العدد 261 -

العدد 261- السنة الثالثة والعشرون، شوال 1429هـ، الموافق تشرين الأول 2008م

ديون البلدان الإسلامية

ديون البلدان الإسلامية

 

قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة 278]. لا نجافي الصواب إن قلنا بان الديون التي تأخذها بلدان العالم الإسلامي أخطر عليها من الحمم التي تقذفها المقاتلات الغربية ومنها الأميركية واليهودية على رؤوس المسلمين، كيف لا والديون تعد من أهم الأساليب التي استخدمها الغرب للإمساك بحلاقيم البلدان الإسلامية وضمان عدم انفلاتها من هيمنته، وطريقاً لمص خيراتها وثرواتها.

حكاية مصر مع الديون تشكل نموذجاً واضحاً في آلية بسط الدول الكبرى هيمنتها على الدول المدينة، فمصر تحولت من خلال آلية الديون من دولة دائنة إلى دولة مدينة بشكل مذل، فمصر كانت دائنة للدولة العظمى بريطانيا من خلال أرصدة مجمدة لمصر على بريطانيا، فعلى الرغم من أن مصر كانت محتلة من قبل بريطانيا، إلا أن بريطانيا كانت مدينة لمصر بحوالى 539 مليوناً و288 ألف جنيه إسترليني، هذا وكان لدى مصر 5.154 طناً من الاحتياطي الذهبي في حين لم تكن الديون الداخلية في مصر لتتجاوز 85 مليون جنيه. وفي ذلك الوقت كان الجنيه المصري يساوي أكثر من الجنيه الإسترليني بفارق قرشين ونصف القرش، وبذلك لم تكن مصر ولغاية ما قبل عام 1952م مُدانة بمليم واحد بل دائنة.. ومع هزيمة يونيو 1967م فقدت مصر معظم احتياطي ذهبها، فجاء السادات، وبدأت عملية تدفق المعونات الأميركية المشروطة على مصر، وبدأت مصر بأخذ قروض طويلة الأجل وقصيرة الأجل، خاصة بعد نصر 1973م. ما أن جاء عام 1977م حتى أعلن صندوق النقد الدولي إفلاس مصر؛ وذلك لعجزها عن سداد الأقساط والفوائد المستحقة عليها والتي بلغت 35 مليار دولار خلال فترة حكم السادات. ومنذ عام 1979م ازداد اعتماد مصر على القروض والمنح والذي بدأ بنحو 100 مليون دولار لتمويل وإنشاء خط أنابيب للبترول في مصر، ومع الاستمرار في سياسة القروض والمنح ازداد حجم الدين الإجمالي على مصر حتى وصل في عهد مبارك إجمالي الديون الداخلية والخارجية  800 مليار جنيه مصري.

فبسبب آلية القروض والمنح والديون والفوائد المترتبة على هذه الديون، تحولت مصر من دولة مكتفية مالياً إلى دولة ما زالت تدفع حتى اليوم الديون التي اشترت بها قمحاً منذ 30 عاماً. حتى وصل الحال بأحد الخبراء الاقتصاديين للقول بأن الشعار الذي سترفعه الحكومة خلال المرحلة القادمة حتى تستطيع تسديد مديونياتها للداخل والخارج والتي فاقت 800 مليار جنيه،”إن على كل مواطن مصري التبرع بـ10 آلاف جنيه لتسديد ديون الحكومة”.

فهذه حال مصر، و باقي البلدان الإسلامية لا يقل حالها سوءاً، فنظرة إلى ديون العالم الإسلامي كما ورد في تقرير(مؤتمر العالم الإسلامي) تري الأرقام الفلكية للديون المتراكمة على البلدان الإسلامية.

الديون الخارجية لدول مؤتمر العالم الإسلامي  (بالبليون دولار)

السنة

2000

2001

2002

2003

2004

2005

مجموع الديون

632.2

615.7

652.9

701.1

747.6

722.3

والجدول التالي يظهر حجم ديون الدول العربية وحجم الفوائد الربوية المطلوب سدادها.

الدين العام الخارجي القائم، وخدمة الدين العام الخارجي، في الدول العربية المقترضة

2005 و2006

 

الدين العام الخارجي القائم

خدمة الدين العام الخارجي

2005

2006

2005

2006

الأردن

7.122

7.305

594

628

تونس

17.191

17.965

2.093

2.836

الجزائر

415

5.603

5.846

13.314

جيبوتي

27.006

430

30

30

السودان

4.904

28.457

303

244

سورية

3.859

5.334

338

336

عمان

18.866

4.174

239

246

لبنان

29.692

20.146

3.113

3.962

مصر

12.444

28.985

3.111

3.486

المغرب

2.134

11.862

2.402

2.342

موريتانيا

2.134

1.248

143

91

اليمن

5.169

5.469

208

227

الدول العربية المقترضة

147.796

136.950

18.420

27.742

يتبين من الجدول  أن المبالغ التي تدفع فوائد ربوية والتي يطلقون عليها اسم خدمة الديون مبالغ مخيفة ، فمثلاً في عام 2005م بلغ مجموع الفوائد الربوية التي دفعت  18,4 مليار دولار، وفي العام 2006م كانت الفوائد الربوية على الديون العربية تقارب 28 مليار دولار.

ومقارنة حجم الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، ومقارنة النسبة المئوية للفوائد الربوية للدين العام الخارجي إلى صادرات السلع والخدمات  للدول العربية تُبين فداحة المشهد في بعض البلدان مثل السودان وموريتانيا ومصر، فمثلاً في تقرير أصدره البنك المركزي المصري للعام 2007م أشار التقرير إلى أن إجمالي حجم الدين المحلي بلغ نحو 637.2 مليار جنيه في نهاية يونيو 2007م يستحق منه على الحكومة 75%  بينما بلغ إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة من السنة المالية 2006م – 2007م فقط 570.2 مليار جنيه.

وبحسب إحصائيات أخرى، فإن البلدان النامية سددت عبر أقساط الديون  7,5 دولار مقابل الدولار الواحد حتى عام 1980م ولا زالت مدينة للدولار الواحد بأربعة دولارات ، وأن الديون على البلدان النامية قد تضاعف من 50 مليار دولار إلى 600 مليار دولار بين عامي 1968م و1980م وأصبحت عام 1990م ما يقارب1450 مليار دولار و2150 مليار عام 1995م وحوالى 2450 مليار دولار عام 2001م.

فالديون في البلاد الإسلامية والعربية تفوق في أحيان الناتج القومي لتلك الدول أو تقاربه كما يظهر في الجدول أدناه.

مؤشرات المديونية الخارجية للدول العربية المقترضة

2005 و2006

(نسبة مئوية)

 

الدين العام الخارجي

إلى الناتج المحلي الإجمالي

خدمة الدين العام الخارجي

إلى صادرات السلع والخدمات

2005

2006

2005

2006

الجزائر

16.7

4.8

12.0

23.2

عمان

12.5

11.7

1.2

1.1

سورية

17.5

15.6

5.5

3.7

المغرب

21.1

18.0

10.0

8.4

اليمن

30.0

25.8

3.1

2.9

مصر

33.2

27.0

9.7

8.9

موريتانيا

114.9

46.0

17.2

6.3

الأردن

56.1

51.3

9.0

8.2

جيبوتي

58.7

56.7

9.1

8.6

تونس

65.6

57.2

14.4

18.0

السودان

81.4

64.8

6.2

2.8

لبنان

85.6

86.5

23.7

27.9

الدول العربية المقترضة

34.6

27.5

12.2

14.2

الدول النامية

28.7

26.3

12.2

13.8

وكذا الأمر حين الحديث عن الديون الداخلية أيضاً، فحجم الديون الداخلية يزيد أحياناً عن الديون الخارجية، ففي الرسم البياني التالي يظهر فيه ديون إندونيسيا من سنة1997م إلى سنة 2007م، والذي يرمز فيه اللون في الأسفل إلى الديون الخارجية واللون في الأعلى إلى الديون الداخلية، ويظهر فيه أن مجموع ديون اندونيسيا في عام 2006م تعادل 144 بليون دولار، منها 76,8 بليون ديون داخلية أي ما يعادل 53% من مجموع الدين.

إن الديون الداخلية، والتي تكون على شكل أموال تأخذها الدولة أو مصالح الدولة ودوائرها من البنوك والمصارف المحلية التي تكون قد جمعتها إما من أموال المدخرين المحليين وإما من البنوك العالمية، والتي تعني مرة أخرى ديون خارجية بشكل غير مباشر، فهذه الديون الداخلية ومعها الديون الخارجية تشكل مفتاحاً لاستعمار اقتصادي، حيث إن هذا الدين يؤدي من خلال الشروط التي تفرضها الدول الغربية الاستعمارية  المقرضة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى حصر الدور الذي تقوم به الدول النامية تجاه المواطنين، وتبني سياسة الخصخصة التي تطال قطاع الخدمات والمرافق العامة ومشاريع البنية التحتية، والعولمة الاقتصادية التي تحول دور الدولة إلى مراقب عام أو إدارة مصالح، ما يعني أن هذه الأموال المقترضة ستستعمل في مشاريع لا تسمن ولا تغني من جوع استجابة للشروط.

وعندما تتعسر الدول عن الدفع يبدأ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي  بفرض شروطه عبر برامج التكيف الهيكلي، وتصبح السياسة الاقتصادية للبلد المدين خاضعة لمراقبة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهيئة الأمم المتحدة.

فمن الشروط التي تضعها الدول الدائنة على الدول المدينة:

1-  إجبار الدولة المدينة على تنفيذ مشاريع الدولة الدائنة الاستعمارية، فمثلاً فرضت أميركا على الأردن لكي تقبل الأولى جدولة ديونها، فرضت عليها فتح الباب أمام الدبلوماسيين الأميركان للتحرك بحرية في الأردن؛ لتعمل أميركا بذلك على استقطاب عملاء موالين لها؛ كي تتمكن أميركا من الإطاحة بالعرش الهاشمي ذي الولاء البريطاني.

2- إجبار الدول المدينة على التخلي عن الدعم المالي للخدمات الأساسية كالخبز والرز والمحروقات والحليب، فعلى صعيد المحروقات فقد خيم على باكستان بين عامي 2007م و2008م شبح أزمة نفطية حادة؛ وذلك بسبب عدم تسديد الحكومة الباكستانية المستحقات المالية للشركات المستوردة للنفط في البلاد، ما اضطر الحكومة لقطع التيار الكهربائي عن الناس إلى فترة تصل إلى 12 ساعة يومياً، وفي أجواء حارة جداً تصل فيها درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية. واضطر الناس إلى الوقوف في الطوابير لشراء الطحين، كما اضطروا إلى شراء القمح من السوق السوداء لعدم توفرها في الأسواق التي كانت تدعمها الحكومة.

3- تخفيض ميزانية التعليم والصحة والسكن وتجميد الأجور، وإذا ما حاولت الحكومات زيادة أجور الموظفين فإنها تأخذها منهم عبر زيادة الأسعار كما حصل في الأردن ومصر مؤخراً، وكما هو حاصل في زيادة أسعار جل المواد الأساسية وغير الأساسية في العالم الإسلامي.

4- تخفيض قيمة العملة المحلية لجعل المنتجات الخام المصدرة إلى العالم الغربي بأقل الأثمان.

5- فرض قيود على الزراعة من مثل اشتراط  نوع واحد من الزراعة كالقطن مثلاً، ما يجعل البلدان الزراعية مثل مصر والسودان وباكستان مستوردة للقمح والأرز الأميركي.

6- الفتح الكلي للأسواق، وإلغاء الحواجز الجمركية، وتحرير الاقتصاد، وخصخصة المؤسسات الحكومية… حتى باتت كثير من الحكومات في البلدان الإسلامية يعملون كنواطير عند الشركات الغربية العملاقة التي اشترت مؤسسات البلد بعد أن تم خصخصة جل مؤسسات البلد، ومن ضمنها البنك المركزي المصري مثلاً ودائرة الشرطة في الأردن.

7- السماح بحركة رؤوس الأموال خروجاً ودخولاً بحرية تامة، وهذا الذي يسمح لمن يسمون بالمستثمرين بسحب الأموال الموجودة في البلد أو ضخ أموال في الأسواق للتلاعب في السوق المحلي وخصوصاً الأسواق المالية، كما حصل في إندونيسيا ودول الخليج مؤخراً، وكما يفعل يهود في الأردن منذ اتفاقية وادي عربة.

هذا طبعاً في أحسن الأحوال، بينما في أحوال أخرى فإن الدول الحاصلة على القروض في أغلبها كانت دولاً تمتاز بأنظمة ديكتاتورية وفاسدة، والتي يقوم فيها الدكتاتور وبطانته  بنهب كامل القروض  واقتصاد الدول التي يتزعمونها، وتحميل الشعب الفقير مسؤولية إيفاء تلك الديون الجهنمية ، وهذا ما صرحت به وزيرة الخارجية الأميركية حيث قالت «طيلة 60 سنة بحثت بلادي، الولايات المتحدة، عن الاستقرار على حساب الديمقراطية في هذه المنطقة، هنا في الشرق الأوسط، ولم ننجز أيّاً منهما».

فإيداعات أثرياء البلدان النامية في البنوك والمصارف العالمية تزيد عن حجم ديون البلدان النامية. فديون أميركا اللاتينية مثلاً 290 مليار دولار بينما الإيداعات 790 مليار دولار، وديون شرق أسيا 390 مليار دولار وإيداعاتها 600 مليار دولار. وهذه حال الدول العربية حيث قدر معهد التمويل الدولي -ومقره واشنطن- أن حجم الأصول الأجنبية لدول مجلس التعاون الخليجي قد يتجاوز الألفي مليار دولار بنهاية العام الجاري.

ومن جهة أخرى فإن تلك القروض المعطاة كانت تدعم مشاريع تؤمن سهولة انتقال الثروات الطبيعية للأسواق الدولية لصالح الشركات متعددة الجنسيات، فقد أقيم في زائير على سبيل المثال عام 1972م خط كهربائي عالي التوتر بطول 1900 كم يصل منطقة كاتانفا إلى الأسواق الدولية في الوقت الذي لم يمد فيه القرى التي تقع تحت الخط الكهربائي بمحولات كهربائية للاستفادة من ذلك الخط، فبقيت تتأمل ربها عبر ذلك الخط وهي تشعر أن الأرض التي تحتها تسحب من تحت إقدامها.

كل ما سبق هو نبذة بسيطة عن سياسة الديون والقروض التي قد جعلت  أكثر من نصف سكان الأرض من البشر يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، ومن بينهم 1,2 يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم بحسب إحصائية صندوق النقد الدولي. فهل الدول القابعة على رقاب المسلمين قادرة على رفع مستوى عيش شعوبهم وهم مطالبون بتسديد هذه الديون وتسديد فوائدها الربوية في المقام الأول؟! وأنّى لهم هذا وهم الذين اقترضوا هذه الديون باسم الشعوب، ولم تصل هذه الديون خزائن الدول بل لم تتحرك من البنوك التي اقترضوها منها في الغرب.

ولذلك فإن كان من حق جيلنا الحالي أن يقلق من حجم هذه الديون، فمن حق الأجيال القادمة أن تصاب بالرعب خاصة إذا علمت أن المبلغ المخصص لفوائد وأقساط الدين العام أكثر من المبلغ المخصص للاستثمار، ويفوق المبلغ المخصص لدعم التعليم والصحة، ويفوق أيضا المبلغ المخصص للأجور.

فديون البلدان الإسلامية تشكل كابوساً يلاحق المسلمين، ويدفع ضريبتها الفقراء والمواطنون دون أن يكون لهم فيها لا ناقة ولا بعير.

كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه السياسة، والتي يطلقون عليها اسم خدمة القروض والديون، ما هي إلا أداة من أدوات الاستعمار الجديد، والتي تتمكن من خلالها الدول الكبرى من بسط سيطرتها الاقتصادية ومن ثم السياسية على البلدان النامية ومنها البلدان الإسلامية، ويكفي أن نتذكر أن الغرب قائم على فكرة النفعية التي لا تفارقه في صغيرة ولا كبيرة حتى نعرف أنه من المستحيل أن تكون هذه الفكرة إلا لمصلحته والتي تتنافى مع مصلحة الغير ومنهم المسلمين.

فحري بالمسلمين أن يحاربوا هذه الفكرة بكل ما أوتوا من قوة وأن يرفضوا تطبيق المبدأ الرأسمالي عليهم، والذي يشكل أساساً لكل هذه التصرفات والسياسات، وأن يسعوا إلى تطبيق المبدأ الإسلامي ليخلصهم من كل ما هم فيه من فقر وضنك وتسلط للكافر المستعمر عليهم.

أبو عمرو محمود – باكستان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *