افتتاحية العدد: القمة الاجتماعية في كوبنهاغن
1995/03/31م
المقالات, كلمات الأعداد
2,589 زيارة
عقد في كوبنهاغن مؤتمر أطلق عليه مؤتمر القمة الاجتماعية حضرته 183 دولة و2400 منظمة غير حكومية، وأكثر من عشرة آلاف شخص، والغاية المعلنة للمؤتمر تتمثل في مكافحة الفقر والبطالة ومواجهة انهيار العلاقات الاجتماعية.
والأمم المتحدة، راعية المؤتمر والداعية له، تمتلك منذ تأسيسها مجلساً يسمى مجلس الشؤون الاقتصادية والاجتماعية ECOSOC تتبعه العديد من المنظمات مثل منظمة العمل الدولية، منظمة التغذية، منظمة التربية، منظمة الصحة، منظمة التنمية وغيرها. وأهداف هذا المجلس حددت في المادة 55 من لائحة الأمم المتحدة وهي:
1- رفع مستوى المعيشة ومكافحة البطالة، وتهيئة الظروف للتقديم الاجتماعي والاقتصادي.
2- حل المشاكل الدولية المتعلقة بالاقتصاد والأمور الصحية والاجتماعية وما يتعلق بها، والعمل الدولي المشترك في مجالات الثقافة والتربية.
3- تحقيق واحترام الحريات العامة وحقوق الإنسان للجميع دون تمييز عرقي أو لغوي أو ديني.
هذه الأهداف هي نفسها الأهداف التي أعلنها المؤتمر وقد سجل المجلس الذكور فشلاً ذريعاً على امتداد تاريخه (بداية من 1945) فيما يتعلق بهذه الأهداف بشهادة الجميع، فهل في وسع المؤتمر أن ينجح فيما فشل فيه المجلس خلال نصف قرن؟
قد كانت الإجابة بالنفي واضحة ومجمل التعليقات والتحاليل السياسية سخرت من المؤتمر وتنبأت بنتائج تافهة له.
لم ينصب الحوار في المؤتمر حول القضايا الاقتصادية بقدر ما كان حديثاً حول مفاهيم حضارية تتعلق بوجهة النظر عن الحياة، مما دفع معلق الإيكونوميست للقول بأن (العديد من الدول قدمت إلى المؤتمر وهي تريد الحديث عن نظام اقتصادي دولي جديد. لكن الدول الكبرى أرادت أن تعلمهم كيف يعاملون زوجاتهم باحترام أكثر وكيف يسوسون أنفسهم بطريقة أفضل!). [الإيكونوميست عدد 7905 مارس 1995].
وأما عن الاقتراحات الاقتصادية، فأهم اقتراحين ذكرا في المؤتمر هما مبادرة (20/20) والتي اقترحتها وكالات التمويل الخاصة بالأمم المتحدة، تتعهد الدول النامية بموجبها زيادة مخصصات التنمية الاجتماعية في ميزانيتها من 13% إلى 20% مقابل زيادة البلدان الصناعية نسبة مساعداتها الاجتماعية في ميزانيتها من 13% إلى 20% أيضاً. أما الاقتراح الثاني فقدمه جيمس توبين – وهو اقتصادي أميركي حائز على جائزة نوبل – بفرض ضريبة مساعدات التنمية تجبى من عمليات التجارة في أسواق الأسهم والمال الدولية والتي كان من المنتظر أن تصل إلى خمسين بليون دولار سنوياً، وقد رفض الاقتراحان من قبل الدول الغنية، تماماً مثلما رفضت الدول الغنية مطالبة الدول الفقيرة بإلغاء ديونها الخارجية، وعلقت جريدة الإيكونوميست على ذلك بقولها (القلة التي استفادت اقتصادياً من المؤتمر هم سائقوا سيارات الأجرة في كوبنهاجن هذا بالإضافة إلى اتساع نشاطات تجار المخدرات وسوق البغاء في المدينة)، وقد صدق وصف جريدة SZ الألمانية للقمة بأنها قمة المنافقين.
أيها المسلمون إن الغاية من القمة تتضح لنا إذا استعرضنا الحقائق التالية:
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية اتخذت أميركا سياسية إنشاء المؤسسات والمنظمات الدولية أسلوباً لفرض نفوذها وإمضاء سياستها في العالم فقامت بإنشاء الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وحلف الأطلسي، مما دفع الأوروبيين إلى إنشاء نواة السوق الأوروبية، ثم عمدت أميركا كذلك إلى إيجاد العديد من الاتفاقيات الدولية التي اتصفت بالشمولية حيث أنها شملت دولاً عديدة وقضايا كثيرة، وبما أنها كانت الدولة الأقوى والمنتصر الحقيقي بعد الحرب العالمية الثانية استطاعت أن تشكل هذه المنظمات وفق مصالحها ووجهة نظرها وطريقة عيشها في الحياة، ثم عمدت إلى تطويرها وإمدادها بوسائل الحياة وظلت ترعاها بحيث أنها لم تخرج في أغلب الأحيان ومعظم القضايا عما يخدم مصالحها ويحقق أهدافها، ومع تبدل الموقف الدولي وتغير موازين القوى بعد انهيار المعسكر الشيوعي، وتفرد الرأسمالية بقيادة العالم، ثم بروز قوى سياسية واقتصادية جديدة، وتطلع بعض الأمم للنهوض، كان على أميركا أن تطور هذه المؤسسات والمنظمات فاعتمدت أسلوب المؤتمرات الدولية واسعة النطاق،والمتعددة الجوانب بحيث تشمل جميع نواحي الحياة، والتي تتخذ قرارات دولية تأخذ صفة قرارات الأمم المتحدة لتصبح جزءاً من القانون الدولي. فشهدنا مؤتمر الطفولة عام 1990، ومؤتمر البيئة عام 1992، ومؤتمر السكان 1994، والآن مؤتمر القمة الاجتماعية 1995، والذي لا يخرج عن هذا الإطار العام، والهدف المحدد منه هو ما ذكره صاحب فكرة المؤتمر (جوان سومافيا) من أن الوثيقة الختامية للمؤتمر ستحدد مفهوم وأهداف التطور الاجتماعي. وهو ما عبر عنه بطرس غالية الأمين العالم للمنظمة بشكل صريح حين وصف وثائق القمة التي تقع في 100 صفحة، والبيان الذي يقع في 23 صفحة بأنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في التفكير والتعبير والاعتقاد والعمل والتعليم والسكن والأمان والمساواة والحرية. إذاً فهو وضع مفاهيم عن الحياة أي تصور حضاري ووجهة نظر في الحياة وطريقة معينة في العيش. وهو لا يخرج عن كونه المفهوم الرأسمالي وطريقة العيش الأميركية يراد لها أن تأخذ صفة العالمية والشرعية الدولية لتفرض من بعد ذلك على الجميع بحجة القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والالتزام بالاتفاقيات الدولية وغير ذلك من المسميات الكاذبة، وهذا الأسلوب هو أحد المرتكزات في السياسة الأميركية.
أيها المسلمون: إن الغرب يعيش كذبة الديمقراطية الكبرى، ويريد أن يجعل منها أرجوزة الحياة، إنه يعد ويمني ولكنه كالشيطان لا يعد إلا بزخرف القول غروراً، فلا يغرنكم سحره ونفثه، وتدبروا قول اللطيف الخبير: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
1995-03-31