الأمة الإسلامية تتقدم وتنهض في شأن الوعي على الإسلام وتتأخر وتنحط في شأن الصراع مع دولة اليهود!
1993/05/09م
المقالات, كلمات الأعداد
1,914 زيارة
إنها مفارقة تحمل التناقض. إننا نرى الأمة الإسلامية تسير إلى أعلى في مجال، بينما تسير إلى هبوط وذل في مجال آخر.
الصحوة الإسلامية تدب في الأمة، وهي تتخلص من أوحال الأفكار الغربية شيئاً فشيئاً.
الاشتراكية سقطت. سقطت كدولة وسقطت كفكرة. سقطت في عقر دارها، والأمر الطبيعي أن يكتمل سقوطها في كل مكان. ولم يعد من تأثير لهذه اللوثة على الأمة الإسلامية.
ولم تعد الأمة الإسلامية مبهورة بالحضارة الغربية، أي حضارة المبدأ الرأسمالي (حضارة العلمانية أو فصل الدين عن شؤون الحياة).
قبل قرن من الزمن وحتى فترة قصيرة كان المسلمون مفتونين بحضارة الغرب. حتى من يُسموْن بالعلماء أمثال محمد عبده وجمال الدين الأفغاني جرفهم تيار الحضارة الغربية والماسونية.
أما الآن فقد ظهر للمسلمين فساد الحضارة الغربية، فهي حضارة الخمور والمخدرات والجنس. إنها حضارة الشذوذ الجنسي وأمراض الإيدز. إنها الحضارة التي تفضل الكلب على الإنسان. إنها حضارة الأنانية واستعمار القوي للضعيف. إنها خالية من الأخلاق أو الإنسانية. إنها الخداع والميكيافيلية والمكاييل المختلفة.
وقد صارت الأمة على قناعة أنه لا يصلحها اليوم إلا ما أصلحها بالأمس: الإسلام. وحين سُمِحَ للأمة أن تعبر عن قناعتها في انتخابات الجزائر رأيناها خلعت كل الأفكار والأنظمة واختارت إسلامها. وفوجئ الحكام العملاءُ صنائعُ الغرب، وداسوا ديمقراطيتهم وقوانينهم وانتخاباتهم. وقد سبق حكام الجزائر حكامُ مصر وتونس وليبيا وغالبية البلاد الإسلامية، سبقوهم إلى منع العمل السياسي على أساس الإسلام. سمحوا للشيوعي والعلماني والقومي والبعثي والاشتراكي والديمقراطي والوطني و… بإقامة أحزاب سياسية ولم يسمحوا بتشكيل حزب لمن يعمل على أساس الإسلام. مع أن الساحة إسلامية والبلاد إسلامية والعقيدة إسلامية والناس مسلمون! وصدق الشاعر حين قال:
حرامٌ على بَلابِلِهِ الدوحُ حَلالٌ على الطيرِ من كلّ جِنْسِ
وهذا الكبت والاستفزاز من الحكام للأمة لم ينقذهم، لأن كبتهم وضغطهم يولد الانفجارات في الأمة. وما تشهده مصر والجزائر وتونس وغيرها إن هو إلا مقدمة لما ستشهده سائر البلاد الإسلامية التي تتعامل مع المسلمين بالمنع والقمع والقتل والتعذيب.
في هذا المجال: مجال العودة إلى الإسلام واليبرؤ مما سواه من عقائد وشرائع ونُظُم والمسلمون في تقدم ونهوض يبشر بالخير.
أما في مجال الصراع مع دولة اليهود (إسرائيل) فإن الأمة في تراجع وهبوط، ومن نسيء إلى أسوأ. في البداية (قبل الحرب العالمية الأولى) لم يكن عدد اليهود في فلسطين يزيد عن 50 ألفاً، ولم يكونوا يملكون أكثر من 7% من أرض فلسطين. وسنة 1917 كان وعد بلفور بعد اتفاقية سايكس ـ بيكو (سنة 1916). وسنة 1947 رفض العرب تقسيم فلسطين. سنة 1967 بدل أن تُحرَر فلسطين من اليهود اغتصب اليهود ما تبقى من فلسطين مع سيناء والجولان. وأطلق العرب في مؤتمرات القمة: [لا مفاوضات. لا صلح. لا اعتراف. ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. سنحررها شبراً شبراً]. وقد وضع المجلس الوطني الفلسطيني ميثاقاً يتعهد فيه بالكفاح المسلح وبتحرير فلسطين من النهر إلى البحر. وثورة حتى النصر والتحرير. سنة 1978 صالح أنور السادات إسرائيل واعترف بها فاجتمع مؤتمر القمة العربي في بغداد، واعتبر عمل السادات خيانة وقرر نقْلَ مقر الجامعة العربية من مصر وطرْدَ مصر من الجامعة وقطْعَ العلاقات معها. سنة 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان واحتلت بيروت، واستغاث المسلمون في لبنان طيلة ثمانين يوماً، ولكن الحكام والجيوش والشعوب في البلاد العربية والإسلامية أصابها الصمم. وحصلت مجزرة صبرا وشاتيلا بأيدي الكتائب وبرعاية اليهود. إنها أحداث تهزّ الحجارة، ولكن مشاعر الأمة ظلت متبلدة. سنة 1987 حصلت الانتفاضة. وانتهزت المنظمة وجود الانتفاضة لتمرير اعترافها بدولة إسرائيل سنة 1988، وكان هذا الاعتراف مقابل لا شيء. سنة 1991 حصل مؤتمر مدريد للمفاوضات بين دول (الطوق) ودولة اليهود وحصلت المفاوضات الجماعية من أجل رفع المقاطعة عن دولة اليهود وإعطائهم من المياه، ودمجهم في التنمية ومشاكل السكان والبيئة. سنة 93 تم خطف يهودي وقتله، فقامت دولة اليهود بإبعاد ما يزيد عن 400 من أهل فلسطين ونسفت عدة بيوت وقتلت وجرحت مئات، والآن كل يوم اليهود يقتلون ويجرحون ويعتقلون ويحاصرون السكان، وتجتمع الوفود العربية مع اليهود ويتصافحون ويضحكون وكأن شيئاً لم يكن. يهودي واحد قُتل فأقام اليهود الدنيا وأقعدوها. وحين احتلوا لبنان سنة 1982 كانت حجتهم أن هذا رد على محاولة اغتيال إسرائيلي واحد في إنجلترا. اليهود يعملون قيمة لأولادهم أما حكام المسلمين العرب فشعبهم في نظرهم رخيص. كل هذا يحصل والشعوب ساكتة (نقصد المسلمين من فلسطينيين وعرب وغيرهم).
فهل أصبحت الشعوب خائنة؟ لا نستطيع أن نتهم شعباً بخيانة نفسه وقضاياه. الشعوب تم تضليلها وتيئيسها. وإذا يئس المرء من أمرٍ فإنه سيهمل هذا الأمر ويتنازل عنه ويبيعه بأبخس الأثمان.
إذاً فإن اصل الداء وجرثومة المرض الموجودة عند الأمة تجاه دولة اليهود الغاصبة هي (هذا اليأس، وهذا الشعور بالعجز). كل فئات الشعب تقول في نفسها بأننا عاجزون عن محاربة اليهود، ليس بسبب قوة اليهود بذاتهم بل بسبب وقوف العالم (وخاصة أميركا) إلى جانبهم.
فهل هذا الشعور بالعجز وهذا اليأس هو أمر حقيقي وله ما يبرره، أو هو ناتج عن تضليل وتضخيم وإيهام مقصود ومبرمج؟ إنه ناتج عن تضليل وليس له ما يبرره حقيقة. الأمر كبير وصعب، ولكن شتان بين من يرى الصعوبات ويندفع لتذليلها بعزيمة المؤمنين وبين اليأس المستسلم المنهزم.
حكام الأمة الإسلامية قسم منهم متآمر مع أعداء الأمة وضالع في عملية التضليل والتيئيس، وقسم آخر صار ضحية لهذه العملية، أي أصبح ضالاً ويائساً مِثلَ بقية الأمة.
والمصيبة أن هذا المضلَّل اليائس لا يعترف أنه ضال بل يعتبر نفسه أنه هو الذي يفهم الواقع ويفهم السياسة ويتهم الرأي الآخر بالوهم وقلة الفهم.
ومهما يكن من أمر فهذا هو واقعنا المر، وهذا هو حال أمتنا، ولا نستطيع أن نترك أولادنا وأمتنا لنبحث عن أمة أخرى ننتمي إليها. أمتنا هذه أرادها الله خير أمة للناس، كانت كذلك مذ حملت رسالة الإسلام، وستعود لتتبوأ مركزها هذا عمّا قريب إن شاء الله. وقد تكبو الأمة الكريمة في بعض فترات تاريخها فلكل جوادٍ كبوة ولكل صارم نبوة، كما يقول المثل.
ولعلنا في كلمة قادمة إن شاء الله نشرح كيف نستطيع إزالة دولة اليهود من فلسطين، وكيف نقضي على الشعور بالعجز واليأس الذي زرعوه في نفوس أمتنا. قال الله تعالى: (إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ).
1993-05-09