العدد 106 - 107 -

السنة العاشرة – رمضان وشوال 1416هـ – شباط وأذار 1996م

رسالة إلى تمثال الحرية

الشاعر: أيمن القادري

خلِّ الكتابَ فما كَتَبْتَ هُراءْ
.

.

 

وسطورُ سَفْرِكَ كلُّها شوهاءُ
.

أتظنُّها وحياً وأنتَ نبيُّه؟
.

 

بئسَ النبيُّ تسوقُه الفحشاءُ
.

إبليسُ يوحي زُخْرُفاً مِن قولِه
.

 

للعابثين فتُرجَعُ الأصداءُ:
.

«حرّيّةٌ! هذي مرادُ نفوسِنا
.

 

فُكُّوا القيودَ فإنّها أعباء»
.

«حرّيّةٌ! أنْعِمْ بها من صرخةٍ
.

 

هُتِكَتْ حصونٌ، إثْرَها، عصماءُ»
.

 

¯ ¯ ¯

 

خُدِعُوا بزيفِ حضارةٍ طاغوتُها
.

 

صنمٌ يُزَيَّنُ في الدُّجى ويُضاءُ
.

في كفِّهِ اليمنى جهنَّمُ تصْطلي
.

 

نارٌ تأجَّجُ، شعلةٌ حمراءُ
.

إن تعبدوا النارَ التي في كفِّه
.

 

فمصيرُكم في المنزليْن شقاءُ
.

هذا الشعارُ وقد أُميط غشاؤُه:
.

 

«مَن سَار خلفي فالجحيمُ جزاءُ»
.

وبكفِّهِ اليسرى كتابٌ مُغْلَقٌ
.

 

يطوي السطورَ وفي السطورِ غواءُ
.

أَوَقَدْ نسيتمْ ما تضمُّ كتابةٌ
.

 

تُؤْتي بيسرى الكفِّ يا نُجَباءُ؟
.

مَنْ يَعْبُدِ الأهواءَ يُؤْتَ كتابَه
.

 

بشماله… هل تشفعُ الشُّركاءُ؟
.

يُسقى الصديدَ أو الحميمَ فيغتلي
.

 

ظمأً.. أخْلْدٌ ذاك أم إفناءُ؟
.

 

¯ ¯ ¯

 

هذا الكذوبُ وقد تأبَّطَ شَرَّهُ
.

 

عبدوه وهْو حجارةٌ صمّاءُ
.

ظنّوه ساقَ إلى الوجود شريعةً
.

 

تجْتثُّ الاستعبادَ فهو هباءُ
.

فإذا بها تَجْتَثُّ كُلَّ فضيلةٍ
.

 

وتحلُّ قيدَ الخُلْقِ كيف تشاءُ
.

حرّيّة تلهو بكلِّ مقدَّسٍ
.

 

حرّيّةٌ جمحتْ بها الأهواءُ
.

فالحرُّ في ميزانها مَنْ رِجْلُهُ
.

 

رَكَلَتْ عَقائِدَ وَحْيُهُنَّ جَلاءُ
.

قد أُطلقَ الانسانُ مِنْ أخلاقه
.

 

وَسَطَتْ عليْهِ غرائِزٌ هَوْجاءُ
.

الحرُّ صارَ أسيرَ نزوةِ قلبِهِ
.

 

– شاهتْ وجوهٌ جفَّ فيها الماءُ –
.

«والعبدُ» فيكم من أنابَ ولم يزلْ
.

 

صُلْبَ العقيدةِ دأْبُهُ الإغضاءُ!
.

لا تكتموها. وارفعوا أصواتكم
.

 

لسْنا نهابُ، أتُهْمَةٌ نَكْراءُ؟
.

أَوَتُهمةٌ أنَّا عبيدُ إلهنا؟
.

 

ضلَّتْ عُقولُكُمْ وأعيا الداءُ
.

مَنْ تعبدون؟ أقنيةً أم خمرةً؟
.

 

مَنْ ربُّكم؟ زُحَلٌ أم الجوزاءُ؟
.

حرَّرْتُ نَفْسي من قذارة دينكم
.

 

وجميعُكُمْ مستعبدون.. إماءُ
.

 

¯ ¯ ¯

 

يا لُعبةً جعلوا اسمَها «حرّية»
.

 

وغدا يُزَجُّ بسجنها الطُلقاءُ
.

شَرَّعْتِ؟ أم أشرعْتِ بابَ دعارةٍ
.

 

فيها «الشذوذ» فضيلةٌ شّماءُ
.

أَطْلَقْتِ؟ أم طَلَّقْتِ كلَّ بقيةٍ
.

 

مِن حشمةٍ رُجِمَتْ، فليس حياءُ
.

يا لعبةً طالت فُصولاً مرّةً
.

 

وغداً سيُسْدِلُ سِتْرَها الخلفاءُ
.

بالأمسِ أَصنامُ الجزيرةِ حُطِّمَتْ:
.

 

هُبَلٌ.. مَناةٌ.يصعُبُ الإحصاءُ
.

فَنِيَتْ وَأَسْقَطَ وهمَها نورُ الهدى
.

 

لم يبقَ إلاَّ أنها أسماءُ
.

ولسوف تُشرقُ شمسُ نورٍ واعدٍ
.

 

فيهِ يُدَاكُّ الشركُ والشركَاءُ
.

 

¯ ¯ ¯

 

يا أيُّها التمثالُ كلُّ حضارةٍ
.

 

مِنْكَ اسْتَقَتْ فمآلُها الغبراءُ
.

راياتُ «أُوروبّا» و«أمْيركا» التقَتْ
.

 

تَحتَ الشعارِ كأنَّهُ الإيحاءُ
.

صاموا سِنين، وحين شاؤوا لقمةً
.

 

هُرِعُوا إلى مِلْحٍ وعزَّ الماءُ
.

أَتَمَخَّضَ الطَّوْدُ العظيمُ ولم يَلِدْ
.

 

إلا البعوضةَ؟! بِئْسَت الأنباءُ
.

يا أيها التمثالُ هذي رايتي
.

 

ولسوف تَغرزُها يدٌ سمراءُ
.

أَعَلِمْتَ أين؟ غدلاً ستعلمُ أنها
.

 

تعلو حطامَك والخيولُ مضاءُ
.

وتُمَزَّقُ الراياتُ إلا رايتي
.

 

يزهو عُقابي… والنجوم(1) هباءُ
.

يا أيها التمثالُ ديني قادمٌ
.

 

لِتُبَعْثَرَ الأوراقُ والأشياءُ
.

وصحائفي تَطْوي صحائفَ عهدِكم
.

 

صحفٌ مُطَهَّرَةٌ بهنَّ شفاءُ
.

 

¯ ¯ ¯

 

هَفَتِ النفوسُ إلى قريبٍ عاجلٍ
.

 

فيه تَنَزَّلُ، في الضحى، الأنداءُ
.

فالنصرُ وّضَّاحٌ بَدَتْ قَسَماتُهُ
.

 

وغداً يضيءُ فَتُمْحَقُ الظلْماءُ
.

(1)  المقصود بالنجوم تلك التي يحفل بها علم الولايات المتحدة الأميركية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *