العدد 390-391-392 -

السنة الثالثة والثلاثون -رجب – شعبان – رمضان – 1440هـ – آذار – نيسان- أيار 2019م

النصرة فرض كفاية ولا يسقط الإثم عن أهل القوة حتى يقوم هذا الفرض

النصرة فرض كفاية

ولا يسقط الإثم عن أهل القوة حتى يقوم هذا الفرض

الكاتب :عبد الله القاضي – اليمن

إن الجماعات التي تعمل للتغيير لابد لها أن تبلور فكرتها، لا أن تجعلها فكرة عامة أو غامضة، كما أن طريقتها للوصول إلى غايتها لابد وأن تكون واضحة لا لبس فيها، وأن تكون تلك الطريقة من نفس الفكرة، وليس من خارجها، أو منفصلة عنها، فلا تكون ارتجالية، أي لابد من الربط بين الفكرة والطريقة. فلو رأينا بعض الجماعات التي تعمل للتغيير لوجدناها قد تنوعت وتعددت في طرقها التي سلكتها للوصول لغاياتها، فنجد بعضها قد أخذت بالطرق السلمية كالديمقراطية والانتخابات في ظل النظام الرأسمالي، بينما نجد حركات أخرى قد تبنت طرق العنف كالانقلابات المسلحة والحروب، غير آبهة بموافقة تلك الطرق لعقائدها ومبادئها، أو بمخالفتها، وما قد يحدث من المضي في هذه الطريقة أو تلك من مخاطر، سواء على الحركة نفسها، أم على غيرها من الحركات أم الشعوب.

للأسف الشديد، إن كثيرًا من الحركات الإسلامية نهجت نهجًا يخالف الإسلام وهي تعمل للتغيير؛ لقد أوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين أن يُحكموا بالإسلام وأن يحتكموا إليه في جميع شؤون حياتهم، ولن يتم ذلك إلا عبر كيان تنفيذي لتطبيق أحكام الإسلام على الرعية، وحمله لغيرهم رسالة رحمة ونور. ذلك الكيان هو الدولة. ولعدم وجودها، فقد وجب على المسلمين العمل على إقامتها من باب «مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب».

وبالعودة لسيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، نجد أنه قد مرَّ بمراحل ثلاث، متمثلة بتكوين الكتلة وتثقيفها بالإسلام، ثم تفاعل تلك الكتلة مع المجتمع من خلال الصراع الفكري والكفاح السياسي وطلب النصرة، وصولًا إلى مرحلة استلام الحكم،ومن ثم وتطبيق الإسلام.

ومن خلال التزام رسول الله صلى الله عليه وسلم لتلك الطريقة وعدم حياده عنها، نستدل على وجوب التزامنا بها تأسيًا به صلى الله عليه وسلم، والتزامًا بأمر ربنا عز وجل في التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) فهذه الآية تفيد بدلالة الإشارة عدم جواز مخالفة طريقته صلى الله عليه وسلم في الدعوة، وبالتالي فإننا إن لم نتبع طريقته صلى الله عليه وسلم في دعوته، وإيجاد دولته نكون قد خالفناها وتعديناها إلى غيرها.

فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية، ما رواه أبو نُعيم والحاكم والبيهقي رحمهم الله ، والسياق لأبي نُعيم، من حديث أبان بن عبد الله البجلي، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، حدثني علي بن أبي طالب، قال: «لما أمر اللهُ رسولَهُ أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه وأبو بكر إلى منى، حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب».

لقد كرر صلى الله عليه وسلم عرض نفسه على القبائل بقصد طلب النصرة والحماية منها، فعرض الرسول صلى الله عليه وسلم طلب النُّصْرَة والحماية والـمَنَعَة من كل من:  ثقيف في الطائف، وبني عامر بن صعصعة، وغسان، وبني فزارة، وبني مرة، وبني حنيفة، وبني سليم، وبني عبس، وبني نصر من هوازن، وثعلبة بن العكاية، وكندة، وكلب، وبني الحارث بن كعب، وبني عذرة، وقيس بن الخطيم، وأبي اليسر أنس بن أبي رافع، وبني محارب، والحضارمة، وبني البكاء، ثم الأوس والخزرج. فالتزام الرسول صلى الله عليه وسلم طريقة معينة لإقامة الدولة وهي طلب النصرة، وتكبَّد صلى الله عليه وسلم في سبيل ذلك المشاقَّ – مع وجود الأذى – دون أن يغيِّر هذه الطريقة، وهذا يدل على أن طلب النصرة لإقامة الدولة فرض.

طلب النصرة هو في أواخر مرحلة التفاعل، فقد كان واضحًا لأهل القوة من «القبائل» في ذلك الوقت الذين كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب نصرتهم، كان واضحًا لهم أن المطلوب هو أن يحموا الرسول صلى الله عليه وسلم ويمكنوه من إقامة كيان بين ظهرانيهم يطبق فيه أحكام الله سبحانه، أي أنهم كانوا يدركون بشكل صريح واضح أن النصرة هي لإقامة دولة تحكم وتجاهد… ولذلك قال بنو عامر بن صعصعة عندما طلب الرسول صلى الله عليه وسلم نصرتهم، قالوا: «أرأيتَ إنْ نَحْنُ بَايَعْنَاكَ عَلَى أَمْرِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ عَلَى مَنْ خَالَفَكَ، أَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ: الْأَمْرُ إلَى اللَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ: أفَتُهدَف نحورُنا لِلْعَرَبِ دُونَكَ، فَإِذَا أَظْهَرَكَ اللَّهُ كَانَ الْأَمْرُ لِغَيْرِنَا! لَا حَاجَةَ لَنَا بِأَمْرِكَ؛ فَأَبَوْا عَلَيْهِ.»، أي أنهم كانوا يعرفون أن النصرة هي لإقامة دولة، فأرادوا أن يكونوا هم حكامها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك قال بنو شيبان للرسول صلى الله عليه وسلم عندما طلب نصرتهم: «وإنما نزلنا بين ضرتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هاتان الضرتان»؟ قال: أنهار كسرى ومياه العرب، وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى، لا نحدث حدثًا ولا نؤوي محدثًا، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه»، فكانوا يدركون أن النصرة تعني حكمًا وجهادًا للعرب والعجم، فوافقوا على قتال العرب، أما الفرس فلا، ثم عندما قضى الله سبحانه الأمر كانت بيعة العقبة الثانية التي كانت بيعة نصرة لإقامة الدولة في المدينة، وبعدها دخلت المرحلة الثالثة أي إقامة الدولة، وواضح من كل هذا أن طلب النصرة كان قبل المرحلة الثالثة، أي في مرحلة التفاعل.

إن مسألة طلب النصرة ليست خيارًا لدى هذه الكتلة، وإنما هو حكم شرعي مستنبط بأدلته. وإذا كان هناك حكم شرعي كان لزامًا على كل مسلم الالتزام به ولو خالفه جميع الناس، وكان حرامًا عليه الانتقال إلى أي حكم آخر ما دام هذا الحكم من شرع الله، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا).

قد يرى كثير من الذين يتابعون ما يجري على الساحة من أحداث، أن هذه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين بدعوى محاربة الإرهاب لا قِبل للمسلمين بها، وبالتالي فإن الحديث عن إقامة الخلافة الإسلامية حديث الذين يسبحون في الخيال والذين لا يعيشون الواقع. إن هؤلاء واهمون، فإن هذه الرؤية هي في مجملها رؤية اليائس ضعيف الإيمان الذي لا يبصر بنور الله. والعجيب أن هؤلاء اليائسين الذين يريدون تثبيط الأمة عن قدرتها على النصر في هذه المعركة وعودتها عزيزة مرهوبة الجانب كما كانت طوال ثلاثة عشر قرنًا سابقًا، وهم في الأغلب ممن يقدمون أنفسهم للأمة كعلماء ومفكرين يحملون راية الإسلام. فإننا نقول لهؤلاء وأمثالهم: لقد ظلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ماضيًا في طريقه مستقيمًا بوحي ربِّه، صادعًا بالحق المنزَّل إليه، متوكِّلًا على الله، متذرِّعًا بالصبر، محتسبًا عمله الدؤوب لتكوين الرأي العام لفكرته، وإيجاد القوة الناصرة لدعوته، دون أن يستعمل سلاحًا ماديًّا لتحقيقها، أو يحيد عن طريقه الشرعيّ المرسوم له إلى قوةٍ غير إسلاميَّة محليَّة أو إقليميَّة أو دوليَّة؛ حتى بلغ غايته وأقام دولته، وتركنا بعدها على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، رغم ما تعرَّض له في طريقه لإقامة الدولة إلى محاولات كثيرة لحرفه عن مساره القويم من قبل الحكام في مكة وخارجها. ففي مكة ساومه كفار قريش على دعوته بالملك، وعرضوا عليه حكمًا توافقيًا يتبادلون معه الآلهة بالعبادة، فرفض التنازل عن مبدئه رفضًا قاطعًا، وفي خارج مكة اشترطت إحدى القبائل لنصرته، الرئاسة من بعده، فرفض قائلًا: «إنَّ الأمر لله يضعه حيث يشاء»، وعرضت أخرى عليه حكمًا منقوصًا، فرفض قائلًا: «إنَّ هذا الأمر لا يصلح له إلا من أحاطه من جميع جوانبه».

إن المتأمل الحصيف لتوعَّد الله تعالى للمخالفين عن أمره بقوله عزَّ وجل: (فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، ليدرك أن اتباع طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الخلافة أمرٌ تكليفيٌّ وحكمٌ شرعيٌّ، فهي واجبة الاتباع لأنَّها محل أسوة، وجزءٌ من أحكام الإسلام، ولا يحلُّ لجماعة من المسلمين الحياد عن جادتها تحت أي طريقة عقليَّة. فالعقل محكوم بخطاب الشارع الحكيم لا حاكمًا عليه، وإلا لاختلفت الطرق على المسلمين باختلاف العقول والأهواء، ولتبدَّلت معه طرق السير نحوها بتبدّل العصور والرؤى، ولعادت عقولهم عليهم بالضلال والشقاء.

وها هي قد دارت السنون والأيام، وانفصل السلطان عن القرآن، وعاد مجتمعنا بعلاقاته الجديدة مجتمعًا غير إسلامي، فقد هدم الكافر المستعمر الخلافة منذ عقود، وجعلها دولًا متفرِّقة تستند في سلطاتها إلى عقيدته الباطلة، وترزح تحت وطأة جوره وجور حكامه؛ فقُطعت معهم حياتنا الإسلامية وتوقَّفت مسيرتنا الدولية.

لذا وجب على الأمَّة اليوم، كونها المخاطبة بالإسلام، وعليها تقع مسؤوليَّة حفظه وتطبيقه، وهي لذلك صاحبة السلطان، وعن طريقها فقط يتم الوصول إلى الحكم أو الخلافة. ونظرًا لتخلُّف الأمَّة في الآونة الأخيرة عن مكانتها المرموقة بين الأمم، وتراجع دولتها عن مركزها القيادي في العالم، لما حل بها من عوامل الضعف الداخليَّة والخارجيَّة، وقد أفضى بالنهاية إلى هدمها في(1924م – 1342هـ)، فقد شتَّ العقل وقلَّ البصر بالإسلام لدى الكثير من الحركات الإسلامية عن الطريقة الإسلامية الوحيدة لإقامة الخلافة، فتعددت طرقهم، وظلَّ سيرهم بعيدًا عنها يراوح مكانه بلا تغيير أو تقدُّم.

لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل أن نأخذ ما أتى به رسوله الكريم، فقال تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ) لذا وجب علينا أن نأخذ طريقته التي قررها عند إقامته لدولة الإسلام في المدينة بوصفه الرسول الأسوة، والتي جعل سلطان دولته سلطانًا ذاتيًّا يستند إلى قوة المسلمين من قبيلتي الأوس والخزرج المالكتين لزمام الأمور في المدينة مقر دولته، كما جعل أمان دولته بأمان المسلمين أنفسهم، فبقوة المسلمين العسكريَّة وحدها تحققت حماية الدولة والأمَّة من المعتدين، كما باشر تطبيق الإسلام في دولته الناشئة تطبيقًا كاملًا وفوريًّا من ساعة دخوله المدينة المنوَّرة.

إن العمل لإعادة الحكم بما أنزل الله هو من تعظيم شعائر الله، وهو ما رأيناه من أهل النصرة في بيعة العقبة الكبرى؛ حيث قال كعب بن مالك رضي الله عنه بعد أن تحدث العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، قال كعب: «فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك وربك ما أحببت، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله، ورغب في الإسلام ثم قال : «أبايعكم على أن تمنعوني  مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم»، فمن هذا الموقف نجد أن أهل القوة والمنعة قد قدموا لأهل الدعوة وحملتها ما يجب عليهم، ومن ذلك أن أهل الدعوة هم أهل سياسة أمور الناس، وهم القادة عليهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن أهل النصرة يأتمرون بأمر أهل الدعوة، ولا يقومون بأمر إلا بعد الرجوع لأهل الدعوة وصاحب الصلاحية فيها، وأن يتمتع أهل النصرة والمنعة بالقوة القادرة على حماية الدعوة والأمة والدولة، كذلك الاستعداد الكامل من قبل أهل النصرة والمنعة والقوة على التضحية والبذل والعطاء في شتى الميادين التي يأمرهم بها أهل الدعوة.

واليوم نرى أن أمة الإسلام تنتظر من أهل النصرة والقوة والمنعة أن يخرجوا من بينهم، أن يقولوا قولة الأنصار بالأمس: «حتى متى يبقى الإسلام طريدًا مغيبًا عن الحكم بعيدًا عن حياتنا؟ حتى متى يبيت المسلمون على خوف من عدوهم أن يتخطفهم؟ حتى متى نخاف الكافر المستعمر يحتل أرضنا وينتهك أعراضنا ويجتاح بيضتنا؟ متى يعود الإمام الذي يقاتل من ورائه ويتقى به؟ متى نحقق أمن الإسلام من خلال استئناف الحياة الإسلامية التي تحقق لكل مسلم الأمن والإيمان والنصر والتمكين؟!.

لذلك كان إعطاء النصرة لإقامة الدولة فرض على الأمة أو على الفئة الأقوى فيها، ودليل ذلك القاعدة الشرعية «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب» فإقامة الدولة واجب، وهذا الواجب لا يتم إلا بقوة الأمة، أو بقوة أقوى فئة في الأمة لتحطيم الحواجز المادية التي تعترض إقامة الدولة؛ حيث قال الأنصار رضوان الله عليهم في بيعة العقبة الثانية: «إنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف» فكان هذا قرينة على وجوب نصرهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليبين عن الله عز وجل ما أمره به، ومنه الحكم بما أنزل الله. قال تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم) [محمد 38]. هذا فيه خيري الدنيا والآخرة لمن يقدمه، ولمثل هذا فليعمل العاملون، لذلك قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «… الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ…» [رواه مسلم].

 وقال أيضًا: «إِنَّ الْأَنْصَارَ كَرِشِي وَعَيْبَتِي» [رواه مسلم] أي جماعته وخاصته، فانظروا هذه المكانة، وهي لكل من عمل على إعادة الإسلام كما بدأ، وعلى ما تركه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد النبوة؛ خلافة على منهاج النبوة، ثم يكون النقص في الملك العاض والجبري، ثم يعود خيره خلافة على منهاج النبوة.

على أهل النصرة اليوم أن يكونوا كالأنصار الذين نصروا الله ونصروا رسول الله، وقدموا الشهداء مواكب ومواكب، حتى قال قائلهم يباهي الأقران: ما نعلم حيًا من أحياء العرب أكثر شهيدًا أعز يوم القيامة من الأنصار، إنهم الملبُّون دائمًا لاستغاثة المستغيثين، إنهم الواهبون فُيوض العطاء يحتسبون الأجر عند الله: من يرد عنا أذى كفار الأرض وله الجنة؟ من ينصر دين الله ليكون رفيق الحبيب في الجنة؟.

ما أروع وصية سعد بن الربيع وهو يجود بمهجتيه، خائفًا على دين الله، وخائفًا على رسول الله، فلن تنسى ذاكرة هذه الأمة هذا المشهد العظيم، وذلك العطاء الغامر، زيد بن ثابت يقرئه السلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأله كما أمره الحبيب وهو بإخلاصه عليم، كيف تجدك؟. لحظات سجلها الكرام الكاتبون، لحظاتُ عزٍّ شهدها ملك الموت الكريم، لحظات مجد يستحقها الرجال الرجال، وأنتم منهم إن شاء الله تعالى: أقرئ مني حبيبي السلام، وقل له: أجد ريح الجنة، وجزاك الله خير ما جزى نبيًا عن أمته. وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم إن خلص إلى رسول الله شيء وفيكم شفر عين يطرف. فيا أحفاد سعد بن الربيع الأنصاري، هذا البطل الكبير، إنه لم يذكر في لحظات وداع الدنيا زوجة ولا أولادًا، إنما كانت وصيته الوحيدة التضحية من أجل نصرة دين الله ورسوله، بوركتم يا رهط الأنصار، وبورك من نصر دين الله عبر الأزمان والأعصار. فبعد جراحات أحد، وإكرامًا لأهل النصرة الأنصار، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين جالسًا تحت لواء الأنصار، وهذا طلحة الأنصاري ينشد أنشودة الميامين، أهل النخوة إذا عزَّ النصير: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا تشرف فيصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك. سيفدي إخوة لك في ظهر الغيب دين الله كما فديته، سيعزمون عزمتك، وسيثبُتُ الرجال عندما تستحثُّهم تضحيات القانتات العابدات، تلك المرأة الدينارية الأنصارية وقد أصيب ابنها وزوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، والتحقوا بركب الأحياء الذين عند ربهم يرزقون، ولكن رسول الله، ودين الله، وعزة الإسلام، أحب إليها مما طلعت عليه الشمس، لقد ذهلت عن كل مصابها في أعزائها، وما استحوذ عليها إلا حبها وخوفها على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا فعل رسول الله؟ قالوا: خيرًا، وهو بحمد الله كما تحبين. فقالت: أرونيه أنظر إليه، لا أبالي إن سلمت من عطب، ولفناء الدنيا أخف عليّ من أن يصاب بوخز إبرة، لله درها من امرأة مؤمنة صابرة يغبطها على قوتها الأبرار، وتثير بحميّتها لدين الله الأنصار، فرحم الله أهل الشوكة ما نصروا دين الله.

إن طلب النصرة والاستنصار لا يكون إلا ممن سمت بهم هممهم وتعاظمت إرادتهم وجمحت بهم عزتهم وطفحت بالمجد إرادتهم، لا يكون الاستنصار إلا بالغوالي المخلصين الأتقياء، أهل المودة والصفاء، لا يكون إلا في لحظات الإحاطة وفقدان النصير، لا يكون إلا بمن هو حاضر لكل ما هو آت، فأولئك ركب الأبرار فوافوهم، أولئك ثلة العزة فغذوا السير معهم، أولئك روّاد الأمة في هذا الزمان، وهم إلى نصرة دين الله بكم ومعكم لبالأشواق، فلنعم الداعي، ولنعم المجيب، ولنعم دار الإسلام تشرق شمسها على الكون من جديد، والعاقبة للمتقين، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّ‍ۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ) فكونوا أنصار الله وحواريي هذه الأمة.

لقد وجد للخلافة رأيًا عامًا عند جمهور المسلمين، ولم يبقَ إلا أن يأذن اللهُ بأنصار ٍكالأنصار الذين ذكرهم الله في القرآن، وبسعدٍ وسعد… رجالٍ ينصرون دينهم بنُصرة العاملين للخلافة، بنصرة حزب التحرير، نصرةً تعيد الخلافةَ الراشدة الثانية، خلافةً على منهاج النبوة بعد هذا الملك الجبري الذي نحن فيه تحقيقًا لوعد الله سبحانه (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ)، ولبشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا الملك الجبري «… ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ». فسارعوا يا أهل القـوة، والتحـقوا بالـدعوة والنصـرة، سـارعوا إلى إقامة الخـلافة مع حزب التحرير، لا أن تشـهدوها منه فحسـب، والخـيرُ والأجـرُ الذي تنـالون في التحاقكم بالصفوف اليوم ليس كالخير والأجر في التحاقكم بالصفوف بعد اليوم، حـتى وإن كان في كلٍّ خـير (لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ)، فلا تخشَوا إلا اللهَ العزيزَ الجبار، ولا تقولوا: «ستقفُ في وجهنا أميركا والغربُ من خلفها إن نصرناكم»، فإنَّ وِقفتَهم ستنهار وظهرَهم سينكسر أمام من آمن وآوى ونصر (وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ).

أخيرًا، إنَّ الجماعة التي تسعى لإقامة الخلافة الإسلامية يجب أن تتَّبع طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامتها، ويتحتَّم عليها أن تتلبَّس بالأعمال المباشرة المحدَّدة لإقامتها، ويحرم عليها أن تخالفها، كما أنَّ دولة الإسلام لا تقام بغير طريقتها الشرعيَّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *