العدد 383 -

السنة الثالثة والثلاثون، ذو الحجة 1439هـ،، آب 2018م

أدوار أنظمة الحكم الخليجية القذرة قديمًا وحديثًا

  أدوار أنظمة الحكم الخليجية القذرة قديمًا وحديثًا

صالح عبد الرحيم – الجزائر

رغم أن الله سبحانه وتعإلى اصطفى سيدنا محمدًا صلى ﷺ من بني هاشم، فلم يؤمن عمه عبد العزى بن عبد المطلب أبو لهب وأنزل الله فيه ] تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ ١ مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ ٢ سَيَصۡلَىٰ نَارٗا ذَاتَ لَهَبٖ ٣ وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ ٤ فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۢ ٥[ [المسد]، بينما آمن عمه وأخوه من الرضاعة حمزة بن عبد المطلب، وصار سيد الشهداء.

كذلك كان مبعث الرسالة الخاتمة في الجزيرة، فمن الأعراب من آمن وأنفق واستحق أن يدخله الله في رحمته، قال تعالى: ]وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَآ إِنَّهَا قُرۡبَةٞ لَّهُمۡۚ سَيُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٩٩[ [التوبة] إلا أن أعرابًا آخرين أداروا ظهورهم لها، ولم يلحقوا بالخير الذي لحقت به معظم الأعراب، وقال الله فيهم ]وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغۡرَمٗا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآئِرَۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ٩٨[[التوبة] ولعل من أعراب اليوم من لا يزال على سيرة هؤلاء، جهارًا نهارًا…

بعد انتهاء الوجود العثماني الأول في الجزيرة العربية عام 1632م، تمكنت بريطانيا من الوصول إلى المحيط الهندي، وشكلت خطوط نقل تجارة شركة الهند الشرقية البريطانية إلى الهند دافعًا لجعل بريطانيا تسعى لتامين خطوط النقل البحرية الطويلة على طرفي الطريق بين بريطانيا والهند، المار بمنطقة الخليج، وملء الفراغ الذي تركه العثمانيون، واستمالت بريطانيا الإمارات المتناثرة في الخليج وتصالحت معها.

ومع نهاية القرن التاسع عشر، في سعي بريطانيا لفصل تلك البلاد عن الخلافة العثمانية وإبرازها مستقلة عنها، قامت بريطانيا بإلزام “الإمارات المتصالحة” على إمضاء اتفاقيات ثنائية معها، كل على حدة، منعتها فيها من إقامة علاقات مع أية دولة أجنبية من دون علم بريطانيا.

ازدادت أهمية الإمارات المتصالحة مع بريطانيا مع اكتشاف النفط مطلع القرن العشرين فيها جميعًا، بدءًا بالبحرين فالكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان إلى جانب السعودية. فقد كانت شركة بريتش بتروليم صاحبة الامتيازات في حقول النفط من دون منافس. وحافظت بريطانيا على أشكال الحكم الملكية على ما بين يديها من الإمارات، وجعلتها بعيدة عن شكل أنظمة الحكم الجمهورية والديمقراطية التي اجتاحت البلاد المجاورة ابتداء  بمصر وانتهاء باليمن.

يعود الدور القديم الأبرز لأنظمة الحكم في الخليج إلى إيجاد موطئ قدم للاستعمار البريطاني في منطقة يحرم عليه التواجد فيها، وكان بالنسبة له الوصول إليها مجرد حلم، بعد أن طردهم العثمانيون في حوادث منفصلة حين حاولت سفن بريطانية مجرد الاقتراب من بحر العرب. وبمجرد تلاشي الوجود العثماني في المنطقة امتدت أيادي بريطانيا صوب إمارات الخليج المتصالحة التي ردت بمد الأيدي للبريطانيين. بلغ هذا الدور حد مشاركة حكام الخليج القتال جنبًا إلى جنب مع القوات البريطانية ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، كما فعل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في نجد والحجاز، وسعيد بن تيمور في عمان، ومبارك الكبير في الكويت. وتوجيه الإماراتيين اليوم التهم لفخري باشا بارتكاب جرائم حرب بحق أهل المدينة المنورة لرفضه تسليم المدينة المنورة للإنجليز في نهاية الحرب العالمية الأولى!

بعد أن ثبتت بريطانيا أقدامها في الخليج وأصبحت الآمرة الناهية مع ظهور طفرة النفط فيها، استحوذت بريطانيا على أمواله بالحصص التي تملكتها في حقوله والتي وصلت حد84 ٪، وبيعها لأنظمة الحكم في الخليج الأسلحة بجزء من عوائده، واحتفاظها ببقية أثمانه أرصدة في بنوكها.

ارتباط أنظمة الحكم في الخليج بالسياسة البريطانية تتبعها فيما تأمرها به بتبني سياسات الرضا والعداء مع بقية الأنظمة الحاكمة التي ظهرت على حدود سايكس – بيكو في البلاد الإسلامية، بعد أفول دولة الخلافة العثمانية، والتي تحولت تبعيتها إلى أميركا “الاستعمار الجديد”. فهي تعاديها سياسيًا بالتصدي لمخططاتها وأعمالها السياسية. واقتصاديًا بعدم تزويدها بالنفط، وبالامتناع عن التبادل التجاري معها، وبالحصار الاقتصادي ومنع المال عنها. وعسكريًا في شراء الأسلحة والإنفاق على المرتزقة المحليين والأوروبيين الذين يقاتلونها بهدف إسقاطها أو إضعافها. وتساند أنظمة الحكم في الخليج وتقف مع أنظمة الحكم التي سلمتها بريطانيا لها عن رضا.  وكانت أنظمة الحكم في الخليج داعمًا سياسيًا لها في إنجاح أعمالها السياسية، وممولاً لها حين لم تستطع الإنفاق على نفسها في إقامة المدارس والمستشفيات والطرقات وغيرها.

واليوم يمكننا رصد دور أنظمة الحكم القائمة في الخليج في عدة اتجاهات. يأتي في مقدمتها إحداثها خللًا في العامل الديمغرافي “السكاني” في الجزيرة العربية لصالح غير المسلمين، بما أن أنظمة الحكم الخليجية قد رضيت لبريطانيا غير المسلمة في الجزيرة العربية، فقد استمرت في استقدامها أيدٍ عاملة شرق آسيوية غير مسلمة بلغت 80 ٪ من تعداد سكانها كمتوسط، بعد طردها الأيدي العاملة المسلمة انسجامًا مع توجيهات السياسة الغربية.

كما استمرت أنظمة الحكم في الخليج في دور الخزينة الممتلئة التي تلبي أوامر بريطانيا كما فعلت في السابق. فقد عقدت بريطانيا في تشرين ثاني/نوفمبر 2006م في لندن مؤتمر المانحين لليمن، بعد أن استطاع البنك الدولي دفع الاقتصاد نحو الانهيار منذ برنامجه الشهير بالإصلاحات المالية والإدارية المدشن في 1995م. فأمرت أنظمة الحكم في الخليج بتقديم 6 مليارات من الدولارات لليمن. ثم قيام أنظمة الحكم في الخليج بإنقاذ النظام الاقتصادي الرأسمالي نفسه حين تسابق الأميركان والبريطانيون في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008م بمئات مليارات الدولارات.

ويأتي تقديمها الأموال لمصر، ذات التبعية الأميركية، بعد العام 2011م؛ لإيجاد نفوذ بريطاني مجددًا فيها، بصورة مغايرة تمامًا لما تقدمه من مساعدات للبلاد الخاضعة للنفوذ البريطاني. وتدفقت الأموال التي بين يدي أنظمة الحكم في الخليج في أعقاب ثورات 2011م؛ لغرض إفشالها، وتوجيهها وجهات مغايرة للتي تحقق لها الانعتاق من سيطرة نفوذ الدول الاستعمارية الغربية عليها.

الدور الأخطر لأنظمة الحكم في الخليج بدأ بتنافسها في قيامها ببناء القواعد العسكرية على حسابها، ثم فتح أراضيها أمام القوات الأميركية. على الرغم من تنامي مشاعر الكراهية لأميركا من جزيرة أوكيناوا باليابان، وكوريا الجنوبية، وألمانيا جراء الأفعال المشينة التي يرتكبها جنودها المتواجدون في قواعدها العسكرية، كإطلاق النار والقتل وتعاطي المخدرات والاعتداءات الجنسية والحوادث المرورية جراء حالات السكر، وازدراء أهل البلاد المضيفة بالتعامل غير السوي معهم واحتقارهم، فلم يعد مرغوبًا بتواجدهم، فقد أنذرت كوريا الجنوبية أميركا في 2003م، لإخلاء قواعدها، وتظاهر اليابانيون في جزيرة أوكيناوا لإخلاء جزيرتهم من القاعدة الأميركية بعد تعرض فتاة في الثانية عشر من العمر للاغتصاب والقتل من قبل جنود أميركيين، والحال مماثلة في ألمانيا.

 اتخذت أميركا سياسة نثر القواعد العسكرية حول العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وعقدت نصوصًا مجحفة مع الدول المضيفة في اتفاقيات تواجدها، بعدم خضوع عسكرييها في القواعد أمام محاكم البلاد المضيفة. بالرغم من كل ذلك إلا أن أنظمة الحكم في الخليج فتحت أراضيها أمام القواعد العسكرية الأميركية، فقد استطاعت في وقت مبكر من الحصول على قاعدة الظهران في بلاد نجد والحجاز، واستخدمت قاعدة جزيرة مصيرة التابعة لعمان إبان الحرب العالمية الثانية، إلا أنها بقيت تخطط لانتشار كبير لقواعدها في منطقة الخليج، وسرعان ما حصلت أواخر الثمانينات على قاعدة سلطان ابن عبد العزيز التي بلغت تكلفة بنائها 0.71 مليار $ استخدمت في الحرب على العراق عام 1991م. الجزء الرئيسي من القاعدة هو مركز للعمليات الجوية المشتركة، ومزوَّد بأحدث أنظمة القيادة والمراقبة، ومركز استخبارت مشترك تم تدشينه في حزيران/يونيو 2001م، قامت بتصميمه وتجهيزه وكالة اتصالات سلاح الجو بالغة السرية.

فانفتحت شهيتها أكثر لفتح المزيد من القواعد في الكويت التي قامت في 1999م ببناء قاعدة عريف جان، وصممه سلاح المهندسين في الجيش الأميركي بتكلفة 200 مليون $ جنوب العاصمة الكويت. ومنحت القوات الأميركية قاعدة أحمد الجابر التي تبعد خمسة وسبعين ميل من حدود العراق. وبنت في 2000م قاعدة علي السالم الجوية على بعد تسعة وثلاثين ميل من حدود العراق.

وفي البحرين، ورث السلاح البحري الأميركي قاعدة المنامة البريطانية. فقد كان نظام الحكم في البحرين قد قام في 1987م ببناء قاعدة الشيخ عيسى الجوية ليسلمها لمشاة البحرية الأميركية التي أكملت بناءها وحدة “نحل البحر”، وتم توسيعها في 1997م. وفي تموز/يوليو 1995م انتقلت قيادة الأسطول الخامس الأميركي إليها.

تتسع قطر لثلاثة قواعد أمريكية عسكرية أميركية، الأولى قاعدة العُديد التي قام نظام الحكم في قطر ببنائها بتكلفة 1.4  مليار $ على بعد 19 ميلًا جنوب شرق الدوحة في أواخر التسعينات. وفي آذار/مارس 2002م، أنشأ مركزًا للعمليات الجوية المشتركة في القاعدة. القاعدتان الأخريان الأميركيتان في قطر هما قاعدة السيلية في ضواحي الدوحة، وقاعدة سنوبي في مطار الدوحة، التي قدم نظام الحكم في قطر الأرض والمرافق.

نظام الحكم في عمان عقد اتفاقية تعاون عسكري مع الولايات المتحدة في 1980م، وفي 1990م تم تجديدها وتوسيع نطاقها. وتم بسرية بناء قاعدة المسننة 80  ميل غرب مسقط بتكلفة 120  مليون $. إلى جانب قاعدة ثمريت الجوية بظفار القريبة من اليمن، التي استخدمها سلاح الجو الأميركي في الأعوام 1991م، و1998م. وفي 1996م، أرسل سرب الحصان الأحمر الأميركي لتمديد مدرج مطار القاعدة. تستخدم القوات البحرية الأميركية مطار جزيرة مصيرة في بحر العرب.

 نظام الحكم في الإمارات وقع عقدًا في 1994م على اتفاقية تعاون دفاعي مع الولايات المتحدة؛ حيث سمحت لسلاح الجو الأميركي الوصول إلى قاعدة الظفرة الجوية أقل من80  ميل خارج أبوظبي. وترسو حاملات الطائرات الأميركية بانتظام في ميناء جبل علي بإمارة دبي.

القواعد العسكرية الأميركية تمثل مجتمعًا أميركيًا. فهي تحتوي إلى جانب المنشآت العسكرية، على مكاتب بريد وملاعب لكرة السلة وكرة الطائرة والجولف والتنس، ومساحات لعدة رياضات متعددة الأغراض، ومراكز للياقة البدنية والمسابح والمسارح والرعاية الطبية والكنائس.

لم يسع أنظمة الحكم في الخليج، بعد أن فتحت أراضيها للقواعد العسكرية الأميركية، سوى الانخراط في مخططات الدول الاستعمارية الغربية “أميركا” وعلى وجه الخصوص إلى جانب بريطانيا، ولم تتخلف جيوش أنظمة الحكم في الخليج بالانضمام إليها بغزو أفغانستان والعراق. فقد كانت البروفة حرب الخليج الأولى التي ترأست فيها أميركا تحالفًا من 33 جيشًا بينها جيوش الخليج؛ لتكرس بعد ذلك في حربها الصليبية المعلنة في أيلول/سبتمبر 2001م، لغزو أفغانستان التي قامت القواعد الأميركية في الخليج بدور كبير بئيس، ومن ثم مشاركتها أميركا في نيسان/أبريل 2003م في غزو العراق، وقد رأينا كم تبعد القواعد الأميركية في الكويت عن العراق.

مع انتهاء عمليات أميركا القتالية جراء غزوها العراق، ظهر عجزها عن استمرارها في خضم حربها الصليبية على الإسلام التي خططت لاستمرارها عشرات السنين تحت مسمى “الحرب على الإرهاب”، ورغبتها في استمرار  تواجدها العسكري، وإدارتها المعارك العسكرية الدائمة في قلب بلاد المسلمين “منطقة الشرق الأوسط” بمشاركة قواتها الجوية، وعدم مشاركة قواتها البرية على الأرض، بإيجاد وكلاء محليين كأنظمة الحكم الخليجية يتحملون مشاركة قواتهم البرية القتال على الأرض، وتوجيه القوات الجوية الأميركية طلعات القوات الجوية لجيوش أنظمة الحكم في الخليج، كما وجهتها لضرب أهداف في ليبيا والعراق واليمن، إلى جانب دفع أنظمة الحكم الخليجية أثمان الطلعات الجوية التي تقوم بها الطائرات الأميركية. فقد قامت أنظمة الحكم في الخليج بدور وكلاء للحرب الأميركية الصليبية على الإسلام.

ظهرت أنظمة الحكم في الخليج على يد البريطانيين على أثر تلاشي سلطان الإسلام والمسلمين، فإن نفس الأنظمة اليوم تعد العدة الكاملة بالمال والسلاح للانخراط في مخططات أميركا وبريطانيا لعدم عودة سلطان الإسلام والمسلمين للظهور مجددًا باستئناف الحياة الإسلامية باقامة دولة الخلافة الراشدة التي بات دنو ظهورها قريبًا جدًا.

ظلت صحارى الخليج المقفرة مأوى للخارجين المتمردين عن سلطان الإسلام فكان ذلك ضيرًا على الأمة الإسلامية. ثم ظهر  النفط فيها فكان وبالًا عليها. واليوم مع تحرك الأمة الإسلامية لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية تمسك أنظمة الحكم في الخليج حرابها لقتالها. فهلا ينظر ذوو العقول من أبناء الخليج إلى أدوار أنظمة حكمهم القديم والحديث، فيعدلون عنه إلى خير لهم في الدنيا والآخرة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *