العدد 388 -

السنة الثالثة والثلاثون – جمادى الأولى 1440هـ – ك2 / يناير 2019م

الحق اليقين في الكتاب المبين (الإسلام: كلمة طيبة… كشجرة طيبة…)

الحق اليقين في الكتاب المبين

(الإسلام: كلمة طيبة… كشجرة طيبة…)

حمد طبيب – بيت المقدس

يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ ٢٤ تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۭ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٢٥ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٖ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ ٢٦ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ٢٧

التفسير والبلاغة في الآيات الكريمة:

  • الخطاب الرباني في بداية الآية الكريمة جاء بصيغة السؤال اللافت للنظر، والمنبِّه للقارئ والسامع: ﴿ أَلَمۡ تَرَ ؟! وكأنه يقول لمن يسمع ويقرأ: إن الأمر مشاهد محسوس معقول لكل ذي لبّ وتفكير… والسؤال هنا شمل أمورًا عدة في أنواع السؤال في سؤال واحد؛ أي إن السؤال أفاد معاني عدة، وليس معنى واحدًا، منها: (التنبيه، والإنكار، والتقرير)، وهذا من عظم بلاغة القرآن الكريم… وأبرز أمر في السؤال هو التنبيه.. أي انظر أيها الإنسان وتنبه وتفكر، وانظر بعقلك إلى الإسلام وأحكامه وشريعته، وقارن بينه وبين غيره من اعوجاج على وجه الأرض!!

  • التمثيل في توضيح الصورة وإقامة الحجة: والتمثيل هنا أن الإسلام قد مثله الحق تبارك وتعالى بالكلمة الطيبة وبالشجرة الطيبة المثمرة – وفي هذا صورة كاملة من التمثيل – وهذا من أجل أن يقيم الحجة على الناس بطريقة سهلة ميسورة، لأن التمثيل فيه تقريب للصورة في الذهن.. والتمثيل نفسه قد تضمن صورًا عديدة… منها أن الكلمة الطيبة (دين الإسلام) ثابتة كالشجرة الطيبة وهي النخلة، وعالية، وتؤتي الثمار الحلوة التي تدوم وتؤكل على مدار العام… والتشبيه التمثيلي الثاني هو صورة الكلمة الخبيثة، وهي (دين الكفر) حيث شبهها الحق تعالى بالشجرة الخبيثة التي ليس لها أصل ثابت ولا ثمار طيبة، ولا فائدة منها، وفي هذا تشبيه لتقريب الصور وإقامة الحجة…

  • كلمة ﴿ ٱجۡتُثَّتۡ ؛ في تشبيه الكلمة الخبيثة للدلالة على موت الكفر حيث إنه لا حياة فيه، وهي مأخوذة من الجثة الهامدة التي لا حراك فيها ﴿ أَوَمَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ ﴾، وإذا اجتثت لا تنبت مرة أخرى؛ لأنه ليس لها أصل ثابت ولا قرار…

  • هناك دلالة بلاغية في الأصل الثابت، وكلمة اجتثت، حيث إن الأصل الثابت مهما حاولت استئصاله عن وجه الأرض؛ سرعان ما يعود وينبت مرة أخرى.. والجثة التي شبه بها الكفر، إذا قطعت لا تعود ولا تنبت مرة أخرى ﴿ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ ﴾.. وهذا كناية عن ضعفها وعدم تمكنها.

  • كلمة القول في ﴿ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ ﴾؛ فيه كناية عن كل ما جاء به الإسلام من عقيدة وأحكام… والمعنى هنا في هذه الإشارة البلاغية.. أن القول الثابت هو الذي ثبت في عقل صاحبه وقلبه فثبته، وجعل في قلبه الطمأنينة والقناعة… وفي الأمر انسجام بين الشجرة الثابتة النابتة، وبين الكلمة الثابتة النابتة المستمرة التي لا تنتهي حتى يرث الله الأرض ومن عليها…

  • استخدام كلمة الضلال في الابتعاد عن الحق والاستقامة، وفي هذا تشبيه لحال من يضل الطريق في السير إلى الهدف؛ بمن يضل في اختياره للمنهج الذي يعالج حياته.. وكلمة ضلال أيضًا فيها معنى الغياب عن الحقيقة؛ لأن الضلال في اللغة تغييب الشيء فلا يظهر، وكأن من ضلوا الطريق أغلبهم لم يعرفوه أصلًا؛ لأنه مغيب عن حياتهم.. وفي هذا المعنى إشارة أنه لو عرفوه ما ضلوا ولا تاهوا…

دروس وعبر دعوية في الآيات:

  • الإسلام هو دين الحق، وهو دين الاستقامة، وهو ثابت نابت مهما اعتراه من رياح وحروب مقصودة.. فالرياح لا تزعزع الشجرة المتينة، وربما سقط منها ثمر حلو؛ كلما اشتد عليها الريح، ولكنها لا تفقد أي شيء من كيانها ولا أصالتها، ولا تتزحزح من الأرض.. وفي هذا مدعاة لأتباع هذا الدين أن يتمسكوا به ويعضّوا عليه بالنواجذ، وأن لا تلين لهم قناة؛ مهما حاول الكفار شن الحروب على شجرتهم المتينة… وأن يكون مثلهم في ذلك مثل الشجرة التي آمنوا بها وترسخت في قلوبهم…

  • ثمار الإسلام حلوة طيبة، وهو بعكس كل المبادئ على وجه الأرض ﴿ كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ ﴾ والشجرة الطيبة طيبةٌ في ثمارها وفي منظرها، وفي ظلها، وفي كل شيء في كيانها… فكل أحكام هذا الدين في (الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والحكم)؛ أحكام نورانية تحقق العدل والاستقامة بين البشر. وأخلاق الإسلام أخلاق طيبة «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ»… وهذه الثمار الحلوة هي صفة ملازمة لهذا الدين لا تنفصل عنه أبدًا، وهي مستمرة في العطاء.

  • إن في استقامة الإسلام، وحسن هيئة وجمال شجرته (أي حسن أحكامه) وطيب ثماره… وفي خبث الكفر وسوء أحكامه وظلمها وظلامها… طمأنينة للمسلم وبشارة عظيمة بأن المستقبل لهذا الدين، وأن هذه المبادئ السقيمة مصيرها الانهدام والزوال، قال تعالى: ﴿ قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّقۡفُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ ٢٦ فالسنوات القريبة القادمة تبشر حتمًا بأن شجرة الكفر ستزول، وأن أسباب زوالها موجودة في أصلها الواهي وفروعها الخبيثة…

والخطاب هنا في هذه الآيات هو لكل صاحب نظر وتدبر وتفكر… أي أين أنتم يا أصحاب العقول، يا أصحاب النظر والتفكر؟ هل تستوي الكلمة الطيبة مع الكلمة الخبيثة؟ وهل تستوي الشجرة الطيبة المثمرة المفيدة والشجرة الخبيثة الضارة، ولا فائدة منها ولا ثمر؟!

هكذا هو الإسلام، وهكذا هو الكفر. هكذا هو مبدأ الإسلام، وهكذا هي مبادئ الكفر يا أصحاب العقول… يا أصحاب النظر والتفكير. هكذا هي أحكام دين الإسلام العادلة، وهكذا هي أحكام الكفر الظالمة. هكذا هي أعمال الكفر وما يصدر عنه من طمع وجشع… وهذه أعمال المسلمين في نشر الرحمة والهداية والاستقامة والرشاد.

إن مثل الإسلام بعقيدته وأحكامه (أي بأصله وفروعه الباسقة) هو تمامًا كمثل الشجرة القوية الثابتة المتمكنة في الأرض، الشامخة السامقة المرتفعة في جو السماء… مثله كمثل الأصل الثابت المتين في عقيدته القوية المقنعة للعقول المتصلة بخالقها جل جلاله، ومثل أحكامه أي فروعه المنبثقة من هذا الأصل الطيب الثابت الراسخ كمثل الفروع المتصلة بالسماء، أي بخالق السماء، في رحمتها واستقامتها وشمولها وكمالها.. وإن هذه الشجرة – بهذه الصفات العظيمة – تؤتي أكلها، أي ثمرتها في الحياة الدنيا بين الناس كل حين طيبة، تحقق الخير والهداية وتنشر الاستقامة بين الناس، كالشجرة الطيبة الحلوة التي تعطي الناس من ثمرها في كل وقت وحين ويحبها الناس… فكل أحكام هذا الدين هي طيبة حلوة جميلة يحبها الناس ويحبون شجرتها.. أما الكفر وكلمته المبنية على أصل واهٍ ضعيف أو بلا أصل.. فهي واهية غير متمكنة.. لا تقنع عقلًا ولا توافق فطرة، وفروعها هابطة وضعيفة غير عالية ولا باسقة.. لا ثمرة فيها ولا خير، وفوق ذلك تؤذي الناس بمنظرها وأشواكها.. ثم يختم الحق تبارك وتعالى الآيات بقوله: ﴿ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ٢٧﴾.

القول الثابت هو صفة للكلمة الراسخة الثابتة الشامخة (شجرة الإيمان)، والضلال والظلم هو صفة للشجرة الخبيثة الواهية، شجرة الكفر وكلمة الكفر.. وهذا الثبات في الدنيا؛ بالثبات على الحق والتمسك به نتيجة القناعة التامة بصحته وسداده واستقامته.. ونتيجة القناعة التامة بأنه متصل بخالق السماوات والأرض (الله جل ّ جلاله)، وهذا بعكس من ليس عنده قناعة، ولا أي بناء عقلي صحيح في عقيدته، ولا ما استند إليها من فروع كالنظام الرأسمالي المبني على الحلّ الوسط…

هذا هو مثل الإسلام ومثل الكفر في كل أمر من أموره وفي كل فرع يتفرع عنه… وفي هذا مدعاة للتمسك بهذا الدين الحق…

وفي ختام تفسير هذه الآيات العظيمة نقول: إن شجرة الإسلام ستعود عالية باسقة، كما كانت تؤتي أكلها كل حين في كل المعمورة لتخلص البشرية من شقائها وتعاستها والظلم الواقع فوق رؤوسها.. وإن شجرة الكفر والشر زائلة لا محالة… وإنه لقريب قريب بإذنه تعالى ﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن
يَكُونَ قَرِيبٗا صدق الله العظيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *