العدد 388 -

السنة الثالثة والثلاثون – جمادى الأولى 1440هـ – ك2 / يناير 2019م

أميركا والعالم

أميركا والعالم

 

إن عالمنا اليوم يجري بسرعة، ولا يترك فسحة من الزمن للتفكير والتفكُّر، ونحن اليوم بحاجة ماسة أن ننظر بإمعان وتدبُّر؛ لنعلم كيف تدار أحداث العالم التي نفسرها على أنها أمر واقع لا مناص من الالتزام به. فأول الدعوة كان التفكر في خلق الله لتأسيس القاعدة الفكرية التي تبنى عليها أفكار الحياة؛ لذلك أهم عمل قام به الغرب لنا أن أشغل العالم بأسره على كل المستويات، الدول والجماعات والأفراد، عن أن تعي حقيقة الخلق.

واليوم تستخدم المطرقة الأميركية لتحقيق أجندة عالمية لا علاقة لها بالشعب الأميركي أساسًا، ويخطئ من يؤمن بمقولة إحلال الديمقراطية؛ إذ كل ما تعانيه البشرية اليوم من ويلات هو من ذلك المبدأ الرأسمالي الذي يقوم على فصل الدين عن الحياة، والذي يقول بالديمقراطية. وهذا المبدأ فرض الاستغلال والعبودية والجشع والقيمة الربحية التي أغفل بها كل قيم الأخلاق، وجعل العالم يسير على هوى أقلية رأسمالية متمثلة بأشخاص محدودين، وبعائلات معدودة،  فأين الديمقراطية؟! .

فخلال الحرب العالمية الأولى كانت الولايات المتحدة تعتمد مبدأ “مونرو” الذي يقوم: “على حياد أميركا في سياستها الخارجية عن أوروبا، ويمنع تدخل الأخيرة بالشؤون الداخلية والخارجية للولايات المتحدة”،   ومع ذلك رأوا أن مصلحة بلادهم هي في دخول الحرب، ولم يكونوا طرفًا أساسيًا ولكنهم ساهموا في النصر، ولكن بريطانيا وعت أنه يجب وضع نفسها كشرطي على العالم لمنع النزاعات المستنزفة لها، ولتتحكم بالعالم؛ فأنشأت عصبة الأمم، فتميزت العشرينات بالرخاء الاقتصادي ومحدودية البطالة (وذلك يعود أصلًا لما نهب جراء انهيار الخلافة العثمانية) ولكنهم عام 1929م، تعرضوا إلى أزمة اقتصادية عرفت بالكساد الكبير، وكان من أبرز معالمها:

انهيار سوق المال والعملات الأساسية خاصة المارك، وخيم كساد كبير وبطالة شبة كاملة بحوالى أربعين مليون عاطل عن العمل، وقد لعبت هذه الأزمة العالمية دورًا كبيرًا في نشوب  الحرب العالمية الثانية؛ حيث إن الفقر أدى إلى وصول حكومات قومية مثل هتلر وغيره، وفشلت عصبة الأمم في حل المشاكل الدولية، وانتهت الحرب بعد سيطرة الاتحاد السوفياتي على برلين واستسلام اليابان للولايات المتحدة بعد قنبلة هيروشيما وناغازاكي، مع أنه لم يكن لها أي داعٍ .

هنا ظهرت أميركا كقوة اقتصادية وسياسية جديدة؛ وذلك لضعف الأطراف الأخرى، وانتقل رأس المال العالمي إلى أميركا، فتربعت على عرش النظام الرأسمالي، وأعلنت القوة المنتصرة إنشاء ما عرف بالأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتم تثبيت أعضائه الفائزين (الاتحاد السوفياتي والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية)، وقد عملت أميركا على إضعاف نفوذ الدول الأوروبية، ودعمت كل حركات الاستقلال في العالم، وذلك لإخراج الدول المستعمرة من أراضي الخلافة العثمانية حتى تسيطر هي عليها.

ورغم ما أنشئ (الأمم المتحدة ومجلس الأمن) إلا أن ما سمي بالحرب الباردة أخرج الاتحاد السوفياتي من مركزه (لانهيار مبدئه من الداخل أكثر مما هو من الخارج، وذلك لا يمكن إعادته من جديد نهائيًا)، وأصبحت الولايات المتحدة تتحكم بالعالم واقتصاداته، وخاصة بعد فصل الدولار عن الذهب وربط النفط به؛ هذا وقد أفرزت الثورة المعلوماتية التتقنية الهائلة وضعًا اجتماعيًا خطرًا؛ إذ صارت تسيطر على أهم مئة أشهر شركة إعلامية دولية تبث سمومها للعالم، وترفع شأن من تشاء وتخفض من تشاء بغضون دقائق، وتسحب المليارات من أموال المضاربين العالميين لتترك أي بلد مدمرًا كما حدث في أزمة نمور آسيا. وبسيطرتها على الدول المصدرة للنفط أصبحت تتحكم برفع وخفض أسعاره، وأنشأت الشركات العابرة للقارات. وبعد كل هذه السيطرة يظهر أمامنا سؤال وهو: لماذا كل هذا التخوف، وهي تعتلي قمة العالم اقتصاديًا وتتحكم به؟  

إننا نجد أن أميركا مرت عبر تاريخها بأزمات مالية عديدة منذ عام 1898م إلى 1929م، وفي الستينات والثمانينات من القرن الماضي، وكانت طريقة المعالجة خارج أميركا على شكل حروب، أبتدأت من الحرب على إسبانيا، واحتلال الفلبين، والحربين العالميتين، مرورًا بفيتنام، وحرب الخليج، وآخرها قد تكون في أيامنا هذه.

إن النظام المالي العالمي حقيقة سقط عام ٢٠٠٧م، وما يجري الآن هو توالي سقوط هيكله، وتوالي انهيارات دوله. فسقوط العملة الموحدة (اليورو) حتمي، والعودة إلى العملة الوطنية وسقوطها أيضًا حتمية. وسقوط النقد البريطاني وغيره، وسقوط الدولار الأميركي ماهو إلا مسألة وقت، وانتقال الثورات التي حدثت في الشرق إلى دول العالم كالنار في الهشيم، وما يفعله ترامب هذه الأيام ما هو إلا تأكيد على ذلك. فلو لم يكن النظام المالي ساقطًا منذ فترة لما أعلن الحرب التجارية على الصين كخطوة أولى تلتها حرب على العالم بأسره؛ لأن هذه الخطوة تنم على الحفاظ على القومية وحمايتها، أي إن كل بلد أو دولة سوف تحافظ على اقتصاداتها كدولة قومية لا تنتمي إلى نظام اقتصادي عالمي، وهي إن كانت تدور فيه فحتى تجد خلاصها  منه.

ففي هذه الحرب التجارية نجد أن وزير التجارة الصيني يصرح فيقول: “هذه الحرب ستجلب كارثة للاقتصاد العالمي” وقالت سيسيليا رئيس مفوضية التجارة في الاتحاد الأوروبي: “اليوم يوم سيئ للتجارة العالمية، لقد بذلنا ما في وسعنا لتجنب هذه النتيجة بلا فائدة، وأصبح لدينا وضوح، وسيكون رد الاتحاد متناسبًا مع منظمة التجارة العالمية”. وقال ترامب على حساب بتوتير: “إن الولايات المتحدة تخسر مليارات الدولارات في العمليات التجارية، وإنه بإمكانها الانتصار بسهولة في هذه الحرب التجارية، وأعتبر هذه الحرب أمر جيد”.

اذً، ترامب والقيادة الأميركية تعلم أن الانهيار العالمي للهيكل المالي قادم، وأن هذا النظام ميت من قبل، ولم يبقَ سوى انهيار الهيكل؛ ولذلك نجد أن أميركا تخفض دعمها للمنظمات الدولية التي أنشأتها؛ وذلك لأنها سقطت منذ زمن ولا جدوى من دعمها. وبذلك نجد أن سياسة أميركا هي التي تعجل في الأزمة الاقتصادية، وتورط العالم بحروب لا قبل لهم بها. وترامب يعلم أن العالم بأسره مرتبط باقتصاده، والانهيار سيكون عامًا وليس خاصًا.

وهنا يمكن القول إن أميركا تعتبر نفسها أنها تجهزت لفترة الانهيار، وبنظرها أن حملة المبدأ البديل أي الأمة الإسلامية الآن في أضعف حالاتها من تشرذم وقصور نظر واعتلاء الخونة مناصب الأمة… لذلك هي تجهز لتسريع حالة الانهيار التي تظن أنها رسمت كل مفاصلها التي سوف تؤول إليها المنطقة؛ ولذلك أغلظت العصا على دول العالم الكبرى حتى تنهكها قبل الأزمة، وتفرض عليها أثقالًا فوق أثقالها، فتعدمها الحركة لفترة تسمح لنفسها اعتلاء سيادة العالم من جديد، وتكرار هذا المبدأ المقيت ولكن بحلة جديدة ومكر جديد؛ فتكون هي المنتصرة بعد إشعال الحروب التي لن تكون طرفًا مشاركًا فيها، بل تديرها عن بعد حتى تتدخل في آخرها، وتكون هي التي حافظت على قدراتها واعتلت عرشها السابق، ولن تعدم الوسيلة للضغط على الدول لإدخالها في تلك الحروب.

بيد أن أميركا مازالت متخوفة، فإذا هي تأخرت قليلًا في تنفيذ مخططها؛ فإن ذلك سوف يعطي فرصة للطرف الآخر (الإسلام) من أخذ أنفاسه من جديد، وعودة الصحوة على مستوى الأمة برمتها، وحينها سوف ينتصرون؛  لذلك هي تحاول خنق كل الدعاة المخلصين الذين يعملون ليلًا ونهارًا على توعية الأمة، ويحملون المبدأ الصحيح حملًا صحيحًا، فكرة وطريقة من جنسها، وهم لا يستطيعون تشويه هذا الحزب العظيم “حزب التحرير”، ومع كل ما يمتلكون من قوة وإعلام خبيث فإنهم يعلمون أنه إذا سلط الضوء ضدهم سوف ينتشرون بقوة أفكارهم، وستقبل الأمة عليهم؛ لذلك هم يعتقلون أفراده ويعذبونهم ويحاربونهم على أنهم مثل خلافة البغدادي المزعومة، وأنهم من يثير الثورات التي خربت ممتلكات هذه الأمة؛ ولذلك نجد أنهم يعملون ليلًا ونهارًا بقوة لدراسة ووضع الخطط لكيفية إنهاء تحركات المخلصين. وفي هذا المجال نجد تقرير CEP (counter extremisn project )   الصادر بحق حزب التحرير في حزيران 2018م، وأيضًا  تقرير AFPC(american foreign policy council وقد أقرت هذه المراكز عن حزب التحرير ما يلي:

– لا تستطيع الحكومات مكافحتهم منفردة لأنهم تنظيم عالمي، ولا يدعون إلى العنف، ولهم تنظيم هرمي يقدر بأكثر من مليون عضو في جميع أنحاء العالم، ولديهم نظام سياسي للخلافة التي يدعون لها، ولا يعترفون بخلافة لا تطبق شرع الله كاملًا.

– يعتمدون مراحل في دعوتهم مستمدة من سيرة رسولهم. وأنصارهم بتزايد كبير، ولهم نشاط إلكتروني منقطع النظير، ويضربون لذلك مثلًا المهندس إسماعيل الوحواح.

– إنهم منظمون ويحملون فكرًا واحدًا، ويصعب اختراقهم، ومحاربتهم يجب أن تكون عالمية، وهذا ما تسعى له أميركا في هذه الأيام. 

ونقول لأميركا ولمن لفَّ لفَّها، ما هو قادم سوف يتحقق بإذن الله لمصلحة هذه الأمة، ونصرها قريب جدًا بإذن الله، فكما ملأتم العالم جورًا وظلمًا، وحولتم الإنسان إلى عبد لشهواته ولماله ولكل شيء سوى الله، فإننا قادمون لنملأ العالم عدلًا ونورًا، ونطبق شرع رب هذا الكون، ونخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

إننا في “حزب التحرير” نعلنها مدوية: إننا صابرون صامدون وحاملون لهذا الفكر ومتصدرون به لإقامة الخلافة الراشدة التي وعدنا الله بها. ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يكلِّل هذه المحاولات بالنجاح، وبتسلم قيادة هذه الأمة، وأن ينصرنا في هذه المواجهة الشرسة بين الحق والباطل، ويدحض الباطل ويضل أعماله، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ ٣٦.

ياشباب هذه الأمة المعطاءة، لقد أثبتُّم أنكم مضحون وتبذلون الغالي والنفيس في سبيل الله، واليوم يومكم، فلم يبقَ إلا القليل وقد انكشف عور كل خائن وكل مخطئ، وأصبحت الرؤية واضحة لمن أراد أن ينأى بنفسه وينخرط في الطريق الصحيح، طريق رسولنا الكريم، طريق الحق، فوعد الله قد ظهرت بشائره فكونوا مع الركب.

يا شباب هذا الحزب العظيم: اصبروا وصابرو فإن العاصفة في ذروة هيجانها، وإن التمسك بما أمرنا الله هو المنجاة لنا ولهذه الأمة، قال تعالى: ﴿فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وكونوا أحباب رسول الله بتطبيق شرعه، وإقامة دولته لينصركم الله كما وعد، ووعده الحق، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ ٧﴾.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *