العدد 120 -

السنة الحادية عشرة – محرم 1418 – أيار 1997م

كلمة الوعي: تركيا إلى أين؟

يبدو أن تركيا على فوهة بركان. الأمر ليس مجرد سقوط حكومة وتشكيل أخرى، وليس مجرد حل برلمان وإجراء انتخابات جديدة، وليس مجرد استيلاء الجيش على السلطة. بل المتوقع هو أكثر من ذلك.

الجنرال كنعان دنيز، المكلف عمليات الأمن الداخلي في الجيش التركي، قال في مؤتم صحفي في 29/04/97 بأن مواجهة نشاطات الإسلاميين أمر حيوي لبقاء الجمهورية العلمانية. واعتبر «تدمير الأصولية مسألة حياة أو موت». واعتبر أن الأصولية أصبحت «العدو الأول» لتركيا. وأضاف: «إيران تريد دفع تركيا إلى إرهاب إسلامي من النمط الجزائري». والجنرال دنيز يعبر بهذا عن رأي قيادة الجيش وليس عن رأيه فقط.

تركيا يحكمها الجيش حكماً دكتاتورياً، والديمقراطية فيها هي مجرد ستارة، والبرلمان والأحزاب والحكومة هي هذه الستارة التي لا تحل ولا تربط. والجيش يمارس دكتاتورية علناً لأنه حامي الجمهورية وحامي العلمانية بموجب الدستور منذ أيام مصطفى كمال.

هذا الجيش ليس مع أميركا مسايرة، ويلقى أذنه للإنجليز الذين يوهمونه أنهم ينصحونه لمصلحة تركيا، ويحذرونه من ألاعيب أميركا ويكشفون له خططها للسيطرة على الجيش وعلى تركيا. وأميركا لا تهدأ إذا لم تأخذ تركيا.

كادت أميركا تنجح في أخذ تركيا عن طريق الرئيس توركوت أوزال الذي كان يسير معها، والذي استطاع اختراق الجيش. وكانت قد رسمت له أميركا خطة يستطيع بواسطتها إشغال الجيش، تلك الخطة التي تبدو طموحة عن طريق إعادة نفوذ تركيا في البلقان والقفقاس وأسيا الوسطى إلى حدود الصين. ولكنه قبل أن يباشر بالتنفيذ مات، وقيل أنه قتل بمؤامرة. وفشلت مساعي أميركا عن طريقه.

واستطاعت أميركا أن تستميل إليها أربكان رئيس حزب الرفاه. وصارت تسعى لأخذ تركيا عن طريقه. وكانت أميركا قد حرّضت حزب العمال الكردستاني على الثورة من أجل فصل جنوب شرق تركيا وإقامة الدولة الكردية. ومازالت أميركا تدعم ثورة الحزب الكردستاني بقيادة عبد الله أوجلان بشكل سري. والجيش يعرف ذلك ولكنه لا يجرؤ على مكاشفة أميركا بل يتهم سوريا وإيران.

لم يكن الجيش يرغب في وصول أربكان إلى رئاسة الحكومة، ولكن الجيش أخفق في التوفيق بين الأحزاب العلمانية، قلم يبق بُدِّ من ائتلاف حزب أربكان مع حزب يلماظ (الوطن الأم) أو حزب شيلر (الطريق القويم). وبعد جهد تفاهَمَ مع شيلر، وهي من عملاء أميركا مثل أربكان. وبدأ الجيش يحرق أربكان وجَعَلَهُ يلغي جميع شعاراته التي رفعها في حملته الانتخابية: تحرير القدس، تحرير البوسنة والهرسك، تحرير الشيشان، تحرير ناغورني قراباخ، الإتحاد مع العالم الإسلامي ورفْض الإتحاد الأوروبي…الخ. وها قد وصل الأمر مع الجيش إلى إقفال مدارس القرآن وإقفال مكاتب الطرق الصوفية ومنع لبس الإشارب في مراكز المستشفيات، وتوطيد العلاقات مع إسرائيل وعقد الاتفاقات العسكرية معها لتهديد سوريا وإيران.

كل ذلك يحصل وأربكان ساكت ويساير الجيش ويحرق نفسه. هل خنوع أربكان وسكوته أمام الجيش آتٍ من حبه للكرسي فقط؟ لا نظن ذلك. هو يحب الكرسي، ولك صبره بل خنوعه آتٍ من توجيهات أميركا التي يبدو أن خطتها تقتضي ذلك. ونحن نرجّح أن خطتها تقوم على إشعال ثورة إسلامية بقيادة حزب الرفاه بالإضافة إلى تقوية ثورة حزب أوجلان المستمرة من سنة 1984.

أميركا هي التي أشعلت الحرب الأهلية ف الجزائر حين قامت السلطة الجزائرية (المدعومة من فرنسا) بإلغاء الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وأميركا هي التي أشعلت الحرب الأهلية في لبنان على مدى 15 سنة من أجل أخذ لبنان من فرنسا. وأميركا هي التي أشعلت الثورة الدائرة الآن في زائير، وهي تدعم كابيلا ضد موبوتو 0عميل فرنسا). والآن تريد أميركا إشعال حرب أهلية واسعة في تركيا، وهي تتوقع أن لا يستطيع الجيش الصمود فيها طويلاً، لأن خزينة الدولة فارغة, والديون الخارجية والداخلية على الدولة ضخمة، والناس مشاعرهم الإسلامية متأججة وستجرف الجيش وأعوانه.

الجيش يرى ما تخطط أميركا، ويرى أن الدعم لثورة الرفاه (الأصولية، حسب تسميتهم)، ولثورة أوجلان الكردية سيأتي من إيران وسوريا. ولذلك بدأ الجيش يخطط مع إسرائيل (وبنصائح الإنجليز) لمنع الدعم من سوريا وإيران، ولضرب الحركتين: الأصولية والكردية قبل أن يتفاهم أمرهما.

قد قيل إن حزب الرفاه حضّ أتباعه على شراء أسلحة الصيد الموجودة في السوق التركية، وذلك ريثما تدبر لهم أميركا أسلحة على مستوى أقوى.

ويبدو أن هناك تعاوناً بين أربكان وحركة «طالبان» الأفغانية، فقد اجتمع أربكان بمحمد رباني رئيس المجلس الانتقالي في أفغانستان، اجتمع به مرتين في السعودية في موسم الحج هذا. وكان مكتب أربكان اتصل في أواخر شهر آذار الماضي بـ «جمعية علماء الإسلام» الباكستانية التي يتزعمها فضل الرحمن الذي يتمتع بنفوذ كبير على حركة «طالبان»، وطلب منها ترتيب لقاء «عاجل» مع ممثلي هذه الحركة الأفغانية التي باتت تسيطر على ثلاثة أرباع أفغانستان. علماً أن أربكان اجتمع مرتين بفضل الرحمن أثناء زيارته لإسلام أباد في تموز الماضي.

ديميريل، الرئيس التركي، يرى أن الخروج من المأزق يكمن في إجراء انتخابات، فقد صرح في 22/04/97: «مفتاح التسوية للانحرافات الحالية يكمن في إجراء انتخابات مبكرة… إذا لم تحصل انتخابات اشتراعية جديدة فإن الخلافات والتوترات ستستمر» وأضاف: «الحل هو عبر الانتخابات». وقد وجه النصيحة للطرفين قائلاً: «الذين يستغلون الإسلام عليهم ألا يجرؤا أبداً على محاولة تغيير أمس النظام التركي، فيما على الآخرين ألا يصطدموا بمشاعر المسلمين الحقيقيين الذين يمثلون 99 بالمائة من سكان هذا البلد».

أربكان يتحدى بإجراء انتخابات جديدة ويقول بأن التأييد له سيكون أكبر.

الجيش يطلب معونة إسرائيل ومشاورتها، وبالطبع فإن إسرائيل ستقود تركيا إلى الخراب وستحاول ليس تأجيج الحرب الأهلية في الداخل فقط، بل جعلها تمتد لتطال سوريا وإيران.

أين العقلاء المخلصون في تركيا لينقذوها من براثن اليهود والأميركان، والإنجليز، ومن براثن العلمانيين الملحدين وبراثن العملاء الرخيصين؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *