العدد 375 -

السنة الثانية والثلاثون، ربيع الآخر 1439هـ، كانون الثاني 2018م

خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط: (صفقة القرن: تصفية القضية الفلسطينية)

خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط:

(صفقة القرن: تصفية القضية الفلسطينية)

 

في تقرير شامل لصحيفة “نيويورك تايمز استعرض جوانب مخطط شرع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وفريق مستشاريه على التحرك به لإنهاء الصراع الفلسطيني-(الإسرائيلي) الممتد لعقود. والذي يعتبر من أشد نزاعات العالم استعصاء على الحل، وذكرت أن ترامب قرر دخول التحدي، وتحقيق نجاح حيث فشل رؤساء آخرون، وأن الخطوة عنده جادة. وهو من أجل ذلك، التقى ثلاث مرات بكل من نتنياهو وعباس على حدة، وبسبب تعيين صهره جاريد كوشنر كبيرًا لمستشاريه، وجعله من ضمن الفريق الذي شكله لإنهاء حالة الصراع… ويقول ترامب إنه سيكون “الاتفاق النهائي“. وذكرت “نيويورك تايمز” أن ترامب يعتبر نفسه صانع اتفاقات. ولكن التقرير وصف هذا المسعى بأنه مغامرة، ووصف ترامب وفريق مستشاريه أنهم حديثو العهد نسبيًا بمسار السلام بالشرق الأوسط. ثم إن ترامب وفريقه لا يجدون أدنى حرج في إظهار موالاتهم لـ (إسرائيل)، فالرئيس الأميركي افتخر سابقًا بكونه “الصديق الأكبر” لـها، فيما كوشنر، وغرينبلات، وفريدمان جميعهم من اليهود الأرثوذكس، وتجمعهم علاقات وثيقة معها. أي إن الحل سيكون لمصلحة (إسرائيل) بامتياز.

ولم يفت “نيويورك تايمز” الإشارة إلى أن المطامح بتحقيق السلام متعلقة بشبكة من الملفات الأخرى التي تطغى بالمنطقة، كما تجسد في الأيام الأخيرة من خلال المواجهة المتصاعدة بين المملكة العربية السعودية وإيران. وأضافت أن (إسرائيل) تشاطر السعودية المخاوف نفسها من إيران التي تسعى لإقامة ممر بري يخترق جنوب سورية، ومن حزب الله، والتي يمكنها أن تفشل أي مبادرة مع الجانب الفلسطيني. ومن جانب آخر، ذكرت الصحيفة الأميركية، أن فريق ترامب يرى تضافر عدة عوامل تجعل اللحظة ملائمة لتقديم مبادرة جديدة، بما في ذلك رغبة الدول العربية في التوصل لحل نهائي للنزاع؛ وذلك من أجل التركيز مجددًا على إيران، التي يعتبرونها التهديد الأكبر.

وعن تفاصيل هذه الخطة، نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني تقريرًا عنونه بـــ “خطة ترامب التي لا خطة بعدها… إنذار نهائي للفلسطينيين“. ما قال إنها تفاصيل حصل عليها حصرًا لمضمون خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن عملية التسوية بين الفلسطينيين و(الإسرائيليين.(

وذكرت عربي21 التي ترجمت هذا التقرير:” إن فريقًا أميركيًا يضع “اللمسات الأخيرة” على الخطة التي باتت تعرف باسم “صفقة القرن”. وينقل الموقع عن دبلوماسي غربي تفاصيل الخطة وقال إنها ستشتمل على ما يلي:

أ- إقامة دولة فلسطينية تشتمل أراضيها على قطاع غزة والمناطق “أ” و”ب” وبعض أجزاء من منطقة “ج” في الضفة الغربية.

ب -ستقوم الدول المانحة بتوفير عشرة مليارات دولار لإقامة الدولة التي ستشتمل بنيتها التحتية على مطار وميناء في غزة، ومساكن ومشاريع زراعية ومناطق صناعية ومدن جديدة.

ت- تأجيل وضع مدينة القدس وموضوع عودة اللاجئين إلى مفاوضات لاحقة.

ث- ستشمل المفاوضات النهائية محادثات سلام إقليمية بين إسرائيل والأقطار العربية بقيادة المملكة العربية السعودية.

ويلفت الدبلوماسي الغربي إلى أن جاريد كوشنر، مستشار ترامب الخاص ورئيس فريق عملية السلام، زار السعودية مؤخرًا وأطلع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على الخطة “وطلب من السعوديين المساعدة في إقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقبول الخطة، والتي سوف تقدم بشكل رسمي في مطلع 2018”.

ويقول الدبلوماسي الذي يصفه الموقع بـ”المقرب جدًا من فريق الولايات المتحدة” إن محمد بن سلمان التقى بمحمود عباس في مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني لإطلاعه على المقترح، وطلب منه قبول الخطة، وبأن يكون إيجابيًا في التعامل معها. ويوضح الدبلوماسي أن محمد بن سلمان “متحمس جدًا للخطة، وهو حريص على رؤية صفقة سلام تبرم بين الفلسطينيين والإسرائيليين أولًا، ثم بين إسرائيل والأقطار العربية، كخطوة أولى لتشكيل تحالف بين السعودية وإسرائيل لمواجهة التهديد الإيراني.”

وقال الدبلوماسي إن محمد بن سلمان أخبر كوشنر بأنه “على استعداد لاستثمار كميات كبيرة من المال في الصفقة، وإنه سيقدم للقيادة الفلسطينية الحوافز الضرورية مقابل رد إيجابي”.

في المقابل ينقل الموقع عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إن الرئيس محمود عباس التقى بمحمد بن سلمان أثناء زيارته الأخيرة إلى الرياض، حيث عرض عليه “زيادة الدعم المالي للسلطة الفلسطينية إلى ما يقرب من ثلاثة أضعاف من 7.5 ملايين إلى عشرين مليونًا في الشهر”.

ويشير الموقع نقلًا عن أحد مصادره القول إلى ابن سلمان أخبر عباس أن “التهديد الإيراني للأقطار العربية بالغ الخطورة”،  وأكد له أن السعوديين في حاجة ماسة إلى دعم الولايات المتحدة و(إسرائيل) لمواجهة “الخطر الوجودي” الذي تشكله. كما ينقل الموقع عن مسؤول فلسطيني آخر لم يسمِّه قوله إن عباس “يعتقد بأن الخطة التي صاغها كوشنر ومبعوث الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، جاءت في الأصل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنبامين نتنياهو”، مضيفًا: “هذه خطة نتنياهو، وهو الذي سوقها للفريق الأميركي، وهم الآن يسعون لتسويقها إلى الفلسطينيين والعرب”.

نشر الصحافي الفرنسي كريستوف عياد مقالًا في صحيفة “لوموند” الفرنسية تحت عنوان: “محور أميركي سعودي إسرائيلي غير مسبوق يرتسم في الشرق الأوسط”. كتب فيه أنه بمجرد أن تحوّل تنظيم “داعش” الإرهابي إلى العدم، بدأت الصراعات التي كانت نائمة، أو التي دُفع بها إلى مستوى ثانوي، فترة ذروة وانهيار مشروع التنظيم، تستيقظ في الشرق الأوسط… وذكر أيضًا أن القضاء على تنظيم “داعش” أتاح ظهور الصراع الخفي بين السعودية وإيران، المدرج تحت اسم فضفاض وخادع، هو “الحرب بين السنة والشيعة”. ويرى كريستوف أن هذه النار عادت للاشتعال، تذكيها الولايات المتحدة، من خلال تشكيك الرئيس دونالد ترامب في الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى الست.

وأضاف الصحافي الخبير بالشؤون العربية، وصاحب مؤلفات عن مصر والأردن وسورية ولبنان، بأن “ما يرتسم حاليًا في الشرق الأوسط هو محور غير مسبوق بين السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، توحدها كراهيتها المشتركة للنظام الإيراني، وإرادتها في لجم نفوذها في المنطقة”.

ويضيف أن صهر ترامب، جاريد كوشنر، لم يتوقف منذ شهر يناير/ كانون الثاني عن التنقل بين تل أبيب والرياض وأبوظبي، من دون أن يتسرب شيء من هذه التنقلات، والتي يرى الصحافي الفرنسي أنها “تنفيذ لحلم إسرائيلي قديم، يتمثل في التقريب بين العرب، على الأقل ممالك الخليج، وإسرائيل”.

ويرى أن (إسرائيل)، بسبب عداء المنطقة لها منذ نشوئها، وفي غياب دولة فلسطينية، تجد نفسها مرغمة على العثور على حلفاء أو على قوى “صديقة” على الأقل.

ويرى أن “إسرائيل والسعودية لا يمكنهما أن تقبلا سعيَ إيران الدائم لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، والذي تريد منه إيران تأمين تفوقها الاستراتيجي”.

وذكر كريستوف عياد: “إن هذه الحركة التي كانت خلال فترة طويلة بطيئة وسرية تسارعت مع وصول جيل جديد إلى السلطة في الخليج، لا يجد حرجًا من تابوهات (محرمات) أسلافه”. ويضيف: “إن محمد بن سلمان، الرجل القوي في السعودية، ومحمد بن زايد، الرجل القوي في الإمارات، لا يثقلان نفسيهما بالقضية المقدسة الفلسطينية؛ لأن هوَسَهُما هي إيران، كما هي هوَس إسرائيل، والتي أدركت أنه من السهل تقسيم العرب، حين لا يفعلون ذلك بأنفسهم، كما حدث في الأزمة الحالية مع قطر”.

إن ما رشح عن مشروع “صفقة القرن” هذا، يقوم على عملية تبادل الأراضي حيث يتنازل الفلسطينيون عن مساحة متفق عليها من الضفة وهي الكتل الاستيطانية التي أقامتها (إسرائيل) على أرض (يهودا والسامرة) وجزء من الغور، وبهذا تحتفظ بـ”المدن الاستيطانية” التي وصفها باراك بـ”المساحة الحيوية” وكثير منها “أراضٍ دينية” وفق المفهوم الديني اليهودي، وتتجاوز ما حققته من اختلاس أراضٍ عند بنائها الجدار العازل، وفي مقابل ذلك يأخذ الفلسطينيون نظيرتها من أراضٍ في سيناء بموازاة حدود غزة، وستحصل مصر من (إسرائيل) على مساحة مكافئة من وادي فيران جنوب صحراء النقب.

وسيتم تسويق هذه الصفقة بالدعاية لدى الفلسطينيين باعتبارها حلًا لأزمة غزة التي تكتظ بالسكان، ولا فرصة لإقامة ميناء حقيقي فيها، ولكن بالتوسع على الساحل يمكن ذلك مع تمنيتهم بفرصة وجود حقول غاز، ومطار دولي، وبناء مدينة جديدة لمليون شخص. وفي الوقت نفسه، يمكن بهذا التوسع، حل مشكلة اللاجئين باستقدامهم من لبنان وبعض اللاجئين في سوريا والأردن، هذا عدا عن النمو الاقتصادي غير المسبوق باعتبار غزة الموسعة ستكون مركزًا تجاريًا دوليًا.

أما الخطط التي سترافق صفقة القرن هذه فهي ذات بعدين:

1- اقتصادي: من مظاهره ما تم من تخلي مصر السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ومن ثم إطلاق محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لمشروع مدينة نيوم العملاقة البالغة قيمتها 500 مليار دولار، والذي سيمتد ليشمل الحدود المصرية والأردنية، وليربط 3 قارات ببعضها، على مساحة تصل إلى 26,500 كم2. وأكد خبراء اقتصاديون أن مشروع “نيوم” هو أضخم مشروع استثماري سعودي تطلقه السعودية مشيرين إلى أن (إسرائيل) هى المستفيد الأكبر من هذا المشروع، وهذا المشروع سيكون من ضمن حزمة من المشاريع الاقتصادية التي سيتعلق إقامتها بوجود حالة السلام مع (إسرائيل).

2- سياسي: وهو ما سبق ونقلناه في بداية هذا المقال من أن هناك خوفًا حقيقيًا لدى دول الخليج من

 دور إيران التوسعي في المنطقة وقيامها بمد نفوذها في المنطقة بشكل يجعل حكامها مهددين بالتغيير، وهذا ما ذكرته الـ “نيويورك تايمز”: من أن “إسرائيل تشاطر السعودية المخاوف نفسها من إيران”. وما ذكره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني: من أن محمد بن سلمان “متحمس جدًا للخطة، وهو حريص على رؤية صفقة سلام تبرم بين الفلسطينيين والإسرائيليين أولًا، ثم بين إسرائيل والأقطار العربية، كخطوة أولى لتشكيل تحالف بين السعودية وإسرائيل لمواجهة التهديد الإيراني.” وما ذكرته صحيفة لوموند الفرنسية: من أن “ما يرتسم حاليًا في الشرق الأوسط هو محور غير مسبوق بين السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، توحدها كراهيتها المشتركة للنظام الإيراني، وإرادتها في لجم نفوذها في المنطقة”.

إن  ترامب هذا، تظهر عليه الجدية في إنهاء مختلف الملفات العالقة، وفي حل نهائي لمختلف المشاكل التي تمس المصالح الأميركية في العالم، ظهر ذلك بأخذ القرار الجدي للقضاء على تنظيم الدولة على خلاف ما كان عليه سلفه أوباما، وظهر في التعامل مع الثورة السورية حيث أمر عملاءه في المنطقة (السعودية وتركيا) بالتدخل الجاد، بوصفهما دول داعمة؛ لإنهاء الصراع لمصلحة الأسد؛ فكان مؤتمر الرياض الذي جرَّ رجلي المعارضة السياسية والعسكرية إلى مؤتمرات الخيانة (أستانة وجنيف المتعددَي الأرقام وسوتشي) وسقوط حلب الذي كان أردوغان المسؤول الأول عن سقوطها، وبالتالي قيامه بالتنسيق مع روسيا وإيران، هذا التنسيق الذي يهدف إلى إنهاء الصراع لمصلحة أميركا، وظهر باتخاذ ترامب موقفًا شديدًا من قطر التي تمول بعض الفصائل المسلحة لمصلحة بريطانيا، والضغط عليها لتكفَّ يديها عن ذلك، وهو الآن يريد أن يخوض المخاض الذي خاضه من سبقه من حكام أميركا في حل قضية المسلمين في فلسطين المزمنة والمستعصية ويقول واثقًا إن الاتفاق سيكون “الاتفاق النهائي“. ويعتبر نفسه أنه “صانع اتفاقات”… ويظهر أنه يرافق هذه الجدية خطة لأميركا في المنطقة ككل، وهي رسم سياسة مستقبلية لها فيها تستقر على تقسيم جديد، وحالة صراع ثابتة تجعل المنطقة واقعة في خضم من الصراع الذي سيتولى كبر زعامته تحالفان تسيطر عليهما أميركا: تحالف تقوده الفزَّاعة إيران في مقابل تحالف يضم (إسرائيل) وفيه دول مثل السعودية ودول الخليج وكل من هو ضد إيران. وفي هذا المجال تتسارع وتيرة الأحداث في المنطقة لتصب بهذا الاتجاه، من مثل المصالحة بين عباس وحماس ورعايتها من قبل مصر والسعودية؛ وذلك من أجل أن يحقق ترامب هدفه في السلام.

يتبين مما ذكر عدة أمور:

  • يلاحظ أن السعودية بقيادتها الجديدة تريد السير مع الغرب بشكل علني، وتريد المجاهرة بالسير باتجاه

تعميم المفاهيم الغربية، وهو ما تسميه “الانفتاح” في مقابل “الانغلاق” الذي كانت ترعاه وتمده عبر ما يسمونه بالوهابية. وهي تضع العلماء في السعودية الآن أمام خيار واحد، وهو السير معها وإلا السجن والملاحقة ستكون جزاء من يرفض، وقد أعطتهم نموذجًا مباشرًا بسجن الشيخ سلمان العودة وآخرين غيره.

  • يلاحظ أن خطة “صفقة القرن” أعطت للسعودية دورًا قياديًا حيث ذكرت “ميدل إيست آي” أنها “ستشمل المفاوضات النهائية محادثات سلام إقليمية بين إسرائيل والأقطار العربية بقيادة المملكة العربية السعودية”. فهي ستترأس الدول العربية لإنهاء الصراع مع يهود، وستترأس تحالفاً ضد إيران. وهذا واضح فيه أن أميركا تريد إدخال المنطقة في حالة من صراع مديد بين إيران ومن سيمشي معها تحت اسم “دول المقاومة والممانعة” أو أي اسم آخر جديد يناسب حالة الصراع الجديدة، وبين الدول العربية وعلى رأسها السعودية، ومعها (إسرائيل).

  • ويلاحظ أن أميركا تريد إيجاد أرضية صراع بين تحالفين عدوين لبعضهما، عميلين لها؛ وبهذا تستطيع أن تدير الصراع بشكل يبقي المنطقة ضعيفة، وبشكل يجعل مشروع الأمة بإقامة الخلافة بعيد المنال نتيجة هذا الاقتتال المميت والمدمر والمستمر، والذي يعتبر بالدرجة الأولى أنه صراع داخلي. وهو أشد أنواع الصراع. فضلًا عن أنها بهذا تبقي المنطقة تحت سيطرتها.

  • إن آل سعود يبدون ما كانوا يخفونه طوال عقود كثيرة. فهم كانو منذ بداياتهم عملاء لبريطانيا، استخدمتهم، من بين من استخدمتهم، كمعولٍ لهدم الخلافة الإسلامية. وهم مع سلمان وابنه، وقد انتقلوا في عمالتهم إلى أميركا، يريدون أن يكونوا حائلًا دون عودة الخلافة، والتي أصبحت مطلب الأمة، من جديد. وكما كان موقفهم مع بريطانيا من قبل من أجل أن يتربعوا على كرسي الحكم، فهم الآن مع أميركا لنفس الهدف، وهم بالفعل يتصدرون الدول المحاربة للإسلام تحت ذريعة (محاربة الإرهاب).

  • إن علماء السعودية يجب أن يصحوا من غفلتهم، فإنهم كانوا يخدمون حكامًا أعداء للدين، ويثبتون بفتاواهم أركان حكمهم، ويجعلون المسلمين في السعودية ينظرون إلى حكامهم أنهم أولياء أمور شرعيين بينما هم ليسوا من ذلك في شيء. وهذه الأحداث والتحولات إن كان فيها خير فهو هذا الانفضاح لهذه الأسرة الحاكمة، والذي عسى أن تقوَّم به الأوضاع الشاذة هناك… وما على العلماء الذين خدعوا تلك السنين الطويلة إلا أن يعوضوا عن غفلتهم بمزيد إصرار على التغيير، وبحسب طريقة الرسول ﷺ، ومن أولى منهم بذلك؟!.

  • إن حكام العرب، ومنهم عباس، هم على اطلاع على الخطة، والمشكلة عند أميركا، وعند اليهود ليست في الحكام، وإنما في الشعوب. وهذا ما صرح به نتنياهو رئيس وزراء (إسرائيل) في 22/11/2017م في كلمة ألقاها في البرلمان (الإسرائيلي) “الكنيست”، بمناسبة الذكرى الأربعين لزيارة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، لـ(إسرائيل): “إن العقبة الكبرى أمام توسيع السلام لا تعود إلى قادة الدول حولنا، وإنما إلى الرأي العام السائد في الشارع العربي والذي تعرض خلال سنوات طويلة لغسل دماغ تمثل بعرض صورة خاطئة ومنحازة عن دولة إسرائيل”.

  • يبدو أن الأمر مستعجل لدى أميركا؛ لأن ذلك يتعلق بخطتها للمنطقة ككل، ومن ضمنها الصراع مع إيران، ولا يحتمل التأخير. وهو بدأ تنفيذه بإعلان ترامب القدس عاصمة لـ (إسرائيل). والحكام يعلمون مسبقًا كيف ستكون ردة فعل الشارع العربي عمومًا والفلسطيني خصوصًا، وإن المطلوب من هؤلاء الحكام: أولًا امتصاص غضبة الشارع الإسلامي، ثم بعد ذلك يتم التعامل مع الخطة كأمر واقع… من هنا يجب النظر إلى خطابات الحكام وتصريحاتهم من هذا الباب، وليست هي مواقف صادقة تعبر عن حقيقة مواقفهم.

إن قضية فلسطين هي قضية المسلمين جميعهم، وهي عندهم قضية إسلامية بامتياز، وهي أكبر من قدرة أميركا على حلها، ولن يحلها إلا الإسلام، وأن حلها يكون بالقضاء على (إسرائيل) كدولة قائمة على الاغتصاب… هذا ما أخبرنا به رسولنا الكريم بقوله “تقاتلكم يهود فتقتلونهم…” وإن ما يحدث في المنطقة من تحول في مواقف الدول بأوامر أميركية لن يحقق شيئًا سوى فضح مواقف الدول، وخاصة السعودية التي كانت تدعي أنها دولة إسلامية، ويتولى العلماء الرسميون كبر الدعاية لهذا، والتي تدعي الحرص على القضية الفلسطينية،. ولا تستثنى من ذلك إيران التي تتيح لها أميركا أن تأخذ دور الفزَّاعة بهدف جعل حكام الدول الأخرى الخائفة منها، وخاصة حكلم الخليج، ترتمي في أحضانها.

إن أبرز ما يلفت النظر في هذه الخطة هو الدور السعودي الذي استدار 180 درجة، وكسر كل ما كان يعتبره من المحرمات، والسير في طريقٍ ما تجرَّأ النظام السعودي من قبل على السير فيه بمثل هذا الانفضاح، والتسرع الملحوظ… فهو يريد أن يتحالف مع (إسرائيل) أعدى أعداء الأمة الإسلامية على مختلف العصور، ويريد أن ينقل السعودية إلى الحداثة الغربية المتهتكة والمناوئة للإسلام، ويهدد العلماء الذين طالما كانوا ردءًا له، ويزج ببعضهم في السجون، ويأمرهم بتغيير طريقتهم في فهم الدين، وأن عليهم مباركة أي خطوة سيقوم بها، إن لجهة الإفتاء بجواز الصلح مع يهود، والاستدلال بصلح الحديبية… أو لجهة معاداة (الشيعة) ووصفهم بالفرس والمجوس، وأنهم أعدى أعداء الدين؛ حتى أخذه الحال بكسر تقاليد العائلة المالكة في التوريث، وهو في كل هذا يسير بخطوات مليئة بالتحدي لا يتوقع أن تصل إل شاطئ هادئ، بل لن تصل إلا إلى إيجاد بلبلة وفوضى في السعودية، وفي المنطقة، ونسأل الله أن يجعل في هذا خيرًا، وأن يرتد مكرهم عليهم.

إن الدور الذي تقوم به كل من السعودية وإيران من الانخراط في تحالفين متصارعين، يوهن المسلمين، ويجعل للكافرين عليهم سبيلًا، وهي خطة تريد منها أميركا أن تجعل بأس المسلمين بينهم. وهذا من شأنه أن يسقط كل من يسير مع الشيطان الأكبر أميركا.

والآن السؤال هو: هل ستننجح هذه الخطة؟ فإننا نقول: إن خطة زرع (إسرائيل) نفسها لم تنجح، ولن تنجح؛

فإن أهل فلسطين هم أهل الأرض المباركة، وهم الذين يُعلمون غيرهم من المسلمين كيف تكون المقاومة، وهم لو كانوا على غير ذلك لضاعت فلسطين منذ زمن. ولكنها كانت عصية على كل محاولات أميركا والغرب، وبقيت هذه القضية هي الأهم من بين قضايا المسلمين، ولم يخفت ضوءُها، بل على العكس… وكم هو ساذج، وترامب أولهم، من يريد أن يختصر حل هذه القضية بتبادل الأراضي، أو أن يمر إعلان القدس ببعض المظاهرات.

أيها المسلمون: إن فلسطين لن يحررها إلا الإسلام، إلا الخلافة الراشدة والتي تشير كثير من الدلائل على قرب إقامتها بتوفيق الله، وحتى عند دول الغرب المعادية للإسلام، وللخلافة تحديدًا، أنه قد آن أوانها؛ فهي وعد صادق من الرسول المصدوق، وهي أصبحت مطلب الأمة جمعاء، ومهما خطط ومكر ترامب وأمثاله، فإن قول الله تعالى هو الغالب: ﴿وَمَا كَيۡدُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ ٢٥﴾.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *