العدد 120 -

السنة الحادية عشرة – محرم 1418 – أيار 1997م

العام الهجري الجديد

العام الهجري الجديد

بعد أيام ندخل في العام الهجري 1418. هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة لم تكن من نوع هجرة المسلمين (في السنة الخامسة من البعثة) من مكة إلى الحبشة. الهجرة إلى الحبشة كانت فراراً من أن يفتنهم المشركون عن دينهم، ولم تكن واجبة على المسلمين، ولم يكن المشركون هم الذين أجبروا المسلمين على الهجرة بل حاولوا إرجاعهم، ولم يهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة.

أما الهجرة إلى المدينة فلم تكن فراراً من الفتنة بل كانت ذهاباً إلى استلام السلطة وإقامة الدولة واستعداداً لتلقي التشريع لإقامة المجتمع على أساس العقيدة الإسلامية. روى أحمد بن حنبل عن ابن عباس: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فأُمِر بالهجرة وأُنزل عليه:(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا)» قال قتادة: (مدخل صدق) المدينة، (مخرج صدق) مكة. وكانت هذه الهجرة فرضاً. صحيح أن المشركين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو يسعى ويفضل أن يستلم السلطة ويقيم الدولة في مكة، ولكنه حين خرج فعل ذلك رغماً عنهم لأنهم كانوا يريدون قتله وليس خروجه وذلك حسب مؤامراتهم في دار الندوة، قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).

الهجرة النبوية إلى المدينة كانت من أهم الأحداث في شأن الرسالة الإسلامية، ولذلك اتفق الصحابة رضوان الله عليهم على جعل ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وكان ذلك خلافة عمر رضي الله عنه سنة ست عشرة من الهجرة. نقل البخاري في صحيحه: «ما عَدّوا من مَبْعث النبي

صلى الله عليه وسلم ولا من وفاته، ما عَدّوا إلا من مَقْدَمه المدينةَ».

ثم قالوا: وأي الشهور نبدأ؟ قالوا: رمضان. ثم قالوا: المحرّم، فهو مَصْرَف الناس مِنْ حَجِّهم، وهو شهر حرام فاجتمعوا على المحرّم. وكان العرف عند العرب أن أول شهور السنة عندهم هو المحرّم.

بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار بيعة العقبة الثانية في أوسط أيام التشريق (موسم الحج) وهي ليلة الثاني عشر من ذي الحجة قبل سنة الهجرة. وأمضى صلى الله عليه وسلم بقية ذي الحجة ومحرم وسفر وفي أوائل ربيع الأول خرج بصحبة أبي بكر رضي الله عنه فاختفيا ثلاثة أيامٍ في غار ثور في جبل في أسفل مكة، وفي ذلك نزل قوله تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).

وانطلقا من غار ثور نحو المدينة المنوّرة، وكان معهما عامر بنُ فُهَيرة مولى أبي بكر لكي يخدمهما، واستأجرا عبد الله بن أُرَيْقط يدلهم على الطريق، وهو رجل من بني الدِّيل وكان مشركاً. وقد وصلوا إلى المدينة في الثاني عشر من ربيع الأول. وبذلك يكون بَدْءُ التاريخ الهجري قبل حوالي شهرين من الهجرة الفعلية.

إن ما يهم الأمة الإسلامية بشكل أساسي ليس الحوادث والتفصيلات التي حدث أثناء الهجرة وقُبَيْلَها وبُعَيْدَها، مع أهمية ذلك، ولكن ما يهمها بالدرجة الأولى هو الغر الذي كانت الهجرة من أجله: وهو أخذ سلطة الحكم وإقامة الدولة الإسلامية، وحمل الدعوة الإسلامية عن طريق الحجة والبرهان، وعن طريق الجهاد لمن يرفض الحجة والبرهان.

المسلمون اليوم يحتفلون برأس السنة الهجرية، وهي مناسبة عظيمة تستأهل الاحتفال. ولكن كيف يكون الاحتفال؟ دولة المسلمين قد دالت وهُدمتْ، وشريعة الإسلام ق عُطِّلتْ، وبلاد المسلمين قد مُزِّقتْ، والأمة الإسلامية قد قُطِّعت واستُعْبدتْ، وراية الإسلام قد أُنزِلتْ، ورايات الكفر رُفِعتْ… فهل بعد كل هذا يكفي أن نحتل بكتابة بعض اليافطات، وإلقاء بعض الكلمات ونرضي باستمرار واقعنا المرير الشِّرير؟

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)□

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *