العدد 43 -

السنة الرابعة – ربيع الثاني 1411هـ، تشرين الثاني 1990م

فرنسا واستقلال لبنان

 في 23/10/90 قال حسين الحسيني رئيس مجلس النواب في لبنان: «نذكر فرنسا بأننا دولة مستقلة  ذات سيادة، وقال سليم الحص رئيس الوزراء: نستغرب البحث في أمر يتعلق بلبنان في غيابه وبغير علمه وبغير موافقته، ففي هذا تدخل في شؤون لبنان الداخلية». وهذا لأن وزير خارجية فرنسا (دوما)  طلب أن تجتمع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن لبحث الوضع «القلق جداً» في لبنان، ولعل اجتماع الدول الخمس يؤدي إلى اجتماع لمجلس الأمن لاستصدار عقوبة في حق القوات الأجنبية في لبنان «ابتداء بالسوريين والفلسطينيين وحزب الله وأيضاً الإسرائيليين» و«إجراء انتخابات لإعطاء الكلمة أخيراً للشعب اللبناني ليعرق عن رغباته».

اتفاق الطائف ينص على استعانة الحكومة اللبنانية بالقوات السورية، وفرنسا تسعى لاستصدار عقوبات من مجلس الأمن ضد القوات السورية. واتفاق الطائف ينص على ملء شواغر المجلس النيابي عن طريق التعيين، وفرنسا تسعى لملئها عن طريق الانتخاب. المسؤولون الفرنسيون لا يعلنون موافقتهم على اتفاق الطائف بل يقولون «أيدنا الأهداف التي يرمي إليها اتفاق الطائف».

يوم السبت 13/10/90 قال وزير الدفاع الفرنسي: «إننا نرى جيداً كيف أن سوريا استغلت الفرصة (الأزمة في الخليج) لتنطلق بحرية في لبنان وتحقق حلم سوريا الكبرى الذي تحلم به منذ فترة طويلة».

وفي 24/10/90 نقلت جريدة الحياة عن مصدر فرنسي رفيع: «دول مجلس الأمن لسوء الحظ أصبحت غير مهتمة بلبنان باستثناء فرنسا» وأضاف: «مشكلة سيادة لبنان وسلامة أراضيه لا تزال أمراًً يجب حله، ونحاول قدر إمكاننا أن نعمل من أجل هذا الهدف» وقال: «نأمل أن يأتي يوم ينشأ فيه وضع أمني شامل في الشرق الأوسط وتكون فيه سورية في وضع لا يسمح لها بفرض سلطتها بالقوة، ويوماً ما ستكون سورية في حاجة إلى تسوية في الشأن اللبناني وفي شؤون أخرى، فإلى أن يأتي هذا الوقت يجب إبقاء القضية اللبنانية حية باستمرار».

لقد كان دخول القوات السورية إلى مناطق عون في المتن الجنوبي والشمالي ضربة مؤلمة على رأس فرنسا أفقدتها كثيراً من صوابها. فرنسا أوجدت لبنان ثم كبّرته وجعلته وطناً للموارنة تحت رعايتها، وهي الآن ترى أن دخول القوات السورية إلى بيروت سينقل لبنان من رعاية فرنسا إلى رعاية سوريا، ومن كونه بلد امتيازات للموارنة ليفقد فيه الموارنة هذه الامتيازات. وهذا لا يروق لفرنسا. وقد كانت فرنسا حركت أسطولها وأحضرته إلى البحر المتوسط لمنع دخول سوريا إلى بيروت الشرقية قبل حوالي سنتين. وموقف الفاتيكان يشبه موقف فرنسا.

إن دخول القوات السورية إلى المتنين كان ضربة قاصمة لمخطط ماروني ـ فاتيكاني ـ فرنسي هذا المخطط كان إقامة لبنان الصغير كوطن للموارنة بحماية فرنسية إذا تعذّر خروج القوات السورية من لبنان. أي أن هذا المخطط كان عبارة عن تقسيم لبنان. والآن لم يبق بيد الموارنة ما يصلح لإقامة لبنان الصغير. فهل سلمت فرنسا بالأمر الواقع؟

كلا، لم تسلّم فرنسا بالأمر الواقع. لاحظنا أنها وافقت على أن يطلب عون تدخلاً عسكرياً من إسرائيل، ولكن هذا لم يحصل لأن أميركا لجمت إسرائيل. ثم حاولت فرنسا إثارة الأمم المتحدة ودول مجلس الأمن الكبرى، فزعمت أن جنود عون قُتلوا بعد أن استسلموا، وتذرعت بفلتان حبل الأمن، وتذرعت بمقل داني شمعون.

المصدر الفرنسي قال: «نأمل أن يأتي يوم ينشأ فيه وضع أمني شامل في الشرق الأوسط، وتكون فيه سورية في وضع لا يسمح لها بفرض سلطتها بالقوة… وإلى أن يأتي هذا الوقت يجب إبقاء القضية اللبنانية حية باستمرار».

وسبق أن قلنا إن فرنسا لم تقبل اتفاق الطائف بل قبلت بأهداف اتفاق الطائف، هذه الأهداف التي تنص على خروج القوات الأجنبية ومنها السورية من لبنان.

والآن تحاول فرنسا والفاتيكان والموارنة منع القوات السورية من الدخول إلى الأشرفية أو إلى كسروان. ولذلك حاولوا إقناع جعجع وقواته أن يسلموا للشرعية بطريقة سلمية لئلا تدخل القوات السورية كما دخلت إلى مناطق عون، وهم يشترطون على الهراوي أن لا يسمح بدخول القوات السورية ولا ندري حتى الآن ماذا سيحصل. وكان مجلس المطارنة اجتمع في 25/10/90 وندد بما فعلته الشرعية (وسورية) من إهانة للجيش اللبناني ومناطق الموارنة. وجورج سعادة، رئيس الكتائب، طالب حزبه أن يكون مستعداً لمعركة جديدة إذا عجزت الشرعية أو انحرفت.

والأمر الهام الذي تخشاه فرنسا الآن ويخشاه الموارنة والفاتيكان هو تعيينات النواب لملء الشواغر. عدد النواب الآن 68 بعد موت 31. وقد قررت اتفاقية الطائف أن يتم ملء الشواغر بالتعيين وقررت زيادة تسعة نواب. فيكون العدد المطلوب تعيينه الآن 40 نائباً. والذي سيشرف على عملية التعيين هو الحكومة اللبنانية. وما تخشاه فرنسا وجماعتها الآن هو أن تتمكن سوريا من تعيين نواب موالين لها، فيصبح لها في المجلس أكثرية تزيد عن الثلثين. وهكذا يصبح المجلس التشريعي بيد سوريا فتستطيع أن تعدل الدستور والقوانين كما يحلو لها، وتستطيع دمج لبنان بسورية. ولذلك فستقوم فرنسا بحرتقات مختلفة لمنع حصول التعيينات إن استطاعت. وستحرض موارنة لبنان على افتعال مشاكل تمنع التعيينات النيابية.

مشكلة لبنان لم تنته بعد، ومن الصعب أن تقوم في لبنان دولة ذات هيبة ما دام الشعب في لبنان مقسماً إلى طوائف وكل طائفة إلى أحزاب، وهذه الطوائف والأحزاب لها مسلحون وتملك الأسلحة وتتناحر على النفوذ.

يقولون بأن الميليشيات سيتم حلها واستلام الأسلحة منها واستيعابها في الجيش وقوى الأمن الداخلي.

والحقيقة أن الناس لا يسلمون أسلحتهم إلا (من الجمل إذنه) كما يقولون، والباقي يخفونه إلى وقت الحاجة. ودخول الميليشيات إلى الجيش لن يصلح حالها بل هي ستفسد الجيش وستفسد قوى الأمن الداخلي.

والخل الصحيح هو دخول القوات السورية إلى جميع المناطق اللبنانية، وخاصة مناطق الموارنة التي تسعى فرنسا إلى إنشاء لبنان الصغير فيها من جديد، ثم دمج لبنان كله مع بلاد الشام، ويعيش نصارى لبنان كما يعيش نصارى البلاد العربية والبلاد الإسلامية الأخرى كجزء من المواطنين وليس كأصحاب امتيازات.

وما دامت فرنسا ومعها الفاتيكان وموارنة لبنان يصرون على بقاء لبنان كياناً مارونياً بحماية فرنسا فإن النيران ستبقى مشتعلة إلى أن يهاجر جميع الموارنة من لبنان ¨

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *