العدد 388 -

السنة الثالثة والثلاثون – جمادى الأولى 1440هـ – ك2 / يناير 2019م

حركات الإسلام السياسي بين العلمنة والتصفية خطة من خطط القضاء على الإسلام السياسي في استراتيجية الحرب على الإسلام

حركات الإسلام السياسي بين العلمنة والتصفية

خطة من خطط القضاء على الإسلام السياسي

في استراتيجية الحرب على الإسلام

لقد تنبَّه الغرب – وكل دول العالم – منذ عقود لتنامي التوجه الإسلامي إلى إيجاد كيان سياسي للإسلام، وشعر بخطر كبير بسبب التأييد العام والعارم من مختلف شعوب المسلمين لهذا التوجه. فسعى بكل ما أوتي من كيد ومكر وإمكانات لإجهاض هذا التوجه؛ والقضاء على الفكر والفقه السياسي الإسلامي عند المسلمين، والذي انتشر اليوم باسم الإسلام السياسي، ويطلق عليه الغرب وأدواته والمتضررون من وجود الدولة الإسلامية اسم )الإسلاموية)، وذلك من قبيل التهكم. وينطوي تعبيرهم هذا على زعم أن الإسلام ليس فيه نظام سياسي ولا أنظمة حياة وعلاقات. ولا يفتأ هؤلاء يمكرون ويخططون، ويجددون مخططاتهم ويعددونها، حتى كثرت وعمت العالم الإسلامي، وكلها تستهدف القضاء على الإسلام السياسي وحركاته. وهذا ما يقتضي التنبُّه والتتبُّع الدائم لهذه الخطط للوقوف عليها وكشفها ومواجهتها، ولغذِّ السير على بصيرة، وفي طريق واضح، من حيث بلغ العمل السياسي الإسلامي اليوم، وحيث وصلت الأمة، إلى آخر هذا الطريق حيث الغاية والهدف المنشود.  قال تعالى: ﴿ قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨﴾.

لقد فشل الغرب في إيجاد التغيير الذي يريده للعالم الإسلامي، ولمفاهيم الناس وعلاقاتهم، وهو ما يسمونه التحول الديمقراطي. وبتعبير آخر هزيمة الفكر السياسي الإسلامي. لقد حاول هذا الأمر بوسائل وأساليب لا تنتهي منذ هدم دولة الخلافة إلى الآن، لكنه بفضل الله لم يفلح. وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي. لم يبقَ في الميدان إلا الإسلام والرأسمالية. وتوهمت الرأسمالية أنها انتصرت وحكمت العالم، وأن الإسلام لن يستطيع مواجهة إمكاناتها، بالتالي فقد عملت على فرض النظام العالمي الجديد، وإقصاء الإسلام عن الحياة قسرًا… أي فرض تطبيق فكرة فصل الدين عن الحياة والديمقراطية.

وحيث إن دعاة الإسلام وحَمَلته لتطبيقه في الحياة أيضًا يسعون إلى إيجاد التغيير الإسلامي؛ فقد آل الوضع في بلاد المسلمين، بل وفي العالم، إلى صراع عالمي بين توجهين، يهدف كل منهما إلى تحقيق التغيير. وساحة الصراع هي العالم الإسلامي. اتجاه يستهدف التغيير أو التحول الإسلامي، واتجاه يستهدف التغيير أو التحول الديمقراطي. وحتى الآن لم ينجح أيٌّ من الاتجاهين. حزب التحرير، وقف ويقف في مقدمة الصراع، وعلى رأس العمل والتحرك باتجاه التغيير الإسلامي. والتحول الديمقراطي تتصدره وتخطط له أميركا وكل دول الغرب. ونحن الآن في قلب المعركة، نحن وغيرنا من المخلصين، سواءٌ حركات أو في حركات أو غير ذلك، وكذلك الأمة، الكل في المعركة. ويمكن القول إن الأمة تمتلئ نفسها بأمل التغيير الإسلامي وتنتظر بارقته؛ ومن الأهمية بمكان، التوقف هنا والنظر في أن هذا الأمر، لا بد له من استنفار العقول، وملاحقة المتصدرين للتغيير ومساءلتهم، لتقديم الاستراتيجيات والخطط.

إن صراع التحول أو التغيير، بين الإسلام السياسي ومن يتصدر له بإمكانات قليلة ودون الممكن بكثير، وبين العلمانية والدول الكبرى التي تتصدر لها بكل إمكاناتها الكبيرة والكثيرة جارٍ بقوة، وبكل أسلحتهم. وبالرغم من تفوق الغرب بإمكاناته المادية، إلا أنه فشل في القضاء على الإسلام السياسي، وفي فرض النمط الغربي في الحياة والدولة، رغم تطبيقه بالقوة؛ لأن المسلمين لا يتقبلونه، ويواجهونه، ويريدون التخلص منه ومن هيمنته. فالهيمنة والفرض بالقوة ليس انتصارًا، ولا نهاية المعركة. بل هو أحيانًا بدايتها. لقد فشل بوش الأب بفرض النظام العالمي الأميركي الجديد عقب سقوط الاتحاد السوفياتي، ثم فشل بوش الابن فشلًا ذريعًا مشهودًا في مشروع التفرد الأميركي في حكم العالم، ثم فشل أوباما، وكان وراء هذا الفشل في كل مرة، هم العاملون في الإسلام السياسي.

أراد أوباما وإدارته أن يعطوا متنفسًا سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا للمسلمين… وأرجعوا سبب العداء الإسلامي للغرب ولأميركا إلى أن أميركا تؤيد الدكتاتوريات الشمولية والقمعية، والتي تستأثر بالسلطة ومنافعها وتفقر الشعوب… وأن الشعوب لو أخذت فرصتها، وشاركت في العمل السياسي وفي انتخابات نزيهة، وارتفع عنها الضغط الاقتصادي والأمني… فلن تكون حينئذ ساعية إلى التغيير الإسلامي، ولا إلى كراهية أميركا والغرب… هذا الأمر جعل أميركا تضغط على الحكام والدول، وتتواصل مع جماعات وأحزاب ومنظمات حقوقية ومدنية كثيرة. وهذا ما جعل كل حكام المنطقة ينزعجون من أميركا ويتذمرون… وقد أدى هذا الأمر إلى تشجيع أميركا منظمات المجتمع المدني في العالم العربي، فانطلقت المعارضة، والمعارضات، ثم جاء السيل بأكثر مما توقعت أميركا، وهو الثورات. وكانت أميركا سعيدة جدًا بهذه الأحداث لأنها توهمت أنها من قبيل التحول الديمقراطي؛ ولذلك ذهبت تهدد بهذه الثورات، ومن ذلك تصريح هيلاري كلينتون في حينه بأن عاصفة هوجاء من الثورات ستجتاح المنطقة، وأنّ من ظن أنه ليس مقصودًا بها فهو مقصود. والراجح جدًا أن هذا الكلام كان موجهًا لحكام المسلمين.

إن أميركا تخشى الإسلام السياسي، وباتت لا تثق بالحركات السياسية الإسلامية حتى وإن كانت (معتدلة) بحسب معاييرها؛ لأنها لا تأمن عواقب وصولها إلى الحكم، ولتوقُّع وصول الحركات الإسلامية المخلصة على ظهرها. فقد رأت أميركا خلال حكم الإخوان والنهضة، أن هناك توجهات إسلامية تظهر وتتقدم وتزداد قوة في المسلمين، وهي ليست على شاكلة الإخوان ولا تؤمن بالديمقراطية ولا بالوسطية أو الحريات العامة… وفي مقدمة هؤلاء حزب التحرير، الذي علا صوته في مصر وتونس وسوريا وباكستان وإندونيسيا… ووجدت أميركا كما نصحها كثيرون، أنه في المحصلة لا فرق بين إسلام معتدل وإسلام متطرف، فكله مآله التطرف والإرهاب، وقال بعضهم ما يفيد إنّه حتى القاعدة والإخوان يسبحون في بركة واحدة. وصدر عن بعض قيادات الإخوان تصريحات استثمرها خصومهم، بحيث روّجوا بأن الإسلاميين كلهم واحد، وأن مزاعمهم بالديمقراطية والوسطية والحريات العامة ليست أكثر من أعمال انتهازية ووصولية… وأنه عندما يتمكن الإسلاميون فلن تبقى ديمقراطية ولا من يحزنون… هذا التفكير أدى عند أميركا إلى اتخاذ قرار حاسم بإزالة الإسلام (ولو كان شكليًا) من الحكم، وبشكل نهائي، وعدم السماح له بالوصول. هذه كانت سياسة أوباما في ولايته الثانية، وقد اقتضى الأمر مراجعة أميركا لواقع الثورات، ولحجم الإسلام الذي فيها وخطره، وكانت النتيجة أنهم عادوا إلى سياسة بوش الابن، وبشكل أقسى وأعنف، وتخلَّوْا عن سياسة أوباما التي جاء بها عام 2009م. وبهذا يكون الفشل متعاقبًا من بوش الأب، إلى بوش الابن، إلى أوباما. ولذلك جيء بترامب وسياسته الوقحة والفجة تجاه الإسلام والمسلمين. ونرى أن ملاحقة الحركات الإسلامية وفي مقدمتها الإخوان الذين يتنازلون ويتقربون للحكام، على قدم وساق وبشكل استئصالي. وقد ظهر هذا جليًا في الانقلاب عليهم في مصر والإمارات والسعودية؛ حيث نلاحظ تقاربًا أميركيًا كبيرًا مع هذه الدول في هذا الشأن.

أنهم وجدوا أنه لا أمان للمسلمين؛ لا المتطرف منهم ولا المعتدل. وبالتالي يجب أن يخرج الإسلام السياسي من الميدان نهائيًا. فلا يقال هذا معتدل ومتطور ويقبل بحقوق الإنسان فلا ضير منه! بل لا يصح وجود الإسلام أبدًا في العمل السياسي ونهائيًا؛ ولذلك فإن كل الحركات الإسلامية التي تريد أن يكون لها دور سياسي، سواء تريد الوصول إلى الحكم أو مجلس النواب، أو ممارسة أي عمل سياسي، فعليها أن تعلن تخليها عن الإسلام في جمعيتها وقوانينها وأعمالها؛ وإلا فسيتم استئصالها، والوسائل كثيرة: بالقانون، وبالأجهزة الأمنية، وبتلفيق التهم. وسيكون التعامل معها شديدًا، والمثال رابعة والنهضة. فالحركات التي ستُبقي على صفة الإسلام عندها، تمنع من ممارسة العمل السياسي، والتي تقبل ذلك تكون قد صارت علمانية، وهذا ما يحاولون أن يفرضوه اليوم؛ من هنا نشأت فكرة الفصل ما بين الدعوي والسياسي، ووضعت موضع التنفيذ بقوة بعد الثورات، مترافقةً مع الوقاحة في الهجوم على الإسلام، وتحت طائلة التهديد. واستُعمل لأجل ذلك رموز في تجارة القضايا وخيانة الأمانة.

فقد أعلنت حركة النهضة التونسية برئاسة الشيخ راشد الغنوشي الفصل بين الدعوي والسياسي في مؤتمرها العاشر في أيار عام 2016م. وأعلنت حركة التوحيد والإصلاح المغربية التي يرأسها الدكتور أحمد الريسوني تخلي الحركة عن العمل السياسي نهائيًا، والذي تركته لحزب العدالة والتنمية، في مؤتمر السادس في آب 2018م، ولا يوجد أي عضو من حزب العدالة والتنمية في حركة الإصلاح والتوحيد.

وتُسَوِّق هذه الحركات لنفسها بأنها ذكية وحكيمة؛ إذ إنها تتجاوز بذلك عملية الاستئصال التي مر بها الإخوان؛ لذلك ينظر كثيرون إلى تنازلات الغنوشي باعتبارها حكمة، ويتم إشهاره باعتباره نموذجًا يحتذى لدى الحركات الإسلامية، كما يتم تكليفه بإقناع الحركات الأخرى بالتخلي عن الإسلام والعلمنة في العمل السياسي.

واقع هذا الأمر أنه هجمة شرسة تريد تحقيق أهدافها باستئصال الإسلام السياسي بالقوة تحت طائلة الطمس، والإخراج من ميدان العمل السياسي، ما يؤدي إلى تصفيتها سياسيًا، وإذا لزم الأمر الإبادة الجسدية. والذي جرى ويجري في مصر هو نموذج التهديد، ويتم تقديم تونس باعتبارها مختبرًا لنجاح هذه السياسات أو بدائلها…

تقوم هذه الحركات بالمقارنة بين هذه التهديدات بالإلغاء والتصفير وبين البقاء مقابل تنازلات، وقد درجت العادة على أن تتنازل تحت ذرائع صارت معروفة ومكررة، كالمصالح والضرورات والموازنات… وبهذا عُرف سعر هذه الحركات أو سقفها، وصارت الأنظمة وأجهزتها تستعمل معها سياسة العصا والجزرة، فإما أن تتنازل وتحصل على مشاركة معينة، وإما أن لا تتنازل ويكون مصيرها السجن والقمع والإلغاء.

إن الوضع الذي مرَّ بيانه من تغيير أميركا سياستها بشكل انقلابي وعدائي شرس تجاه الحركات المعتدلة والوسطية، تتعاون عل فرضه أجهزة سياسية وأمنية ومراكز فكر ودراسات، وكذلك وساطات سياسية ومندسون، وتقام لأجل ذلك مؤتمرات. ومن الجدير بالذكر أن تتبُّع هذا الأمر دل على وجود توجهَيْن تجاه حركات الإسلام السياسي، وبخاصة الإخوان المسلمون. الأول هو توجهٌ اختار تصفيتها والتخلص منها نهائيًا، وذلك كمصر والسعودية والإمارات. والثاني توجهٌ يرى ترويضها لإزالة أي أثر للإسلام السياسي عندها، عن طريق العصا والجزرة، كما حصل ويحصل في الأردن والمغرب وتونس.

أمام هذا الواقع وهذه المؤامرات ضد الإسلام السياسي، ما ردُّ الإخوان المتوقع: القبول بالتحول إلى العلمنة، أم الرفض، أم الانقسام، أم التشرذم، أم ترك العمل بالكلية، أم ماذا؟ كل هذا وارد، وقد توقعه بعض المتابعين. فالمتوقع – بناءً على الخط البياني لمواقفهم – أن يتنازلوا، ليبقوا في الساحة، ولو بغير إسلام، وذرائعهم جاهزة. وقد صدرت إشارات بهذا الاتجاه.

ففي مؤتمر إقليمي عقد في فندق كراون بلازا في عمان في 23 أيار 2017م، نظمته مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية بعنوان: “آفاق الإسلام السياسي في إقليم مضطرب” كانت مشاركة لزكي بن أرشيد حيث مثل حزب جبهة العمل الإسلامي وحركة الإخوان في الأردن، وقدم كلمةً عنوانها “جماعة الإخوان المسلمين… تقدير الموقف وقراءة المستقبل”، ومما قاله فيها: “… اللحظة الراهنة التي نشهدها، والتي يرى فيها البعض أن حركة التاريخ الحتمية في طريقها إلى طي صفحة الإخوان المسلمين من التأثير في المشهد السياسي والواقع الاجتماعي، ويحلو للبعض أيضًا أن يرى الجماعة في طريقها إلى الانكماش والتراجع… وذهب بعضهم للبحث… عما بعد الإسلام السياسي، فهل هذه القراءة واقعية ولها ما يبررها؟”، ثم أعلن عن الاستعداد للتنازل، قائلًا: “إنّ الذين انشقوا عن الجماعة لن يكتب لهم النجاح”، وقال: “مستقبل ومسار جماعة الإخوان… تصنعه إرادة الجماعة وقدرتها على العبور وتجاوز المرحلة واغتنام الفرص… فالمستقبل ليس فيه مكان للعجزة أو الكسالى. والحمقى والموتى هم الذين لا يغيرون آراءهم أبدًا حسب أرنست همنغواي في رائعته الشيخ والبحر” ثم قال: “حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن بدأ بعملية المراجعة تحت عنوان إعادة الهيكلة، فإذا استطاع الحزب أن ينجز هذه العملية يمكن اعتبار ذلك بمثابة مرحلة التأسيس الثانية للحزب، لأنها تشكل طرحًا حداثيًا متقدمًا يلامس الأنموذج المستوعب لمجمل المتغيرات والتحديات، لا سيما وأن التعديلات تناولت الأفكار والأسس والمبادئ والرؤية والأهداف”. هذه تصريحات تشير بوضوح إلى الاستعداد للتنازل في كل شيء. وهي واضحة الدلالة على الاستعداد للذهاب إلى العلمنة. وهذا يغري الأنظمة بأن أسلوب التحريض على المراجعة وتغيير الأفكار، وتشجيع التمرد والانشقاق داخل الحركة، وإيجاد منافسين لها منها ويشبهونها، أسلوبٌ مجدٍ في ترويض الحركة وتغيّرها التدريجي إلى أن تتغير بالكلية.

ولكي يتبين بوضوح أن الغرب وعملاءه يخططون فعلًا لعلمنة حركات الإسلام السياسي وتخليها عن الإسلام في نشاطاتها وأعمالها السياسية، أن حزب زمزم الذي انشق عن الإخوان في الأردن، قال إنه ذهب إلى تبني “الفصل بين السياسي والدعوي باعتبارهما نشاطين بشريين يخضعان للصواب والخطأ، وليس من الصواب الدمج بينهما”، ودعا إلى “تبني مفهوم الدولة المدنية كشعار وممارسة”… أما الحزب الثاني المنشق وهو حزب الشراكة والإنقاذ، فهو يسابق الأول في التنصل من الإسلام، ويتفاخر بذلك. فقد جاء في كلمته التي شارك بها في المؤتمر: “هنالك مستقبل للحركات التي خرجت من عباءة الإخوان أو التي ستخرج لاحقًا؛ حيث استطاعت هذه الأحزاب التحلل من كافة العقد والضغوط النفسية المقيِّدة للفكر والرأي والعمل… تلك الأحزاب – حزبا زمزم والشراكة والانقاذ – قد سمَّت نفسها بأنها أحزاب وطنية أردنية مدنية، لا أحزابًا إسلامية إطلاقًا، متحررةً من صيغة الإسلامية”. وقال: “سيتم إعادة بناء النفسية والشخصية العربية وتشكيلها بفعل الأحداث والظروف على أساس خطاب وطني محلي غير مؤدلج، وسيصبح الشأن المحلي والهم الوطني ومحاربة الفساد هو الشغل الشاغل للجميع، والشعار الذي لا يعلو عليه أي شعار آخر، وسيتقدم الخطاب الوطني ليقود الجميع بلا أدنى شك، ولن يعود الخطاب الديني الإسلامي العاطفي خطابًا مهمًا وحافزًا ومحركًا للشعوب كما كان سابقًا…” ثم قال: “أعتقد أن المستقبل سيكشف… أن هذا الواقع السياسي قد ذهب إلى غير عودة، وسنشاهد صعودًا لتيارات وطنية لا ترفع شعار الإسلام في انتخاباتها أو أدبياتها… وسيشهد الجميع تراجع تيار الإسلام السياسي في العالم العربي وفي الأردن لصالح التيارات الوطنية…”. وهل يحتاج هذا إلى تعليق!

وفي الختام، نشير إلى أن الإعلان عن الفصل بين الدعوي والسياسي عند حركة التوحيد والإصلاح التي يترأسها أحمد الريسوني قد كان في آب 2018م، بينما انتخابه رئيسًا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين جاء بعد ذلك بفترة قصيرة، في أوائل تشرين الأول 2018م، وهو يكيل المديح في هذا الشأن للغنوشي؛ ما يعني أن الأمر يجري وفق مخطط موضوع لضرب فكرة الإسلام السياسي… وذرائع هذا التوجه موجودة، وقد مرَّ ذكرها، ومنها مقاصد الشريعة التي ينسبون للريسوني عمق الفهم فيها وعلو الكعب، وما ذلك بصحيح، ولكنه يتبجح في ذلك كأعور يتحدث بين عميان. ولقد سبق لمجلة الوعي أن بيّنت هذا الأمر بالأدلة والشرح، في عدة أعداد منها.

ومما يجدر ذكره في ختام هذه الكلمة، أن هذه الخطط والمؤامرات تحرص على ربط الإسلام السياسي بحركات محددة كالإخوان ومن يشاركها في دعاوى الاعتدال والوسطية والتبريرات، وتتجاهل بشكل كامل الحركات التي لا يرد عندها شيءٌ من هذه التنازلات والتحريفات، وفي مقدمتها حزب التحرير، وهو أبو الإسلام السياسي وأمه. وهذا الأمر نفسه مؤامرة تقوم على التضليل وطمس الحقائق، فالإسلام السياسي لا يمثله الذين لا يجدون سبيلًا للعمل السياسي الإسلامي إلا من خلال إرضاء أنظمة الكفر، والتسويغات والترخصات التي تخالف الشرع، ثم تتجاوزه لتصبح خارجه بالكلية.

وأختم هذه الكلمة بالقول: إن نهج التحريف والتبديل هذا، ثم التبرير بهذه الذرائع، هو منهج من أصابهم اليأس والقنوط فذهبوا يوالون الكفار والظالمين، ويحاربون الشرع بألسنتهم ومواقفهم وكثيرٍ من أعمالهم، ويزعمون أن نواياهم وقلوبهم على غير ذلك، وأنهم إن يريدون إلا الإصلاح، وحفظ ما تبقَّى. هؤلاء ليسوا على الجادة، ولا على المنهاج القويم، هؤلاء تركوا ولاء الله سبحانه وتعالى إلى ولاء الظالمين، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ وَلِـِّۧيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡكِتَٰبَۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّٰلِحِينَ ١٩٦ وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَكُمۡ وَلَآ أَنفُسَهُمۡ يَنصُرُونَ ١٩٧. وليتهم يتَّعِظون مما يصيبهم وبقوله تعالى: ﴿أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّكَّرُونَ ١٢٦﴾. صدق الله العظيم.    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *