العدد 390-391-392 -

السنة الثالثة والثلاثون -رجب – شعبان – رمضان – 1440هـ – آذار – نيسان- أيار 2019م

نداء من ثورة الشام إلى أخواتها من الثورات المتجددة: (ثورة الشام… مسيرة وعبر)

نداء من ثورة الشام إلى أخواتها من الثورات المتجددة:

(ثورة الشام… مسيرة وعبر)

مصطفى أبو الوفا

عندما انطلق ما يعرف بثورات الربيع العربي في تونس ومصر وما أعقبهما، كان الناس، وخاصة النخب المفكرة ومن له اطلاع على الوضع السياسي ومن تقدم به العمر أيضًا في سوريا، يستبعدون أن تقوم الثورة فيها؛ لأنهم يدركون طبيعة نظام أسد الأب والابن القمعية، وحالة الرعب التي نشرتها أجهزة المخابرات والقمع بين الناس الذين توارثوا الخوف منذ أحداث الثمانينات التي ارتكبت فيها أجهزة نظام أسد الأب المجازر المروعة وأخفت وقتلت آلاف الشباب في أقبيتها وسجونها؛ ولكن هذه التوقعات خابت عندما كتب أطفال درعا على جدران مدارسهم عبارات ثورية (أجاك الدور يا دكتور) تعاملت معها أجهزة المخابرات بما اعتادت عليه من بطش وقمع لينتفض أهل حوران لكرامتهم المستباحة، ولتكون هذه الانتفاضة شرارة الثورة الأولى، وما لبثت أن انتقلت من مدينة إلى مدينة، ومن بلدة إلى أخرى؛ لتشمل معظم سوريا…

كان الناس يخرجون من مساجدهم وهم يكبرون ويرفعون شعاراتهم ضد الظلم والقهر ويهتفون ملء حناجرهم بتلك الشعارات الخالدة التي انبثقت من عقيدتهم وتعبر عن تطلعاتهم للعيش في ظل نظام الإسلام،  فكانت حناجرهم تصدح (هي لله هي لله) و(قائدنا للأبد سيدنا محمد) ومن ثم (الأمة تريد خلافة من جديد)… شعارات حطمت جدار الخوف الكبير الذي بناه الطغاة والمجرمون فأسقطت شرعيتهم، وزلزلت كراسيهم، وأرعبت الدول الكافرة كأميركا وغيرها، وحتى دول الجوار الإقليمية من هذه الثورة، فبدأت أعمال الكيد لها ومحاولات القضاء عليها.

لقد أدركت هذه الدول أن نجاح ثورة الشام يشكل خطرًا وجوديًا عليها؛ لذلك اعتبرت القضاء عليها أمرًا حيويًا لا بد منه، فاستنفرت أميركا، بوصفها الدولة الأولى في العالم وسيدة نظام أسد المباشرة، أدواتها وجهودها، وحاكت مكائدها للقضاء على هذه الثورة وللحفاظ على نظام العمالة في دمشق.

فكانت أولى المكائد للثورة هي جرها قسرًا إلى ساحة العمل المسلح عن طريق الإفراط في استخدام القوة في مواجهة الثائرين السلميين؛ وذلك بهدف القضاء على الحالة الشعبية للثورة، وجرِّ مكوناتها إلى الساحة التي يتفوق فيها نظام بشار، وتعطيه المبررات لقمع الثورة بشكل تام. ولما عجز نظام بشار عن القضاء على ثورة الشام وبدأت منظومته العسكرية تنهار أمام ضربات المخلصين من أبناء الشام وعظيم إقدامهم وتضحياتهم وثباتهم، أوعزت أميركا لإيران وحزبها وميليشياتها الطائفية بدعم نظام العمالة في دمشق، ولما لم تتمكن أيضًا من القضاء على ثورة الشام سمحت بالتدخل الروسي المباشر.

تم تقسيم الأدوار بين الدول المتآمرة على ثورة الشام، فبعضها كما ذكرنا دعم النظام عسكريًا بشكل مباشر، وبعضها تلبَّس لبوس الداعم للثورة بما يعرف زورًا  بـ (أصدقاء الشعب السوري). حيث قدمت هذه الدول نفسها على أنها الداعم لثورة الشام والمناصر لها والمؤيد لمطالبها كالسعودية وتركيا وقطر، وقام هؤلاء الأصدقاء الأعداء بإنشاء ما يسمى بالمعارضة السياسية في الخارج من أجل أن تكون هي الممثلة للثورة والمعبرة عن مطالبها (كالمجلس الوطني والائتلاف وهيئة التفاوض ومن ثم الحكومات السورية المؤقتة وحكومة الإنقاذ وغيرها)… وفي الحقيقة لم يكن ذلك إلا شركًا وفخًا تمكنت من خلاله جر الجميع، المعارضة السياسية وبعض الفصائل، إلى مستنقع المفاوضات والمؤتمرات والتنازلات…

تم إغراء قادة الفصائل بالمال السياسي المسموم حيث عمدت أميركا لتجميع ما يسمى الدول الداعمة بغرف دعم « الموك « في الأردن و» الموم « في تركيا، وهي كانت أشبه بغرف عمليات، وذلك بهدف التحكم بالدعم وتوجيهه إلى من ينصاع لتعليمات هذه الغرف الداعمة، هذا وقد سبب هذا المال السياسي المسموم ويلات جسيمة على ثورة الشام أهمها:

1 – كان المال السياسي المسموم أداة لسيطرة الدول الداعمة على العمل الميداني بشكل مباشر؛ حيث كان الداعم يتحكم بجبهات القتال التي يجب أن تفتح، وغالبًا ما تكون جبهات ليست حيوية؛ وذلك لتفريغ طاقات الثائرين وهدر جهودهم في معارك جانبية.

2 – كان المال السياسي المسموم سببًا في تكبيل قادة الفصائل وجعلهم يلتزمون بالخطوط الحمراء التي وضعها الداعمون من أجل المحافظة على نظام العمالة، ومنع خوض معارك أساسية حاسمة تؤثر عليه أو تؤدي إلى سقوطه.

3 – كان المال السياسي القذر سببًا في إفساد ذمم قادة الفصائل؛ فانحرفوا عن ثوابت ثورتهم، وتاجروا بتضحيات أهلهم وإخوانهم، وأصبحوا أدوات طيعة في خدمة مخططات أعدائنا.

تم تصنيف فصائل الثورة تصنيفات مختلفة من إسلاميين ومتشددين وجيش حر ليسهل ضرب بعضهم ببعض، ولصرفهم عن الهدف الأساسي الذي قاموا من أجله وهو إسقاط نظام الإجرام في دمشق؛ وهذا أدى إلى شرذمة قوى الثورة، وأدى بتوجيهات من الداعمين إلى حالة اقتتال مَقيت بين فصائل كان من المفترض أن تكون يدًا واحدة وفي خندق واحد ضد نظام  بشار المجرم الذي ثارت عليه.

كما أن قيام الدول المتآمرة وعلى رأسها أميركا وأدواتها بتصنيع القيادات السياسية كالمجلس الوطني والائتلاف وهيئة التفاوض ومن ثم الحكومات السورية المؤقتة وحكومة الإنقاذ وغيرها، إنما كان من أجل إيجاد الجهة السياسية التي يراد لها أن تمثل ثورة الشام؛ ولكن ليس وفق مطالب أهل الشام الحقيقية بل وفق ما تسمح به الدول المتآمرة وتريده، وتحت سقف ما يسمح به المجتمع الدولي ومنظماته الرأسمالية.

 وكذلك كانت السيطرة على القيادات الميدانية التي لها ثقل على الأرض هدفًا رئيسيًا للمتآمرين على ثورة الشام؛ فبذلت الجهود وأنفقت الأموال من أجل شراء ذمم الكثير من القيادات الميدانية؛ حيث كان لمواقف تلك القيادات الدور الأكبر في خداع العناصر من أجل تمرير مخططات أعدائنا بذرائع ومبررات شتى، ويساندهم جوقة ممن يسمون «شرعيين» جعلوا المصلحة، وفي الحقيقة هي مصلحة الدول الداعمة، أساس تبريراتهم وترقيعاتهم لتصرفات القادة ومواقفهم المتخاذلة.

أما الهدن والمفاوضات والمؤتمرات التي تنوعت وتعددت من جنيف إلى الرياض إلى الآستانا وسوتشي، فقد كانت الفخ الكبير الذي سقط فيه قادة الفصائل بعد القيادات السياسية المصنَّعة، وكانت السبيل الذي سلكته الدول المتآمرة لحرف وجهة الصراع من إسقاط نظام بشار إلى إعادة الشرعية الدولية إليه، وإلى مواجهة الإرهاب، وليكون الحل هو ما تمليه الدول المتآمرة بعيدًا عن ثوابت ثورة الشام وتطلعات أهلها الذين يتم ترويضهم بالقتل والتدمير والتهجير والترويع حتى ينتزعوا روح الثورة من نفوسهم، وليرضوا بمجرد العيش الآمن المستقر الذي باتوا يشعرون بافتقاده.

ولقد كان لإغراء الفصائل المقاتلة بالسيطرة على المناطق وإشغالها بذلك أثر سلبي كبير على عملها الأساسي الذي قامت من أجله، وهو إسقاط النظام، ونصرة أهلهم لدفع القتل ورفع الظلم عنهم، ومن ذلك :

1 – إشغال الفصائل المقاتلة بإدارة المناطق التي تسيطر عليها، وهذا صرفها عن غايتها في إسقاط نظام الإجرام.

2 –  تحولت جهود الفصائل إلى محاولة السيطرة على مناطق جديدة، أو الدفاع عما هو تحت سيطرتها؛ وهذا كان أحد أسباب الفرقة والاقتتال فيما بينها؛ فانحرفت البوصلة وتحول إخوة الأمس إلى أعداء اليوم.

3 – قيام الفصائل المسلحة بمحاولة إدارة المناطق أو فرض حكومات وتشكيلات ذات طابع شعبي لتكون واجهة لها، في الوقت الذي كانت تفتقر فيه للإمكانيات، وتفتقد عقلية الإدارة والرعاية، بل تتسم بعقلية التسلط والجباية، وهذا ما جعلها في عداء وتنافر مع الحاضنة الشعبية مما جعلها تفقد سندها الطبيعي وحاضنتها؛ فلجأت إلى التصرفات الأمنية المقيتة لفرض سلطتها ولسلب سلطان الناس من جديد؛ مما زاد الطين بلة.

لقد تضافرت – كما مر سابقًا – جهود دولية كبيرة بإمكاناتها المختلفة وجيوشها ومراكز دراساتها الاستراتيجية للقضاء على ثورة الشام المباركة؛ ولكن رغم كل ذلك، بفضل الله ورعايته، ورغم دخولنا في العام التاسع، وأهل الشام يكابدون الصعاب ويواجهون القتل والتدمير والتهجير ويقدمون التضحيات الجسام، فإن نار الثورة ما زالت متَّقدة، والتطلع إلى إسقاط نظام الإجرام وإقامة حكم الإسلام مازال يغمر القلوب المؤمنة الواثقة بوعد ربها و بشرى رسولها.

ونحن إنما نستعرض ذلك لنؤكد عظم الكيد لهذه الثورة المباركة التي لم تكن صراعًا بين أطراف دولية كغيرها من الثورات، بل كانت صراعًا بين الصادقين من أهل الشام الذين يتطلعون إلى إيجاد دولة الإسلام وبين أميركا وحضارتها وأدواتها، ونحن إذ نقرأ الواقع ونشخِّصه إنما نفعل ذلك من أجل بيان هذه المكائد والمكر لمواجهتها، ونحن نجدد عهد ثورتنا، وليكون ذلك منارًا وعبرة لإخوتنا في بلدان المسلمين الأخرى.

 إن هذا الكيد والتآمر لم يكن له أن يؤثر أو يحقق نجاحًا عندما تتوفر ثلاثة أمور جوهرية ما زلنا نؤكد عليها وندعو إخوتنا لتبنِّيها والالتزام بها وهي:

أولًا: المشروع الذي ينبثق من عقيدتنا وهو مشروع الخلافة على منهاج النبوة الذي يجمع كل مكونات الثورة من حملة للمشروع وأنصارهم، وحاضنة شعبية تحتضن حملة المشروع  وأنصارهم، لنواجه به جميعًا مشروع الدولة المدنية العلمانية التي يريد الكافر أن يحكمنا بها ويفرضها علينا. 

ثانيًا: اتخاذ قيادة سياسية واعية تكون هي صاحبة المشروع، فتدرك مخططات الدول ومؤامراتها بما تملكه من وعي سياسي لتقود السفينة بوعيها وحكمتها إلى غايتها وهي إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام.

ثالثًا: اتخاذ ثوابت للثورة والتمسك بها وعدم المساومة عليها أو التنازل عنها، وتتلخص هذه الثوابت بثلاثة أمور:

1 – العمل على إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه: 

   لأن التغيير يجب أن يكون جذريًا انقلابيًا شاملًا، لا يوافق على الترقيع والحلول الجزئية، ولا يرضى بخدعة إزالة رأس النظام مع بقاء أجهزته وأركانه وتشريعاته قائمة، بل لا بد من إسقاط النظام بأركانه ورموزه جميعًا

2 – رفض المال السياسي المسموم وقطع يد الدول المتآمرة على الثورة:

 لقد ظهر لنا جليًا دور الدول على اختلاف تصنيفاتها في التآمر على ثورة الشام المباركة، وظهر لنا دور المال السياسي القذر في شراء الذمم وحرف البوصلة وهدر الجهود؛ لذلك لا بد من قطع يد الداعمين المتآمرين، والاعتماد على الإمكانات الذاتية، وعلى إمكانات المخلصين من أبناء الأمة، وهي كثيرة ووافية وكافية بإذن الله تعالى.

3 – إقامة الخلافة على منهاج النبوة:

لا بد أن يكون واضحًا لدينا ومحددًا عندنا ما هي الدولة التي نسعى لإقامتها بعد إسقاط نظام القهر والظلم والقمع الذي نعمل لإسقاطه. وهذا النظام الذي نسعى إليه، والدولة التي نعمل لإقامتها هي الخلافة الراشدة الثانية التي فرض ربنا علينا العمل لإقامتها، ووعد المخلصين من العاملين بها، وقد بشرنا بها رسولنا الكريم أنها تأتي بعد هذا الحكم الجبري الذي يعيشه المسلمون في كل بلادهم بقوله صلى الله عليه وسلم: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها… ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت» رواه البزار والطبراني ورجاله ثقات.

إن ما قدمناه من كلام يجب أن يكون منارة حق وهدى لمن كتب عليه أن يسير في هذا المسار الذي باتت دول الغرب، وعلى رأسه أميركا، تتحكم به، وعندها خبرة المكر والإجرام فيه، وتمتلك ناصية حكام عملاء ومعهم توابعهم من الأوساط السياسية والعسكرية والحزبية التي ستحاول أن تسرق الثورة من أهلها… وحذارِ حذارِ ممن يقدمون أنفسهم على أنهم من الدول الداعمة كدول الخليج من غير استثناء، أو الدول التي ظاهرها إسلامي بينما باطنها ترشح منه العمالة والخيانة كتركيا وإيران والسعودية.

إن من يسير في هذا المسار ليس له من منقذ إلا بأن يعتصم بحبل الله المتين، ويهتدي بسيرة رسوله الكريم، وأن يتوجه لأهل القوة من أبناء البلد المخلصين؛ ليكونوا أنصار الله كما كان للرسول أنصاره، فيطلب منهم نصرة دين الله بأخذ الحكم وتسليمه إلى القيادة السياسية الواعية التي تدرك مخططات الدول ومؤامراتها بما تملكه من وعي سياسي، والتي تتبنى مشروع إقامة دولة الخلافة؛ لتقود السفينة بالتزامها ووعيها وحكمتها إلى غايتها، وهي إسقاط نظام الطاغوت وإقامة حكم الله في الأرض، قال تعالىLإِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ) 

إن تآمر كل الدول على ثورة الشام ومحاولتها إعادة تأهيل نظام بشار وفرض الدستور العلماني، واعتبار كل المخلصين إرهابيين يجب القضاء عليهم… ما كان إلا لمنعهم من إقامة دولة الخلافة التي هي فرض ربهم، ومظهر وحدتهم، ومصدر قوتهم، ومبعث عزَّتهم، والتي ستنهي تسلط دول الغرب الكافر المستعمر عليهم، وستنهي مآسي المسلمين في كل بلادهم نتيجة البعد عن التحاكم لشرع الله وحده، والتي ستعيد أمة الإسلام أمة واحدة، ولتعود دولة الخلافة كما كانت الدولة الأولى في العالم، تطبق نظام الإسلام، وتحمله رسالة هدى ونور إلى العالم.

قال تعالى: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡئاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *