العدد 410 -

السنة الخامسة والثلاثون – ربيع الأول 1442هـ – تشرين الأول 2020م

بشارات التوراة والأناجيل بالنبيِّ محمد وبشريعته الكاملة الخاتم

يعتبر الإسلام الدين الخاتم الذي ألقى الحق رحاله عنده، وهو بما جاء به من حق،كان شاهدًا على تحريف الرسالات السابقة، اليهودية والنصرانية، والتي لعبت فيها أيدي التزوير؛ ولكن هذه الأيدي لم تستطع أن تجعل من جريمتها هذه كاملة، فقد جاءت بعض النصوص عندهم، سواء في التوراة (العهد القديم) أم في الأناجيل (العهد الجديد) ببشارات واضحة بنبوة سيدنا محمد لتفضح تحريفهم، وهؤلاء وإن حاولوا أن يتداركوا النصوص التي تكشف تزويرهم بتحريف فهمها وسوء ترجمتها؛ ولكن علماء المسلمين أمكنهم أن يكشفوا ويبينوا مواطن اللعب والتحريف والتزوير، منطلقين من أن الله سبحانه ذكر لهم في القرآن أن النبيَّ مكتوبٌ عندهم في التوراة والإنجيل. وكذلك فعل الذين آمنوا منهم بعد كفر. وسنذكر في هذا المقال بعض البشارات، ونذكر فيها مواطن التحريف.

البشارات في التوراة:

وادي بكة

جاء في سفر المزامير الإصحاح (84) الأعداد (4 – 6): «طُوبى للساكنينَ في بيتكَ، أبدًا يُسبِّحونكَ، سلاه، طوبى لأناس عزُّهم بك، طرُقُ بيتك في قلوبهم، عابرين في وادي البكاء، يُصيِّرونه ينبوعًا، أيضًا ببركاتٍ يُغَطُّون مورةَ».

في هذا النص نجد وصفًا لما يَحدُث في بيت الله من عبادةٍ وتسبيح دائم، ووصفًا لميل أفئدة الناس واشتياقهم لهذا البيت، ورغبتهم الشديدة للعبور إليه وزيارته، وأن بيت الله هذا مليء بالبركات والخير. وفي آخر هذا النص جاء ذكر مكان بيت الله هذا الذي يَعبُر الناس إليه، وهو كما جاء في الترجمة العربية: «وادي البكاء»، فما هو وادي البكاء؟ وأين مكانه؟. لمعرفة الجواب، فإننا بالرجوع إلى الترجمة الإنجليزية لهذا النص، التي جاءت هكذا بحسب ترجمة الملك جيمس (KJV):

(Who passing through the valley of Baca make it a well, the rain also filleth the pools).

إن النص الأصليَّ يقول إن هذا البيت في (Baca) ؛ أي: “بَكَّة”، وليس وادي البكاء كما في الترجمة العربية، فقد قام المترجمون إلى العربية بتغيير كلمة «وادي بكة” إلى «وادي البكاء”؛ لإخفاء ظهور هذه البشارة الواضحة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولكن فاتَهُم أن الترجمات الأخرى سوف تفضَحُ هذا الغشَّ والتزوير الواضِحَ. إن بكَّةَ هو اسم للمكان الذي يوجد فيه بيت الله وتوجد فيه الكعبة، وقد جاء ذلك صريحًا في القرآن الكريم في قوله الله تعالى: ( إِنَّ أَوَّلَ بَيۡتٖ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكٗا وَهُدٗى لِّلۡعَٰلَمِينَ ٩٦) فبكَّة هي مكَّة، وبيتُ اللهِ الذي يتحدَّث عنه هذا النص هو بيتُ الله الحرام والكعبة التي توجد في مكة إلى الآن. وأما ما جاء ذِكرُه في النصِّ ممَّا يقع عند هذا البيت من عبادة وتسبيح دائم، ووصف لمـَيلِ أفئدة الناس واشتياقهم لهذا البيت، ورغبتهم الشديدة للعبور إليه وزيارته، وأن بيتَ الله هذا مليء بالبركات والخير، فكل هذا مُتحقَّق وظاهر خلال شعائر الحج والعمرة التي لا تَنقطِع طوال العام. إنها بشارة واضِحةٌ بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولعلَّ شدَّة وضوح هذه البشارة بالنبي محمد هو الذي دفَع يد التحريف والغشِّ أن تُحرِّف “بكَّة” إلى “وادي البُكاء”في مُحاولة يائسة لإخفاء الحق الذي أراد الله إظهاره حجةً على الناس عامَّةً، وعلى أهل الكتاب خاصة، والحمد لله على فضله ونعمته في كشف الحق وفضح الباطل.

وتلألأ من جبال فاران

جاء في سفر التثنية الإصحاح (33) العدد (2): «جاء الربُّ من سيناء وأشرَقَ لهم مِن سعيرٍ، وتلألأ من جبال فاران، وأتى مِن ربوات القدس، وعن يَمينه نار شريعة لهم».

في هذا النص جاءت الإشارة إلى الأماكن الأساسية للرسالات الثلاث: اليهودية، والنصرانية، والإسلام. فقد ذكر النص«سيناء»في إشارة إلى رسالة سيدنا موسى عليه السلام. أما «سعير»، فهو جبل في فلسطين، ويقع هذا الجبل ضمن مجموعة جبال الخليل، ومن المعلوم أن فلسطين هي مهدُ رسالةِ المسيح، وبالتالي فهذه إشارة إلى رسالة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام. وأما «جبال فاران»فهي في مكة، وعلى ذلك تكون هذه إشارة إلى رسالة نبيِّ الرحمة محمَّد صلى الله عليه وسلم، جاء في مُعجم البلدان: «فاران: بعد الألف راء وآخِرُهُ نون، كلمة عبرانية مُعربة، وهي من أسماء مكة، ذكرها في التوراة، وقيل: هو اسم لجِبال مكة. وفي التوراة كذلك: «جاء الله مِن سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلنَ من فاران ومعه ألوف الأطهار». فمجيئه من سيناء أي تكليمه لموسى عليه السلام. وإشراقه من ساعير، وهي جبال فلسطين، هو إنزاله الإنجيل على عيسى عليه السلام. واستعلانه من جبال فاران: إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلموقوله «ومعه ألوف الأطهار»هم أصحابه المطهرون . هذه النبوات الثلاث التى اشتملت عليها هذه البشارة ذكر في القرآن نظيرها فى أول سورة التين؛ حيث قال تعالى: (وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ ١ وَطُورِ سِينِينَ ٢ وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ ٣) فذكر أمكنة هؤلاء الأنبياء وأرضهم التى خرجوا منها. فقوله تعالى:(وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ) المراد به منبتهما وأرضهما وهى الأرض المقدسة التى هى مظهر المسيح. وقوله تعالى: (وَطُورِ سِينِينَ) الذى كلم الله عليه موسى، فهو مظهر نبوته. وقوله تعالى: (وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ) حرَمُ الله وأمنُه الذي هو مظهر نبوة محمد – صلوات الله وسلامه عليه – فهذه الثلاثة نظير تلك الثلاثة سواء. وقالت اليهود: «فاران هى أرض الشام، وليست أرض الحجاز. وهذا من بهتهم وتحريفهم؛ إذ عندهم في التوراة أن اسماعيل لما فارق أباه سكن فى برية فاران، هكذا نطقت التوراة كما جاء فى سفر التكوين 21 «وأقام اسماعيل فى برية فاران، وأنكحته أمه امرأة من أهل مصر» ولا يشك علماء أهل الكتاب أن فاران سكن لآل إسماعيل. فقد تضمنت التوراة نبوة تنزل بأرض فاران، وتضمنت انتشار أمته وأتباعه حتى تملأ السهل والجبل… ولم يبقَ بعد هذا شبهة أصلًا أن هذه هى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، التى نزلت بفاران على أشرف ولد إسماعيل، حتى ملأت الأرض ضياءً ونورًا ، وملأ أتباعه السهل والجبل.

هذا وقد جاء في سفر التكوين، الإصحاح (21)، الأعداد (17 – 21): بشكل صريح أن سيدنا إسماعيل عليه السلام جدَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قد سكَن في برية فاران: «ونادى ملاك الله هاجَر مِن السماء وقال لها: ما لك يا هاجَر؟ لا تَخافي؛ لأنَّ اللهَ قد سمعَ لصوت الغلام حيث هو، قومي احمِلي الغلام وشدِّي يدك به؛ لأنِّي سأجعلُه أمةً عظيمةً، وفتح الله عينَيها فأبصرَت بئر ماء، فذهبتْ وملأت القِربة ماءً، وسقت الغُلام، وكان الله مع الغُلام، فكبر وسكَن في البرية، وكان يَنمو رامي قوس، وسكَن في برية فاران، وأخذَت له أمُّه زوجة من أرض مصر». فبئر الماء هي ماء زمزم، ومِن المعلوم تاريخيًّا أن هاجَر وإسماعيل عليه السلام قد سكنا في مكة… فهذه البشارة قد حدَّدت مهد الرسالة المنتظرة في منطقة جِبال فاران، التي ثبَت أنها في مكة محلِّ ولادةِ النبي صلى الله عليه وسلم وهي بشارة واضِحة برسالته.

أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة

جاء في سِفر أشعياء، الإصحاح (29) الأعداد (12): «أو يُدفع الكِتاب لمَن لا يَعرِفُ الكتابةَ ويقال له: اقرأ هذا، فيقول: لا أعرف الكتابة”.

هذه بِشارة واضحة بالنبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان أميًّا لا يعرف الكتابة، ولا القراءةَ من كتاب. وقد جاءت هذه البِشارة مُوافقة تمامًا لما جاء في الروايات المـُستفيضة في بَدء الوحي، حين جاء الملَك جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم فقال له: اقرأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أنا بقارئ» فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرُّؤيا الصالِحة في النَّوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبحِ، ثم حُبِّب إليه الخلاء، وكان يَخلو بغار حراء فيتحنَّث فيه – وهو التعبُّد – اللياليَ ذوات العدد قبل أن يَنزع إلى أهله ويتزوَّد لذلك ثمَّ يرجع إلى خديجة فيتزوَّد لمِثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملَكُ فقال: اقرأ، قال: «ما أنا بقارئ»، قال: «فأخذَني فغطَّني حتى بلغ مني الجَهْد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلتُ: ما أنا بقارئ، فأخذَني فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني، فقال: (ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ٢ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٣ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ٤ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ ٥) وكان هذا هو أول ما نزَل من القرآن الكريم. وهذه البشارة موافقةكذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنَّا أُمَّة أميَّة لا نَكتُب ولا نحسب» رواه البخاري. وموافقة لقوله تعالى: (ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٥٧ قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ فَ‍َٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلۡأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ١٨٥).

وهنا لا بد من الوقوف أمام محاولة أهل الكتاب إخفاء هذه البشارة بتحريف النص من «لا أعرف القراءة» وهو الموافق للسياق إلى «لا أعرف الكتابة» التي لا تتَّفق مع السياق. فمن الطبيعي إن قلت لشخص أميٍّ: اقرأ، فسيَقولُ لك: لا أعرف القراءة. أما إن قلتَ له: اكتب، فستكون الإجابة المنطقية: لا أعرف الكِتابة. وقد جاء في نص أشعياء: «أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له: «اقرأ هذا»، فيقول: «لا أعرف الكتابة». فالكتاب يُدفع لشخص أمِّيٍّ ويُقال له: اقرأ؛ أي يُطلب منه القراءة، وكان المنطقي أن تكون الإجابة: لا أعرف القراءة، ولكنه قال: لا أعرف الكتابة؛ رغم أن المطلوب منه هو القراءة لا الكتابة. ومع هذا التغيير الذي حدث في النص، فإنه لا يؤثِّر على انطِباق تلك البشارة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم من ناحية المعنى، وإنما تُحدِث شيئًا من الاختلاف اللفظي الذي يُمكن تجاوُزُه.

وابن الجارية أيضًا سأجعله أمَّة

جاء في سفر التكوين (20:17): «وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيًرا جدًّا اثني عشر رئيسًا يلد وأجعله أمة كبيرة». وجاء في سفر التكوين (13:21): «وابن الجارية أيضًا سأجعله أمَّة؛ لأنه نسلك». وجاء في سفر التكوين (18:21): «قومي احملي الغلام، وشدي يدك به؛ لأني سأجعله أمَّة عظيمة».

 هذه بشارات إضافية من سفر التكوين تخبر عن الله أنه سيجعل من نسل إسماعيل أمة كبيرة عظيمة، فعلينا أن نعود بالتاريخ إلى زمن الإخبار بتلك النبوءات حتى يتسنَّى لنا معرفة مدى صحته… فهذه البشارات التي فيها إخبار من الله لإبراهيم وهاجر بتلك البشارة عن ابنهم إسماعيل ونسله، وهي فترة تمتد لحوالى 4000 سنة، بحسب حساباتهم، حتى بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ونزول الوحي عليه، وبدء تبليغه للدعوة المكلف بها من قبل الله، سنجد أن تلك النبوءة لم تكن لتتحقق إلا بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث لم يكن للعرب اسم ولا كيان ولا ذِكر وسط الأمم طيلة هذه الفترة. وفي هذا المقام يقول العالم الأمريكي (مايكل هارت): «ولكن الرسول استطاع لأول مرة في التاريخ أن يوحد بينهم، وأن يملأهم بالإيمان، وأن يهديهم جميعًا بالدعوة إلى الإله الواحد؛ ولذلك استطاعت جيوش المسلمين الصغيرة المؤمنة أن تقوم بأعظم غزوات عرفتها البشرية؛ فاتسعت الأرض تحت أقدام المسلمين من شمالي شبه الجزيرة العربية، وشملت الإمبراطورية الفارسية على عهد الساسانيين، وإلى الشمال الغربي، واكتسحت بيزنطة والإمبراطورية الرومانية الشرقية… وكان العرب أقل بكثير جدًّا من كل هذه الدول التي غزَوها وانتصروا عليها، ورغم ذلك فقد استطاع هؤلاء البدو المؤمنون بالله وكتابه ورسوله أن يقيموا إمبراطورية واسعة ممتدة من حدود الهند حتى المحيط الأطلسي، وهي أعظم إمبراطورية أقيمت في التاريخ حتى اليوم، وإذا استعرضنا التاريخ، فإننا نجد أحداثًا كثيرة من الممكن أن تقع دون أبطالها المعروفين، مثلًا: كان من الممكن أن تستقل مستعمرات أمريكا الجنوبية عن إسبانيا دون أن يتزعم حركاتها الاستقلالية رجل مثل (سيمون بوليفار) هذا ممكن جدًّا، على أن يجيء بعد ذلك أي إنسان ويقوم بنفس العمل، ولكن من المستحيل أن يقال ذلك عن البدو، وعن العرب عمومًا، وعن إمبراطوريتهم الواسعة دون أن يكون هناك محمد صلى الله عليه وسلم وما كان من الممكن أن تتحقق كل هذه الانتصارات الباهرة بغير زعامته وهدايته وإيمان الجميع به”. [المائة: تقويم لأعظم الناس أثرًا في التاريخ/ مايكل هارت].

وحي من جهة بلاد العرب:

 جاء في سفر أشعياء الإصحاح (21) الأعداد (13 – 16): «وحيٌ من جهة بلاد العرب: في الوعر في بلاد العرب تبيتِين، يا قوافل الددانيِّين، هاتوا ماءً لملاقاة العطشان، يا سُكَّان أرض تيماء، وافوا الهارب بخبزه، فإنهم من أمام السيوف قد هربوا، من أمام السيف المسلول، ومن أمام القوس المشدودة، ومن أمام شدة الحرب، فإنه هكذا قال لي السيِّد: في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قِيدار». فقوله: «وحيٌ من جهة بلاد العرب» فهو بشارة واضحة بنزول الوحي في بلاد العرب وبرسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وبلاد العرب وموطنهم الأصلي هو جزيرة العرب التي وُلد وعاش وتُوفي فيها النبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم. وتيماء حسب قاموس الكتاب المقدس والتي تسقي العطشى – إشارة إلى سقاية الحجيج – هي: «قبيلة إسماعيلية تسلسلت من تيما، فكانت تقطن بلاد العرب»، والددان حسب القاموس ذاته: «وكانت ددان التي تقع بقرب تيماء مركزًا للتجارة في الجزيرة العربية، واسمها الحديث (العلا) في وادي القرى في شمال الحجاز. وقيدار هو اسم ابن إسماعيل الثاني، وهو أب لأشهر قبائل العرب، وتسمى بلادهم أيضًا قيدار” وهي مكة.

الديار التي سكنها قيدار

جاء في سفر أشعيا 42-(13:12) «لترفع البرية ومدنها صوتها، الديار التي سكنها قيدار، لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا…ليعطوا الرب مجدًا، ويخبروا بتسبيحه في الجزائر…الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه». في هذه الكلام، وفي لفظ قيدار بالأخص أقوى إشارة إلى أن النبي المبشر به هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث إن «قيدار هو اسم سامي معناه (قدير أو أسود)، وهو ابن إسماعيل الثاني، وهو أب لأشهر قبائل العرب، وتسمى بلادهم أيضًا قيدار”، وهي مكة. وبجانب هذا، فإن سالع أو سلع هو جبل بقرب المدينة المنورة، والترنُّم والهتاف يكون برفع الأذان والتكبير والتهليل في الحج لدى المسلمين، وأيضًا لأن سالع أو سلع كان سببًا في انتصار المسلمين على أعدائهم في غزوة الأحزاب (الخندق) وقد اجتمعوا عددًا وعدة لقطع شأفة المسلمين…وهذا ما جاء في البشارة (الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه).

البشارات في الأناجيل

إن ملكوت الله ينزع منكم

 جاء في إنجيل متى الإصحاح (21) الأعداد (33 – 44): «اسمعوا مثلًا آخَر: كان إنسانٌ ربُّ بيتٍ غرَسَ كرْمًا، وأحاطه بسياج، وحفَر فيه مَعصرةً، وبنى برجًا، وسلَّمه إلى كرَّامين وسافَرَ، ولما قرب وقت الإثمار أرسل عبيده إلى الكرَّامين ليأخذ أثماره، فأخَذ الكرَّامونَ عبيده وجلدوا بعضًا، وقتَلوا بعضًا، ورجَموا بعضًا، ثم أرسل أيضًا عبيدًا آخرينَ أكثرَ مِن الأوَّلينَ، ففعَلوا بهم كذلك، فأخيرًا أرسل إليهم ابنه قائلًا: يَهابون ابني. وأما الكرَّامون، فلمَّا رأوا الابن قالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث، هلمُّوا نقتله ونأخذ ميراثه، فأخذوه وأخرَجوه خارج الكرم وقتلوه، فمتى جاء صاحب الكرم، ماذا يفعل بأولئك الكرامين؟ قالوا له: «أولئك الأردياءُ يُهلِكهم هلاكًا رديًّا، ويُسلِّم الكرم إلى كرَّامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها»، قال لهم يسوع: «أما قرأتم قطُّ في الكتب: الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأسَ الزاوية؟ من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعينِنا؛ لذلك أقول لكم: إن ملكوتَ اللهِ يُنزَعُ منكم ويُعطى لأمة تعمل أثماره، ومن سقط على هذا الحجر يترضَّضُ، ومن سقط هو عليه يسحقه».

بحسب هذا النصِّ، يَضرِبُ المسيح عليه السلام مثلًا لأمة اليهود الذين استَكبروا فعَصوا أنبياءَ الله وحاربوهم وقتَلوهم. وهذا مصداق قوله تعالى: (أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ ٨٧). فالكرَّامون في هذا المثل هم أمة اليهود، والعبيد الذين يُرسَلون لهم هم الأنبياء، والجزاء المـُستحَقُّ لهؤلاء اليهود هو الهلاك وانتِزاعُ الملَكوت منهم، والمــَقصود بهذا الملكوت هنا: النُّبوَّة التي تُنزَع من اليهود لتذهب إلى أمة أخرى:«لذلك أقول لكم: إن ملَكوت اللهِ يُنزَعُ منكم ويُعطى لأمة تعمَلُ أثماره». أما الأمة التي ستُعطى هذا الملكوت وتنال تلك النبوة فهي أمة الحجر الذي رفضَه البناؤون، كما جاء في النص: «أما قرأتُم قطُّ في الكتب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية؟ من قِبَلِ الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا»… أما الحجر الذي رفضه البناؤون فهو سيدنا إسماعيل عليه السلام ونسلُه؛ حيث رفض اليهود سيدنا إسماعيل وبَنيه؛ لأنه ابن جارية بزَعمِهم. فقد جاء في رسالة بولس إلى أهل غلاطية الإصحاح (4) الأعداد ((21 – 31: ) قولوا لي، أنتم الذين تُريدون أن تَكونوا تحت الناموس: ألستُم تَسمعون الناموسَ؟ فإنه مكتوب أنه كان لإبراهيم ابنان، واحد من الجارية والآخر من الحُرَّة، لكن الذي من الجارية ولدَ حسب الجسد، وأما الذي مِن الحُرَّة فبالمَوعِد، وكل ذلك رمز؛ لأن هاتين هما العهدان، أحدهما من جبل سيناء، الوالد للعبودية، الذي هو هاجر؛ لأن هاجر جبل سيناء في العربية، ولكنه يُقابِلُ أورشليم الحاضرة، فإنها مُستعبَدة مع بنيها، وأما أورشليم العُليا، التي هي أمُّنا جميعًا، فهي حُرَّة؛ لأنه مكتوب: «افرَحي أيَّتها العاقر التي لم تلد، اهتفي واصرخي أيتها التي لم تتمخَّض؛ فإن أولاد الموحشة أكثر من التي لها زوج»، وأما نحن أيها الإخوة فنظير إسحاق، أولاد الموعد، ولكن كما كان حينئذٍ الذي ولد حسب الجسد يَضطهِد الذي حسب الروح، هكذا الآن أيضًا، لكن ماذا يقول الكتاب؟ «اطرد الجارية وابنَها؛ لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحُرة»؛ إذًا أيها الإخوة لسنا أولاد جارية؛ بل أولاد الحُرَّة». فسيدنا إسماعيل عليه السلام تمَّ رفضُه هو ونسله؛ بحجة أن أمه هاجر عليها السلام جارية، وابن الجارية لا يرث كما جاء في النص.

فالحجر المرفوض الذي ستُنزع النبوة من بني إسرائيل وتعطى لأمته هو سيدنا إسماعيل ونسله، وبالتالي فإن هذه البشارة توضِّح أن النبوة من بعد المسيح ستكون لواحد من نسل إسماعيل عليه السلام، ولم يأتِ نبيٌّ قط من وقتها من نسل إسماعيل إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي يَنتسِب لنسل إسماعيل كما هو ثابت تاريخيًّا. فحجر الزاوية هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما شبَّه هو نفسه في قوله: «إن مَثَلي ومَثَل الأنبياء من قبلي كمَثل رجل بنى بيتًا، فأحسَنَه وأجمَلَه إلا موضع لبنةٍ من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويَعجبون له ويقولون: هلا وُضِعت هذه اللَّبِنة؛ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين».

ومن ناحية أخرى، فقد جاء في النص من صفات الأمة التي ستَكون فيها النبوة ما يلي: «ويُسلِّم الكَرْمَ إلى كرَّامينَ آخَرينَ يُعطونه الأثمار في أوقاتها». فهم يؤدُّون العبادات في أوقاتها، وهذا من شعارات هذه الأمة التي ارتبطت لديها جل العبادات بالأوقات: فالصلاة لها مواقيت محدَّدة، فقد قال الله تعالى:(إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا). والصيام أيضًا له أيام معلومة، فقد قال الله عز وجل:(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ ).والحج يؤدى في وقت محدَّد؛ قال الله تعالى: (ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ). والزكاة بكل أنواعِها مُرتبِطة بالمواقيت؛ مثل زكاة المال، والماشية، وعروض التجارة، التي تستحقُّ بمُرور حول بعد بلوغِ النِّصاب، أو زكاة الزروع التي تستحق وقت الحصاد؛ قال الله تعالى: (وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ) وممَّا سبَق يتَّضحُ أن هذه البشارة منطبقة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بشَكلٍ واضِح، ولا يُنكِره إلا جاحد.

متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛

جاء في إنجيل يوحنا (15 – 14): «إن كنتم تحبوني، فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم مُعزيًا آخَر؛ ليمكث معكم إلى الأبد». هذه الجملة الواردة في إنجيل يوحنا هي من بشارات عيسى بن مريم عليه السلام للحواريين ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم من بعده، وأصل الأمر أن عيسى عليه السلام قد بشَّر بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم باسمه «أحمد»، فجاء المترجمون لهذا الاسم العَلَم فحوَّلوه إلى صفة، وأطلقوا عليها اسم (بيريكليتوس) “PERIQLYTOS “ أو “ PARACLYTOS “ والتي تعني القائم بالحمد الكثير، فعربوها إلى كلمة «فارقليط، ثم ترجموا هذه الكلمة بالعربية إلى «المعزَّي» أي المخلص، وقد اختاروا لفظ المعزي هروبًا من الاعتراف بسيدنا محمد. مع أن هذا المعنى لا يعضده الواقع أبدًا بل يعضد المعنى الحرفي (أحمد) إذ إنه قد بعث بعد سيدنا عيسى وامتلك كل الصفات التي ذكرها عنه. وتفصيل ذلك ما جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح (16: 7) على لسان المسيح – عليه السلام – وهو يخاطب تلاميذه كإنسان من البشر قبل أن يرحل: «لكني أقول لكم الحق، إنه خيرٌ لكم أن أَنطلِق؛ لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم الـمُعزِّي»، ثم يواصل المسيح عليه السلام الحديث عن ذلك الـمُعزي قائلًا: «إن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسِه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويُخبركم بأمور آتية». إنجيل يوحنا الإصحاح (16: 12-13) فالمسيح عليه السلام يُخبر تلاميذه قبل أن يرحل مباشرة بأنه لم يقل لهم كل شيء، وأن الذي منَعه من ذلك أنهم لا يستطيعون احتمال هذه الأمور في هذا الوقت، وهذا إعلان صريح من المسيح عليه السلام بأن الشريعة لم تَكتمِل بعدُ، وأن ذلك الـمُعزي هو الذي سيُكملها من بعده عليه السلام «وهو روح الحق، وهو يرشدكم إلى جميع الحق»، وأنه لا يأتي إلا بعد ذهابه، ويُقرُّ بأنه هو خير منه، وأنه «يخبركم بأمور آتية»، وهذا لا ينطبق إلا على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم فهو الذي أرشد الناس إلى جميع الحق، فعرَّف الناس بربِّهم الواحد، وأزال الأوهام التي استعبَدت عقول الناس من عبادة غير الله تارة، والإشراك به تارة أخرى، وعلَّم الإنسان غاية وجوده ودوره في الحياة، وبيَّن العلاقة السليمة بين المخلوق وخالقه، وبين الناس بعضهم بعضًا، ووضَّح أصول التشريعات التي فرضها الله عز وجل لعبيده؛ ليَصلح بها بنو البشر، ويستقيم بها أمرهم في كل زمان ومكان؛ ولذلك يخاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم في قرآنه قائلًا: (وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ). ثم إن المسيح عليه السلام يقول: «لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به» وهذا يعني أنه نبي يوحى إليه، وهذا ينطبق على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي قال الله سبحانه وتعالى عنه: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ ٤) ويقول ما ينطبق عليه أنه خاتم النبيين، وأنه جاء بشريعة عامة تامة كاملة خالدة، وفيها الإرشاد إلى «جميع الحق». والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: وهل أتى نبي بعد المسيح غير محمد صلى الله عليه وسلم تجتمع فيه كل هذه الأوصاف، وتتحقَّق فيه معنى الأفضلية، وأنه هو خاتم النبيِّين الذي جاء بشريعة عامة تامة كاملة خالدة… إنها بشارة عيسى بالنبي محمد، وهي مصداق قوله تعالى عن سيدنا عيسى عندما بشر برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم:

(وَإِذۡ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُم مُّصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولٖ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِي ٱسۡمُهُۥٓ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٞ ٦).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *