العدد 426-427-428 -

السنة السادسة والثلاثون، رجب-شعبان-رمضان 1443هـ ، الموافق شباط-آذار-نيسان 2022م

حزب التحرير… وريث نبوَّة، يدعو بالتي هي أحسن إلى إقامة (دولة الخلافة الراشدة)

 

أحمد المحمود

في خضمِّ الهجمة الشرسة على إسلام الحكم، من الطبيعي أن يتقدَّم الحديثُ عن الدولة الإسلامية والحكم بما أنزل الله وذكر الخلافة والفتوحات والانتصارات اهتمامَ المسلمين، ويدفعهم إلى البحث عن العمل الذي يخرجهم من هذا الكرب العظيم من صميم دينهم… ومن الطبيعي أن يتولَّد جوٌّ إسلاميٌّ عام بينهم يريد التغيير، ويفتش عن العاملين له؛ ليجد المسلمون أمامهم حزبًا عريقًا ناضجًا جادًّا مجدًّا قد سبقهم بسنوات طويلة، ووطَّأ لهم طريق العمل حتى إنه لا يحتاج منهم إلا إلى أن يلتفُّوا حوله، وأن يتقدَّم أهلُ القوة من المسلمين ليكونوا أنصاره في إقامة ما أخذه على نفسه من «إقامة الخلافة الراشدة». إذًا، لن يجدوا فراغًا، ولن يجدوا أنهم بحاجة إلى وقت طويل حتى تتهيَّأ لهم أعمال النصر، بل سيجدون أنفسهم، إن شاء الله، على أبوابه، ولعل هذا الالتفاف منهم حول الدعوة، وقيام أهل النصرة من أهل القوة من المسلمين بواجبهم الشرعي في إقامة حكم الله معهم، هو ما بقي من خطوات بلوغ النصر… فالأمة جاهزة لتكون مع هذا العمل: تؤويه وتنصره وتحافظ عليه وتمنعه من أي خطر وتدافع عنه… وأهل القوة من أهل الإيمان هم موجودون أيضًا، ولا يحتاج الأمر إلا إلى أن يلتقيا ويطيعا الله عزَّ وجلَّ فيما أمرهما من إقامة الدولة ليشكلا معًا جناحا العمل: الأول، قيادة فكرية سياسية تقود حزبًا عريقًا وشبابًا أعدتهم ليكونوا رجال دعوة ودولة في آن معًا. والثاني، أهل قوة ونصرة ليأخذوا الحكم من الحكام الحاليين الفاسدين الـمُفسدين العملاء والخائنين وأعوانهم من أهل القوة… وذلك كما قام من قبل بين الرسول صلى الله عليه وسلم ومن سمَّاهم الله (المهاجرين) وبين من سمَّاهم (الأنصار)، وأسفر عن قيام دولة الإسلام الأولى.

فمن هو حزب التحرير هذا الذي يجب على الأمة وأهل القوة الأتقياء أن يكونوا معه لنصرة هذا الدين وإقامة دولة الإسلام؟

الجواب على هذا التساؤل يقتضي منا الرجوع إلى بداية نشأته، وما اكتنفها من ظروف وأوضاع سيئة دفعت إلى قيامه، وفي هذا نقول:

تجاه الواقع السيئ الذي كانت تعيشه الأمة الإسلامية من هدم الخلافة و تقسيم لبلاد المسلمين وضياع فلسطين، وخيانات الحكام الذين مكَّنوا ليهود، وتحكُّم دول الغرب في كل مفاصل حياة المسلمين، ومحاولاته الدائبة لإبعادهم عن دينهم… تجاه ذلك وجد ثلة من العلماء، وعلى رأسهم العلاَّمة المجدِّد الإمام القاضي تقي الدين النبهاني (رحمه الله) أنه لا بدَّ من عمل شرعي لإنقاذ الأمة مما هي فيه. ووجدوا أن العمل الشرعي الذي من شأنه أن يغيِّر هذا الواقع السيئ برمَّته، إنما هو إقامة حكم الله في الأرض؛ وذلك بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوَّة؛ لأنه مطلوب شرعًا من المسلمين أن لا تخلو حياتهم منها بشكل دائمي، منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى قيام الساعة، ولأن دولة الخلافة هي التي تقيم الدين، وهي التي تحلُّ كل مشاكل المسلمين وتحميهم، وهي التي تقيم الجهاد وتنشر الإسلام، وهي التي توحِّد بلاد المسلمين، وهي التي ترفع يد الغرب الآثمة عنهم، وهي التي تحرر فلسطين… وهي التي تقيم كل الأحكام التي تعطَّلت بغياب دولة الخلافة، وما أكثرها، فإقامة الخلافة هي العلاج الشرعي الوحيد، ولا علاج جذريًّا بغيره. ورأى هؤلاء العلماء أن العلاج لا يتعلق: لا بمعالجة فقر المسلمين، ولا بأخلاقهم، ولا بأي شيء آخر… فهذه نتائج للحكم بغير ما أنزل الله، بل تتم معالجتها عن طريق دولة الخلافة. وبهذا حدَّد هؤلاء العلماء هدفهم لإنقاذ الأمة مما هي فيه، وهو العمل لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوَّة.

ثم رأى هؤلاء العلماء أن العمل لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فرض من فروض الكفاية التي على الأمة وجوب إقامته، وهذا يعني أنه فرض على كل مسلم قادر حتى يقام، والذي يقوم به من المسلمين يسقط عنه والذي لم يقم به يأثم حتى يُقام الفرض… ورأَوا أن هذا الفرض يحتاج إلى جماعة لأنه ليس بمستطاع أفراد أن يقيموه، من باب القاعدة الشرعية: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وهذه الجماعة لا بد لها من أمير لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يحلُّ لثلاثة في سفر إلا أمَّروا عليهم أحدهم» حيث يستفاد من الحديث أن كل عمل مشترك بين مسلمين (ثلاثة فما أكثر) يجب أن يكون عليهم أمير فيه، فإذا كان جماعة في سفر لا بد لهم من أمير بينهم، فمن باب أولى أن يكون لهم أمير في جماعة تعمل لإقامة حكم الله… وعليه، تم إنشاء حزب التحرير ليقوم بهذا الفرض العظيم.

ولـمَّا حدد الحزب غايته، وهو العمل لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ولـمّا وجد أن الأمة قد بعُد واقعها كثيرًا عن تطبيق الإسلام، وأنها محكومة بدساتير كفر، وعليها أنظمة حكم طاغوتية مرتبطة بالغرب الرأسمالي الكافر، وأن الأمر أصبح متعلقًا بإزالة كيانات محدثة قام الحكم فيها على غير الإسلام وإقامة كيان الإسلام الجامع، وهذا ليس عملًا بسيطًا يتعلق فقط بنصح حاكم أو إصلاح حكم، بل يتعدَّى ذلك… عندها وجد أنه لا بد من قيام عمل على مستوى أمة، يتجاوز الحدود المصطنعة التي غرسها الغرب الرأسمالي الكافر في بلاد المسلمين وأنه لا بد من عمل لإقامة دولة إسلامية من جديد تنسف الواقع الحالي نسفًا وتذره قاعًا صفصفًا، وتعيد الأمة إلى وحدتها ووحدة حكمها وعيشها في دولة واحدة… وهذا أملى على الحزب أن يحدِّد الطريق الشرعية التي توصله إلى إقامة دولة الخلافة الراشدة، وهي التأسِّي بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة الإسلامية، وأملى عليه أن يتبنَّى الثقافة اللازمة له لإقامة هذا الفرض العظيم.

أعلن الحزب، منذ أوَّل إنشائه، أنه حزب مبدئي، واعتبر أن العقيدة الإسلامية هي أساس فكره، والأحكام الشرعية المنبثقة عن هذه العقيدة هي فكره وطريقه وأحكام دستوره الذي تبنَّاه ليحكم به، وهو قد تبنَّى طريقة الاجتهاد الشرعية  ووضع لأجل ذلك كتابه في أصول الفقه الذي التزم به بطريقة أصول السابقين، ومن ثم، ومن خلال هذه الأصول، استنبط كل الأحكام الشرعية اللازمة لعمله.

وكذلك وجد الحزب أن العمل لإقامة الدولة الإسلامية يتطلب الالتزام بالأدلة الشرعية وبطريقة استنباط الأحكام الشرعية، ولا يجوز أن يكون عملًا تتحكم به الظروف والآراء والأهواء والعقول والمصالح… بل يسيِّره فقط الحكم الشرعي… وهذا يتطلب التأسي بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة الإسلامية التي أقامها صلى الله عليه وسلم، وهذا التأسي لا يختلف بشيء عن التأسي به في أي أمر من أمور الشريعة، كالصلاة مثلًا حيث قال صلى الله عليه وسلم «صلُّوا كما رأيتموني أصلي» أو الحج بقوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم» وكذلك الأمر في الدعوة إلى إقامة شرع الله، قال تعالى: ]قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨[

إن التزام حزب التحرير بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم أملى عليه أن يسير في الدعوة نحو إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم نفسها، لزومًا ووجوبًا من غير تخيير؛ فكان لعمله نقطة ابتداء، ونقطة انطلاق، ونقطة ارتكاز فهمًا من طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم… وكانت للعمل مراحله من مرحلة التثقيف إلى مرحلة التفاعل إلى مرحلة ارتكاز الدعوة وإقامة الدولة، وكل ذلك أخذًا من عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة لإقامة الدولة… وهذا الالتزام فرض عليه أن تواجهه صعوباتها ومشكلاتها ذاتها، وأن يكون إعداد الشباب على الطريقة نفسها التي تم بها إعداد الصحابة في مكة، وأن تظهر عليها سنن الدعوة إياها التي واجهت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم من سنَّة التأخير إلى سنَّة الاستضعاف، إلى سنَّة قلة العدد، إلى سنة قلة النصير، إلى سنة الإخراج… وهذه السنن وإنها وإن كانت شديدة على المسلمين ولكن الصبر عليها يكشف عن صدق الدعوة وصدق التزامها بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا من مبشرات النصر.

إن الحزب عندما قام بحق الله عليه في الدعوة على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقم بعمله هذا بشكل قطري بحيث يقصر فيه عمله وهدفه على القطر الذي يعمل فيه، بل قام بعمله بشكل جامع، بدعوة واحدة، بأحكام الطريقة الشرعية المتأسية بعمل الرسول صلى الله عليه وسلم في كل الأقطار التي قام يعمل فيها؛ لذلك لم تختلف دعوته من قطر إلى قطر، بل انطلق من منطلق أن الأمة واحدة، والذي يخرجها كلها مما هي فيه إنما هو عمل واحد؛ حتى إذا ما قام في قطر ما انتقل إلى سائر الأقطار التي تكون قد أصبحت مهيَّأة للانضمام.

تبنى حزب التحرير ثقافة واسعة تلزمه لعمله قائمة على الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع صحابة وقياس شرعي، وعلى الأصول الشرعية والقواعد الفقهية واللغوية لتكون ثقافته الشرعية التي يزوِّد بها شبابه ويبلغها للأمة، وليس فيها أي حكم غير شرعي، وتبنَّى أفكارًا إسلامية منضبطة تلزمه في الطريق، وبهذه الثقافة العملية وبهذه الأصول خاض تبني مصالح الأمة في دعوته، وخاض صراعه الفكري لمواجهة كل أفكار الكفر التي تطرح نفسها كبديل فكري عن الإسلام كالديمقراطية والقومية والوطنية، والدولة المدنية أو الدولة الملكية أو الجمهورية… وخاض كفاحه السياسي ضد الأنظمة الطاغوتية التي تحكم بغير ما أنزل الله ولاحقها في ما تحكم به من أحكام الكفر، وعرَّاها في عمالتها للغرب الذي اختار حكامها ليكونوا خنجرًا مسمومًا بيده يستعمله لتحقيق أهدافه من تقسيم بلاد المسلمين الواحدة وتمزيقها إلى نيف وخمسين مزقًة، محاولًا إغراقها في خلافات عرقية ومذهبية وقومية ووطنية… وقد حارب الحزب هذه الدعوات بثقافته القائمة على عقيدة عقليَّة سياسيَّة تتوجَّه إلى الإنسان كإنسان، وإلى الأمة كأمة واحدة، لا تفرِّقها حدود، ولا تسميات دول، وتتجاوز بعالميتها كل الخلافات التي يمكن أن تفرق بين جنس بشري وآخر… فكان بهذا التبنِّي حزبًا إسلاميًّا عالميًّا، تبدأ دعوته في بلاد المسلمين لتنتهي بالكرة الأرضية كلها مجالًا لعمله، قبل قيام دولة الخلافة وبعدها… وكانت دعوته وكأن نبيًّا يبعث بدعوته في آخر الزمان، وبما أنه لا نبي يبعث بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولكن ستكون خلافة راشدة تكون على منهاج النبوة. فهذا هو ما يحمله حزب التحرير للمسلمين وللعالم أجمع.

 لقد تميَّز حزب التحرير بثقافته التي طرحها أنها تحمل بصمات الرعيل الأول من الصحابة في طريقة فهم الإسلام نفسها، وتميَّز بمعالجة مشاكل العصر بأحكام فقهية اجتهادية مستنبطة على طريقة الصحابة نفسها في الاجتهاد، فكان حزبًا مبدئيًا تسيِّره الأحكام الشرعية، ومختلفًا كل الاختلاف عن الحركات الإسلامية الأخرى المنهجية التي يسيرها الواقع على حساب الأحكام الشرعية، وانحصار دعواتهم في وطنيات بلادهم على حساب الدعوة الشاملة التي تطال بتغييرها الأمة كلها، وكانت جزءًا من نظام الحكم التي ادَّعت أنها قامت لإصلاحه لا لتغييره، والتي شاركته في بعض الأحيان في الحكم الذي يحكم بالكفر… أما الحزب فقد مضى على ما تبنَّاه من أول الطريق، وسار بخطى ثابتة لا يحيد عنها لأنها بنظره أحكام شرعية لا يجوز أن يخرج عنها قيد خطوة، ولأنها أحكام ثابتة لا تغيِّرها الضغوطات ولا التهديدات ولا الملاحقات ولا الاعتقالات ولا النفي ولا القتل… الذي يغيرها فقط هو حكم شرعي آخر بدليل أقوى. والذي يجدر ذكره هنا أن حزب التحرير هو الوحيد من بين كل هذه الحركات الإسلامية الذي نجح في جعل غايته يتشكل الرأي العام الإسلامي عليها في كل بلاد المسلمين، وهي أنها تريد التغيير الجذري، وليس مطروحًا عندها إلا الإسلام التغييري، وما يتم طرحه من مطلب دولة مدنية أو حكم علماني هنا وهناك فهذا ليس مطلب أمة وإنما مطلب سفارات ومنظمات المجتمع المدني المرتبطة بهذه السفارات، ووسط سياسي وإعلامي وثقافي علماني فاسد من المعسكر القديم… بل أكثر من ذلك، لقد وصل الحزب بما تبنَّاه إلى أن يكون حزبًا عالميًّا مرشحًا لأن يقود العالم بدولة الخلافة الراشدة التي يسعى إلى إقامتها.

لقد استوجب تأسِّي حزب التحرير بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون عمله سياسيًّا، يتابع أعمال الحكام ومن وراءهم من دول الغرب التي تأتي بهم وتتحكم بقراراتهم وينفذون لها أهدافها، والذين يسوسون حياة المسلمين بالكفر… فاقتضى منه ذلك أن يتابع السياسة القطرية في كل بلد يعمل فيه، والسياسة الإقليمية في المنطقة، والسياسة الدولية التي تتحكم بكل مفاصل السياسة في بلاد المسلمين، وأن يتابع أعمالها ومناوراتها، وأن يلمَّ بخصومات دولها وتنافسها على الحكم، فقد أصبح العلم بهذه الأمور من ضرورات العمل… وهذا ما جعله يملك باعًا كبيرًا في السياسة ويكشف بوعيه وإخلاصه ما يجعله حزبًا سياسيًّا عريقًا على مستوى الدول الكبرى في فهم السياسة وخفاياها، بل وسيتفوق عليها إن شاء الله تعالى متى قامت للإسلام خلافته، وصارت لها أجهزتها المتخصصة…

إن حزب التحرير، بما يطرحه من برنامج عمل إنما يشكل خطورة ما بعدها خطورة على مصالح الغرب وعلى استعماره للمنطقة، بل أكثر من ذلك إنه يرى أن حزب التحرير بما يطرحه يشكل خطرًا وجوديًّا للحضارة الغربية برمتها بما يحمله من فهم للإسلام حملًا مبدئيًّا ويريد أن يوصله إلى المسرح الدولي عبر دولة خلافة راشدة، وهذا يدرك خطورته الغرب أيما إدراك، فتاريخه الغابر ما زال أمام ناظريه لا يغيب عنه، ولشدة ما يخاف منه الغرب فإن أمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قد أخذها الخوف من عودة الإسلام إلى مسرح الحياة أنها غفلت عن كل من الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي لتنشغل به… ومن منا لا يدرك اليوم أن ما نراه من حرب العالم على الإسلام فإنما هو وقوف في وجه المشروع الذي يتبناه الحزب حصرًا ويعرف به، وهو إقامة دولة الخلافة الجامعة التي سمَّاها بعض مسؤولي الغرب بـ«الإمبراطورية الإسلامية». وهذا إن دل فإنما يدل على أنه يسلك طريق الحق، ويشي بتأييد الله له وتوفيقه وتثبيته والدفاع عنه.

إن حصول النصر في هذه الدعوة يختلف عنه في سائر الدعوات؛ إذ إنه يأتي من الله وحده، يأتي من التقيُّد التام بأمر الله في التزام طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في العمل، ويقتضي التزام هذه الطريقة الصبر على أمر الله فيها من عدم استعمال القوة في الدعوة، وعلى الحرص التام على استقلالية قرارها، بعدم قبول أي مساعدة مالية من غير شبابها، ويتطلب الصبر على سنن الاستضعاف وتأخير النصر وقلة العدد وإخراج وقتل وتعذيب وتشويه واعتقال شاب الدعوة… فهذه الكتلة تحافظ بهذا الصبر على نقائها وتساهم في جعل شبابها رجال دعوة ودولة من الطراز الأول، وبأمثال هؤلاء يريد الله سبحانه أن يخرج خير أمة للناس؛ لذلك لا يطلب النصر إلا من الله وحده، ومن الالتزام بأحكام الطريقة وحدها، فهذان هما الرأسمال الوحيد، ومن دونهما الإفلاس.

إن المسلمين لا شك أنهم يريدون الحكم بالإسلام بل ويتشوَّقون له؛ ولكن ما يجعلهم لا ينخرطون مع الحزب في عمله هو أنهم لم يستطيعوا أن يكونوا على مستوى أن تكون الدعوة عندهم على مستوى الأمة، بل حصروا أنفسهم في كواليس العمل ضمن دولهم، فظلوا محليين في دعوتهم وعملهم واهتمامهم، أما الدعوة الجامعة فكانوا معها بالمشاعر وليس بالعمل؛ ولكنهم في كل حال يعتبرهم الحزب أنهم يشكلون الرأي العام المنبثق من وعي عام على إسلام الحكم، فهو يعتبرهم بعامتهم في الحالة التي هم فيها اليوم جزءًا من نجاحه، ولقد جاءت الثورات لتثبت ذلك.

إن الله سبحانه وتعالى شاء أن يكون حزب التحرير هو تلك الطائفة التي تعمل لإقامة الدين. وللأسف، فإننا نرى أنه لم تقم أي طائفة أخرى تنافسه في الاجتهاد والعمل فكان وحيدًا. وإننا نسأل الله أن يكتب لنا النصر عاجلًا غير آجل حبًّا بظهور دينه على الدين كله، وأن يغفر لنا خطايانا، وأن يجعلنا بعفوه ورضاه من المنصورين… إنه هو العزيز الحكيم… اللهم آمين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *