العدد 47-48 -

السنة الرابعة – شعبان ورمضان 1411هـ آذار ونيسان 1991م

النظام العالمي الجديد

النظام العالمي الحالي صنعته الدول المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى وضعت صياغة للنظام العالمي في حينها.

بعد الحرب العالمية الثانية تم تشكيل هيئة الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم، وتم تشكيل مجلس الأمن الدولي، وأقيمت المنظمات المتفرعة عن الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية. فأنشئت محكمة عدل دولية وبنك دولي وصندوق نقد دولي، وقانون دولي… الخ. وهذا النظام العالمي لم يكن ليبصر النور لولا أنه يؤمّن مصالح الأقوياء ويضمن لهم سيطرتهم على العالم.

وها قد مرت 45 سنة على ذلك حصلت خلالها تغيرات كبيرة تطلبت أن يرتفع الصوت منادياً بالحاجة إلى نظام عالمي جديد.
ولكن من هو الذي ينادي بصياغة النظام الجديد؟ إنه أميركا، إنه بوش، الذي استغل مشكلة الخليج وحرب الخليج أكبر استغلال للترويج للحاجة إلى نظام عالمي جديد، طبق وجهة النظر الأميركية بحراسة القوة الأميركية. ففي آب 1990 تحدث بوش عن ضرورة التحرك المسلح إلى الخليج للدفاع عن «نمط الحياة الأميركية» وعن «المصالح الأميركية» وقال للمحاربين بأن الأزمة تثبت أنه «لا بديل عن القيادة الأميركية» وقال في خطابه عن «حال الاتحاد» في 29/01/91: «إن آمال الإنسانية تتجه إلينا» وقال: «من بين دول العالم فإن الولايات المتحدة وحدها تملك من المستوى الأخلاقي ومن الإمكانات ما يكفي لخلق نظام عالمي جديد». بينما تقول مارغريت تاتشر لمجلة أميركية، حين كانت في الحكم: «إنني لا أعرف أبداً معنى هذا النظام العالمي الجديد».

أهم المتغيرات العالمية هو هبوط الاتحاد السوفيتي عن مركزه كدولة عظمى تنافس أميركا على مركز الدولة الأولى في العالم وانتهاء الحرب الباردة. وقد نتج عن هذا أمور منها:

1- لم تعد دول أوروبا الغربية تخاف من هجوم روسي أو من حلف وارسو، ولذلك فلم تعد بحاجة إلى الحماية الأميركية. وكذلك اليابان ودول كثيرة أخرى.

2- لم تعد من حاجة إلى حلف الأطلسي بعد أن تفككت الكتلة الشيوعية وتفكك حلف وارسو.

3- عودة الوحدة الألمانية مما جعل من ألمانيا أقوى دولة أوروبية من جديد.

4- تولدت حاجة إلى سن قوانين وبذل أموال لاستيعاب دول الكتلة الاشتراكية المفككة.

5- لم تعد حاجة لتوجيه الإعلام أو الدعاوة الأيديولوجية ضد الماركسية أو الاشتراكية لأنها لم تعد تشكل خطراً على الحضارة الغربية.

6- لم يعد من حاجة لمعاهدات الوفاق الدولي (السري منها أو العلني) بين روسيا وأميركا، ولم تعد أميركا تعامل روسيا معاملة الشريك في اقتسام مناطق النفوذ في العالم.

7- لم تعد من حاجة لمتابعة المفاوضات بين روسيا وأميركا من أجل الحد من الأسلحة على اختلاف أنواعها.

8- وجدت أميركا نفسها قائداً وحيداً للعالم بعد أن كانت روسيا تنافسها.

9- نشطت دول أوروبا من اجل إيجاد أوروبا الجديدة (أوروبا بعد عام 92) المنافسة لأميركا اقتصادياً.

إن ما شجع جورج بوش أكثر وأكثر إلى التطلع إلى نظام عالمي جديد هو نجاح مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي الذي انعقد في باريس في 19/11/90 وضم رؤساء دول حلف الأطلسي وحلف وارسوا وتم فيه التوقيع على معاهدة لخفض الأسلحة التقليدية في أوروبا والاتفاق على إنهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وقد اجتمع رؤساء 34 دولة أوروبية والولايات المتحدة وكندا واستطاعوا وضع أسس للتعاون بين هذه الدول. ويحاول بوش التأكيد على أن الولايات المتحدة لن تسيطر على العالم أو تقوم وحدها بدور الشرطي. ويردد بوش الأهداف التي وردت في البيان الصادر عن مؤتمر التعاون الأوروبي وخصوصاً فيما يتعلق بتحقيق السلام العالمي والتعاون الاقتصادي والتأكيد على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

هذا ما يردده بوش كهدف للنظام العالمي الجديد. أما ما هو الهدف الحقيقي لبوش (أي لأميركا) من النظام العالمي الجديد هو غير الهدف المعلن.

أميركا أصبحت الآن بفضل قوتها العسكرية وبفضل هيمنتها على منظمات الأمم المتحدة وبفضل هيمنتها على وسائل الإعلام واستعمارها لأكثر العالم، أصبحت سيدة العالم بدون منازع، وهي تريد ترسيخ هذه السيادة وتوسيعها وجعلها أبدية. أميركا تريد:

1- أن تكون هي المهيمن على القانون الدولي بحيث تكون المؤسسات الدولية طوع بنانها من أجل إضفاء الشرعية الدولية على أي أمر تريده ونزع الشرعية عن أي أمر لا تريده. في السابق كانت لها سيطرة كبيرة، أما اليوم فهي تريد السيطرة الكاملة. وربما كانت تفكر الآن بنزع حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن من الدول الأربعة الأخرى.

2- أن تكون هي قائد الشرطة العالمي. لا مانع لديها أن تشترك دول أخرى في الشرطة العالمية على أن يكون الثقل التنفيذي لها وأن يكون القرار بيدها، كما حصل في حرب الخليج.

3- أن يدفع لها العالم تكاليف تحملها أعباء شرطي العالم.

4- أن تصبح محكمة العدل الدولية بيدها حقيقة (وإن بقيت من حيث الظاهر دولية) أو أن تصبح هي الحكم مباشرة.

5- أن تصبح المنظمات الدولية المالية بيدها حقيقة (وإن بقيت من حيث الظاهر دولية) كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

6- أن يصبح حكام العالم تابعين لها بحيث تستطيع إسقاط من تشاء وتنصيب من تشاء.

7- أن تضمن الإجهاز الكامل على طموح روسيا وعدم عودتها إلى الحلبة الدولية كمنافسة.

8- أن تضمن الإجهاز على طموح اليابان وألمانيا وبقية الدول الغنية كمنافسين اقتصاديين لأميركا.

أميركا الآن تعمل حساباً لروسيا. ذلك أن المتشددين والعسكريين متذمرون من الحضيض الذي أوصل غورباتشوف روسيا إليه. وربما ينتفضون عليه ويطيحونه ويعودون بروسيا إلى مقارعة أميركا رغم خسارة روسيا كثيراً من أسباب المقارعة. ولذلك فإن أميركا تريد سد هذه الثغرة عن طريق النظام العالمي الجديد.

وتعمل أميركا الآن حساباً للمنافسة الأوروبية الاقتصادية واليابانية. وقد قال أحد المراقبين: «في عالم ما بعد الحرب الباردة أصبح اللاعبون الكبار على مستوى العالم من الناحية الاقتصادية هم الولايات المتحدة واليابان وألمانيا. ومن التعاون بين هؤلاء أو التناقض سيبدأ التاريخ الجديد».

وتعمل أميركا على حصر الأسلحة المتطورة من تقليدية أو ذات الدمار الشامل ضمن نطاق تسيطر عليه هي من حيث أنها قائد الشرطة للعالم.

وتعمل أميركا على الإمساك بمفتاح النفط وحدها (وإن تركت جوانب شكلية لغيرها) وذلك من أجل الإمساك بخناق منافساتها من الدول. ولذلك فستشدد قبضتها على العراق وعلى الخليج.

وتعمل أميركا على بقاء وسائل الإعلام العالمية ضمن هيمنتها.

وتعمل أميركا على ضرب كل من يتمرد على أوامرها وتصوره إنه خارج على العالم وليس على أميركا وحدها، كما فعلت مع العراق.

وتعمل أميركا على عدم بروز أفكار مؤثرة تهدد نفوذها. وخاصة الصحوة الإسلامية وعودة الخلافة الإسلامية. ولذلك فستحاول منع انتشار عقيدة الجهاد عن المسلمين أو عقيدة إقامة الخلافة الإسلامية أو تطبيق الشريعة الإسلامية. والمسلمون الآن يقولون لأميركا: أن النظام العالمي الجديد هو النظام الإسلامي إن شاء الله.

قال تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
وقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) ¨

«ذكرى هدم الخلافة الإسلامية»
3 آذار 1924

نذكر تاريخ هدم الخلافة لنتذكر دائماً فرضية إقامتها من جديد. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».

الدين الإسلامي عقيدة وشريعة. وإذا كان من الممكن للمسلمين أخذ العقيدة بدون الخلافة فليس من الممكن لهم تطبيق الشريعة بدون دولة الخلافة. حتى العقيدة والأحكام الفردية هي بحاجة إلى سلطان الخلافة من أجل حراستها. وسيبقى شمل المسلمين ممزقاً، شريعتُهم في غالبيتها معطلة. وعدوهم متسلطاً عليهم ما داموا بدون دولة الخلافة الراشدة.

لقد ظهرت تباشير عودة الخلافة الراشدة، وإنزاح اليأس من نفوس المسلمين، وأثبتت حرب الخليج أن بمقدور المسلمين أن يقهروا رأس الكفر، أميركا، لو كانت لهم خلافة توحدهم.

الكفار نجحوا في هدم الخلافة في أوائل هذا القرن، وتوهموا أنهم بذلك أطفأوا نور الإسلام إلى الأبد، ولكنه خسئوا. (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

نعم أملنا الكبير الآن أن يكون النظام العالمي الجديد هو النظام الإسلامي بقيادة دولة الخلافة الراشدة تحقيقاً لوعد الله بإظهار هذا الدين على الدين كله ولو كرهت أميركا وحلفاؤها الكافرون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *