العدد 113 -

السنة العاشرة – جمادى الثانية 1417هـ – تشرين الثاني 1996م

رد على ادّعاء إباحة نكاح المسلمة من يهودي أو نصراني

رد على ادّعاء إباحة نكاح المسلمة

من يهودي أو نصراني

 

رسالةٌ إلى من يهمه أمر الإسلام والمسلمينأمرأ حفاظاً على رسالة اللـه تعالى ودين الإسلام.

          ذكرت صحيفة «العرب» التي تصدر من لندن في الأسبوع الثاني من شهر أيار 1996 أن «د. حسن الترابي – السودان» يقول بإباحة نكاح المسلمة من نصراني أو يهودي، بحجة أن لا نصّ يحرّم هذا الزواج ».

          ويأتي مثل هذا الاجتراء على شرع اللـه تبارك وتعالى في ظروف تتكاثر فيها الاعتداءات على العلم والافتراء على الدين، في محاولات لإلحاق الأذى بهما تشويهاً وإفساداً، وتضليلاً لأمة الإسلام.

          ولما كانت مثل هذه السلوكات الناشز لا يكفي في مواجهتها وصدّها مقالة تنشر في صحيفة من شخص، فإنه يتعيّن أن يصدر الردُّ عن الجهات المؤثرة وخاصة التي هي في مواقع المسؤولية.

          وقد وجهت «الوعي» سؤالاً إلى أحد علماء المسلمين حول هذا الزعم الصادر من الدكتور الترابي.

وفيما يلي السؤال والجواب:

السؤال: ما القول في رجل أفتى بجواز نكاح مسلمة من يهوديّ أو نصراني بحجة أنه لم يرد نصٌّ في تحريم هذا النكاح، مع العلم بأن صاحب هذه الفتوى ينتسب إلى مجال الدعوة، وهو في موقع مسؤولية تشريعية على مستوى سلطة ونظام حكم؟

الجواب:  الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول اللـه، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد، فإنه يُنظر في هذه المسألة من وجوه:

أولاً:   ومن حيث المبدأ، لا يصحُّ تسمية هذا الزعم فتوى، لما أن الفتاوى هي خاصة بالظَّـنِّيات من الأحكام، وهي الأمور المختلَف فيها فِقهياً بين أهل العلم، بينما -الزعم الوارد في السؤال- هو باطل، لما أنه فيه نصوصٌ قطعية الدَّلالة والثبوت خلافاً لما زعم قائله، كما أن الإجماع منعقد على تحريم ما ادَّعى إباحته، إجماعاً تقريرياً في مصنفات الفقهاء، وعملياً، من ثَمَّ، كان حظره معلوماً من الدين بالضرورة.

ثانياً:   لا صحة لما تذرّع به هذا الرجل من ادّعاء أنه لم يرِد في تحريم ما زعم إباحته نصٌّ بل إنّ النص المحرِّم هو ثابت في كتاب اللـه تعالى، قال عز وجل في تحريم المسلمة لغير المسلم:(يا أيها الذين آمنوا إذا جاءَكم الـمُـؤمِنت مُهجِراتٍ فامتَحِنوهُنَّ، اللـه أَعلَمُ بإيمانهِنَّ، فإن علِمتُموهُنَّ مُؤمنِاتٍ فلا تَرجِعوهُنَّ إلى الكُفّار، لا هُنَّ حِلٌّ لهم ولا هم يحلُّون لهنَّ). فإن كان صاحب الادّعاء يقصِد -بما اشترط مِن نصٍ يُحرِّم- أن يكون وَرَد فيه -أي في النص- اسم ووصفُ «اليهوديِّ والنصرانيّ» فهذا خروج منه عن الأصول المقَرَّرة في الاستدلال وفهم النصوص.

                        فالآية التي ذكرنا فيها التنصيص -صراحة- على حرمة المسلمة على الكافر، بل في الآية تأكيد على هذا التحريم -وتشديد- بالتصريح: أن كُلاًّ من المسلمة والكافر يحرُم كُلٌّ منهمـا علـى الآخـر، والمعنى: أن الـحُـرمـة لا تقتصر على عقد نكاح مسلمة على نصراني أو يهوديّ ليتمتّع -هو- بها وحسب، بل يحرم عليها -هي أيضاً- أن تتمتع بأيٍ منهما، المعنى هذا تجده في قوله تعالى: (لا هنَّ حِلٌّ لهم ولا هم يحلُّون لهنّ).

            وأما الدليل على التحريم في الآية الكريمة فهو العموم في لفظ: «الكفار» الوارد فيها (يُنظر مبحث العام وصِيَغُهُ في كتب أصول الفقه]، والوصف هذا يشمل كُلَّ رافضٍ للإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه رسول اللـه، وأن القرآن الكريم هو كتابه عز وجل، لا يستثنى -من هذا العموم- أحدٌ من المنكرين للوحي. والشمول هذا -وإن كان قد نزل في كفار أهل مكة بعد الهجرة وقبل الفتح- وغالبهم من عَبَدَةِ الأوثان- غير أنه يشمل النصارى واليهود، إضافة إلى المجوس وكل من ليس مسلماً ومصدِّقاً بما أوجب اللـه تعالى الإيمان به. ]وكان السياق يقتضي -بموجب أن المقصودات من المهاجرات هم من المشركين، غير أن الباري عز وجل إحكاماً لحكم التحريم، عدل عن لفظ الشرك إلى الكفر، ليكون تنصيصاً على الحكم، وهذا من دقائق وإعجاز التنزيل، فلو أن الصيغة وَرَدَت بلفظ الشرك، إذاً لاستلزم الاستدلال على التحريم للرجوع إلى مستلزمات شِرك أهل الكتاب).

ثالثاً:  إن الإجماع مُنعقدٌ على تحريم زواج المسلمة من النصراني ومن اليهوديّ، وهذا مُقرَّرٌ في جميع كتب الفقه دون ما استثناء ولا خلاف -البتة- حول هذا الحكم، لدرجة أنه لا مُعارِضَ له قطّ، خلافاً لأنواع كثيرة من الإجماع فيها آراء لمعارضين لها، أو خلافات حول ادّعاء الإجماع فيها.

رابعاً:  نقصد بما سبق من الإجماع: النَّصِّيّ، أي الـمُـثـبَـت فـي كتب العلم، غير أن الإجماع هذا المنقول إلينا عن طريق مُصنَّفات أئمة الإسلام، هو متحقِّقٌ عَمَلِياً، بمعنى أن لم يسبق لمسلمة أن زُوِّجَت أو عُقِد نِكاحُها على نصراني أو يهودي، وأُقِرَّ زواجها في أي عهد من العهود الإسلامية التي مضت منذ النبي صلى الله عليه وسلم وحتى أيامنا هذه، وما طلع به هذا المبتدع المجترِئ من قولٍ منكَر.

خامساً:  على أن مما ينبغي أن يُدخل ههنا بالاعتبار والحسبان، مسألة تتلخص بضرورة التفريق بين أمرين متغايرين: أحدهما «أساس الانتماء»، وإيمان أتباع كل ديانة من الديانات حسبما تُمليه عليهم مِلّتهم، والكفر بنقائضها وأضدادها. والثاني: ما يُسمّى: «التعايش بين الأديان».

            فأما الأول فمجاله العقيدة فالنصراني واليهودي لا يؤمنان برسالة محمد صلى اللـه عليه وآله وسلم ولا يؤمنان بأن القرآن من عند اللـه ولذلك فهما كافران، وهذه ليست شتيمة لهما بل هي وصف واقع. والنصراني واليهودي يعتبران المسلم كافراً بعقيدتيهما. والقرآن وصفهم صراحة بالكفر في كثير من الآيات.

            وأما الثاني فمجاله العلاقات وليس العقائد، ومما يُستدل له به -في كتاب اللـه عز وجل- قوله تعالى: (لا يَنْهاكُمُ اللـه عن الذينَ لَم يُقاتِلوكُم في الدِّينِ ولَم يُخرِجوكم مِن دِيارِكُمْ أن تَبَرُّوهُم وتُقْسِطُوا إليهم، إن اللـه يُحبُّ الـمُـقسِطِين).

            وهذا الحكم مبني على مبدأٍ في الإسلام، ملَخَّصه أن اللـه تعالى لم يأمر المسلمين بمعاداة غير المسلمين، بل بالإشفاق عليهم وإرادة الخير لهم ولجميع البشر، ولكن حرّم موالاتهم، ومن يراجع القرآن يجد أن جميع ما ورد في المعاداة نُسِب إلى المسلمين من غير المسلمين  ]تُراجع معاجم ألفاظ القرآن الكريم، مادة »ع د و« [

                                                كتبت في التاسع والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام 1416هـ.                                       ع.ص.

 

تعليق واحد

  1. بارك الله فيكم وحفظكم

اترك رداً على مريم إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *