العدد 43 -

السنة الرابعة – ربيع الثاني 1411هـ، تشرين الثاني 1990م

سؤال وجواب

السؤال:

نقلت الأخبار أن صدام حسين (رئيس العراق) رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام منذ حوالي أسبوع. وتحدث إليه وأمره أن يغيّر توجيه الصواريخ.

ونحن نعرف أن من يرى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فكأنما رآه حقاً.

فهل في هذا دلالة على أن صدام من أهل الصلاح؟

وما مدى القيمة التشريعية للأوامر التي يسمعها الرائي من الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام؟

الجواب:

لقد وردت أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم تتحدث عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام. وهذه الأحاديث ذكرها البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد وغيرهم. وننقل بعض هذه الأحاديث من صحيح الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ الذي ذكرها في (باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام).

1- حديث أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من رآني في المنام فسيراني في اليقَظَة، ولا يَتَمَثَّل الشيطان بي» قال أبو عبد الله قال ابن سيرين: إذا رآه في صورته.

2- حديث أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يَتَخَيَّلُ بي، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة».

3- حديث أبي قتادة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الصالحة من الله، والحُلْمُ من الشيطان، فمن رأى شيئاً يكرهه فَلْيَنْفِثْ عن شماله ثلاثاً وليتعوّذ من الشيطان فإنها لا تضره، وإن الشيطان لا يتزايا بي».

4- حديث أبي قتادة أيضاً قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رآني فقد رأى الحق».

5- حديث أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من رآني فقد رأى الحق، فإن الشيطان لا يتكوّنني».

وقد ورد عند مسلم زيادة هي: فكأنما رآني في اليقظة بدل فسيراني في اليقظة. وورد عن ابن ماجه: فقد رآني في اليقظة.

قال ابن حجر في (فتح الباري) ج 12/ ص 324: [قال ابن بطال: قوله فسيراني في اليقظة، يريد أن تصديق الرؤيا في اليقظة وصحتها وخروجها على الحق وليس المراد أنه يراه في الآخرة، لأنه سيراه جميع أمته في الآخرة من رآه في النوم ومن لم يره]. أي أن الذي يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ليس مخدوعاً ولا موهوماً ولا يرى أضغاثاً، بل هو يرى مثالاً لحقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم. فإذا رأي الرائي رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفته المتفق عليها كانت الرؤيا حقاً لا يحتاج إلى تعبير، وأما إذا رآه على صفة أو هيئة تخالف صفته أو هيبته صلى الله عليه وسلم فإن الرؤيا تصبح بحاجة إلى تعبير.

ورؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام لا تدل دائماً على حسن إيمان الرائي وصلاحه، بل تدل على أن هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعبير الرؤيا يشير إلى حسن حال الرائي أو سوء حاله. قال في (فتح الباري) ج 12/ ص326: [علماء التعبير قالوا: إذا قال الجاهل رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يُسأل عن صفته فإن وافق الصفة المروية وإلا فلا يقبل منه، وأشاروا إلى ما إذا رآه على هيئة تخالف هيئته… ومن رآه متغيّر الحال عابساً مثلاً فذاك دالٌ على سوء حال الرائي… فمن رآه صورة حسنة فذاك حسن في دين الرائي، وإن كان في جارحة من جوارحه شَيْنٌ أو نقص فذاك خلل في الرائي من جهة الدين].

أما عن القيمة التشريعية لما يراه المرء في المنام من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير فلا توجد لها قيمة تشريعية، ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة كاملة، وصار الناس يعودون إلى كتاب الله وسنّة رسوله عن طريق الاجتهاد.

ورغم أن علماء الأصول اختلفوا في مصادر التشريع فمنهم من اقتصر على الكتاب والسنة، ومنهم من قال: الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس، ومنهم ن قال: الكتاب والسنة والعقل، ومنهم من اعتبر الاستحسان أو المصالح المرسلة، إلى غير ذلك…

رغم اختلافهم على هذه المصادر لا نعمل أحد قال بأن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام هي من مصادر التشريع. علماً أن مصادر التشريع لا بد أن تكون يقينية كالعقائد، وأحاديث رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ليست قطعية فلا تصلح مصدراً للتشريع.

قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ج 12/ ص 327: [فقد صرح الأئمة بأن الأحكام الشرعية لا تثبت بذلك (أي بالمنامات)… والذي عليه الجمهور أنه لا يجوز العمل به إلا عند فقد الحجج كلها في باب المباح. وعن بعض المبتدعة أنه حجة… ويؤخذ من هذا ما تقدم التنبيه عليه أن النائم لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بشيء هل يجب عليه امتثاله ولا بد، أو لا بد أن يعرضه على الشرع الظاهر، فالثاني هو المعتمد كما تقدم] وقال في ص 326: [وكذلك يقال في كلامه صلى الله عليه وسلم في النوم أنه يُعرض على سنته فما وافقها فهو حق وما خالفها فالخلل في سمع الرائي فرؤيا الذات الكريمة حق والخلل إنما هو في سمع الرائي أو بصره].

هذا عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ففي المنام بشكل عام، أما عن رؤيا صدام حسين الرئيس العراقي، فنحن لسنا متأكدين أنها حصلت، إذ قد تكون زعماً وتلفيقاً لإعطاء صورة إلى عوام الناس أن صدام رجل صالح مؤمن مسدد يأتيه الرسول صلى الله عليه وسلم ليوجهه ويسدده.

وإذا حصلت الرؤيا فعلاً فنحن لا نعرف على أية هيئة وبأية صفة رآه. ولك ما عرفناه من الصحف أنه جاء يؤنّب صداماً وينهاه عن توجيه سلاحه حيث يوجهه وأن يحوله إلى جهة أخرى. وقد سبق أن ذكرنا أعلاه أن مجرد رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام لا تدل على صلاح الرائي بل الذي يدل هو صفة الرؤيا وملابساتها.

وقبل أن ننظر في الرؤيا وتعبيرها للنظر إلى حال الرائي وسلوكه وأفكاره. إن صدام حسين حاكم لا يحكم بكتاب الله ولا يحكم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يحكم بأنظمة كفر علمانية. وهو يقود حزباً مؤسساً على أفكار الكفر ويدعو إلى العلمانية وهي فكر كفر. هكذا كان وهكذا ما زال حتى الآن. ولذلك فنحن نحكم عليه من ظاهره وظاهر نظامه وأعماله وسلوكه. وظاهره هذا يشير إلى أنه ما زال بعيداً عن الصلاح وبعيداً عن رضوان الله تعالى.

وليس بعيداً أن يهديه الله، فالرجل يمسي كافراً ويصبح مؤمناً. ونحن ندعو الله له ولجميع حكام المسلمين وعامتهم أن يهديهم الله، وأن ينقلهم من الشر إلى الخير، ومن الضلال إلى الهدى، ومن أنظمة الكفر إلى نظام الإسلام.

«اللهم يا مقلّب القلوب ثَبّتْ قلوبنا على دينك»¨

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *