العدد 99 -

السنة التاسعة – صفر 1416هـ – تموز 1995م

مفتي الديار المصرية يسوغ الربا للمسلمين

بقلم: أ. عمر – عمان

في غرة محرم 1416هـ الموافق الثلاثين من أيار/ مايو 1995م أبدى مفتي الديار المصرية الشيخ محمد سيد طنطاوي في إحدى جلسات مؤتمر المستثمرين ورجال الأعمال المصري الذي عقد في الإسكندرية واختتم أعماله في الحادي والثلاثين من أيار/ مايو 1995 تأييده رسمياً للمصارف التي تحدد أسعار الفائدة.

وقد أثارت كلمته التي ألقاها في المؤتمر جدلاً مجدداً حول رأي الشريعة الإسلامية في الفوائد التي تمنحها المصارف التجارية للمودعين وأصحاب شهادات الاستثمار والمدخرين، وتضمنت كلمة المفتي هذه فتواه الشهيرة في هذا المجال، والتي ذكر فيها أن المصارف التي تحدد سعر الفائدة مسبقاً هي الأقرب إلى روح الشريعة الإسلامية.

وفي الوقت نفسه أعلن الأزهر الشريف رفضه لهذا الرأي تماماً، فضلاً عن أنه لا يتفق وآراء جمهرة كبيرة من الفقهاء والاقتصاديين سواء في مصر أو في غيرها من أقطار العالم الإسلامي، وأعلن رجل الأعمال السعودي صالح كامل رئيس مجموعة ما يسمى [دلة البركة] في كلمة ألقاها في المؤتمر المذكور رفضه فتوى سيد طنطاوي، وطالب الأزهر ودار الإفتاء أن يوحدا رأيهما في هذه المسألة.

وكانت فتوى سيد طنطاوي قد صدرت عام 1989 لتواكب اتجاه الحكومة المصرية نحو ما يسمى بالتحرر الاقتصادي، وركزت على شهادات الاستثمار وما إذا كانت الأرباح التي تدرها حلالاً أم حراماً، وانتهت فتواه إلى أن هذه الشهادة تعتبر وديعة لأن صاحبها يستثمر قيمتها وهي ليست قرضاً منه للمصرف، وبناء عليه فإن أرباحها حلال وليست ربا.

وقد أصدر شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق بياناً جاء فيه أن الحسابات ذات الأجل وفتح الاعتماد بفائدة وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة كلها من المعاملات الربوية.

هذه هي فتوى مفتي الديار المصرية سيد طنطاوي، وهذا هو رد الأزهر عليها… ونحن هنا قد فرض الله علينا أن نبين وجه الحق في كل ما نسمع ونقرأ، وفي كل ما يصدر من الفتاوى والأحكام امتثالاً لقوله تعالى: (وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة»، وحتى لا نكون من الشياطين الخرس الذين ذكرهم الحديث الشريف.

إن الحلال والحرام حلال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرامه إلى يوم القيامة… وليس حلال أي من المجتهدين أو حرامه كائناً من كان هذا المجتهد إذا وردت النصوص القطعية الثبوت القطعية الدلالة بحل شيء أو بحرمته… ألم تسمع يا سيد طنطاوي أنت وأمثالك ممن نصبوا أ،فسهم للإفتاء والفتيا قوله تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ)، إذ كيف يحق لك أيها المفتي الكبير أن تجترئ على هذه النصوص القطعية الدلالة وتلوي أعناقها، وبأي وجه؟… وكيف تجرؤ على ذلك وأنت تقرأ قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، وكيف تجرؤ على حرب الله ورسوله أنت وأمثالك ممن باعوا دينهم بدنياهم لا أكثر ولا أقل إلا لإرضاء شهوة من شهوات الحكام، أو إشباع نزوة من نزواتهم، فنصبتم أنفسكم وعاظاً للسلاطين ونزعتم تقوى الله من نفوسكم وكنتم أعواناً للشيطان وأتباعه من حكام المسلمين بدل أن تكونوا للحق أعواناً، كي فتجرؤن على ذلك وأنتم تقرأون قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ).

إنكم يا وعاظ السلاطين مستعدون لإعلاء الحرب على الله ورسوله بالاجتراء على النصوص الشريفة وتحميلها ما لا تطيق بعد لي أعناقها، ولستم مستعدون لإعلان الحرب حتى على إسرائيل المسخ ناهيك عن أميركا وغيرها من الدول الكافرة.

إننا هنا لا نريد مناقشتك في أمر واضح جلي من أمور هذا الدين الحنيف التي جاءت صريحة قطعية بثبوتها ودلالتها في كتاب الله الكريم، كما يحاول غيرنا من المسلمين أن يفعل ذلك معكم يا مفتي الديار المصرية كالأزهر وغيره… فما ذلك إلا محاولة لإحداث البلبلة في أوساط المسلمين ومحاولة لإثارة الشكوك في عقائدهم وأحكامهم القطعية… فالجاهل في المسلمين يعلم أن الربا حرام قطعاً ولا كلام فيه، كالزنا وشرب الخمر والسرقة وأكل لحم الخنزير والميتة وما إلى ذلك مما ورد قطعي الثبوت قطعي الدلالة من الأحكام التي لا مجال فيها مطلقاً. حيث قالوا [لا اجتهاد في مورد النص]، وهو أمر معلوم عند جميع العلماء السابقين والمتأخرين لا يختلف فيه اثنان منهم.

أجل لا نريد مناقشتك في ذلك أبداً وإنما نريد أن نبين للمسلمين، وهذا هو الواجب والفرض، أن الكفار ما فتئوا يلاحقوننا في أحكام ديننا حكماً حكماً يريدون نقضها لتغيض أحكام الله من حياة المسلمين… بعد أن لاحقونا في القرن الماضي وافتأتوا على الإسلام، فهاجموا الحق بالباطل في شتى المسائل مستغلين تخلف المسلمين وإغلاق باب الاجتهاد عندهم، فانبرى من انبرى ممن يسمون علماء يدافعون عن الإسلام أمام هجمات الغرب الكافر الشرسة بأفكاره الباطلة على الإسلام راضين بأن يكون الإسلام متهماً يقف في قفص الاتهام… فكان ما كان من انهزامنا أمام هذه الهجمات الباطلة وليس انهزام الإسلام، لأن الإسلام هو الحق يعلو ولا يعلى عليه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وكان ما كان من هدم الكيان السياسي للمسلمين بعد أن هدموا الجدار الداخلي، وهو جدار الأفكار والأحكام، مما سهل عليهم هدم الدولة وإلغاء الخلافة ليحل محلها هذه الكيانات الهزيلة التي نراها اليوم في العالم الإسلامي، وكلها مجتمعة لا يكتمل فيها معنى الدولة، يقوم عليها حكام جلادون باعوا أنفسهم للشيطان بعد أن استحوذ عليهم فوقفوا مع أسيادهم من الدول الكافرة يسومون الأمة الإسلامية سوء العذاب فظلموا الرعايا واستباحوا كيدها، لا لشيء إلا لأنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم وارتضوا بالذل عن العز خلفاً ليكونوا أتباعاً حتى لمن غضب الله عليهم ولعنهم وهم اليهود.

أتظن يا مفتي الديار المصرية أنك ناج عند الله تعالى وقد اجترأت على نصوص كتابه الكريم ولويت أعناقها… أم تظن أنك بمنجاة من الأمة الإسلامية… وفتواك هذه ستنطلي على المسلمين كما انطلت فتوى أخ لك من قبل في نهاية القرن الماضي، ألا هو صنوك في الإفتاء الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية من قبل حين أفتى بالربا بحجة الضرورة لمال القاصر، ففتواه وإن كانت انطلت على المسلمين في حينه فإن الله تعالى يسر للأمة الإسلامية ومن أبنائها من يكشف الظلمات للمسلمين ومن يبين وجه  الحق ويبلور لهم الإسلام بفكرته وطريقته، فلم تعد تنطلي فتاواكم وأمثالها على المسلمين كما انطلت من قبل نظراً إلى ما كان يصيب الأمة من التخلف الفكري أما اليوم فإن حال المسلمين هو غير حالهم في مطلق هذا القرن، وها هم اليوم راحوا يتحسسون دولتهم التي هدمت لإعادتها دولة للخلافة الراشدة، وعلى منهج النبوة ليهلك من عن بينة ويحيا من حي عن بينة.

ففتواك ومناقشتها سواء من الأزهر أو من غيره كلها في جنهم، إلا لا مجال لمناقشة النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة، فمناقشته لا تعني إلا شيئاً واحداً فقط هو التشكيك في أحكام الله وهذا كفر والعياذ بالله.

فالاجتهاد غير وارد إلا في النصوص الظنية الدلالة وهذا ما تعلمه أنت ويعلمه الأزهر، ويعلمه كل من أوتي شيئاً من العلم.

لمن يستمع المسلمون في مسألة ورد حكمها قطعياً في كتاب الله تعالى… هل يستمعون لمجتهد كائناً من كان أم يستمعون إلى الله سبحانه وتعالى؟ فإذا ما بين الله تعالى حكماً صراحة وقطعياً في مسألة فإن البدهي عندهم أنهم يقولون: قال تعالى ولا يقولون: قال طنطاوي أو قال غيره، فلا قول بعد قول الله ورسوله ولا حكم بعد حكم الله ورسوله.

فهلا استغفرت الله تعالى أيها المفتي وتبت إليه ورجعت عن غيك هذا كيلا تجعل للشيطان عليك سبيلا، ألا هل بلعنا اللهم فاشهد، وكفى بالله وكيلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *