العدد 371 -

السنة الثانية والثلاثون، ذو الحجة 1438هـ،، الموافق آب/أيلول 2017م

رياض الجنة: طاعة الأمراء

رياض الجنة

طاعة الأمراء

 

– أخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي على سرية ومعه في السرية عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: فخرجوا حتى أتوا قريبًا من القوم الذين يريدون أن يصبِّحوهم، نزلوا في بعض الليل. وجاء القومَ النذيرُ فهربوا حيث بلغوا، فأقام رجل منهم كان قد أسلم هو وأهل بيته، فأمر أهله فتحمَّلوا، وقال: قفوا حتى آتيكم، ثم جاء حتى دخل على عمَّار رضي الله عنه، فقال:يا أبا اليقظان، قد أسلمت وأهل بيتي، فهل ذلك نافعي، إن أنا أقمت؟ فإن قومي قد هربوا حيث سمعوا بكم. قال: فقال له عمَّار: فأقم فأنت آمن. فانصرف الرجل هو وأهله. قال: فصيَّح خالد القوم فوجدهم قد ذهبوا، فأخذ الرجل وأهله. فقال له عمَّار: إنه لا سبيل لك على الرجل قد أسلم. قال: وما أنت وذاك؟ أتجير عليَّ وأنا الأمير؟ قال: نعم، أجير عليك وأنت الأمير، إن الرجل قد آمن، ولو شاء لذهب كما ذهب أصحابه، فأمرته بالبقاء لإسلامه. فتنازعا في ذلك حتى تشاتما، فلما قدما المدينة، اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر عمَّار الرجل وما صنع؛ فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان عمَّار، ونهى يومئذ أن يجير أحد على الأمير، فتشاتما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال خالد: يا رسول الله، أيشتمني هذا العبد عندك؟ أما والله لولاك ما شتمني. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: “كفَّ يا خالد عن عمَّار، فإن من يبغض عمَّارًا يبغضه الله عزَّ وجلَّ، ومن يلعن عمَّارًا يلعنه الله عزَّ وجلَّ” ثم قام عمَّار واتبعه خالدبن الوليد، فلم يزل يترضاه حتى رضي عنه. ونزلت هذه الآية: ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ ) أمراء السرايا ( فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ ) فيكون الله ورسوله هو الذي يحكم فيه ( إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا ) يقول خير عاقبة.

– أخرج الطبراني عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعثًا، فلما رجعت قال لي:” كيف تجد نفسك؟” قلت ما زلت ختى ظننت أن معي حولًا لي (وفي الحلية: ما ظننت إلا أن الناس كلهم حول لي، أي خدم)، وايم الله، لا ألي على رجلين بعدها أبدًا. وعند الطبراني أيضًا عن رجل قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا على سرية، فلما مضى ورجع إليه، قال له: «كيف وجدت الإمارة؟» قال كنت كبعض القوم، إذا ركبت ركبوا، وإذا نزلت نزلوا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن السلطان على باب عَتَب (أمر فيه شدة)، إلا من عصم الله عزَّ وجلَّ». فقال الرجل: واللهِ لا أعمل لك، ولا لغيرك أبدًا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه.

– وأخرج أحمد عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: « خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة من المسلمين في غزوة مؤتة، ورافقني مددي من اليمن (من أمداد حِمْيَر، من الذين جاؤوا يمدون جيش مؤتة) ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزورًا، فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه، فاتخذه كهيئة الدرق، ومضينا فلقينا جموع الروم، وفيهم رجل على فرس له أشقر، عليه سرج مذهَّب وسلاح مذهَّب، فجعل الرومي يغري بالمسلمين، وقعد له المددي خلف صخرة، فمرَّ به الرومي، فعرقب فرسه فخرَّ، وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه. فلما فتح الله للمسلمين، بعث إليه خالد بن الوليد، فأخذ منه السلب. قال عوف: فأتيته فقلت: يا خالد، أما علمت أن صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى، ولكني استكثرته. قال لتردنَّه إليه أو لأعرفنَّكها عند رسول الله (أي لأجعلنَّك عارفًا بجزائها دونك، وهي كلمة تقال عند التهديد) وأبى أن يرد عليه. قال عوف: فاجتمعا عند صلى الله عليه وسلم، وقصصت عليه قصة المددي وما فعله خالد. فقال صلى الله عليه وسلم: يا خالد، ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، استكثرته. فقال صلى الله عليه وسلم: يا خالد، رد عليه ما أخذت منه». قال عوف: دونك يا خالد، ألم أفِ لك؟ (أي ألم أفِ بتهديدي لك) فقال صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ فأخبرته، فغضب رسول الله وقال: “يا خالد، لا تردَّه عليه، هل أنتم تاركو إليَّ أمرائي. لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره”.

قال النووي: “معناه أن الرعية يأخذون صفو الأمور فتصلهم أعطياتهم بغير نكد، وتبتلى الولاة بمقاساة الناس وجمع الأموال على وجوهها وصرفها في وجوهها، وحفظ الرعية والشفقة عليهم والذب عنهم وإنصاف بعضهم من بعض، ثم متى وقع علقة أو عتب في بعض ذلك توجه على الأمراء دون الناس”انتهى
وفي الحديث دليل على أن للإمام أن يعطي السلب غير القاتل لأمر يعرض فيه مصلحة من تأديب أو غيره. وفيه أن الفرس والسلاح من السلب”. قال المنذري: وأخرجه مسلم.     

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *