العدد 47-48 -

السنة الرابعة – شعبان ورمضان 1411هـ آذار ونيسان 1991م

(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأََعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

أيها المسلمون:

يا من أعزكم الله بالإسلام، وجعلكم هداه للبشرية، وخير أمة أخرجت للناس، ويسَّر لكم فتح الأرض، ما ينبغي لكم أن يصيبكم شيء من الإحباط أو الوهن أو اليأس بسبب الكارثة التي حلّت بالعراق، رغم كبرها. فالأمة الإسلامية فيها كل الخير، وهي منبت الرجال وبيت الثورة والمال، وهي أمة الجهاد والصبر، وهي بحمد الله قادرة على بناء نفسها، وإعادة الكرة على المعتدين، وما حصل في العراق هو خسارة معركة وليس خسارة خرب.

إن جيش العراق وبقية الجيوش الإسلامية ستُعيد لكرَّة لدحر المعتدين وردّ كيدهم في نحورهم إن شاء الله تعالى. تلافي هذه الهزيمة ليس بالأمر العسير على أمة حيّة كالأمة الإسلامية، فهي أمة الجهاد إلى قيام الساعة قال عليه وآله الصلاة والسلام: «الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل». وقد وعد الله هذه الأمة بأن يظهر لها يدنها على سائر الأديان في أنحاء المعمورة قال تعالى: ]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ[ وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها» وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يبقى على وجه الأرض بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا دخلته كلمة الإسلام يُعِزّ عزيزاً، ويُذلّ ذليلاً، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلا، وأما يذلّهم فيدينون لها». وقد ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض البقاع بالاسم فبشرنا بفتح القسطنطينية، وتحققت بشارته بفتحها. وكان فتحها من دلائل النبوة، كما بشرنا بفتح روما معقل بابا النصارى، وسيحصل بإذن الله فتحها تحقيقاً بشارة الرسول، كما حصل في فتح القسطنطينية من قبل.

ومن جملة ما سمى لنا وبشرنا به، أننا سنقاتل اليهود، وأننا سنقتلهم حتى يقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله، وهذا سيحصل في وقت ليس بالبعيد بإذن الله تعالى.

أيها المسلمون:

رُبَّ ضارة نافعة، فأزمة الخليج وإن حصل فيها ما حصل إلا أنها أحيت الأمل في نفوس المسلمين، وجعلتهم يدركون أن في مقدورهم أن يتحدوا أعظم الدول في العالم، وأن في استطاعتهم أن يصبحوا دولة عظمى، عندما شاهدوا بأم أعينهم أن العراق، وهو بلد صغير من بلاد المسلمين، استطاع وحده أن يتحدّى أميركا وعظمتها وجبروت سلاحها المتطور، مع أنها جندت معها معظم دول الأرض، وجاءت بأضخم حشد عسكري منذ الحرب العالمية الثانية، وسخرت القانون الدولي ومجلس الأمن الدولي، ووجهت جميع وسائل الدعاية والإعلام. ومع كل ذلك فقد كانت تتحرك بخوف وببطء، مما أسقط هيبتها والخوف منها من نفوس المسلمين، كما سقطت هيبة اليهود من قبل. وهذا ما أوجد الثقة عند المسلمين أنهم قادرون على تحدي أعظم الدول، وقادرون على أن يكونوا أعظم الدول وأقواها.

أنه لولا خيانة الحكام في البلاد العربية والإسلامية، الذين وقفوا مع أميركا وقاتلوا في صفها ضد العراق، أو الذين وقفوا على الحياد، لولا خيانة هؤلاء الحكام، وخيانة علماء السلاطين الذين ضللوا المسلمين بإصدار الفتاوى لمصلحة أميركا وحلفائها لما تمكنت أميركا وحلفاؤها من القيام بما قاموا به، ولما أصاب العراق ما أصابه من الخراب والدمار.

إنه لو وقف المسلمون مع بعضهم كما ينبغي وكما توجب عليهم عقيدتهم واخوّتهم، أي لو وقفت دول الجزيرة العربية والخليج ومصر وسوريا والأردن واليمن وتركيا وإيران مع العراق صفاً واحداً ضد عدوان الكفار لما وَجَدت أميركا مكاناً تحشد قواتها فيه، ولما تجرأت على الإتيان إلى منطقة الخليج أصلاً لتفرض هيمنتها عليها وعلى نفطها، ولتنطلق لشرب العراق منها، ولكنها بدلاً من ذلك وجدت الحكام الخونة يفتحون لها مطاراتهم ومؤانئهم، ويسخرون لها قواعدهم وأرضهم، ويضعون بتصرفها جيوشهم وبترولهم، ويتعهدون لها بدفع جميع نفقات الحرب ويأمرون العلماء بإصدار الفتاوى التي تطلبها. وجدت أميركا كل هذه التسهيلات والاغراءات من جانب الحكام الخونة والعملاء فتجرأت على القدوم إلينا لقتالنا في عقر دارنا لتفرض هيمنتها علينا، ولتأخذ بترولنا، وتأخذ خيراتنا.

جريمة هؤلاء الحكام لا تُغتفر. شعوبهم الإسلامية في وادٍ، وهم في وادٍ آخر. الشعوب الإسلامية كانت مع العراق ضد أميركا، وضد حلفائها الكفار، وضد اليهود. وهؤلاء الحكام كانوا ـ وما زالوا ـ مع أميركا ومع اليهود.

قرار السلطة والحكم لا يجوز أن يبقى بيد هؤلاء الحكام المجرمين الخونة العملاء سواء كانوا خدمة لأميركا أو لبريطانيا أو ليهود، أو خدمة لأية دولة كافرة. فقراراتهم ألحقت بالأمة الكوارث، وهي قرارات لا تمتّ إلى الإسلام بصلة. لذلك فيجب على الأمة ـ وهي صاحبة السلطة والحكم ـ استجابة لأحكام الشرع أن تنزع من هؤلاء الحكام المجرمين سلطة القرار والحكم، وأن تضع هذه السلطة وهذا الحكم في اليد الأمينة واليد المخلصة لله ولرسوله ولدينه وللمسلمين، لليد التي تراعي أحكام الله في جميع قراراتها، والتي تعمل لإزالة كل هيمنة الكافر على المسلمين.

أيها المسلمون:

يقول الله تعالى: ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ[ ويقول: ]إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ[ وإعداد القوة لا يكون بكثرة عدد الجيش وبكثرة السلاح وبحسن التدريب فقط، الإعداد يتطلب إعداد العقيدة ووجود تقوى الله وطاعته، التقوى عند الجيش وعند القيادة وعند الأمة. لأن النصر من عند الله، والله سبحانه ينصر من ينصره. والقيادة في العراق والنظام في العراق لم يكن من هذه الناحية على النحو الذي يرضي الله ورسوله. لهذا لم يكن مستغرباً أن لا يحقق الله النصر للمسلمين على أيد قيادة بعثية لا تحكم بما أنزل الله.

وإنه لو كانت القيادة السياسية في العراق تحلم الإسلام وتطبق أنظمته وأحكامه لاستطاعت أن تجمع المسلمين حولها ليقفوا صفاً واحداً معها ضد أميركا، لكنها كانت قيادة بعثية تحمل فكرة علمانية تفصل الدين عن الحياة، ولا تأخذ من الإسلام إلا رفع الشعارات، لأنها تعرف أن المسلمين لا يتجاوبون مع الشعارات البعثية أو القومية أو الاشتراكية، ولا يتجاوبون إلا مع الإسلام لأنه هو الموجود في نفوسهم. والمسلمون أدركوا أن القيادة العراقية غير صادقة في رفع شعارات الإسلام، ومع ذلك وقفوا بجانبها ضد أميركا وحلفائها، لا تأييداً لها، بل معاداة لأميركا، لأنهم يدركون أن أميركا والدول الغربية واليهود هم أعداء للمسلمين، وأنهم ما جاءوا إلى منطقة الخليج إلا لفرض سيطرتهم عليها وعلى ثرواتها، كما أنهم يدركون أن العراق بلد مسلم هاجمه كافر فوقفوا بجانبه لأن الإسلام يفرض عليهم ذلك فوقوفهم كان بجانب العراق وأهله، وليس بجانب قيادته السياسية ولا بجانب حكامه البعثيين.

أيها المسلمون:

إن وقوفكم بجانب العراق، وما ظهر عليكم من استعداد للجهاد، وشوق للاستشهاد بعد أن أعلنت أميركا حربها الوحشية الآثمة على العراق لدليل على أثر الإسلام فيكم، ووجود الخير بين أظهركم، ودليل على أنكم أهل للقيام بتغيير هذه الأوضاع غير الطبيعية التي يعيشها المسلمون هذه الأيام، والتي تتحكم فيها طغمة من الحكام الظلمة والفسقة، والحكام الخونة، الذين لا همّ لهم إلا حفظ عروشهم وكراسيهم، ولو كان في ذلك تحطيم شعوبهم وأمّتهم. وهم لا يتورعون عن الاستعانة بكل أعداء الأمة من اليهود والأميركان والإنجليز وغيرهم طالما ظنوا أن في ذلك حفظاً لكراسيهم وعروشهم. وهذا بلاء عظيم، وظلم كبير لا تتخلون فيه أيها عن المسؤولية لسكوتكم على هؤلاء الحكام المجرمين الظلمة. والله سبحانه وتعالى يقول: ]وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[ ولا يمكنكم أن تتخلوا عن المسؤولية ولا أن تتخلصوا من الإثم إلا بمبادرتكم بالعمل لإزالة هؤلاء الحكام المجرمين الفَسَقة الظَّلمَة، الذين يحكمون بغير ما أنزل الله لإزالتهم عن مركز سلطة القرار والحكم ومحاكمتهم إلى خياناتهم وجرائمهم التي ارتكبوها، ومجازاتهم بما يستحقون من عقاب يوجبه الشرع. فيجب أن تنصبّ أعمالكم على هذه الإزالة، وكل عمل منكم يُوجَّه لغير إزالة هؤلاء الحكام المجرمين عن مركز سلطة القرار والحكم يكون عملاً في فراغ، ولا يغيّر من الواقع السيئ شيئاً. فمركز القرار هو قطب الدائرة، وحتى تثمر الأعمال في التغيير فيجب أن توجه لإزالتهم منه.

وهذا جزء مما يجب عليكم القيام به، أما الجزء الآخر فهو العمل لإقامة الخلافة، ونصب خليفة تبايعونه على كتاب الله وسنة رسوله ليحكم فيكم بما أنزل الله، وتكون جميع قراراته حسب أحكام الإسلام، وليوحّد هذه الكيانات الممزقة في دولة واحدة، ويخلّصها من نفوذ الكفار وسيطرتهم تخليصاً نهائياً، وليزيل كيان اليهود من أساسه، وليحمل الإسلام رسالة هدى ونور إلى العالم أجمع حتى تعود دولة الإسلام الدولة الأولى في العالم إن شاء الله¨

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *