العدد 106 - 107 -

السنة العاشرة – رمضان وشوال 1416هـ – شباط وأذار 1996م

معاني القلب في القرآن الكريم

أولاً: القلب بمعنى أي الإدراك والفكر، وقد نطقت بهذا المعنى العديد من الآيات القرآنية مثل قوله تعالى في سورة الأعراف: (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ).

فالله تعالى يصف حال الكافرين من الإنس والجن بأن لهم عقول لا يستخدمونها لفهم الأمور وإدراكها على حقيقتها، ولهم أبصار وكأنهم لا يبصرون بها، ولهم آذان وكأنهم لا يسمعون بها.

ومثال ذلك أيضاً قوله تعالى في سورة لمنافقين: (فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ). أي لإيمانهم ثم كفرهم أصبحوا لا يميزون الأمور.

وقال تعالى في سورة التوبة: (وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ).

وقال تعالى في سورة التوبة أيضاً: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ).

وقال في سورة محمد صلى الله عليه وسلم: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).

ثانياً: القلب بمعنى الفؤاد أي الوجدان:

وهو نفس الإحساس الغريزي بما يحصل منه إدراك شعوري فمثلاً: والتقديس كل منهما شعور أي إحساس غريزي وبنفس الوقت يحصل منه إدراك وجداني، فالوجدان إحساس غريزي بما يحصل معه من إدراك شعوري، أي هو نفس الشعور بما يحصل معه من إدراك وجداني.

قال تعالى: (فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).

وعلى ذلك فإطلاق كلمة القلب على النفس بمعناها الأول صحيح ولا شيء فيه على اعتبار أن كلاً منهما إحساس داخلي نابع مما فطر الله تعالى في الإنسان من غرائز. وقد ورد هذا الإطلاق في القرآن الكريم: (قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ).

فعبر عن كلمة القلب بكلمة الصدر والتي هي من معاني النفس، وقد حصل ذلك أيضاً في الحديث إذ قال صلى الله عليه وسلم: «الأرواح جنود مجندة، فمن تعارف منها ائتلف ومن تناكر منها اختلف»، فعبر الحديث عن كلمة القلب بكلمة الروح التي هي من معاني النفس ورغم صحة هذا الخلط إلا أنه ينبغي لفت النظر إلى أن كلمة القلب إحساس غريزي بما يصاحبه من إدراك شعوري فهو محل الحب والكره والخشوع والخوف والإكبار، لكن النفس ترتفع عن هذا لِتُربَط بالمفهوم فيتحدد بالتالي نوع الشعور الذي يدفع، ولذلك فمن الخطأ والخطر أن يترك القلب دون عقل سواء في أمور العقيدة أو الأحكام.

ولنستعرض الآيات القرآنية لبيان الإحساس الداخلي الذي تتحدث عنه الآيات والمربوط بالقلب:

1- الخشوع: قال تعالى في سورة الحديد: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ).

2- الرأفة والرحمة: قال تعالى في سورة الحديد: (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً).

3- الوجل: قال تعالى في سورة الأنفال: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ).

4- الخوف والرعب: قال تعالى في سورة آل عمران: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ).

5- الإحساس بالتكبر والتعالي: قال تعالى في سورة غافر: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ).

6- الشعور بالغيظ: قال تعالى في سورة التوبة: (وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ).

7- السكينة والطمأنينة: قال تعالى في سورة الرعد: (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

وقال تعالى في سورة الفتح: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ).

8- الريب والشك: قال تعالى في سورة آل عمران: (لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ).

9- التحسر: قال تعالى في سورة آل عمران: (لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ)

10- الحمية والترابط: قال تعالى في سورة الفتح: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ).

11- الغل والحقد: قال تعالى في سورة الحشر: (وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا).

12- الإحساس بالمحبة والألفة: قال تعالى في سورة آل عمران: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ).

13- النفور: قال تعالى في سورة الزمر: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ).

14- الإحساس بالقسوة والغلظة: قال تعالى في سورة البقرة: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً).

وقال تعالى في سورة آل عمران: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).

ومن مهام القلب بمعنى الوجدان أنه موضع الإيمان والتقوى والهداية:

أ- موضع الإيمان والتصديق: وذلك أن يأخذ القلب (الوجدان) الفكرة ويشدها إليه ويضمها ضماً كاملاً وأكيداً بارتياح مع موافقة العقل على ذلك أي الوجدان. ولكن شرط هذا التصديق الجازم موافقة العقل، فإذا تم هذان الأمران: أي التصديق الجازم من قبل القلب أي الوجدان وموافقة العقل لهذا التصديق، فقد حصل الإيمان: يقول تعالى في سورة النحل:  (إِلاِّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ)، ويقول في سورة المجادلة: (أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ)، ويقول في سورة الحجرات: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ)، وقال في سورة الحجرات أيضاً: (وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ).

وكما هي موضع الإيمان فهي موضع الريب والشك والرفض، قال تعالى في سورة آل عمران: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا). إذاً القلب هو الذي يأخذ الأمر بالتصديق أو التصديق الجازم أو الشك، فتصديق الإنسان لأمر نتيجة وجود الإحساس المباشر للواقع ليس كمن نقل الأمر إليه نقلاً، ولذلك قال الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله إن الله تعالى ليزيدنا إيماناً بك يوماً بعد يوم» ولذلك قال الله تعالى في حق المؤمنين: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا).

ب- موضع التقوى: إذ التقوى هي الخوف من الله والقيام على شرعه، فهو إحساس يتبعه عمل، أي شعور بالخوف من الله وعذابه يتبعه اجتناب النواهي والقيام على الأوامر، يقول تعالى في سورة الحج: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، ويقول في سورة الحجرات: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى).

فلا بد لنا أن تمتلئ قلوبنا بتقوى الله تعالى، إذ القلب مكان قبول الصلاح والهداية، قال تعالى في سورة التغابن: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)، فلندعو الله تعالى بقوله في سورة آل عمران: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)، ونردد ذكره ونسحبه بالليل والنهار وعقب الصلاة وعند القيام لتطمئن قلوبنا، ونكون من الثابتين، قال تعالى في سورة الرعد: (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

ولا بد أن ندرس أفكارنا دراسة تجعل فكرنا متصلاً بشعورنا حتى يكون الواحد منا ناراً محرقة للظلم والجور والفسق والكفر والعصيان، ونوراً يهدي الناس لخير هداية وأعظم رسالة حتى نبقى مستمرين على دربنا لا ينطبق علينا قوله تعالى في سورة الفتح: (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) ولنعلم أن للقلوب أمراض، فكل إحساس داخلي نهى الله عنه هو من أمراض القلوب، فالحسد والطمع والعصبية والكره والضغينة وحب العظمة، والاستهانة بأحكام الله والتفريق في النفس على أساس المذهب والعائلة كل ذلك وغيره من أمراض القلوب، وقد حذر الله تعالى منها ومن أصحابها فقال في سورة محمد: (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ).

ولنعلم أن صلاح الإنسان بصلاح قلبه، وأن فساده بفساد قلبه، إذ القلب موضع الإيمان، واحتواء القلب للعقائد الفاسدة أساس في فساد كل حياة الإنسان، والقلب أيضاً موضع التقوى، فلو كان الشخص مسلماً من حيث العقيدة لكنه مريض في معاملاته وخلقه وعبادته لأنه ضعيف التقوى يكون فاسداً ولا شك، قال صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». وقال تعالى: (فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *