العدد 382 -

السنة الثالثة والثلاثون، ذو القعدة 1439هـ ، الموافق تموز 2018م

حرمةُ الاندماج في حضارة الغربِ الكافر، وخطورة الذوبان في منظومته (2)

حرمةُ الاندماج في حضارة الغربِ الكافر، وخطورة الذوبان في منظومته (2)

صالح عبد الرحيم – الجزائر

3- المسلمون بين مؤامرات الغرب وخيانات الحكام: خطورةُ قبول المسلمين التوظيفَ من قِبل دولِ الغرب الكافر، وحرمةُ الاندماج والذوبان في منظوماتها

وإذا كان تسخير المسلمين من المهاجرين واستعمالُهم في بلاد الغرب من خلال الانخراط في حياة الغربيين وعبر التسليم بفصل الدين عن السياسة، والدعوة إلى اعتناق وتطبيق العلمانية، وما يحمل كل ذلك من انعكاسات سلبية وتداعيات خطيرة عليهم وعلى أبناء الأمة عامةً (سواءٌ مَن هم في بلاد المسلمين، أم مَن هم في بلاد المهجر).. إذا كان هذا قد لا يرقى في الغالب إلى جرم اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فإن قبول التوظيف (العمالة والتبعية) من قبل الحكام يدخل حتمًا في خانة الإجرام الأعظم في حق أمة الإسلام في هذا الزمان، وهو دون شك من معنى اتخاذ الكفار أولياء من دون المؤمنين، وهو مُخرجٌ من الملة في حق المناصرين للغرب ممن أُشربوا في قلوبهم عقيدةَ الغرب ونمطَ حياة الغربيين، فصاروا بذلك حقيقةً منهم. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: 51]، ﴿لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ﴾ [آل عمران: 28]. إذ من معنى هذه النصوص أن الله تعالى نهى المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء بالمحبة والنصرة من دون المؤمنين، ومَن يتولاهم فقد برِئ من الله، والله بريء منه. وهل بين حكام المسلمين اليوم وأعداء الله في الغرب – وفي كيان يهود – سوى المحبة والنصرة والتعاون على محاربة ما يسميه الغربُ (إرهابًا) فضلًا عن إطْلاع أعداءِ الأمة على أسرار الشعوب الإسلامية ومكامنِ ضعفها في هذا الزمان، وتبادلِ المعلومات عن العاملين على استئناف الحياة الإسلامية من أبناء الأمة؟! (مثلًا: علاقات آل سعود الحميمة مع الغرب تُـنبئ عن حالهم).

فبالرغم من كل العمل الذي تضطلع به الآن أجهزةُ الدول الغربية المستقبِلة (القنصليات والسفارات وغيرها…) من حيث الترشيح ثم القبول، أي من حيث النظر في توفر شروط القبول بعد دراسة الملفات وطلبات تأشيرات الدخول، أو الإقامة أو الهجرة، آخذةً واقعَ طالبي الهجرة وظروفـَهم وظروفَ بلدانهم في الاعتبار، فإنه يبقى بلا شك على عاتق تلك الدول الغربية مهمة جسيمة – بعد استقدام الوافدين من المهاجرين – تتمثل في دمجهم في المجتمعات الغربية بالشكل الذي يناسب بل يخدم الغرب، وهو ما يعني العمل الدؤوب هناك في البلاد الغربية بمعاونة حكام المسلمين هنا في بلاد المسلمين على احتوائهم وتذويبهم في منظومة الغرب الفكرية والحضارية، إن كان على مستوى المعتقَدات والمفاهيم والأفكار والقيم، أو على مستوى الأذواق والأحاسيس والمشاعر والسلوكات.. وهو ما يمثل الزاوية التي ننظر من خلالها إلى المسألة في هذا الموضوع. فالدول العميلة “ترعى شؤون” جالياتها في الغرب من خلال التجسس عليهم وتَقصِّي أخبارهم، كما ترسل أئمةً (تضعهم على المنابر) ومؤطرين لأبناء الجاليات هناك وتدفع رواتبهم (!!) بتدبير من الحكومات الغربية بغرض الإشراف عليهم واحتضانهم عبر المنظمات التابعة والمؤتمراتِ الدورية والمراكز الإسلامية والمساجد “الحكومية” في عواصم الغرب، وبإعطاء ما يلزم من ثقافة وفكر منحرف (تحت غطاء الوسطية) ومرجعيةٍ تصالحية تجاه الغرب أقل ما تفعل بالمسلمين أنها تهوِّن عليهم مصيبةَ غياب دولة المسلمين، إن لم تغيبها عن أذهانهم تمامًا. بل تقفز على وجوب وجود الخلافة في حياة الأمة بوصفها واجبًا شرعيًا من أعظم الواجبات في الدين، وهو ما يعني التسليمَ بدونية الإسلام وأهله، أي بواقع هيمنة الغربِ الكافر وتفوقه، وتكريسَ قابلية الذوبان والانخراط في منظومته!!

وإذا كنا ندرك أن الإسلام كامن في نفوس المسلمين، كون عقيدته راسخة في قلوبهم وعقولهم، وأن عمليةَ الدمج هذه لن تكون عملية سهلة، حتى وإن تخلى كثير منهم في الغرب عن الالتزام بأكثر أحكام الشريعة الإسلامية فإننا نسأل: ماذا يعني أن نقول للمسلمين في الغرب: تمسكوا بدينكم؟ إذ الدين ليس شعائر وعباداتٍ فقط يمكن أداؤها بشكل فردي في البيوت، أو في دور العبادة الخاصة بالمسلمين في بلاد الكفار وتحت سيادتهم، بل هو وجهة نظرٍ في الحياة، وعقيدة سياسية تقتضي أن يكون المسلمون قادةً وسادةً في العالم، وأمةً واحدةً من دون الناس، يعيشون في دولة عزيزةٍ منيعة تطبقُ الشريعةَ وتحمل الإسلامَ إلى الناس كافةً كما أمر الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: 8]؟؟ إذ دولةُ الخلافة الراشدة هي السبيل الأوحد الذي يجمع شمل الأمة، ويضعها على الصراط المستقيم، ويجعلها أمة رسالة كما كانت من قبل. فكيف ينبغي أن يكون إذًا خطابنا للموجودين من أبناء الأمة في الغرب، أو لمن يريد الهجرةَ إلى الغرب، ونحن نجزم باستحالة بقاء المسلم هناك متمسكًا بدينه بحكم طبيعة الإسلام، وبحكم الأجواء وضغط الواقع هناك، خصوصًا إذا علمنا أن من أعظم الفروض اليومَ فرض العمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة في بلاد المسلمين، الذي يقتضي من المسلم – كما يأمر دينُه – أن يكون حيث يلزم أن يكون؟.

لذا كان لا بد من التذكير بخلفية ظهور مشكلة بل معضلة الهجرة والاستيطان الدائم في بلاد الكفار، وهو ما نجمله في النقاط التالية، ويتضح من خلاله عِظمُ خطر فقدان الهوية وحرمةُ الاندماج وخطرُ الذوبان في منظومة الغرب الحضارية، وهو أقل ما يلزم الحذر منه في بلاد الغرب. وكذا حرمةُ الانخراط والعيش في كنف الرأسمالية وأجواء العلمانية، وذلك بالنظر إلى خطورة تداعياتِ ذلك على مصير المسلمين، وما يُراد بالأمة الإسلامية وبـبلاد المسلمين من أوجه عدة في العاجل والآجل:

1- كون المقصود في قضية الهجرة هذه إنما هو ما طرأ على حال الأمةِ من انفلاتٍ منذ بضعةِ عقودٍ في موضوع تركِ المسلمين بلادَهم بغرض الاستقرار والاستيطان في بلاد الكفار من جميع القارات بأعدادٍ متزايدة، بسبب الضغط والقهر الاستعماري الغربي، أي بتدبير من الغرب، وهو ما كوَّن في كل بلدٍ غربي جاليةً منهم!! وليس المقصود غير ذلك.

2- كون الأوضاع السيئة التي لا تطاق في بلاد المسلمين هي من صنع الغرب الاستعماري عدو المسلمين: من إبعاد الإسلام عن الحكم، إلى تقسيم البلاد وصنع الوطنيات المختلفة وتنصيب العملاء، إلى سوء الرعاية الناجمة عن ذلك، إلى كل هذه الفوضى والتخلف والاضطراب في بلدانهم، وأن أصل البلية إنما يكمن في ابتعاد المسلمين عن دينهم، الذي ليس معناه سوى تخليهم عن تطبيق الشريعة بزوال الدولة الإسلامية. إذ الخلافة حكم شرعي من أجلِّ وأعظم أحكام الشريعة الإسلامية!! فكان بسبب ما يلقاه المسلمون اليومَ في بلدانهم على يد حكامهم من ظلمٍ واضطهاد وقهر، وما يكابدون من تحدياتٍ معيشية وفقر، وما يجابهون من مشاكل جراء سوء الرعايةِ بل انعدامها بعد زوال دولتِهم واحتلالِ بلدانهم وتقسيمِ أوطانهم، أنْ برزت للوجود هذه الظاهرةُ الخطيرة التي اسمها هجرة المسلمين إلى البلاد الغربية؛ أوروبا وأميركا وأستراليا وغيرها…

ومعنى ذلك أن تلك المغادرة والهجرة لم تكن هروبًا مؤقتًا من جحيم البطش الاستعماري والإذلال والقهر الذي حصل – خاصةً بعد زوال ظل دولة الخلافة – بل كانت تخطيطًا وتدبيرًا من الغرب الكافرِ نفسه، أي مؤامرةً خبيثةً وهدفًا سياسيًا جنى في الماضي ويجني منه العدو المتربصُ الآن فوائدَ ومكاسبَ عظيمةً! وهو ما نراه اليومَ من نتائج وخيمةٍ على الأمة الإسلامية، وإفرازاتٍ خطيرة غيرت وجهةَ النظر في الحياة، أي الأفكار والمفاهيم الأساسية لدى أكثرِ أبناءِ المسلمين – ممن غادر إلى هناك – عبر الاحتواء والاحتكاك والعيش طويلًا في كنف العلمانيةِ الرأسماليةِ وأجواءِ الحضارة الغربية المناقضِة للإسلام في الكليات والجزئيات!! كما أن فتح أبواب أوروبا وأميركا وغيرها – لأبناء المسلمين تحديدًا – ليس إلا عملًا مبدئيًا ذا دوافع سياسيةٍ، يجري فيه استقدامُ الكفاءات والأيادي العاملة، وتهجيرُ الأدمغة من أصحاب العلوم والمهارات، ومن المتعلمين والمثقفين والفاعلين سياسيًا إلى البلاد الغربية من خلال الترشيح ثم القبول؛ وذلك عبر قوانينِ الهجرةِ بالقرعة والانتخابِ واللجوءِ السياسي المصممةِ بإحكام لاستقطاب ما يحتاجه الغرب من الأيادي والعقول.

3- كون استقدام المهاجرين من أبناء الأمة الإسلامية لم يكن إلا بهدف توطيد ركائز القوةِ الفكرية والعلميةِ والثقافية والسياسيةِ والاقتصادية في بلاد الغرب، وفي الوقت نفسه لتثبيت وجودِه وبقائِه في أمة الإسلام وفي بلاد الإسلام أطول ما يمكن: فوُجد جراء ذلك في بلاد الغربِ اليومَ بالتواطؤ مع عملائه في هذه البلاد واقعٌ جديد اسمه الجاليات. وهو ما أحدث في البلاد الإسلامية فراغًا رهيبًا من الكفاءات (العلماء والخبراء) في شتى الميادين عبر الهجرةِ الطوعية والقسرية ومغادرةِ الأوطان باتجاه بلاد الغرب. وإن الأخطر من ذلك هو تقويةُ دعائم دولِ الغرب في بلاد الكفر في جميع المجالات. فكانت النتيجةُ حتمًا ما نراه اليومَ من إسهام المسلمين أنفسِهم في إدامة محنتِهم وتكريسِ سوءِ أوضاعهم بتعزيز هيمنةِ الكفار ونفوذِ الغرب عدوِّهم في بلاد المسلمين، بل وفي العالم أجمع. ثم لم يكن مِن هذه التداعيات الرهيبة والخطيرة بعد استقرار الوضع على هذه الشاكلة بعد عقود من الزمن – بعد ذهاب دولتهم – سوى ما هو مشاهد اليومَ من حال المسلمين المزرية في بلاد المسلمين أو في بلاد الغرب!

4- كون ما هو أخطر من ذلك كله إنما هو نظرة المسلمين اليومَ إلى الهجرة بأعداد كبيرة إلى بلاد الغرب، بعدما أصبحت هذه الهجرةُ اليومَ عند جمهرتهم حُلمًا لضمان مستقبلٍ وحياةٍ أفضل، ومخرجًا من دوامة ضغط الواقع المرير يستهوي أبناء الأمة إلى حد لا يوصف، وهدفًا يداعب أحلامَ شباب المسلمين على وجه الخصوص، في زمن غيابِ الدولةِ الإسلامية، وزمن هيمنةِ الحضارة الغربية.

5- كون النظرة المعتدلة لمسألة الهجرة هذه هي التي زادت الطين بلة، إذ هي تسلم بالواقع، وتقفز على عدم وجود دولة المسلمين (الخلافة)، وتعتبر هذه الأنظمة العميلةَ في بلاد المسلمين “دولًا” إسلاميةً تمثلهم في المجتمع الدولي!. وهي النظرة القائلة أيضًا بأن لا تناقض بين “القيم العالمية الرفيعة” في المجتمعات الغربية كالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.. وبين الإسلام! وأن لا مشكلة أصلًا من وجود المسلمين في الغرب ولو بأعداد متزايدة، معتبرةً وجودَهم المتزايد هناك مرخصًا من الناحية الشرعية بل إيجابيًا ونافعًا من حيث الواقع ويستحق التشجيع، كونه في المحصلة لمصلحة المسلمين!!.. وأن بإمكان المسلم أن يتمسك بدينه وهو مستقر في بلاد الغرب!!

6- كون النظرة الصحيحة لمسألة الهجرة إلى بلاد الغرب هي النظرة المبدئية التي ترفض الفصلَ بين الدين والسياسة، وتعتبر دولة الخلافة حكمًا شرعيًا من أعظم الأحكام في الشريعة وأنها ليست نموذجًا تاريخيًا، بغض النظر عن إساءة التطبيق التي حصلت في الدولة خلال بعض الفترات التاريخية. وأن فقدان المسلمين دولتهم هو بالتالي من ضمن ابتعادهم عن دينهم، وأن فقدان الدولة هو سبب الدمار والاستعمار وكل المآسي التي لحقت بهم، ومن ذلك حالة الانكسار والتخلف والفقر وعدم الاستقرار وانعدام الرعاية والفوضى والاقتتال الحاصل في بلادهم منذ عقود، وهو الذي جعل المسلمين يتركون بلادَهم طوعًا وقسرًا متجهين إلى حيث يرون عكس ما يهربون منه! والحقيقة أنهم صاروا بذلك في بلاد الغرب أبعدَ عن دينهم مما كانوا عليه وهم يجابهون آلةَ بطش الأنظمة العميلة وآلةَ الدمار والتنكيل والتدمير الاستعماري القائمة على قدم وساق في بلدانهم. وهي النظرة القائلة أيضًا بأنْ لا سبيل إلى تطبيق الشريعة واستئنافِ الحياة الإسلامية إلا باستعادة دولةِ الخلافة في البلاد الإسلامية. وأن هذا هو ما تعنيه العودة إلى الإسلام على مستوى الجماعة والتمسكُ بالدين. وذلك أن الحكمَ بما أنزل الله يشملُ شرعًا نواحي الحياة جميعًا، فلا يكون معنى إقامةِ الدين والعودةِ إلى الإسلام على مستوى الجماعةِ سوى الحكم بما أنزل الله، أي حمل الناس على الالتزام بمقتضى عقيدة التوحيد والعبودية لله عز وجل، وهو تطبيق أحكام الشريعةِ كلها.. فهل يتأتى العملُ لإقامة الخلافة في بلاد الغرب؟! وهذه النقطة في الحقيقة تكفي لوحدها في إثبات حرمة الاندماج في البلاد الغربية والذوبان في حضارة الغرب الكافر! يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: «أنا بريءٌ مِن كلِّ مسلمٍ يقيمُ بين أظهرِ المشركين» [رواه أبو داود].

7- وأخيرًا: كون المهاجرين إلى الغرب من المسلمين هم عرضة لجميع الضغوطات والتوظيفات الفكرية والسياسية، بل إن وجودَهم هناك يخدم الغربَ من جميع النواحي والأوجه، وأنه يجري استخدامهم في إضعاف الأمة، ليس من خلال انتقالهم مع خبراتهم وأبنائهم وعائلاتهم واستجلاب كفاءاتهم فحسب، بل ومن خلال إبعاد المكافحين والمناوئين سياسيًا للأنظمة والحكام العملاء في البلاد الإسلامية بأساليب التنكيل والضغطِ والتهديد (الذي يمارسه الحكام) أو بالإغراء والمساومةِ والاحتواء. علمًا أن خَلفِية المغادرة إلى بلاد الغرب ابتداءً ليست في الغالب إلا لجوءًا سياسيًا، أو طلبًا للأمان، أو طلبًا لحياةٍ ماديةٍ أفضل. فلا يحدث ذلك في الغالب إلا والمسلمون في أضعف الحالات وأشدها انكسارًا نفسيًا وماديًا، إذ يكون المهاجرُ – فردًا أو أسرةً – في أكثر الأوضاع قابليةً لطمس هويتِه الإسلامية، وأفضلها جاهزيةً للتوظيف الفكري أو السياسي ضد أمته من قِبل الدولة الغربيةِ الراعية التي تستقبله، وهذا مشاهد ملموس.

والحقيقة هي أن الهجرةَ إلى بلاد الكفار من أجل الاستيطان والعيش فيها على الدوام تصطدم – في حق المسلمين عمومًا – مع كونهم مسلمين، خاصةً في هذا الزمان، وذلك من حيث إن مَن سافر منهم للعيش مع الكفار بشكل دائم – خصوصًا مِن طلاب الدنيا – يكون بلسان الحال قد قرر أنه ليس معنيًا بعملية التغيير، ولا بقضايا الأمةِ وهموم المسلمين وعلى رأسها إقامة الخلافة، فضلًا عن أن الهجرةَ تُعرضه كفرد لفقدان شخصيته وهويته.

إننا إذْ نحمّل القسط الوافر من المسؤولية عن هذه الظاهرة للنظم العميلة القائمة وأجهزتها المرتبطة بالغرب الكافر، لا نعفي بتاتًا أفرادَ الأمة الإسلامية عامةً من المسؤولية عن هذا النزيف الذي يضرب الأمةَ في فكرها وثقافتها وطاقاتها البشرية الفاعلة بشكل مخيف وخطير ومميت. ونحن نعلم في الوقت ذاته أن الحل الجذري للمشكلة يكمن حصرًا في تطبيق الشريعة الإسلامية، أي في الدولة التي ترعى شؤون المسلمين حقيقةً، وأنْ لا شيء يوقف هذه الكارثة سوى إقامة دولةِ المسلمين وعودتها إلى ديار الإسلام؛ خلافةً راشدةً عزيزةً منيعةً قويةً على منهاج النبوة. قال تعالى: ﴿لمثل هذا فليعمل العاملون﴾.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *