العدد 261 -

العدد 261- السنة الثالثة والعشرون، شوال 1429هـ، الموافق تشرين الأول 2008م

مع القرآن الكريم: الصبر (1)

مع القرآن الكريم:

الصبر (1)

 

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).

جاء في كتاب: «التيسير في أصول التفسير» لمؤلفه العالم في الأصول «عطاء بن خليل أبو الرشتة» أمير حزب التحرير، حفظه الله:

يبين الله سبحانه في هذه الآيات ما يلي:

  1. بعد أن أعلمنا الله سبحانه أنه أرسل منا رسولاً يتلو علينا آيات الله جلّ ثناؤه، ويطهرنا من الشرك والأوثان، ويعلِّمنا كلّ ما يلزمنا من عقائد وأحكام لنلتزمها، ونذكر الله سبحانه، وندعو إلى الإسلام، بعد ذلك أمرنا الله سبحانه أن نستعين بالصبر والصلاة.

ومنطوق هذه الآية له دلالة إشارة أن الدعوة إلى الإسلام والالتزام بشرع الله ثقيل وفيه مشقة، وعلى المؤمن أن يثبت على ما يصيبه جراء ذلك ثباتاً راسخاً متزوداً بأمرين بيّنهما الله سبحانه: الصبر والصلاة.

  1. ثم ذكر الله سبحانه صنوفاً من الابتلاء تصيب الإنسان أثناء حمله للإسلام والدعوة إليه، وبيّن سبحانه ما أعدّ للصابرين على ذلك، الثابتين على الحق، الذين يسترجعون عند المصيبة قائلين: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ). ومن صنوف الابتلاء التي ذكرها الله وما أعده لأهلها من خير:

أ. القتل في سبيل الله وهو أن يقتل المرء وهو يقاتل أعداء الله لإعلاء كلمته سبحانه مقبلاً غير مدبر ثابتاً في ساحة المعركة، فهو حي عند الله حياةً لا يشعر بها الناس لأنها مغيبة عنهم ولكنها حياة طيبة زكية “من قاتل لإعلاء كلمة الله مقبلاً غير مدبر فهو في سبيل الله(النسائي وأحمد والدارمي)إن أرواح الشهداء عند الله في حواصل طيور خضر تسرح في أنهار الجنة حيث شاءت(مسلم والترمذي وأحمد والدارمي وابن ماجه).

ب. الابتلاء بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وهو ابتلاء بشتى أنواعه، فأي منها أصاب المؤمن فهو ابتلاء: الخوف وعدم الأمن، والفقر والجوع، وأن تنتقص الأموال بخسارة فيها، أو تنتقص الأنفس بالأمراض والوفاة، وانتقاص الثمرات بآفة تصيبها. وذكر الله سبحانه (بِشَيْءٍ) أي أياً كان هذا الابتلاء صغيراً أو كبيراً فهو ابتلاء، والصبر عليه أجره عظيم “وقد استرجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند انطفاء المصباح، فقيل له في ذلك، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): كلّ ما يؤذي المؤمن فهو مصيبة، وله أجر(الدر المنثور 2/380، تفسير البيضاوي: 1/125). وفي الحديث المتفق عليه يقول B: «ما من مسلم يشاك شوكةً فما فوقها إلا رفعه الله بها درجةً وحط عنه بها خطيئةً».

ج. بيّن الله سبحانه أن المؤمن عندما يصبر على الابتلاء ويسترجع بقوله (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) فإن له بذلك أجراً عظيماً (صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) ونعمَ هذا من أجر عظيم: رضوان من الله ورحمة وهدى، ليس هذا فحسب بل لهم في الدنيا خير كثير.

أخرج مسلم عن أم سلمة “قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها. قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخلف الله تعالى لي خيراً منه، رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)” (البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود).

  1. إن الله سبحانه يأمرنا أن نستعين بالصبر والصلاة في حمل الإسلام والدعوة إليه والثبات على الحق في ذلك، وقد صحّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة، فهي قرة عين المؤمن يلتقي بها بربه سبحانه ويمتلئ قلبه طمأنينة بأدائها “حبب إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة(النسائي وأحمد).

فهي تعطي المؤمن طاقة قوية في مقاومة الظلم وأهله، وعزيمة صادقة في الثبات على الحق، مؤمناً صادقاً دون أن تلين له قناة أو تضعف له عزيمة. ثم إن الصبر قد ذكره الله قبل الصلاة إبرازاً لأهمية الصبر، فالصلاة علاقة بين العبد وربه، والصبر علاقة بين العبد وربه ومع نفسه ومع الناس، فهو المحك وهو مقياس الثبات عند الشدة والمصائب والخطوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *