العدد 269 -

العدد 269- السنة الثالثة والعشرون، جمادى الآخرة 1430هـ، الموافق حزيران 2009م

انهيار مواقف أم سقوط أقنعة

انهيار مواقف أم سقوط أقنعة

(كلمات  خالد مشعل وأحمدي نجاد خطيرة وتثير الريبة)

 

خالد الدويك- القدس

بعد صراع طويل بين ما يسمى دول الاعتدال والصلح مع يهود والسلطة من جهة وبين الدول الداعمة للمقاومة (سوريا وإيران) وحزب الله وحماس من جهة ثانية. وبعد تراشق حاد بالألسنة وغيرها حول المقاومة وجدوى المقاومة، وهل هي جهاد أم وسيلة لغاية، وهل هي الطريق إلى القدس وحيفا وعكا أم يمكن أن تكون عبثية في وقت من الأوقات كما تكلم رجال السلطة الذين ارتكبوا فاحشة أوسلو ونسوا سنوات الكفاح الطويلة وأسقطوا الشعارات المقدسة (من البحر إلى النهر، ونعم لعودة اللاجئين، ولا للتعويض…) بعد كل هذا يخرج خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بكلام يمسح فيه جميع الفوارق بينه وبين محمود عباس وبالتالي بين حماس وسلطة توصف بأنها سلطة دايتون التي قامت على أساس الاعتراف بـ(إسرائيل). كما يخرج أحمدي نجاد بكلام لا يختلف كثيراً ولا قليلاً عن كلام حسني مبارك والنظام المصري.

فقد بثت قناة الجزيرة مباشر 26/4/2009م كلمة  لخالد مشعل يخاطب فيها مجلس العموم البريطاني، وقد احتوى خطابه بعض القضايا التي لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، وكذلك فقد نقلت الجزيرة عن الرئيس الإيراني نجاد قولاً حراماً يجعل المرء يتساءل عن مصداقية هؤلاء القادة وعن حقيقة مواقفهم التي يظهرون فيها العداء لأميركا واليهود. وقبل أن أناقش هذه الكلمات مع القارئ الكريم لا بدّ أن أقدّم بما يلي:

هل يُعتبر خالد مشعل أو أحمدي نجاد أو غيرهما عند أتباعهم ومؤيديهم شخصيات معصومة عن الخطأ فلا يمكن محاسبتها أو الردّ عليها، أم يمكن أن نقول لهم أخطأتم كما قيل لعمر ابن الخطاب (رضي الله عنه)، وهل يمكن أن يرجعوا إلى الحق كما رجع عمر (رضي الله عنه) حيث قال: «أصابت امرأة وأخطأ عمر»؟!

ما هو الهدف من التحدث إلى البريطانيين الذين هدموا دولة الخلافة واحتلوا فلسطين وأقاموا عليها كيان يهود وشاركوا في احتلال العراق وأفغانستان، والذين لهم إصبع في كل المآسي التي أصابت المسلمين في العصر الحديث؟! أليست بريطانيا جزءاً من النظام الدولي الذي كثيراً ما ذكر مشعل أنّه عدو لأهل فلسطين وللمسلمين؟! إذاً ما هو الهدف؟ هل هو طلب المساعدة، أو الاعتراف المتبادل؟ وما هو الثمن؟

ثم على ماذا بنيت السياسة الخارجية الإيرانية؟ أعلى أساس الجهاد أم المفاوضات الحرة الشفافة مع أميركا كما يطلب نجاد؟ وهل دعم المقاومة الذي تقوم به إيران وسوريا من أجل التحرير أم من أجل السلام؟

ما هو الحكم الشرعي بقيام حركة (ليست دولة) بفتح الحوارات السياسية مع دول كبرى استعمارية متنفذة عدوة للإسلام والمسلمين؟

هل من باب المصادفة أن يأتي خطاب خالد مشعل 26/4/2009م بعد أيام من تصريح هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية يوم الاربعاء 22/4/2009م وقالت فيه: «نحن نريد أن نترك الباب مفتوحاً أمام ضم حماس (لمسار السلام)» لكنها أضافات: أن «الولايات المتحدة لن تتعامل مع أي حكومة فلسطينية تضم حركة حماس أو تمول مثل هذه الحكومة ما لم تفِ الحركة بالشروط الدولية الثلاثة وهي: نبذ العنف، والاعتراف بـ(إسرائيل)، والالتزام باتفاقات السلطة الفلسطينية السابقة»؟

وهل من باب المصادفة أيضاً أن يأتي تصريح الرئيس الإيراني بعد خطاب مشعل بيوم؟

أما بالنسبة لخالد مشعل: فما أهم القضايا التي جاءت في خطابه:

 القضية الأولى قوله: «إن الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة لا تقبل بأقل من الانسحاب إلى خط الرابع من حزيران عام 1967 بما فيها مدينة القدس المحتلة وحق العودة وتفكيك كل المستوطنات».

ماذا يعني هذا الكلام وماذا يحمل في طياته؟ إنّ هذا الكلام لا يعني إلاّ أمرين اثنين:

الأول :الاعتراف بـ(إسرائيل) على الأرض التي احتلت قبل 67، وهذا ينسجم تماماً مع أحد الشروط الثلاثة التي وضعتها كلينتون لضم حماس لمسار السلام (الاعتراف بإسرائيل). وأول الغيث قطرة، فقد كان الحديث عن المقاومة فقط لاغير، ثمّ هدنة طويلة، والآن الشعوب لا تقبل بأقل من 67 وإزالة كل المستوطنات، وغداً 67 مع بقاء المستوطنات الكبرى فقط، وهكذا نرى سيناريو منظمة التحرير وفتح يتكرر من جديد. وفي سياق كلام مشعل لنا أن نسأل: إلى أين ستكون عودة اللاجئين؟ إلى عكا وحيفا ويافا أم إلى رام الله ونابلس والخليل؟!

الثاني: إنّ قول مشعل: «إن الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة لا تقبل بأقل من الانسحاب إلى خط الرابع من حزيران عام 67» يعني أنّه يتكلم باسم شعوب المنطقة لا باسم حماس فقط، وهذا يدل على تنسيق كامل مع أنظمة الدول العربية وإلا ما كانت لتقبل أن يتكلم أحد باسم شعوبها.

ثمّ من قال لمشعل إنّ الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة تقبل بأرض 67 وتتنازل عن باقي فلسطين، وهل صار علينا اليوم أن نخاطب خالد مشعل وأتباعه بالمنطق الذي كنا نخاطب فيه منظمة التحرير وحركة فتح عند بدايات اعترافهم بـ(إسرائيل)!

أما القضية الثانية في كلام مشعل فقوله: «إن المقاومة حق مشروع تكفله القوانين والتشريعات الدولية» مشيراً إلى أن «المقاومة لدينا هي وسيلة وليست غاية، ولو وجدنا وسيلة تخلصنا من الاحتلال بلا مقاومة لاكتفينا بها».

إنّ هذا الكلام عن المقاومة مع البريطانيين وفي هذا الظرف ينسجم تماماً مع شرط كلينتون على حماس (نبذ العنف) فهل يختلف كلام مشعل هنا عن كلام فتح ومحمود عباس ونبيل عمرو من أنّ المقاومة وسيلة وأنّ المفاوضات وسيلة وليست هدفاً، وهل الفرق بين السلطة وفتح وبين حماس هو على الوسيلة التي يجب السير فيها؟ وماذا يعني قول مشعل «ولو وجدنا وسيلة تخلصنا من الاحتلال بلا مقاومة لاكتفينا بها»؟ وكيف ننظر إلى المفاوضات مع (إسرائيل) إذا كانت جدية وناجحة ومثمرة فهل هي وسيلة مقبولة؟!

أما بالنسبة إلى أحمدي نجاد:

نقلت قناة الجزيرة الفضائية 26/4/  2009م وجريدة القدس 27/4/2009م أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قال في تصريح خاص أدلى به لشبكة التلفزيون الأميركية (إي. بي سي(: «إن بلاده تؤيد الحل على أساس قيام دولتين إذا ما وافق الفلسطينيون أنفسهم على ذلك عبر الاستفتاء».

إنّ كلام أحمدي نجاد الذي جاء بعد أيام من كلام كلينتون الوارد أعلاه، وبعد يوم من خطاب مشعل لمجلس العموم البريطاني لا أثر للإسلام فيه، بل إنّه يخالف الإسلام. فهل الذي يحدد الرأي عند المسلم ويجعله يؤيد أو لا يؤيد الاستفتاء أم الحكم الشرعي؟ وهل هذا هو الصمود والتحدي والمقاومة؟ وأين البطولات الكلامية والعنتريات عن تدمير (إسرائيل)؟!

وهل يريد النظام الإيراني الذي أسدى أكبر الخدمات لأميركا في احتلال أفغانستان واحتلال العراق والقضاء على المقاومة فيه، وفي إذكاء روح الطائفية خدمة لأميركا… هل يريد أن يقدّم لـ(إسرائيل) خدمة العمر كما يقال عندما يعترف بها وبالحل على أساس الدولتين، وعندما يسهّل على حركات المقاومة التي يحتضنها السير في هذا الاتجاه؟

إننا نتوجه إلى خالد مشعل وأحمدي نجاد وإلى أيٍ كان ممن يدعي أنه يمثل شعبه المسلم فنقول: ليس المهم ما يقبل به الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، بل المهم هو الحكم الشرعي وما يقبل به الحكم الشرعي، والحكم الشرعي يوجب تحرير فلسطين جميعها. وإنّ السعي لمخاطبة الدول الكبرى يعني أنّ أفق المقاومة السياسي هو في النظام الدولي.

إن حركة حماس يجب أن تحفظ التضحيات التي قدّمتها والبطولات التي أظهرتها وأن لاتضيع دماء المجاهدين وصبر الصابرين كما ضيعتها من قبل منظمة التحرير،  ولا يحق لأحد كائناً من كان، مجاهداً أو غير مجاهد، أن يسعى لحل قضية فلسطين بأية طريقة أو شكل أو أسلوب أو حل يخالف الحكم الشرعي، فهو مقياس الأعمال وليس الشعب ولا تاريخ الحركة النضالي ولا التضحيات ولا القادة ولا الرؤساء…

وإننا نقول إنه عندما تتضاءل الهمم عن تحرير أرض فلسطين المباركة، فعلى أصحابها أن يتنحوا لغيرهم ممن يريد تحريرها من رجس يهود وقطع يد كل من يريد العبث بقضية فلسطين من دول الكفر الغربية التي ما حملت يوماً خيراً للمسلمين. ونقول إن (إسرائيل) زائلة قريباً إن شاء الله، إذ أظل زمن الخلافة الراشدة الثانية، بإذن الله، التي ستقضي على لفيف اليهود المقرون فتجعله مفروقاً بل هباءً منثوراً. وإن غداً لناظره قريب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *