كلمة «الوعي»: هل ينجح اليهود في تحويل الانتفاضة إلى تناحر فيما بين العرب

 منذ زمن بعيد لم ير العرب يوماً أبيض فكل أيامهم سوداء، ومنذ أمد لم تبتسم لهم الدنيا ولم يروْا إلا العبوس، ولذلك فهم يطيرون فرحاً إذا ابتسم لهم بيكر ولو ابتسامة خادعة، ويسكرون من زبيبه، ويعومون على شبر ماء. ومن هؤلاء قادة الفلسطينيين الذي يتهالكون للجلوس مع اليهود أو للجلوس مع الأميركان!

إن ذهاب فلسطينيين بموافقة منظمة (التحرير!) للتفاوض مع دولة اليهود والاعتراف بها والتنازل لها عن الأرض من شأنه أن يشق صف أهل فلسطين وينذر بالخطر.

ولكن قبل أن نتحدث عن هذا الانشقاق وهذا الخطر دعونا نَرَ مدى جديّة أميركا أو خداعها في مسألة وقف الاستيطان وبناء المستوطنات في الضفة والقطاع والجولان.

أميركا لا تحتج الآن على المستوطنات التي أقامها اليهود في الضفة والقطاع والجولان، وأميركا أعلنت الموافقة على إكمال كل المستوطنات التي بُدئ بها. ولا بد من وقفة عند عبارة (المستوطنات التي بدئ بها). فأي أساس تم وضعه ولو ما زال تحت سطع الأرض يعتبر مستوطنة بُدى بها، ومن ثم فإن أميركا توافق على إكمالها وعلى تمويلها. ولا بد من وقفة عند عبارة (إكمال المستوطنات) فإن أي مستوطنة ولو كانت من المساكن الذي تركّب وتفكّك يمكن إقامة مدينة مكانها من بنايات ضخمة تضم طوابق عدة.

وفي 24/02/92 قال بيكر، وزير خارجية أميركا. في شهادته أمام لجنة الكونغرس بأنه يرفض شق الطرق وتمديد المجارير في الأرض المحتلة لأن ذلك يعتبر وضع أسس للمستوطنات. وهذا الكلام أفرح قادة منظمة التحرير. مع أن هذا الكلام يمكن تفسيره بأن كل الأماكن التي شق فيها اليهود الطرقات ومدّوا المجارير يُعتبرون أنهم وضعوا الأسس وبدأوا المستوطنات فصار بحق لهم إكمالها. والأرجح أن يكون بيكر قصد هذا المعنى بالذات. واليهود من أمهر الناس في تفسير الكلام وتأويله بل وتحريفه ليوافق هواهم.

أميركا ليس من سياستها وليس من مصلحتها إرجاع اليهود إلى حدود ما قبل سنة 67 أميركا لا تريد إعطاء الفلسطينيين أكثر من حكم ذاتي ضعيف ضمن دولة اليهود. وكل من يظن أن أميركا تريد إرجاع شيء، ولو قليل، إلى العرب من أرض الضفة والقطاع والجولان هو مخطئ. وإذا كان من خلافات بين إسرائيل وأميركا فهي على شكل الحكم الذاتي وعلى حق إسرائيل في طرد السكان خارج البلاد. وهذه الخلافات ليست مهمة، ولكن أميركا تضخمها لتخدع العرب وحكام العرب حين تظهر لهم أنها تضغط على إسرائيل وأنها على خلافات كبيرة مع إسرائيل من أجل أن يثقوا بها ويسيروا باطمئنان بحسب نصائحها.

وهناك من يظن أن أميركا جادة الآن (وخاصة بعد انتخابات إسرائيل وأميركا القادمة) في إيجاد حل جذري ونهائي لمسألة فلسطين والشرق الأوسط. وذلك من أجل أن تقطع الطريق على الدول الأخرى كي لا تتدخل في المنطقة (والمقصود بالدول الأخرى بريطانيا وفرنسا وبقية دول السوق الأوروبية). وهذا الظن ليس في محله، بل إن المؤشرات ترجح أن الحل الجذري النهائي، في نظر أميركا، لم ينضح بعد، وأن أميركا تتصرف على أساس وضع المشكلة على سكة الحل وتدفعها لتكرج ببطءٍ. وما دامت المشكلة موضوعة على سكة الحل وتتحرك فإن أميركا تقطع الطريق على التدخلات التي لا ترضيها.

ومن هنا فإننا نقول لأهل الضفة والقطاع: لن تنالوا من المفاوضات الدائرة في واشنطن أي شيء الآن. ولن تنالوا في المستقبل أكثر من حكم ذاتي هزيل لا يزيد عن سلطة البلديات. فلا تتحمسوا ولا تتناحروا ولا تمنّوا أنفسكم بحكومة ثم بدولة مستقلة.

لقد تصوّر بعض الناس (وخاصة في الضفة والقطاع) أن تشكيل حكومة الحكم الذاتي صار قاب قوسين أو أدنى، وصاروا يفكرون فيمن سيتسلم السلطة في هذه الحكومة ومن سيكون له الإشراف على المصالح، وإكمال مسيرة المفاوضات ليصبح الحاكم في الدولة المستقلة. وهناك تيار قوي يرفض هذه المفاوضات ويرفض كل ما يمكن أن ينتج عنها إذ لن ينتج عنها شيء مشرّف.

لقد نشرت الأنباء عن صدامات بين فتح – عرفات وحماس. وهذه الصدامات حوّلت وجهة الانتفاضة من العمل يداً واحدة ضد العدو الغاصب الماكر (اليهود) إلى تنافس وتناحر بين أهل فلسطين المسلمين. وهذا ما يسعى له اليهود بخبث ويعملون للوصول إليه بكل الوسائل.

نعم إن هذه المفاوضات بالجميع: فتح وحماس وبقية التنظيمات وجميع الناس أن يمنعوا الوفد من الذهاب إلى هذه المفاوضات (وكان المفروض بالشعوب العربية أن تمنح حكامها أيضاً). ولكن حصل المكروه وذهبوا، فهل تقع في محظور آخر وهو التصادم التقاتل فيما بيننا. لقد فرح اليهود حير جرّوا القيادات لارتكاب الخيانة، فهل تفرحهم مرة أخرى حين يصرفوننا عن مقاتلتهم إلى التقاتل فيما بيننا؟

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كُفْر» ويقول: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض». إذاً لا يجوز التشاتم ولا التصادم ولا التقاتل ويقول صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره». وأبناء فتح وأبناء حماس ومؤيدو هؤلاء وهؤلاء كلهم بحمد الله مسلمون. ولنفرض أن فريقاً على خطأ أو يؤيد خطأ فليس هذا مبرراً لقتاله وخاصة قتال القواعد الشعبية. وهذا لا يعني أن نسكت على الخطأ أو المعصية أو المنكر بل نغيّر هذا المنكر باليد وباللسان وبالقلب، حسب الاستطاعة ولكن من شرط التغيير أن لا تغير المنكر لتوجد منكراً أكبر منه.

في يوم أحُد خرج المسلمون لملاقاة المشركين خارج المدينة، وفي الطريق رجع عبد الله بن أبيْ بن سلون (المنافق) ورجع مع ثلث جيش المسلمين. وهذه جريمة شنعاء يرتكبها فيشق الجيش ويخذل المسلمين ويتركهم في مواجهة عدوهم. ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم العدو ويتحول إلى مقاتلة ابن سلول والذين رجعوا معه.

والآن أنتم في مواجهة عدو ماكر خبيث فلا تتركوا هذا العدو يخدعكم وتتناحروا فيما بينكم. عدوكم اليهود عنده المهارة والقدرة على نصب الفخاخ للإيقاع بينكم كي يرتاح هو منكم. ويكفي أن تتذكروا بعض مكائد اليهود.

لقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه إلى يهود بني النضير فأجلسوه قرب جدار وتآمروا فيما بينهم ليصعد بعضهم إلى السطح ويطرح عليه صخرة ليقتله، وقد نجاه الله منهم.

ورغم وجود موادعة بين يهود بني قريظة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم نقضوا عهدهم هذا وتواطأوا يوم الخندق مع مشركي قريش ضد المسلمين.

وكانوا يتظاهرون بدخول الإسلام فترة من الزمن ثم يعلنون ارتدادهم ليقولوا للناس لقد دخلنا هذا الدين فوجدناه غير صحيح فخرجنا منه، كي يخرجوا معهم بعض من كان قد آمن، وفي ذلك نزل قوله تعالى: (وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *