإدراك مقولتك في فلسطين، ويدركون بعد قضيتها وحجمها. إلا أن عمالتهم وخيانتهم وموالاتهم للكفار وإسراعهم فيهم يمنعهم من أن يتخذوا أدنى المواقف شرفاً.

إن المواقف المشرفة لا يعرفها إلا خلفاء المسلمين، وقد انقطعت هذه المواقف بعد السلطان عبد الحميد ولن يعيدها إلا رجل على شاكلته. رجل يحمل فهم ووعي وإخلاص عبد الحميد. رجل يقول: «لعمل المبضع في جسدي أهون علي من أن أرى فلسطين ومقدساتها أسيرة أعداء الله… حي على الجهاد لتحريرها».

إن اغتصاب فلسطين وضياع بلاد المسلمين يجب أن يربط بهدم دولة الخلافة ارتباطاً سببياً. فمواقف العثمانيين المشرفة الخالدة تجاه فلسطين أكبر من أن تنسى، ولعلها كانت من أوائل موجبات عمل الكفار لهدم دولة الخلافة. ذلك أنهم أدركوا استحالة وجود كيان ليهود في فلسطين بينما هناك خلافة. نعم لقد كان ذلك صحيحاً، ففي سنة 1882م أصدرت الحكومة العثمانية قانوناً حرمت فيه الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وشراء الأراضي. ثم عادت وحددت الإقامة لليهود بشهر واحد، ومن تأخر يلاحق ويبحث عنه حتى يخرج. ولما أعلنت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م راح العثمانيون يطاردون اليهود. وأصدر جمال باشا بوصفه القائد للجيش الرابع المرابط في فلسطين أمراً منع فيه رفع أي شعار يهودي في أي أرض تقع تحت حكمه، كما منع أي لافتة تكتب باللغة العبرية، وصادر جميع الطوابع والأوراق المالية التي تخص اليهود، وألغى جميع المؤسسات اليهودية التي تكونت في فلسطين، بعد أن دخلتها خفية. وجاء في البيان الذي صدر يومئذ في  25 كانون الثاني سنة 1915م. أن الحكومة العثمانية فعلت ذلك بناءً على ما لديها من معلومات تثبت أن بعض العناصر تتآمر لإقامة مملكة يهودية في فلسطين. ثم كانت قبل ذلك مواقف عظيمة للسلطان عبد الحميد رحمه الله. يقول رحمه الله: «إن الصهيونية لا تريد أراضي زراعية في فلسطين لممارسة الزراعة فحسب، ولكنها تريد أن تقيم حكومة، ويصبح لها ممثلون في الخارج. إنني أعلم أطماعهم جيداً، وإنني أعارض هذه السفالة، لأنهم يظنونني أنني لا أعرف نواياهم أو سأقبل بمحاولاتهم. وليعلموا أن كل فرد في دولتنا يمتلىء قلبه غيظاً عليهم طالما هذه نواياهم، وأن الباب العالي ينظر إليهم مثل هذه النظرة. وأنني أخبرهم أن عليهم أن يستبعدوا فكرة إنشاء دولة في فلسطين، لأنني لازلت أكبر أعدائهم»، ويقول: «أعرض هذه المسألة المهمة كأمانة في ذمة التاريخ. إنني لم أتخلَّ عن الخلافة الإسلامية لسبب ما سوى أنني بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم (جون ترك) وتهديداتهم، اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة الإسلامية. إن هؤلاء الاتحاديين أصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة فلسطين. ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف». ويقول هرتسل: بعث إلي السلطان هذا الجواب: «بلِّغوا الدكتور هرتسل ألا يبذل بعد اليوم شيئاً من المحاولة في هذا الأمر، فإني لست مستعداً أن أتخلى عن شبر واحد من هذه البلاد لتذهب إلى الغير. فالبلاد ليست ملكي، بل هي ملك شعبي، وشعبي روى تربتها بدمائه، فليحتفظ اليهود بملايينهم من الذهب».

     وهكذا يظهر أن المضللين من الناس أو العملاء الخونة هم من يظنون أو يعتبرون أن قضية فلسطين قضية شعب يطالب باستقلال وتحرر ووطن ونشيد كغيره، على جزء من أرض زرع فيها الغرب يهود؛ من أجل حرب الإسلام وأهله، ومنعه من التوحد مرة أخرى كما كان في دولة واحدة اسمها الخلافة.

إن واقع المشكلة الفلسطينية نشأ عملياً وسياسياً منذ العام 1916م. عندما تم تقاسم ممتلكات الدولة العثمانية المنهارة بين الدول الأوروبية المستعمرة، وبالذات بين بريطانيا وفرنسا. ففي تلك السنة اتفق وزيرا خارجية الدولتين، سايكس وبيكو، على تقسيم البلاد العربية فيما بينهما. وكان في التقسيم شيء غريب عجيب، إذ سلخت فلسطين تحديداً من بلاد الشام، وأعطيت صفة متميزة عند الانتداب البريطاني الفرنسي. وهذه الصفة تمثلت في جعلها منطقة دولية وذلك توطئة لمنحها لليهود. وبعد ذلك بعام جاء وعد بلفور مؤكداً على منح اليهود وطناً قومياً في فلسطين. وجيء باليهود بعد ذلك بكثافة، ومكنوا من السلاح والمال والنفوذ حتى أقاموا الدولة اليهودية في أعقاب تسليم الإنجليز لفلسطين لهم بعد انتهاء الانتداب البريطاني عليها، ثم إخراج هذه المسرحية بحرب مزيفة بين الدول العربية والعصابات اليهودية تم على أثرها إقامة الكيان اليهودي، وتمت رعايته دولياً من قبل الدول الكبرى.

هذه هي جذور المشكلة وبداياتها العملية. بينما بدأت جذورها وبداياتها النظرية منذ غزو نابليون لبلاد الشام حيث اختمرت وقتها في أوروبا فكرة زرع كيان يهودي في قلب العالم الإسلامي، وإبعاد يهود أوروبا والتخلص منهم. وقد أخرجت الفكرة سياسياً لأول مرة عام 1907م. حيث نشر اللورد كامبل ممثلاً عن بريطانيا والدول الأوروبية تقريره الشهير عن حال المسلمين، الذي قال فيه: «هناك شعب واحد متصل، يسكن من المحيط إلى الخليج، لغته واحدة، ودينه واحد، وأرضه متصلة، وماضيه مشترك، وآماله واحدة، وهو اليوم في قبضة أيدينا، ولكنه أخذ يتململ، فماذا يحدث لنا إذا استيقظ العملاق؟ يجب علينا أن نقطع اتصال هذا الشعب بإيجاد دولة دخيلة، تكون صديقة لنا، وعدوة لأهل المنطقة، وتكون بمثابة شوكة توخز العملاق كلما أراد أن ينهض».

إذاً هذا هو واقع القضية. دولة دخيلة تابعة للغرب عدوة لأهل المنطقة، تمنع اتصال شعوبها، وتوخز العملاق كلما أراد أن ينهض. ولعل هذه الكلمات للورد كامبل تعبر بأوضح عبارة عن حقيقة هذه الدولة الدخيلة المسماة (إسرائيل). وهذا الواقع بعد إدراكه جيداً، يدل على أن هذا الغرب المتمثل بأوروبا وأميركا، الذي سلخ فلسطين من الجسم الإسلامي الكبير لا يمكن أن يسمح بعودتها لأهلها، لأنه فعل ذلك من أجل السيطرة على المنطقة، فلا يعقل أن يسمح بعودتها لأهلها.  وبذلك ندرك أن هذا الغرب الصليبي هو العدو الحقيقي، لأنه هو الذي زرع الكيان اليهودي في فلسطين بعد أن سلخها عن جسم دولة الخلافة السابقة. وهذه الحقيقة لا يمكن أن تنسى ولا يجوز أن ننساها، لأننا إن نسيناها أو تناسيناها، فهذا يعني أننا لم نعد قادرين على تحديد العدو من الصديق.

وعليه فإن الغرب هو الطرف الرئيسي المعادي لنا في هذه القضية، وعلينا أن نتعامل معه بوصفه عدواً، هذا إذا فهمنا المشكلة فهماً صحيحاً وحاولنا حلها حلاً جذرياً. أما إذا تغاضينا عن هذه الحقيقة فإننا سنقع في فخاخ كثيرة، وهذا ما حصل لنا بالفعل. فإنه لما كانت الحلول المطروحة للقضية الفلسطينية حلولاً تسكينية ترقيعية وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن من تفريط بأكثر من أربعة أخماس الأرض (الفلسطينية)، والتفريط بالخمس الباقي أو بمعظمه آتٍ على الطريق عن طريق من أوجدوا لتصفية القضية لصالح يهود والغرب الصليبي.

إن المدقق في لمطالب العربية الحكومية في فلسطين منذ عام 1948م إلى 1967م يجد أن هذه المطالب كانت تتمثل -في ناحيتها العملية- بإقامة دولة فلسطينية علمانية تضم اليهود والمسلمين والنصارى بحيث تكون السطوة فيها طبعاً لليهود. وفي هذه الأثناء تم العمل على ترويض الرأي العام الإسلامي والعربي المطالب بتحرير فلسطين المحتلة عام 48، فكان الطرح الرسمي العربي في تلك الأثناء يعمل على احتواء الطرح الشعبي وامتصاص غضبه، ثم تغير الطرح بعد هزيمة 67 النكراء وأصبح الطرح الرسمي العربي يطالب بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الأراضي التي احتلت عام67، وواكب هذا التغيير جملة من الهزائم والمذابح والتنازع بين الأطراف العربية الرسمية أدت إلى إرهاق الشعب وترويضه، وجعله يبدو كأنه يرضى بدولة على خمس فلسطين.

ثم عندما انخفض سقف المطالب العربية والفلسطينية، راحت (إسرائيل) تلعب لعبة جديدة هي لعبة المستوطنات، فملأت الضفة والقطاع بالمستوطنات بعد أن أدخلت الأطراف العربية والفلسطينية في اتفاقات أوسلو السلمية وغيرها، والتي انشغلوا بها بينما (إسرائيل) تستمر في بناء المستوطنات. وما أن استهلكت مسيرات أوسلو ومفاوضاتها ووصلت إلى الطريق المسدود حتى اندلعت الانتفاضة وبدأت مسيرة الدماء الزكية تنهمر على أيدي يهود. ثم جاءت خارطة الطريق أخيراً لتوقف الانتفاضة ولتعِدَ الفلسطينيين بدولة لم يتبقَّ لها من أراض تقام عليها، ووافق اليهود على هذه الخارطة وتبنتها الإدراة الأميركية وظن الجاهلون أن اعتراف أميركا و(إسرائيل) بإقامة دولة فلسطينية هو مكسب للقضية الفلسطينية. مع أن الحقيقة التي لا مراء فيها أن أعداءنا في الغرب بزعامة أميركا ومعها يهود لم يتبق لديهم شيء يسوقونه لنا إلا فكرة الدولة الفلسطينية، وكأن مشكلتنا هي دولة كرتونية جديدة نتلهف لإقامتها. فالحقيقة أن مشكلتنا ليست الدولة، فعندنا من مثلها كثير، وهي غثاء كغثاء السيل، ولكن مشكلتنا هي تحرير فلسطين من رجس يهود. هذه هي مشكلتنا فلا يجوز أن تختلط علينا الأمور إلى هذا الحد.

وهكذا إذا أدركنا حقيقة المشكلة وواقعها إدراكاً عميقاً، عندها يمكن وضع الحل الجذري لهذه المشكلة. والحل الجذري هو الحل المصيري وهو الحل الشرعي الذي يرتضيه الله سبحانه لنا، وهو يكمن في الرجوع إلى الكتاب والسنة واستنباط الحكم الشرعي منهما، قال تعال: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور 63]، وقال: ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الجاثية 18].

والقضية الفلسطينية وفقاً لهذا الحل قضية مصيرية إسلامية باركها الله سبحانه. لقد اغتصب اليهود فلسطين يعاونهم الغرب والحكام العملاء الذين استمروا حتى الآن في ضمان أمن دولة يهود وفي ضمان احتلالها لفلسطين. والقضية المصيرية تقضي بأن تسترد هذه الأرض جميعها من قبضة الغرب ويهود بالجهاد في سبيل الله، قال تعالى: ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة 190].

وحتى يستكمل هذا الحل، لا بد له من تحريك الجيوش أولاً للإطاحة بالحكام العرب الذين يحافظون على أمن يهود ويحرسونها من المجاهدين، لأن الجيوش الإسلامية لن تتمكن من القضاء على كيان يهود تحت إمرة هؤلاء النواطير. لذلك لا بد من إزالتهم وإقامة حاكم مسلم واحد بدلاً منهم يحكمنا بشرع الله ويوحد الجيوش ويوجهها لتحرير فلسطين من رجس الغاصبين. فالتفريق بين الحكم بالإسلام وبين تحرير فلسطين، والفصل بين القضيتين، لا يجوز شرعاً ولا يصح واقعاً. فالمسألتان متلازمتان لا مجال للانفكاك بينهما. فعن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي أعمال ثلاثة: لا أخاف جوعاً يقتلهم، ولا عدواً يجتاحهم، ولكني أخاف على أمتي أئمة مضلين، إن أطاعوهم فتنوهم وإن عصوهم قتلوهم».

وعليه فالقضية الفلسطينية بدأت مع سقوط الخلافة ولن تنتهي إلا مع ميلادها من جديد. فدولة الخلافة هي القادرة على إنهاء حراس يهود في بلاد المسلمين، وطرد الأميركيين، وإنهاء نفوذهم، وتحريك الجيوش لتحرير بيت المقدس وكل أرض المسلمين السليبة، وإعادة فتح الأرض من جديد باذن الله لنشر الخير والحق والعدل وإنهاء سيطرة الزناة الفجرة عليها. ورد في تاريخ ابن عساكر عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «هذا الأمر يعني (الخلافة) كائن بعدي بالمدينة، ثم بالشام، ثم بالجزيرة، ثم بالعراق، ثم بالمدينة، ثم ببيت المقدس، فإذا كانت ببيت المقدس فثم عقر دارها، ولن يخرجها قوم فتعود إليهم أبداً». أي أن الخلافة تكون بالمدينة المنورة وكانت، ثم بدمشق وكانت، ثم بالجزيرة شمال سوريا وكانت أيام الخليفة الأموي مروان، ثم بالعراق أيام العباسيين، ثم بالمدينة ولعلها مدينة هرقل القسطنطينية التي فتحها محمد الفاتح السلطان العثماني واتخذها عاصمة له بعد ذلك وأسماها إسلام بول، والتي قال بحقها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «مدينة هرقل تفتح أولا»، ومعنى إسلام بول مدينة الإسلام. وظلت الخلافة هناك حتى أسقطها مصطفى كمال اليهودي عميل الإنجليز سنه 1924م. وبقيت المرحلة الأخيرة من مراحلها وهو قيامها وتحرير بيت المقدس لتنتقل إليه وتستقر فيه في عقر دارها «عقر دار الإسلام بالشام» كما أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبىء اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله، إن هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود». وورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «يا ابن حوالة، إذا نزلت الخلافة الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام». فستقوم الخلافة إن شاء الله، وسيحملها الرجال على أسنة رماحهم وحد سيوفهم محررين أرض الإسراء حاضنة قبلة المسلمين الأولى منهين أيام الألم والحزن. ورداً على كل طامع أثيم بهذه الأرض المباركة،  ستعود الخلافة إلى القدس إن شاء الله ليعود إليها عزها ومجدها من جديد. عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لقد زوى الله لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها». وبهذا ينتهي خض الماء في فلسطين، وتنتهي الفتنة التي أخبر عنها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وتأتي السواعد المؤمنة التي تخض قلوب المجرمين وتحسم الصراع. عن طلحة بن عبيد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلا جاش منها جانب حتى ينادي منادٍ من السماء أميركم فلان» رواه الطبراني في الأوسط. نسأل الله سبحانه قرب الفرج إنه سميع قريب مجيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *