العدد 396 -

السنة الرابعة والثلاثون – محرم 1441هـ – أيلول 2019م

العيش الكريم… غاية البشرية

العيش الكريم… غاية البشرية

مازن الدباغ –  الموصل

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وكرمه على سائر مخلوقاته بما وهبه من نعمة العقل، قال تعالى:(۞وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا٧٠)، وأرسل رسله ليعينوا العقل على الاهتداء إلى الخالق المدبر والعيش الكريم في رحاب دينه الحنيف وينجيه من الضلال والضياع وحيوانية العيش والانحدار إلى عيش البهائم، وفي هذا يقول سبحانه وتعالى: (وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ لَهُمۡ قُلُوبٞ لَّا يَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡيُنٞ لَّا يُبۡصِرُونَ بِهَا وَلَهُمۡ ءَاذَانٞ لَّا يَسۡمَعُونَ بِهَآۚ أُوْلَٰٓئِكَ كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡغَٰفِلُونَ ١٧٩)، ثم ختم الرسالات برسالة الإسلام التي أنزلها على خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وجعلها شاملة لجميع مناحي الحياة ما يحقق الطمأنينة وسعادة الدارين، وهذا ما تحقق على يد المصطفى صلى الله عليه وسلم.

 فمنذ بعثته صلى الله عليه وسلم وهو يدرك الحالة التي سوف يعيشها المسلمون إذا انقادوا لأمر الله وتمسكوا بحبله المتين، وقد قالها واضحة عندما جمع الناس في مكة، فقد روى ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما مشَوا إلى أبي طالب وكلَّموه، وهم أشراف قومه عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب، في رجال من أشرافهم، فقالوا: يا أبا طالب، إنك منا حيث قد علمت، وقد حضرك ما ترى، وتخوَّفنا عليك، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادعه فخذ لنا منه وخذ له منا؛ ليكفَّ عنا ولنكفَّ عنه، وليدعنا وديننا ولندعه ودينه. فبعث إليه أبو طالب فجاءه فقال: يا ابن أخي، هؤلاء أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليعطوك وليأخذوا منك. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ، كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تُعْطُونِيهَا تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ، وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ». فقال أبو جهل: نعم وأبيك وعشر كلمات. قال: «تَقُولُونَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ» فصفقوا بأيديهم، ثم قالوا: يا محمد أتريد أن تجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟ إن أمرك لعجب. قال: ثم قال بعضهم لبعض: إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئًا مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم وبينه، ثم تفرقوا، قال: فقال أبو طالب: والله يا ابن أخي ما رأيتك سألتهم شططًا».

نعم، هكذا لاقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرفض والصدَّ من قومه؛ ولكنه استمر صلوات الله وسلامه عليه، لا يكلُّ أو يملُّ، بعزيمة لا تعرف الفتور أو اللين، يدعو الناس على بينة من أمره، ويقصد أهل القوة والمنعة خارج مكة، حتى أتمَّ الله سبحانه وتعالى عليه فضله، وشرح صدور أهل القوة والمنعة من الأوس والخزرج من أهل المدينة، فهاجر إليها، وأقام الدولة، وجعل ما يدعو إليه موضع التنفيذ، ففي مكة كان صلى الله عليه وسلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولم يحاسب عليه، أما بعد أن أقام الدولة في المدينة، فقد أخذ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحاسب عليه، فتحقق بفضل الله وعده صلى الله عليه وسلم، فملك العرب، ودانت له العرب والعجم، واستمر الصحابة رضوان الله عليهم على نهجه وخطوا خطواته، فاتسعت دولة الإسلام، وهوت أمامها دولة الفرس والروم أعظم دولتين في عصره، وغدت دولة الإسلام هي الدولة الأولى بلا منازع، تفتح البلدان وتخرج البشرية من عبادة العباد إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فانتشر الإسلام، وتوسعت رقعة الدولة الإسلامية شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، ودخل الناس في دين الله أفواجًا طوعًا وبدون إكراه، امتثالًا لقوله تعالى: (لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ٢٥٦)، وظل الإسلام بوتقة تصهر الشعوب والأمم، وارتفع بالإنسان عن الروابط الوطنية والقومية فضلًا عن الرابطة المصلحية، لتربطهم رابطة واحدة هي رابطة المبدأ، فكانت أمة إسلامية لا فضل فيها لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، دولة يتساوى فيها بلال الحبشي مع سلمان الفارسي مع صهيب الرومي مع أبي بكر العربي…

وهكذا حققت الدولة الإسلامية العيش الكريم والحياة السعيدة كما أرادها الخالق سبحانه وتعالى، والتي كانت حلم البشرية، وطموح المفكرين والعباقرة على مر الأزمان والدهور.

ولكن الضعف أخذ يدب في عروق الأمة الإسلامية ابتداءً من ترجمة ودراسة الكتب التي تمثل ثقافة تخالف ثقافة الإسلام وظهور علم الكلام الذي أثر في طريقة تفكير المسلمين، فبعد أن كان المسلمون يأخذون العقيدة الإسلامية على أنها مادة حيوية لها الأثر الأكبر في حياة وسلوك الناس، صاروا يأخذونها على أنها مادة فلسفية جامدة فاقدة للتبلور ودقة الفهم، ثم تبعها ضعف اللغة العربية التي هي آلة الاجتهاد، وما نتج عن ذلك من انحسار للمجتهدين وضعف الإبداع حتى كثر المقلدون وندر المجتهدون، وابتعدت شيئًا فشيئًا عن الفكرة التي هي سر حياتها حتى أضحت جسدًا بلا روح، ووصل بها الحال إلى التخبط فيما يؤخذ من الغرب كالصناعة، وما لا يؤخذ كالقوانين، وغدت عاجزة عن إعطاء الحلول للمشاكل المستحدثة، وبقيت لفترة طويلة وهي حائرة في حكم القهوة؛ ما يدل على الحالة الفكرية التي وصلت إليها الأمة بعلمائها آنذاك! ثم كان الغزو الفكري والغزو التبشيري على الإسلام حتى تم للحضارة الغربية القضاء على دولة الإسلام وتمزيقها على يد المجرم مصطفى كمال بتدبير وتخطيط من دول الكفر بقيادة الإنجليز، ولم يكتفِ الغرب الحاقد على الإسلام والمسلمين بسقوط دولتهم، بل لحقهم إلى عقر دارهم يشككهم بسر حياتهم وأساس نهضتهم، وينشر مفاهيمه بين المسلمين من قومية ووطنية وديمقراطية وقوانين وضعية، ويحارب أفكار الإسلام وأحكامه… ومع شديد الأسف قبل المسلمون أن يكون الإسلام متهمًا ويجب الدفاع عنه، وهكذا أصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، ومنذ ذلك الوقت والأمة الإسلامية تتهاوى من عليٍّ إلى أسفل، وهي لا تزال تتجرع مرارة الهزيمة وسموم الأفكار الغربية الرأسمالية. وتعيش حالة الضياع وازدواجية العيش حيث تطبق عليها أحكام تناقض ما تؤمن به، وصار كل جيل من المسلمين يتسلم ركامًا من المشاكل والضياع والشقاء من الجيل الذي سبقه حتى فقدت الأمة ثقتها بنفسها وقدرتها على التغيير، وكان هذا هو أشد الأمراض المجتمعية وأخبث الآفات الروحية والذي إذا تسلط على أمة ساقها إلى الفناء، وأصبحت الهوية التي تحملها هذه الأمة والتي هي سر حياتها وأصل عيشها الكريم والبلسم الشافي لجروحها… كأنها عبء ثقيل ينغص عيشها!

وهكذا ضاعت الأمة الإسلامية وأصبحت في ذيل الأمم، تقتات على جيفة الغرب، وتساق كالأنعام للذبح، نعم هذا حال أمة الإسلام اليوم والتي كانت خير أمة أخرجت للناس، وانفردت الحضارة الغربية ترسم طريقة العيش للبشرية. وهنا لا بد لنا أن نعرض الواقع الذي يعيشه العالم اليوم بعد تطبيق الحضارة الغربية عليه والتي من أهم صفاتها:

أولًا: إن مقياس هذه الحضارة التي يحملها الغرب بزعامة أميركا وهي تسعى لتطبيقها بالقوة في كل بقاع الأرض هو النفعية، فهذه الحضارة لا تقيم وزنًا لأية قيمة روحية أو إنسانية أو خلقية، بل للنفعية والنفعية فقط، وهذا واقع ملموس في تصرفات الدول التي تحمل هذا المبدأ؛ فهي مستعدة لإبادة شعوب مقابل النفعية، وما فعلته أميركا في العراق وسوريا وغيرها من بلاد المسلمين شاهد على وحشية هذه الحضارة العفنة، والمستعدة أن تقاتل بعضها بعضًا بناءً على المصلحة والنفعية، والحرب العالمية الأولى والثانية دليل على ذلك.

ثانيًا: أثر تطبيق الأنظمة التي انبثقت عن هذه العقيدة وما جرته على الإنسانية من بؤس وشقاء كنظام الحكم والنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي.

فنظام الحكم الذي هو النظام الذي يبين شكل الدولة وصفتها وقواعدها وأركانها وأجهزتها، فإنه في الحضارة الغربية يقوم على أساس أن السيادة وحق التشريع والحكم على الأفعال: حسنها وقبحها، وخيرها وشرها، هي للإنسان، ولا شأن للخالق في ذلك. فالإنسان، بالرغم مما وهبه الله من نعمة العقل، فإنه يبقى مخلوقًا عاجزًا وناقصًا ومحتاجًا، وليس بمقدوره وضع نظام يرعى به شؤون الناس، أو أن يحكم على الأفعال من ناحية الحسن والقبح، والخير والشر، ويثيب ويعاقب عليها؛ لأن هذا النظام والحكم الصادر منه سوف يكون متناقضًا ومتفاوتًا ومختلفًا… وهو حين يبعد الناحية الروحية عن هذا النظام يصبح لا يمكن تطبيقه إلا بقوة الجندي وصرامة القانون، بخلاف الإسلام الذي يعتمد في تطبيقه بالدرجة الأولى على تقوى الفرد، وكل الذي نشاهده اليوم من ظلم وشقاء وانتشار للجريمة وضياع سببه الاعتداء على حق الله سبحانه وتعالى في التشريع، وهكذا فقدت البشرية العيش الكريم مصداقًا لقوله تعالى: (وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ١٢٤)، وحُكمت بالطاغوت الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نكفر به، قال تعالى: (أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا٦٠)، واليوم لا خلاص للبشرية جمعاء من كل هذه الظلمات وفرعون العصر أميركا التي استعبدت البشرية وجعلت أهلها شيعًا، إلا بعودة السيادة لله أي شرعه، قال تعالى: (إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ٤ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥ ).

أما النظام الاقتصادي المنبثق من هذه الحضارة فقد جرّ على البشرية الويلات وسبب لها الأزمات، وكم بسببه سُرقت شعوب وأمم، ويمكن ملاحظة أهم مفاصل هذا النظام وما أنتجه من أزمات:

النظام النقدي، والذي بسببه أصبحت دول العالم أسيرة الدولار الأميركي وبات حلمها هو التخلص من هيمنته؛ فنظام النقد الورقي الإلزامي عبارة عن أوراق نقدية غير قابلة للتحويل إلى الذهب أو الفضة أو أي معدن نفيس، فلا يضمن هذه الأوراق احتياطي معدني، والذي تحكَّم في العالم منذ عام 1971م، عند اجتماع نيكسون الرئيس الأميركي وخورشوف رئيس الاتحاد السوفياتي آنذاك، وإعلان الرئيس الأميركي نهاية اتفاقية بريتون وودز، وفك ارتباط الدولار بالذهب، ومنذ ذلك الحين أصبح النقد هو النظام الورقي الإلزامي والذي ليس له إلا القيمة القانونية، ولا يملك أية قوة ذاتية ولا يستند إلى قوة ذاتية، وبسبب هذا النظام فقد السوق استقراره، وكم خسر الناس أموالًا وجهودًا عندما تتعرض دولهم لأزمات خارجية أو حروب… ولا حل لهذه المعضلة إلا بعودة النظام النقدي المعدني الذهب والفضة، ذلك النقد الذي يحمل قيمة ذاتية؛ فقد سقطت الدولة العثمانية، وسقطت دول غيرها ممن كان نظامها النقدي هو الذهب والفضة، وبقي نقد هذه الدول يحتفظ بقوته.

ميزان المدفوعات، وهو علاقة الدولة مع الدول بالنسبة للإيرادات والصادرات، ولجوء هذه الدول وخاصة تلك التي صادراتها أقل من وارداتها ولا تعتمد على ذاتها في الزراعة والصناعة، لجوؤها إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الربويين، وغالبًا ما تستخدم هذه الأموال في الاستهلاك، ولعدم وجود مشاريع إنتاجية بالإضافة إلى سرقة الحكام؛ ما يضطرها إلى جدولة الديون والاقتراض أكثر، وبهذا تسقط هذه الدول في فخهما، وكم استعبدا دولًا وشعوبًا؛ حيث إنهما يتدخلان في سياسة الدولة المقترضة، ويفرضان سياسات تؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي؛ بحيث تصبح هذه الدول تحت رحمة المعونات والقروض.

سوء توزيع الثروة، وهو الأزمة الاقتصادية الحقيقية في النظام الاقتصادي الرأسمالي، والذي بات عاجزًا عن حل مشكلة الفقر، بل على العكس، ساعد هذا النظام في انتشار الفقر وكثرة الفقراء والمشردين، وهذا غيض من فيض، فاليوم وبسبب هذا النظام تعيش دول العالم وشعوبها الفقر والحرمان والمستقبل المجهول فيما يخص اقتصادها، فنظام هذه الحضارة الاقتصادي ركز على الثروة وإنتاجها وتنميتها ولم يهتم بأمر توزيعها، فبقي الفقير ينظر إلى الأسواق وهي مليئة بالمواد ولكنه لا يستطيع الحصول عليها؛ لأن الدولة في النظام الرأسمالي غير مسؤولة عن توفير الحاجات الأساسية لكل فرد، فتوزيع الثروة متروك للسوق، بخلاف الإسلام الذي يجعل من مسؤولية الدولة توفير الحاجات الأساسية لكل فرد وتمكينه من الحاجات الكمالية.

وأما النظام الاجتماعي في الحضارة الغربية والتي جعلت من المرأة سلعة جسدية تستغل أنوثتها أبشع استغلال، وإطلاق الحرية الشخصية وما أنتجت من تفكك أسري وانتشار للزنا والفواحش والشذوذ الأخلاقي والعيش الحيواني بكل ما تعنيه الكلمة، بل غدت الإنسانية في ظل هذا النظام تحيا حياة تترفع عنها البهائم والوحوش. ولو استعرضنا الشرور والويلات التي جرَّتها الحضارة الغربية على العالم والبشرية جمعاء لما وسعنا المقام.

وخلاصة القول، فإن البشرية اليوم تعيش أسوأ حالاتها، وهي انحدرت إلى البهيمية وعيش الأنعام وحياة الغاب، القوي فيها يأكل الضعيف، فكان كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ٤١ ﴾، وأضحت في وباء عظيم تتلمس العلاج الذي هو بأيدي المسلمين الذين أمرهم الله سبحانه وتعالى بالعيش في دار الإسلام، ونقل العرب والمسلمين في كل بقعة حكمها إلى العيش الكريم، فهو علاج مجرب ناجع، ولا علاج غيره؛ لأنه من الخالق المدبر. وعلاج ما يعيشه المسلمون اليوم من شقاء العيش وضنكه بسبب الحضارة الغربية هو نهضة المسلمين باستئناف الحياة الإسلامية، وحمل هذا الدين إلى البشرية لتنعم بالعيش الكريم.

وأخيرًا، ومن كل ما سبق، فإنه ليس ثمة عيش كريم للبشرية إلا في ظل الإسلام، وظل دولته التي تخرج العباد من ظلم وظلمات الحضارة الغربية إلى عدل ونور الإسلام، ويتحقق بها وعد الله لعباده المؤمنين، قال تعالى: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥).

اللهم مُنَّ علينا بخلافة راشدة على منهاج النبوة، واجعلنا من شهودها وجنودها 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *