العدد 419 -

السنة السادسة والثلاثون – ذو الحجة 1442هـ – تموز 2021م

تميم الداري رضي الله عنه

هو تميم بن أوس بن خارجة، ينسب إلى الدار وهو بطن من لخم، يُكنِّى أبا رقية بابنة له تُسمَّى رقية لم يولد له غيرها. وُلِد رضي الله عنه بفلسطين وكان راهبها وعابدها، ثم قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ليسلم، فقد كان نصرانيًّا، وكان إسلامه في سنة تسع من الهجرة، وقد صحب تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزا معه وروى عنه، وكان يسكن المدينة ثم انتقل منها إلى الشام بعد مقتل عثمان رضي الله عنه.

ومن أهم ملامح شخصية تميم الداري كثرة العبادة؛ حيث كان ممن اشتهروا بكثرة العبادة وقيام الليل وتلاوة القرآن. عن مسروق قال: قال رجل من أهل مكة: هذا مقام تميم الداري، لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو قرُبَ أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله ويركع ويسجد ويبكي:

(أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ ٢١) [الجاثية: 21]. وفي شعب الإيمان أن تميمًا الداري كان يختم القرآن في كل سبع. وعن صفوان بن سليم قال: قام تميم الداري في المسجد بعد أن صلى العشاء فمر بهذه الاية: (تَلۡفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمۡ فِيهَا كَٰلِحُونَ ١٠٤) [المؤمنون: 104]، فما خرج منها حتى سمع أذان الصبح.

وعن ورع تميم الداري، فقد ورد عنه أنه قال في هذه الآية (يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ ) [المائدة: 106]: برئ منها الناس غيري وغير عدي بن بداء، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام، فأتيا الشام لتجارتهما، وقدم عليهما مولى لبني هاشم يقال له: بديل بن أبي مريم بتجارة ومعه جام من فضة يريد به الملك وهو عظم تجارته، فمرض فأوصى إليهما، وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله. قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بداء، فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا وفقدوا الجام فسألونا عنه، فقلنا: ما ترك غير هذا، وما دفع إلينا غيره، قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تأثَّمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة، فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يقطع به على أهل دينه فحلف فأنزل الله: (يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ ) [المائدة: 106] إلى قوله:

( أَوۡ يَخَافُوٓاْ أَن تُرَدَّ أَيۡمَٰنُۢ بَعۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡۗ ) [المائدة: 108]، فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا فنزعت الخمسمائة درهم من عدي بن بداء.

واشتهر عن تميم الداري كثرة مقترحاته على النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدن قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبرًا يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك؟ قال: «بلى». فاتخذ له منبرًا. وكان رضي الله عنه أيضًا صاحب اقتراح إضاءة المسجد بالقنديل والزيت، وكانوا لا يسرجون قبل ذلك إلا بسعف النخل. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أول من أسرج في المسجد تميم الداري. فقد بعث رضي الله عنه سراجًا، وهو مولى تميم الداري، في خمسة غلمان له وأسرج في مسجد النبي صلى الله عليه وسلمبالقنديل والزيت، وكانوا لا يسرجون قبل ذلك إلا بسعف النخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أسرج مسجدنا». فقال تميم الداري: غلامي هذا، فقال: «ما اسمه؟». فقال: فتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بل اسمه سراج». قال: فسمَّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سراجًا.

وعن مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم، قال عكرمة لـمَّا أسلم تميم قال: يا رسول الله، إنَّ الله مُظْهِرك على الأرض كلِّها، فهب لي قريتي من بيت لحم. قال: هي لك، وكتب له بها. قال: فجاء تميم بالكتاب إلى عمر، فقال: أنا شاهد ذلك فأمضاه. وعن زيد بن عامر قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لتميم الداري: «سلني». فسأله بيت عينون ومسجد إبراهيم فأعطاهنَّ إياه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا زيد سلني». قلت: أسألك الأمن والإيمان لي ولولدي، فأعطاني ذلك.

أما عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري، فعن فاطمة بنت قيس، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم مسرعًا فصعد المنبر ونودي في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس، فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَمْ أَدْعُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ؛ وَلَكِنَّ تَمِيمَ الدَّارِيَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ رَكَبُوا الْبَحْرَ فَقَذَفَ بِهِمُ الرِّيحُ إِلَى جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، فَإِذَا هُمْ بِدَابَّةٍ أَشْعَرَ لَا يدري ذَكَرٌ هُوَ أَوْ أُنْثَى لِكَثْرَةِ شَعْرِهِ، فقالوا: مَنْ أَنْتَ. فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ. فَقَالُوا: فَأَخْبِرِينَا. فَقَالَتْ: مَا أَنَا بِمُخْبِرَتِكُمْ وَلَا مُسْتَخْبِرَتِكُمْ؛ وَلَكِنْ فِي هَذَا الدَّيْرِ رَجُلٌ فَقِيرٌ إِلَى أَنْ يُخْبِرَكُمْ وَإِلَى أَنْ يَسْتَخْبِرَكُمْ. فَدَخَلُوا الدَّيْرَ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ أَعْوَرُ مُصَفَّدٌ فِي الْحَدِيدِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ الْعَرَبُ. فَقَالَ: هَلْ بُعِثَ فِيكُمْ النَّبِيُّ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلِ اتَّبَعَهُ الْعَرَبُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ. قَالَ: فَمَا فَعَلَتْ فَارِسُ هَلْ ظَهَرَ عَلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَمَا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْهَا. ثُمَّ قَالَ: مَا فَعَلَتْ عَيْنُ زَغَر؟ قَالُوا: هِيَ تَدفق مَلْأَى. قَال: فَمَا فَعَلَ نَخْلَ بِيسَانِ هَل أطعم؟ قَالُوا: نَعَمْ أَوَائِلُهُ. قَالَ: فَوَثَبَ وَثْبَةً حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَفْلِتُ، فَقُلْنَا: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا الدَّجَّالُ، أَمَا أَنِّي سَأَطَأُ الْأَرْضَ كُلَّهَا غَيْرَ مَكَّةَ وَطِيبَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَبْشِرُوا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ هَذِهِ طِيبَةُ لَا يَدْخُلُهَا».

ومن مواقف تميم الداري مع الصحابة موقفه مع سيدنا عمر رضي الله عنه، فعن حميد بن عبد الرحمن أن تميمًا استأذن عمر في القصص سنين ويأبى عليه، فلما أكثر عليه قال: ما تقول؟ قال: أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير وأنهاهم عن الشر. قال عمر: ذاك الربح، ثم قال: عظ قبل أن أخرج للجمعة، فكان يفعل ذلك، فلما كان عثمان استزاده فزاده يومًا.

ومن مواقفه مع التابعين فعن محمد بن عقبة القاضي عن أبيه عن جده قال: أتينا تميمًا الداري وهو يعالج عليق فرسه بيده فقلنا له: يا أبا رقية، أما لك من يكفيك؟ قال: بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ارتبط فرسًا في سبيل الله يعالج عليقه بيده كان له بكل حبة حسنة»

وعمَّا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم بسنده عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلمقال: «الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين»

وعنه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن أكملها كُتبتْ له نافلة فإن لم يكن أكملها قال الله سبحانه لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي مِن تطوُّع فأكملوا بها ما ضيَّع من فريضته، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك».

وعنه رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام وذلًّا يذل الله به الكفر» وكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذل والصغار والجزية.

هذا وقد روى عنه أربعة عشر من الصحابة والتابعين منهم: عبد الله بن عباس، وقبيصة بن ذؤيب، وعطاء بن يزيد وغيرهم. وروى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد.

ومن أقوال تميم الداري، رضي الله عنه، فعن يزيد بن عبد الله قال: قال رجل لتميم الداري: ما صلاتك بالليل؟ فغضب غضبًا شديدًا ثم قال: «واللهِ لركعة أصليها في جوف الليل في سر أحب إلي من أن أصلي الليل كله ثم أقصه على الناس». فغضب الرجل فقال: الله أعلم بكم يا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سألناكم عنَّفتمونا، وإن نسألكم حفيتمونا، فأقبل عليه تميم، فقال: أرأيتك لو كنتَ مؤمنًا قويًّا وأنا مؤمن ضعيف، سأعطيك أنا على ما أعطاك الله، ولكن خذ من دينك لنفسك، ومن نفسك لدينك حتى تستقيم على عبادة تطيقها.

وعن وفاته، فقد توفي رضي الله عنه وأرضاه سنة أربعين من الهجرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *