العدد 421 -

السنة السادسة والثلاثون، صفر 1443هـ ، أيلول 2021م

أيها المسلمون في أفغانستان: اجعلوا من نصركم نصرًا للإسلام، وليس لأفغانستان فحسب  

 

لا شك أن أمريكا، كدولة أولى في العالم، كان لها مصالحها وحساباتها الدولية الخاصة عندما احتلت كل من أفغانستان والعراق، وكذلك الأمر عندما انسحبت منه، فما هي هذه الحسابات وهذه المصالح اليوم؟

بداية نقول: إن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان جاء ليكشف عن نيتها ترك نهج احتلال الدول الأخرى، والتدخل العسكري المباشر، واستعمال قواتها العسكرية (الصلبة) هذا النهج الذي صاحب مشروع القرن الذي تبنته في عهد بوش الابن والمحافظين الجدد… والعودة إلى النهج السابق القائم على الاحتواء القائم على عمل المخابرات في شراء الذمم، وصناعة الحكام العملاء، وعمل الانقلابات، والدخول في أحلاف وتزعمها، واعتماد طريقة الحروب السياسية بدل العسكرية، والقيام بالضغوط الاقتصادية، واستعمال أدواتها من المنظمات الدولية… حتى تركع الدول وتجعلها تخضع لها من غير احتلالات ولا هجومات ولا تكبد خسائر بشرية ولا مالية ولا من يحزنزن… وفي هذا الصدد وعد بايدن أن بلاده ستنسحب كذلك من العراق، ووضع آخر هذه السنة موعدًا لذلك.

لقد تيقَّنت أمريكا، خلال العشرين سنة التي مضت من الاحتلال لأفغانستان أنها لن تستطيع أن تكسر شوكة المسلمين هناك، ولن تستطيع هزيمتهم لا في حربها الفكرية ولا في حربها العسكرية معهم، وأن مشروعهم لإقامة الخلافة الذي قامت بهذا الاحتلال من أجل منعه ما زال قائمًا لم يهتزَّ بالرغم من كل المكر والإجرام اللذين مارستهما بحقهم في حربها العالمية عليهم والتي سمتها كذبًا وزورًا بـ (الحرب على الإرهاب)؛ ولكن الذي حدث هو العكس، فإنهم هم من جعلوا النظامَ الرأسماليَّ العالميَّ الذي تتزعمه يهتزُّ سنة 2008م… والولايات المتحدة الآن عندما تعلن انسحابها من أفغانستان فكأنما تعلن عن فشلها في حرب الأفكار والقيم هذه.

ومن جهة أخرى رأت أمريكا أن الصين هي المستفيد الأكبر من هذه الحرب في تعزيز موقعها الدولي على حساب الموقع الدولي لأمريكا؛ حيث ينقل المحلِّلون والمراقبون الدوليون أن الصين صارت منذ الأزمة المالية وحتى اليوم ورشة التصنيع فى العالم، والشريك التجاري الأول لمعظم الاقتصادات الرئيسية، وأيضًا المحرك الأول لنمو الاقتصاد العالمي. ويتفق المحللون السياسيون على أن التحدى الذى تفرضه الصين على أمريكا رهيب، وأن الخصومة بينهما ستتخذ شكل «منافسة قصوى» وفي هذا الصدد، وصف دينيس روس، مستشار الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما لشؤون الشرق الأوسط، بأن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ستكون علاقة تنافسية للغاية. وأعلنت أفريل هاينز، والتى تم تعيينها مديرًا للمخابرات الوطنية، أن الولايات المتحدة يجب أن تتبنى موقفًا جريئًا ضد التهديد الذى تشكله الصين… إن الصين بنظر أمريكا هي مارد من الصعب حصره متى خرج من قمقمه، وخط النمو الاقتصادي التصاعدي لديها سيمكِّنها من الخروج عن طوق الالتزام بقانون النقد الدولي وهيمنة الدولار على حركة التجارة العالمية وتحكُّمه في كل المبادلات التجارية… وبما أن استمرار الحرب في أفغانستان يستنزفها ولا أفق انتصار فيه، ويفتح الطريق واسعًا أمام الصين لمنافستها على مركز الدولة الأولى في العالم. إذًا، لا بد تجاه هذا الواقع من الانسحاب…

بيد أن انسحاب أمريكا من أفغانستان هو كما يبدو من ضمن خطة لها تريد أن تعكس فيها الأدوار، وهذه الخطة تقوم على إشغال الصين بمنازعات داخلية تستنزفها مثل تسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان كاضطهادها للإيغور وجهودها الحثيثة للقضاء على هويتهم وثقافتهم الإسلامية… ومثل مقاومة السلوكيات التى تتجاوز الحدود من الضغوط القسرية على الهند، إلى الحملات القمعية فى هونج كونج، إلى التهديدات ضد تايوان… ومثل سعي الولايات المتحدة إلى بناء تجمع بين المحيطين الهندى والهادي كتحالف أوكوس الجديد الذي أعلنه الرئيس بايدن مع كل من أوستراليا وبريطانيا والذي يمكن أوستراليا من امتلاك غواصات تعمل بالطاقة النووية لضمان أمن المحيط الهندي والهادئ… هذا وقد أشار وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن مؤخرًا إلى أن «التحالف بين الولايات المتحدة وأوستراليا لم يكن أكثر أهمية أو قوة مما هو عليه الآن».

هذه هو التوجه العام لدى أمريكا الذي يقف وراء الانسحاب. والآن: ما هي خطتها الجديدة المتوقعة ضد المسلمين والتي تمنعهم من إقامة دولتهم الجامعة والتي شغلتها لعشرين سنة خلت وفشلت فيها؟ إذ ليس من المتوقع أن تذر المسلمين ليقيموا دولتهم الجامعةنتيجة فشلها.

تجد أمريكا اليوم نفسها أنها ما زالت أمام هذين المنافسين؛ ولكن مع فارق أنها فشلت في القضاء على الإسلام السياسي ومشروعه في إقامة دولته الجامعة المنافسة لها، ومع فارق أن الصين فقد تقدمت أشواطًا كبيرة في طريق المنافسة الدولية على زعامة العالم، وأنه صار عليها تدارك ذلك بإرجاعها إلى الوراء… وتجد نفسها أنها  مجبرة على التعامل معهما معًا…  فما هي خطة مواجهتهما المتوقعة؟.

 والمتوقع أنها تريد أن تضربهما ببعضهما لإضعافهما معًا؛ ولأنه لا سبيل أمامها إلا هذا السبيل، ويبدو عليها أنها تسير بهذا الاتجاه. ففي الوقت الذي تقوم فيه بمحاصرة الصين والتضييق عليها وإحاطتها بالدول المخاصمة لها، وبدء إنشاء الأحلاف ضدها… نرى أنها تحاول أن تجعل الرياح عند المسلمين تنحصر باتجاه معاداة الصين مستغلة ما تقوم به من عمليات إبادة عرقية للإيغور، عاملة على مدهم بالمال والسلاح من أجل مواجهتها… تمامًا كما حدث مع الاتحاد السوفياتي عندما أمدت المقاتلين الأفغان بالسلاح الفتَّاك والفعَّال؛ ما أجبر الاتحاد السوفياتي على الانسحاب وهو يجرِّر معه أذيال الهزيمة… بالمختصر، إنها تريد أن توقع الصين بما وقع به الاتحاد السوفياتي من قبل وأدى إلى انهيار منظومته الفكرية والسياسية… وبما تقع به هي اليوم وتحاول استباق خسارة موقعها الدولي بالانسحاب منه. هذا وتظن أمريكا أن مثل هذه الخطة يمكن أن تنجح خاصة وأن عدد المسلمين في الصين يصل إلى عشرات الملايين، ثم إن الصين محاطة فعلًا ببلاد إسلامية، مجاورة ومتاخمة لحدودها، ويمكن بسهولة بالنسبة إلى أمريكا أن تنجح في تأجيج مثل هكذا صراع، وخاصة أن لها باعًا طريلًا في مثل هذا النوع من الصراعات، وها هي دول الخليج حاضرة للانصياع والمسارعة في تنفيذ مثل هذه الخطة، وهم لهم سابق تجربة في ذلك (البوسنة والهرسك وكوسوفو وفي أفغانستان من قبل ضد الاتحاد السوفياتي، وفي سوريا والعراق الآن…) وكذلك هي أدخلت كلًّا من تركيا وإيران على خط مثل هذه التدخلات، وسوريا والعراق أكبر شاهد على ذلك اليوم، وستحاول أن تحيِّد روسيا وقد تستفيد منها مقابل ثمن تؤديه لها في مكان ما في العالم كعادتها. هذا هو المتوقع، وهذا ما تشير إليه تصرفات وتصريحات المسؤولين الأمريكيين، فما على المسلمين هناك أن يفعلوه تجاه هذه الخطة المتوقعة؟

إن عليهم أن لا ينجرفوا فيما يخطط لهم، وأن يخططوا هم لا أن يكونوا أدوات بيد غيرهم من دول الكفر المجرمة، ومن حكام دول الخيانة العملاء الموالين للغرب وسياساته… عليهم أن يتوجهوا نحو دينهم توجهًا خالصًا لله وحده ليخلصهم مما يكاد ويخطط لهم، عليهم أن يعلموا أن لا خلاص لهم إلا بدينهم، وتحديدًا إلا بدولة الخلافة التي تجمع المسلمين من أدناهم إلى أقصاهم، كجسد واحد في مواجهة ما يخطط لهم. ولعمر الحق فإن إقامة الدولة الإسلامية فيه الخلاص من كل كيد أو خطة مهما كانت خفية أو ماكرة، أي سواء أكانت هذه هي خطة أمريكا المتوقعة أم غيرها، وهي الوحيدة التي بإمكانها جمع المسلمين على صعيد واحد وهو إرضاء الله تعالى بإقامة الحكم بما أنزل الله، ثم أليس هذا ما تحاربه أمريكا ومعها المجتمع الدولي بأسره بما في ذلك الصين، إنهم يعرفون مدى خطورة هذه الدعوة، فإذا كانت أمريكا تريد من المسلمين أن يحاربوا الصين من منطلق عرقي أو قومي أو مسألة حقوق إنسان وحق تقرير مصير، فإن الله سبحانه يريد أن يكون ذلك من منطلق الإيمان بالله وحده، وابتغاء وجهه الكريم، وأن يكون الجهاد في سبيل الله وحده، فالله هو أغنى الشركاء عن شركه،

إن على المسلمين في أفغانستان وغير أفغانستان أن يعلموا أن الله فرض عليهم هو إقامة دولة الخلافة، وليراجعوا أقوال العلماء في اتفاقهم على فرضيتها… وها هو الخط الزمني لبلوغها والذي لا يعلمه إلا الله يقرب، فاجعلوا أيها المسلمون في أفغانستان ما حدث من انتصار لكم هو انتصار للإسلام وليس لأفغانستان، ولجميع المسلمين وليس لأهل أفغانستان فحسب. وإن مثل هذه الدعوة هي الوحيدة التي يمكنها جمع القبائل على كلمة سواء: أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا نمكن لعدو أبدًا. فافتحوا قلوبكم لهذه الدعوة الربانية المخلصة وامتثلوا لأمر الله تعالى فيها بقوله سبحانه: (إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥١).

إن العمل لإقامة الخلافة هو الحل الوحيد الذي ينقذ المسلمين من كل أزماتهم، وفيه الخلاص، ولن يوقفه تآمر دولي ولا كيد ولا إجرام، وإنما المطلوب هو أن يعي المسلمون على هذه الحقيقة ويعملوا لها، وهي الآن لا تحتاج إلا إلى أهل نصرة يمدون يدهم لأهل الدعوة إلى هذا المشروع ليقيموها معًا…  فليكن ثوار أفغانستان وغيرهم أهلًا لهذا الشرف.

 قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّ‍ۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَ‍َٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ ١٤).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *