العدد 17 -

العدد الخامس – السنة الثانية – صفر 1409هـ، الموافق أيلول 1988م

الواقعية عنوان الرفعة

بقلم: هيثم بكر

لا يفتأ أهل السياسة والفكر في بلادنا ينصحوننا بالواقعية، والتكيف مع الأوضاع، وعدم تمنى المعجزات وتوقع العجائب. فالإنسان الناجح هو ذاك الذي يركن للواقع ويتكيف مع الظروف بالشكل الذي يمكنه من تحصيل ما أمكن من المصالح. والإنسان الفاشل هو الذي يعيش في الأوهام، ويتمنى أشياء ليس في مقدوره تحقيقها، وصرّ على المضي وراءها. هذا ما يقوله أهل السياسة والفكر في بلاد المسلمين!

والأمر لا يحتاج إلى كثير نقاش. إذا أردت أن تكون ناجحاً في الحياة فعليك أن لا تتبع طريقاً محدداً، وعليك أن لا تعمل على تحقيق هدف أو غاية، فقط اتبع الواقع، وهو الذي يرسم لك طريقك ويحدد لك غايتك. وإياك أن تتخذ لنفسك أموراً مصيرية، وتقول لا يمكن العيش دونها، ويجب بذل الغالي والرخيص دونها. فقط حقق مصالحك من الواقع.

ولا تقل هذا حق يجب العمل له، وذاك باطل يجب العمل ضده مهما كلف الأمر، فهذه مثاليات ولى زمانها، وجاء زمن الواقعية والاستكانة!

ولا تقم بالمبادرات، بل دعها لغيرك، وعليك بردود الفعل المدروسة!

الواقعية ببساطة أن ندع دول الكفر القادرة تحقق أهدافها وأطماعها، ونركن نحن للواقع الذي تسطره لنا وتفرضه علينا. وإذا ما كنا نؤمن بالإسلام، فما علينا إلا أن نغير قليلاً في الشرع حتى يتكيف مع الواقع، فنحقق رغبتنا في الجمع بين الإسلام والظروف، ونظل مسلمين متقين في ما تسمح به الظروف!

الواقعية أن نترك الحبل على الغارب لمنظمة التحرير والأردن وحكامنا الآخرين يتفاوضون باسمنا ويوقعون صفقة الخيانة مع اليهود!

الواقعية أن نكتفي من الإسلام بما يسمح به حكامنا (عفواً، الواقع) من بضع قوانين لا تغير من واقع الحال شيئاً، إذا أمكن!

الواقعية أن نأتي بأساطيل الكفر وجيوشه إلى قلب بلادنا، ونقدم له التسهيلات والمعونات كي يتمكن من حمايتنا!

والواقعية أن نحتكم إلى منظمات الكفر الدولية والأمم المتحدة، لأن الظرف لا يمكننا من الاحتكام لكتاب الله وسنة رسوله!

والواقعية أن نقعد عن الجهاد، لأن زمن الغزو ولى، وجاء زمن الحدود الدولية المقدسة، والاتفاقيات الدولية المطهرة!

الواقعية أن نسكت عن كافر يحكمنا، بل أن نصفق لأكبر زعمائنا يدعو ليحكمنا كافر في أكبر مهرجان وفي أكبر حشد. فلا نطالب أن يحكمنا مسلم، فضلاً عن أن نحكم بالإسلام، وذلك لكي نجنب لبنان متاهات ومشاكل تؤدي إلى «فراغ» مهول!

الواقعية أن نبقى في أذيال الأمم، هي تحقق الأهداف وترسم الخطط وتقوم بالمبادرات، بينما نحن غارقون في التكيف مع الأوضاع الجديدة!

وبعد ذلك، إذا سمعنا قول الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) وإذا سمعنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يكن أحدكم إمّعة، يقول: إذا أحسن الناس أحسنت وإذا أساءوا أسأت» فعلينا أن نحرف هذه النصوص عن طبيعتها، فلا نتشبث بها. وعلينا الانتظار حتى يأتي الواقع من تلقاء نفسه، من أجل أن نكون واقعيين!

علينا بالواقعية، فهي سر النجاح ومفتاح العزة وعنوان الرفعة!

هيثم بكر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *