العدد 91 -

السنة الثامنة جمادى الاخرة 1415هـ, تشرين الثاني 1994م

كلمة «الوعي» هل تراجع الملك حسين عن فك ارتباط الضفة به؟

 في 15/11/94 ألقى الملك حسين خطاباً جاء فيه:

أ- أنه يعتبر أن قرار الأردن سنة 1988 بفك الارتباط القانوني والإداري بالضفة الغربية قد فُرِضَ عليه في حينها فرضاً.

ب- وأنه ينتقد الزعماء العرب الذين فرضوا عليه في قمة الرباط سنة 1974 أن يتخلى عن التحدث باسم الضفة والقطاع، وجعلوا (منظمة التحرير) الممثل الشرعي والوحيد لفلسطين بأرضها وشعبها.

ج- تشديده على أن الوحدة التي قامت بين ضفتي الأردن سنة 1950 هي من أنقى أنواع الوحدة، وقد حازت كل مواصفات الشرعية.

د- تركيزه على عودة الحقوق إلى أصحابها الشرعيين وفق قرارات الشرعية الدولية. (علماً أن قرار 242 الذي صدر سنة 1967 إذ طبق بحرفيته يعيد الضفة إلى الأردن الذي كان يحكم الضفة، وليس إلى المنظمة).

هذه المؤشرات الواردة في هذا الخطاب تدل على أن الأردن يعيد النظر الآن في مواقفه التي جعلته يتخلى عن الضفة ويفك ارتباطها به، ونضيف إلى ذلك مؤشرات أخرى:

1- نصّت اتفاقية الصلح بين الأردن وإسرائيل على أن الأردن هو المشرف على أماكن العبادة الإسلامية في القدس وفلسطين. ولمّا احتج عرفات على ذلك أوجد الملك حسين مخرجاً بقوله: حين تكمل سيادتكم النهائية على فلسطين والقدس نسلّمكم الإشراف على المقدسات. (الملك يعلم أن إسرائيل لن تعطي سلطة الحكم الذاتي أية سيادة في القدس أو فلسطين).

2- أهل الضفة ينقلون أخباراً بأن أبا عبد الله (الملك حسين) بدأ العمل لكسب ولاء أهل الضفة، فهو يرسل الأموال بملايين الدولارات، ويجند رجاله في الضفة ليعيدوا ربط الناس به وليس بالمنظمة.

3- عرفات اتهم الأردن بأنه يساند (حماس – كتائب عز الدين القسام) بالمال والسلاح من أجل تقويض سلطة الحكم الذاتي. وقد قال مسؤول أردني بعد مجزرة غزة: أن تفاقم التصعيد بين حماس والسلطة الفلسطينية سيهز الأرض من تحت اتفاق أوسلو. وردَّ الكباريتي (رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني) على عرفات بأن الرد، لن يسمح له أو يتهاون إزاء محاولاته تصدير مشاكله إلى الأردن.

4- في الوقت الذي يميل فيه مفاوضو حماس في غزة مع سلطة عرفات إلى التفاهم وتسوية الأمور يلاحظ أن تيار حماس الموجود في الخارج يصرّ على تحميل عرفات المسؤولية عن المجازر ويصّر على تنحيه عن السلطة. فقد قال إبراهيم غوشة الناطق الرسمي باسم حماس في 19/11/94 بأن ياسر عرفات قام «ببرمجة مجزرة غزة والتخطيط لها» وقال بأن على عرفات الخروج من قطاع غزة وإجراء انتخابات مباشرة لاختيار قيادة مدنية للشعب الفلسطيني، وأكد «أن الناس لن تسمح بتمرير ما حصل مرور الكرام».

5- حسني مبارك شعر بالخطر الذي يهدد «اتفاق أوسلو» (الذي يبدو أن الملك حسين يسعى لإفشاله من أجل إبقاء الضفة معه) فقام يدق ناقوس الخطر. فحذّر أميركا وحذّر أوروبا بأن فشل السلام في فلسطين سيوجد أفغان جديدة يتجمع فيها المقاتلون ويمتد الحريق منها إلى خارج الشرق الأوسط إلى أوروبا.

6- «مركز ويزنتال» اليهودي الأميركي أصدر تقرير 23/11/94 يحذر فيه إسرائيل من التفريط بعرفات، ويحض إسرائيل وأميركا على دعمه الكامل. جاء في التقرير أن ياسر عرفات يجسد «أفضل فرصة لنجاح عملية السلام في الشرق الأوسط ويجب أن تقدم له إسرائيل والولايات المتحدة المساندة الكاملة».

7- إسرائيل من البداية غير جادة في إنجاح اتفاق أوسلو. وهي لا تريد أن يتحول الحكم الذاتي إلى دولة مستقلة. وقد حصلت من عرفات ومنظمته على الاعتراف الذي اعتبره العالم اعتراف الشعب الفلسطيني بدولة إسرائيل. والآن بعد إنجاز الصلح بين إسرائيل والأردن فإن إسرائيل ترتاح للتعامل مع الملك حسين أكثر من الفلسطينيين. خاصة أن حسين سلّم الأردن كله للحماية الإسرائيلية.

من هذا نخرج بفهم أن الأردن جادٌ الآن في إفشال السلطة الفلسطينية. ونفهم أن هناك اتفاقاً وتنسيقاً بين الأردن وإسرائيل على ذلك. والأردن الآن يستفيد كثيراً من الدعم الذي يأتي من إيران، ومن الإعلام الذي يأتي من سوريا ومن أماكن أخرى لحركة «حماس» وحركة «الجهاد» في فلسطين. وعرفات يعرف الآن دور الأردن وعمله لا فشال السلطة الفلسطينية، واتهم الأردن صراحة بذلك.

المعروف أن أميركا هي مهندسة «الحكم الذاتي» فهل تسمح للأردن وإسرائيل بخلط الأوراق والخروج بصيغة جديدة غير الصيغة الأميركية؟ والجواب هو أن أميركا لا تسمح إذا استطاعت. والملاحظ أن أميركا تمرّ الآن في مرحلة ضعف سياسي. وها هي تجرجر نفسها في البوسنة من فشل إلى فشل. أميركا عملت كل جهدها لترئيس رابين على حزب العمل، ثم عملت كل جهدها لإنجاح حزب العمل في الانتخابات، ذلك لأن رابين من أقرب الساسة الإسرائيليين لأميركا. ومع ذلك فإن رابين يقدم مصلحة إسرائيل على مصلحة أميركا. وكذلك بقية الساسة الإسرائيليين، سواء من كان منهم من أصدقاء أميركا أو أصدقاء الإنجليز، فإنهم يقدمون مصلحة إسرائيل على مصالح أصدقائهم. (ونحن نجد أن ساسة أميركا اليهود وكثيراً من ساستها غير اليهود يقدمون مصلحة إسرائيل على مصلحة بلدهم أميركا).

والآن يبدو أن حكام إسرائيل كلهم يفضلون أن يكون الحكم الذاتي بقيادة الأردن، وليس بقيادة فلسطينية مناوئة للأردن. والمعروف أن أميركا عملت (ونرجح أنها ما زالت تضمر العمل) على إلغاء العرش الأردني، وإقامة جمهورية بصيغة جديدة. وهذا لا يستسيغه ساسة إسرائيل.

الفشل الذي لحق بكلينتون في الانتخابات الأخيرة شجع حكام إسرائيل وشجع الأردن على تحدّي الصيغة الأميركية. والأرجح أن دولاً أوروبية على رأسها الإنجليز تشجع الآن إسرائيل والأردن على المضي في خلط الأوراق التي رتبتها أميركا للمنطقة. وفي هذه الحال تصبح أميركا عاجزة عن المحافظة على ما رتبته. وإذا صح التحليل الآنف الذكر فنحن نتوقع لأحداث غزة أن تستمر وتتعقّد وربما تتفاقم. ويكون المستفيد منها المخطط الإسرائيلي – الأردني على حساب المخطط الأميركي.

قد يقول قائل: وأين المخطط الإسلامي الذي تعمل له «حماس» و«الجهاد»؟ فنقول: لا يوجد لدى هؤلاء مخطط. هؤلاء غالباً يقعون في مخططات وضعها الآخرون، ينفذونها وهم غالباً لا يعرفون أبعاده. نسأل الله الهداية والعافية ¨

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *