العدد 17 -

العدد الخامس – السنة الثانية – صفر 1409هـ، الموافق أيلول 1988م

سؤال وجواب

السؤال:

إن سجون بروكسيل وضواحيها مملوءة بأطفال المسلمين من البنين والبنات، فكيف العمل لحل هذه المشكلة وأمثالها؟

(بن جاني قويدر ـ بلجيكا)

الجواب:

هذا السؤال ورد ضمن رسالة فيها شيء من التفصيل، وهي منشورة في مكان آخر من هذا العدد، (باب بريد الوعي). ونحن نبدأ الإجابة بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا @ إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً@ فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) [النساء: 97 ـ 99].

إن رب الأسرة مسؤول عن نفسه ومسؤول عن أسرته لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6]. فالمسلم الذي يهاجر من البلاد الإسلامية ويذهب ليعيش في بلاد الكفر هو غالباً يجازف بنفسه وبأهله.

لا يحل للمسلم أن يعيش في مكان لا يستطيع فيه أن يؤدي ما فرض الله عليه وأن يجتنب ما حرم الله عليه، سواء كان هذا المكان دار كفر أو دار إسلام.

كان المسلمون في مكة قبل الهجرة مستضعفين، وكان مشركو مكة يؤذونهم ويفتنونهم عن دينهم، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للهجرة إلى الحبشة، مع أن الحبشة كانت دار كفر مثل مكة، ولكنهم في الحبشة كانوا آمنين من أن يفتنوا عن دينهم.

والآية تذكر الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم وهو الذين يقيمون في مكان لا يتمكنون فيه من التزام أحكام دينهم، إما لظلم الحاكم، وإما لطغيان عادات المجتمع، وإما لغير ذلك، وهؤلاء لا ينفعهم الاعتذار بأنهم كانوا مستضعفين، إذ عليهم أن يهاجروا من البلد الذي يوقعهم في المعاصي إلى البلد الذي يعينهم على الطاعات.

أما الذي لا يستطيع الهجرة لسبب قاهرة فإن الله يغفر له شرط أن يكون فعلاً مكرهاً على المعاصي التي يرتكبها، وأن يبقى في حالة بحث وسعي للهجرة.

والمؤسف أننا صرنا نرى المسلمين يهاجرون من البلاد الإسلامية إلى بلاد الكفر وليس العكس دون أن يقيموا أي وزن للمعاصي التي سيجرفهم التيار إليها، والتي سيجرف أهليهم من بعدهم إليها.

رب قائل يقول: إن حالة البلاد الإسلامية لا تختلف عن بلاد الكفر في أوروبا وأميركا وغيرها من حيث انتشار الفساد في العقيدة والسلوك والأخلاق.

ونحن نقول: انه رغم كثرة الفساد في البلاد الإسلامية فإنها تبقى أفضل بكثير من بلاد الكفار.

إن المشكلة التي يتحدث عنها السائل محصورة في المسلمين الذين يعيشون في بروكسيل وضواحيها، وليست محصورة في المسلمين الذين يعيشون في بلاد الكفر، بل هي تشمل المسلمين الذين يعيشون في البلاد الإسلامية، وإن بنسبة أقل.

والعلاج لهذه المشكلة له شقان: أما الأول فهو مسؤولية الأفراد عن أنفسهم وعن أهليهم. والمسلمون الذين يعيشون في بلاد الكفر لا يمكنهم الاعتماد إلا على وقايتهم وجهودهم الفردية. فعلى المسلم في بلجيكا أو غيرها أن يحول العيش في الأحياء التي يكثر فيها المسلمون والملتزمون بالإسلام، وأن يتجنب هو ويجنب أسرته رفاق السوء الذين يجرونه إلى السرقة أو المخدرات أو الخمور أو الزنا. وأن يتجنب ويجنِّب أسرته الأجواء الفكرية التي تشككه في عقيدته أو أحكام دينه وأن يدعو الله دائماً أن يحبب إليه الإيمان ويزينه في قلبه ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان.

وإذا شعر المسلم أنه في جو يجرفه أو يجرف بعض أسرته إلى الفساد فعليه أن يعمل كل جهد لتغيير هذا الجو، ولو كان هذا التغيير سيكلفه النفقات الكثيرة، إذا كان يقدر عليها، فخسارة شيء من حطام الدنيا أفضل من خسارة الآخرة قال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ). [الزمر: 15].

وإن أهمل المسلم هذه الأمور أو قصر في شأن نفسه وشأن أسرته يكون مسؤولاً أمام الله يوم القيامة وتنطبق عليه الآية الكريمة: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ…) الآية وهذا الجانب من مسؤولية الأفراد عن أنفسهم وعن أهليهم يشمل جميع المسلمين أكانوا في البلاد الإسلامية أم في بلاد الكفار.

أما الشق الثاني من العلاج فإنه مسؤولية الأفراد ليس عن أنفسهم وأهليهم فقط بل مسؤوليتهم عن بقية المسلمين وعن سائر الناس وعن البلاد الإسلامية وعن العالم.

فالله سبحانه وتعالى أرسل محمداً عليه وآله الصلاة والسلام إلى الناس كافة: (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) وأمته من بعده مطالبة بالاقتداء به، أي أن تتابع حمل الرسالة إلى العالم، بالحجة وبالسلاح. وهذا يعني أنه لا بد أن تكون البلاد الإسلامية دار إسلام يطبق فيها الإسلام ويشع نور الإسلام منها إلى سائر البلاد.

هذا الشق من العلاج هو فرض من الفروض الكفائية. وبما أن الكفاية غير حاصلة، وبما أن بلاد المسلمين ترزح تحت أنظمة الكفر، وأبناء المسلمين فيها معرضون للإفساد في عقيدتهم وسلوكهم كما هو معرضون في بلاد الكفار، فإن المسألة تصبح وكأنها فرض عين على كل مسلم حتى تحصل الكفاية ويحصل التغيير بالفعل.

وهذا الشق من العلاج واجب على المسلم الذي يعيش في بروكسيل كما هو واجب على المسلم الذي يعيش في استطنبول أو مكة أو غيرها. فالمسلم الذي يعيش في بلاد الكفار يستطيع أن يحمل الدعوة ويعمل لإقامة الدولة الإسلامية كما يستطيع المسلم الذي يعيش في البلاد الإسلامية.

نحن لا ندعوه لإقامة الدولة الإسلامية في بلاد الكفار قبل إقامتها في بلاد المسلمين، ولكن الفكر متواصل والمسلم الذي يوجد القناعات الإسلامية في مكان يستطيع أن يوجدها في مكان آخر، بل إن هذه القناعات تنتشر من تلقاء نفسها بسبب وسائل النشر الكثيرة.

أهل المعروف

عن علي كرم الله وجهه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : «اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم، فإن اللعنة تنزل عليهم. يا عليّ، إن الله تعالى خلق المعروف وخلق له أهلاً، فحببه إليهم وحبب إليهم فعاله، ووجه إليهم طلابه كما وجه الماء في الأرض الجدية لتحيا به ويحيا به أهلها. إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة».

[حديث صحيح أخرجه الحاكم في مستدركه]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *