العدد 93 -

السنة الثامنة – شعبان 1415هـ -كانون الثاني1995م

وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [سورة الأنفال: 72].

نورد هذه الآية الكريمة بمناسبة الحرب التي يشنها الروس على مسلمي الشيشان الذين يطلبون النجدة من إخوانهم المسلمين. وهناك مسلمو البوسنة وفلسطين ولبنان وغيرها.

الصنف الأول من المسلمين هم المهاجرون من مكة إلى المدنية: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). والصنف الثاني من المسلمين هم الأنصار: (وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا). هذان الصنفان كانا يشكلان الدولة الإسلامية ودار الإسلام، وقد وصفتهم الآية الكريمة: (أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ). وهذه الولاية كانت أقوى من ولاية القرابة والرحم. والصنف الثالث من المسلمين هم الذين أسلموا ولكنهم ظلوا يقيمون في دار الكفر: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا). هؤلاء ليست الدولة الإسلامية مسؤولة عنهم فهم ليسوا من رعاياها: (مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا). ولكن هؤلاء لهم حق على الدولة الإسلامية، أو على إخوانهم المسلمين حين لا تكون هناك دولة إسلامية: (وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ) فنصرتهم واجبة: (إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) فإذا كان بين الدولة الإسلامية وبين خصومهم معاهدة فإن الدولة الإسلامية تفي بالمعاهدة. ويجوز للدولة الإسلامية أن تنقض المعاهدة وتنصر المسلمين إذا كانوا ضعفاء ومظلومين كما نقل القرطبي عن الإمام مالك وجميع العلماء.

قال القرطبي – رحمه الله – في تفسيره: (قوله تعالى: (وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) يريد إن دعوا هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا من أرض الحرب عونكم بنفير أو مال لاستنقاذهم فأعينوهم، فذلك فرض عليكم فلا تخذلوهم. إلا أن يسنصروكم على قوم كفار بينكم وبينهم ميثاق فلا تنصروهم عليهم، ولا تنقضوا العهد حتى تتم مدته. إلا أن يكونوا مستضعفين فإن الولاية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة: حتى لا تبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا حتى لا يبقى لأحد درهم. كذلك قال مالك وجميع العلماء).

الآن تقوم في البلاد الإسلامية حكومات كثيرة فهل هي مطالبة شرعاً بنصرة الشيشان والبوسنة والأماكن الأخرى حيث يعتدي الكفار على المسلمين؟ بالتأكيد هذه الحكومات مطالبة. وإذا قصرّت هذه الحكومات، كما هو حاصل الآن، وجب على المسلمين إرغام هذه الحكومات على نصرة المظلومين من إخوانهم المسلمين.

المسلمون أمة واحدة من دون الناس كما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس… وإنّ سِلْمَ المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم».

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلمالمسلم أخو المسلم، لا يخونه، ولا يَكْذِبُهُ، ولا يَخْذُلُهُ». وقال: «المسلم أخو المسلم، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربةً، فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن سَتر مسلماً ستره الله يوم القيامة». وقال: «مَثَلُ المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مَثَلُ الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *