العدد 419 -

السنة السادسة والثلاثون – ذو الحجة 1442هـ – تموز 2021م

تخلف المسلمون عن الصدارة بعد هدم دولة الخلافة

الكاتب : المهندس خالد السراري – اليمن

الناظر والمتتبع لوضع المسلمين تحت ظل أنظمة العمالة الحالية يدرك جيدًا كم تخلف المسلمون عن ركب الصدارة في شتى المجالات السياسية والعلمية والاقتصادية… بل إن بعض المسلمين للأسف لا يعلم أصلًا أن أمته الإسلامية كانت في وقت مضى متربعة على عرش المركز الأول عالميًا متصدرة في جميع الميادين والمجالات. وهذا العزُّ المفقود لم يكن ليتأتَّى في ظل الأنظمة الحالية العميلة التابعة للغرب، أنظمة الهوان والذل والعار، والتي لا همَّ لها غير المحافظة على الكراسي مقابل أن تسمح للغرب الكافر أن يفعل ما يحلو له بدماء وأعراض وأرض وثروات المسلمين، فقد كانت الخلافة الإسلامية هي النظام المتقدم والمسيطر على النظام العالمي لقرون عديدة، يدبِّر ويرعى شؤون المسلمين، وله كلمة الفصل في الشؤون الدولية.

إن الفكرة التي يريد الغرب الاستعماري الكافر غرسها في عقول المسلمين، ويدأب ليل نهار على ترويجها بينهم بالاستعانة ببعض العملاء المدفوعين والمنبهرين بحضارة الغرب من أبناء جلدتنا، وباستخدام وسائل إعلامهم المسمومة: المسموعة منها والمرئية والمقروءة، وبموافقة وتأييد أنظمة العمالة الحالية، هي أن الخلافة الإسلامية هي نظام قديم متخلِّف لا يصلح أن يتعايش مع وضعنا الحالي من التطور، أو أن يعود النظام الذي يحكم المسلمين؛ ومن أجل ذلك تراه حين يتحدث عن الخلافة الإسلامية يتحدث عنها ليستحضر في أذهان المسلمين مشاهد السيف والناقة والنخلة، وتجد المسلسلات والبرامج لا تعرض عن حقيقة الخلافة الإسلامية شيئًا يذكر. وإن أظهرت صورتها فتظهرها بمشهد النظام القديم العفوي الخالي من أي ترتيب أو تنظيم، وبشكل لا يتناسب أن يعود نظامًا للحكم في وقتنا هذا، ثم ينكبُّ المنبهرون بحضارة الغرب من العلمانيين الذين تتوفر لهم كل الدعاية عبر وسائل الإعلام المأجورة، ليبهروا المسلمين بالحضارة الغربية المزيفة، وليحبِّبوهم بها؛ وبالتالي ليتمنَّوا أن يكون نظام حكمهم مأخوذًا من الحضارة الغربية، بل وحتى نفس أسلوب عيشهم. وقد عملوا جادين حتى يبتعد المسلمون عن ذكر الخلافة الإسلامية كحل لأزماتهم الحالية فعمدوا عن قصد إلى تشويه الخلافة عن طريق تنظيم الدولة، وربط مشاهد الذبح والتفجير والحرق التي قام بها وإلصاقها بثوب الخلافة الإسلامية بهتانًا وزورًا، لتكون مرفوضة من أهلها.

والحقيقة، إن المسلمين يعلمون أن الخلافة الإسلامية بعيدة كل البعد عن هذه الصورة المزيفة، فقد كان المسلمون يعيشون تحت عزة ومنعة، متقدمين في شتى المجالات العلمية والطبية والهندسية والاجتماعية، فالخلافة أمَّنت الجو والبيئة والحاضنة التي أخرجتْ وآوتْ العلماء والمهندسين والمخترعين والمكتشفين الذين أفادوا العالم كله، وليس الذبح والتنكيل كما يريد الغرب الكافر أن يصوره الآن، وهاكم بعض إنجازات المسلمين وما وصلوا إليه تحت حكم الخلافة الإسلامية على سبيل الذكر لا الحصر.

فالمسلمون هم أول من أخترع الكاميرا التي تعتبر عماد الحياة الإعلامية الحديثة. وقد أخذت اسمها من كلمة «قمرة» العربية وتعني الغرفة المظلمة أو الخاصة، وكان هذا على يد العالم المسلم ابن الهيثم عالم الرياضيات والفلك والفيزياء.

وأيضًا الفلكي والشاعر والمهندس المسلم عباس بن فرناس كان قد سبق الأخوين رايت بألف عام في صناعة آلة للطيران!. وقد طار لأول مرة من على مئذنة في مدينة قرطبة مستخدمًا عباءة محشوة بمواد خشبية. وقد كانت عباءة بن فرناس أول مظلة في التاريخ. ثم اخترع آلة أخرى من الحرير وريش النسور وطار فيها من أعلى جبل وبقي في الجو لمدة عشر دقائق ثم سقط. واكتشف فيما بعد أن سبب سقوطه يعود إلى عدم صنع ذيل لطائرته.

وقد كان المسلمون هم أول من طوَّر الصابون الذي نستخدمه اليوم، وأضافوا له الزيوت النباتية وهيدروكسيد الصوديوم والعطورات كعطر الزعتر بينما كانت تفوح من أجساد الصليبيين الذين غزوا الأرض الإسلامية روائح كريهة للغاية حسبما يقول مسلمو ذلك الزمان. وقد جلب الشامبو إلى إنجلترا لأول مرة شخص مسلم وقد عـُين فيما بعد في بلاط الملكين جورج وويليام الرابع لشؤون النظافة.

العالم المسلم جابر بن حيَّان مخترع الكيمياء الحديثة، وإليه يعود الفضل في صناعة كل أجهزة التقطير والفلترة والتبخير والتطهير والأكسدة المستخدمة هذه الأيام. وكذلك قام بتحضير مركبات حامض الكبريتيك من الزاج الأزرق ودعاه بزيت الزاج، واكتشف الصودا الكاوية، وقام بتحضير حامض النيتريك والهيدروكلوريك.

وإذا أتينا إلى الاختراعات الميكانيكية فسنجد أن الفضل يعود إلى المهندس المسلم الجزاري في تصميم أهم الاختراعات الميكانيكية في تاريخ الإنسانية. فهو الذي صمَّم أول صمَّامات عرفها الإنسان، وهو الذي اخترع الساعات الميكانيكية، وهو أبو علم الآليات والتسيير الذاتي الذي تقوم عليه الصناعات الحديثة. وللتذكير أيضًا فهو أول من اخترع القفل الرقمي الذي نراه الآن مستخدمًا في الحقائب والخزائن.

وقد كان المسلمون هم أول من صنع المواد العازلة، وهم الذين ابتكروا الألبسة المحشوة بمواد عازلة، والتي كان وما زال يرتديها العسكريون.

وفي هندسة البناء كان المهندسون المسلمون هم أول من صمَّم الأقواس الهندسية التي أخذها عنهم الغرب فيما بعد في علم هندسة البناء. ولولا العلوم الهندسية الإسلامية لما شاهدنا الكثير من القلاع والقصور المنيفة والأبراج الهائلة في الأصقاع الغربية.

وفي علم الجراحة نجد أن كل الأدوات المستخدمة في الجراحة والتشريح اليوم هي نفسها التي اخترعها العالم الزهراوي في القرن العاشر، والمائتي أداة التي يستعملها الأطباء اليوم هي من تصميم الزهراوي. وهو أول من اكتشف الخيوط المستخدمة في العمليات الجراحية والتي تذوب في الجسم بعد العملية، وكذلك العالم المسلم أبوبكر الرازي الذي أخترع خيوط الجراحة واستخرجها من أمعاء القطط، وهو صاحب كتاب (الحاوي في علم التداوي) والذي أصبح مرجعًا أساسيًا في أوروبا في العصور الوسطى. وقد اكتشف المسلمون الدورة الدموية في القرن الثالث عشر قبل هارفي بثلاثمائة سنة على يد العالم المسلم ابن النفيس. وهم أول من اخترع «البنج» أي المخدرات الطبية التي تعطى للمرضى قبل العمليات، وهم الذين مزجوا الأفيون بالكحول للغرض نفسه.

والمسلمون أيضًا هم أول من اخترع الطاحونة الهوائية لطحن الذرة والري، ولم تعرفها أوروبا إلا بعد خمسمائة عام، وهم أول من اكتشف التلقيح والتطعيم الطبي وليس باستور الفرنسي، وقد أوصلته إلى أوروبا زوجة السفير البريطاني في إسطنبول عام 1724م. وقد كان الأتراك يلقِّحون أطفالهم ضد بعض الأمراض المميتة قبل الأوروبيين بأكثر من خمسين عامًا.

حتى على مستوى أقلام الحبر، نجد أن الفضل يعود إلى سلطان مصر الذي طلب تصنيع قلم حبر لا يوسخ الأيدي والملابس فجاء اختراع أقلام الحبر الناشف التي تستخدم على نطاق واسع في كل انحاء العالم الآن.

 وفي علم الحساب، نجد أن العالم المسلم الخوارزمي هو واضع علم الجبر، وقد قام العالم الإيطالي فيبوناتشي بنقل العلم الحسابي الإسلامي إلى أوروبا بعد أكثر من ثلاثمائة عام على اكتشافه على يد العلماء المسلمين. والمؤسف أنه ينتشر في الغرب على أنه مكتشفه لا ناقله.

والمسلمون هم أول من وضع علم النسيج والحياكة والسجاد تحديدًا، بينما كانت أرض المنازل في أوروبا من التراب والسطوح البدائية، وقد انتشرت السجاجيد فيما بعد في الغرب انتشار النار في الهشيم.

وكلمة «شيك» الإنجليزية أصلها عربي، فهي مأخوذة عن كلمة «صك» أي التعهد بدفع ثمن البضائع عند تسلمها؛ وذلك تجنبًا لتداول العملة في المناطق الخطرة.

وفي القرن التاسع كان رجال الأعمال المسلمون يأخذون النقد مقابل شيكاتهم في الصين المسحوبة على حساباتهم في بغداد. بعبارة أخرى، فالمسلمون هم من وضع أسس الاقتصاد المالي.

وفي الجغرافيا نجد أن العالم المسلم ابن حزم هو من اكتشف أن الأرض كوكب يدور قبل العالم الغربي غاليلي بخمسمائة عام، وقد كان الفلكيون العرب يحسبون حركة الأفلاك بدقة متناهية، وقدَّم العالم الإسلامي الإدريسي للملك روجر في صقلية الإيطالية كرة أرضية مرسومًا عليها أقاليم وبلدان العالم في القرن الثاني عشر. والعلماء المسلمون هم أول من استخدم البارود للأغراض العسكرية بإضافة البوتاسيوم له، وهم أول من صنعوا صاروخًا ينفجر في سفن الأعداء عند إصابتها. والمسلمون هم أول من صمَّم الحدائق للتمتع بجمال الطبيعة والاسترخاء، بينما كان الغربيون يستخدمونها فقط لزراعة الأعشاب والخضار للطبخ، وهم أول من زرع الزنبق والفل الذي يزين حدائق أوروبا هذه الأيام.

واكتفي بهذا القدر البسيط، والذي هو غيض من فيض، حتى لا أطيل على القارئ. فكل هؤلاء العلماء المسلمين قدموا هذه الإنجازات والاختراعات والابتكارات سابقين نظرائهم الأوروبيين بمئات السنين حينما كانوا تحت حكم دولة الخلافة الإسلامية التي قدَّمت لهم كل التسهيلات والدعم والحماية والأمن المطلوبة لأي تقدُّم وتطوُّر، بينما حال المسلمين اليوم بعيد جدًا عن القيام بأبسط الإنجازات لأنهم مشغولون بتوفير الأساسيات التي صار الحصول عليها صعبًا تحت حكم دول العمالة، فهل بعد كل هذه الشواهد التاريخية نستنتج أن دولة الخلافة الإسلامية هي دولة ذبح وتنكيل وحرق مثلما يريد أن يصور لنا الغرب ذلك؟ والجواب هو إن دولة الخلافة الإسلامية لم تكن أبدًا كذلك، بل كانت رمزًا للتقدم والتطور والرقي الذي لم يكن له نظير حتى في الدول الغربية آنذاك، والغرب يعرف هذا جيدًا، وأكثر من المسلمين أنفسهم؛ لهذا هو يخشى عودتها من جديد ويعمل كل ما يستطيع ليحول دون عودتها باستخدام كل الأدوات المتاحة له، ولن يستطيع؛ فقد بشَّر الذي لا ينطق عن الهوى بعودتها رغم أنوفهم، فعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكون النبوَّة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت». رواه أحمد

نسأل الله عز وجل أن يمنَّ علينا بقيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة عاجلًا غير آجل، ويجعلنا من العاملين لإقامتها، ويجعلها دولة عزة وتمكين ومنعة للإسلام والمسلمين، تسترد حقوقهم ومظالمهم وتعيدهم إلى سابق مجدهم، يعيش تحت ظلها المسلم عزيزًا كريمًا والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *