العدد 269 -

العدد 269- السنة الثالثة والعشرون، جمادى الآخرة 1430هـ، الموافق حزيران 2009م

الولايات المتحدة: قلق عميق على باكستان

الولايات المتحدة: قلق عميق على باكستان

 

الحرب الأميركية العدوانية الشرسة على المسلمين في أفغانستان مستمرة منذ سبع سنوات ونصف. وتشهد الولايات المتحدة ومعها حلف الناتو والأمم المتحدة الذين يعملون جميعاً تحت غطاء “إيساف” فشلاً ذريعاً في حربها على الإسلام والمسلمين هناك. فقد فقدت السيطرة هناك على ثلاثة أرباع مساحة البلاد (بحسب تقرير صدر عن المجلس الدولي للأمن والتنمية في 11/12/2008م، وهو مؤسسة أبحاث خاصة مقرها البرازيل حيث ذكر: «إن لحركة طالبان وجوداً دائماً في 72% من أراضي أفغانستان، في مقابل 54% في العام الماضي». والوجود الدائم يعني الإشارة إلى شن هجوم أو أكثر عليه أسبوعياً على مدار السنة) وهي لا تملك السيطرة إلا على كابول حتى إنه يقال عن كارزاي إنه «رئيس بلدية كابول» وحتى كابول فإنها تشهد هجمات نوعية في أوقات مدروسة وتشكل رسائل سياسية وعسكرية ما يعني فعلاً عدم سيطرة أميركية كلية عليها (شنت طالبان في 11/12/2008م عدة هجمات بالقرب من وزارتي العدل والتعليم في كابول الواقعتين بالقرب من المقر الرئاسي الذي تحميه القوات الأميركية. وكانت هذه الهجمات رسالة قوية قبل زيارة هولبروك المبعوث الجديد لأوباما إلى أفغانستان وباكستان بيوم واحد وأسفرت عن مقتل 19 وجرح 50).

هذا الوضع السيئ الذي تواجهه أميركا دفعها إلى إجراء مراجعة سرية لسياستها في أفغانستان في 20/9/2008م أي في أواخر فترة حكم بوش على أن تستمر ثلاثة أشهر. وقد نقلت صحيفة الخليج في 9/11/2008م عن مسؤول أميركي قوله إنه يجب الإقرار بأن بلاده تفقد السيطرة على الأرض، وإن الوضع بات كئيباً، وإن أعمال العنف تفاقمت 543% في السنوات الخمس الماضية. وتوقع الجنرال الأميركي ديفيد ماكيرنان قائد القوات الدولية في أفغانستان أن تكون سنة 2009 سنة صعبة بالرغم من إرسال قوات أميركية إضافية (17 ألف جندي).

ولما جاء أوباما الذي انتقد في حملته الانتخابية بوش لاهتمامه المفرط بالعراق على حساب أفغانستان، أعلن أن القضاء على طالبان والقاعدة يقع في مقدمة أولوياته. وفي خطوة تدل على استمرار السياسة الإجرامية لأميركا بحق المسلمين هناك أبقى غيتس وزيراً للدفاع ومولن رئيساً للأركان وبيترايوس قائداً للمنطقة الوسطى التي تشمل العراق وأفغانستان، وتبنى ما خلصت إليه اللجنة من وضع استراتيجية جديدة هناك والتي بدأت بنودها تنكشف من خلال الأفعال والتصريحات والتحركات السياسية… ومنها:

– بناء قوات الجيش والشرطة الأفغانية (مضاعفة حجم الجيش الأفغاني إلى 134 ألف جندي).

– زيادة حجم القوات الأجنبية في أفغانستان (للولايات المتحدة 49 ألف جندي وتعتزم تعزيزها إلى 68 ألفاً بنهاية هذا العام. ولدول أخرى معظمها من حلف شمال الأطلسي حوالى 32 ألف جندي).

– العمل عسكرياً وتنموياً في أفغانستان ودعم الحكومات المحلية والإقليمية.

– العمل على نقل التجربة العراقية في استنساخ صحوات باكستانية وأفغانية تحارب طالبان. وفي هذا يقول غيتس إنه يجب «إعطاء دول أكبر للأفغان لمقاتلة طالبان». وقد عرض كارزاي على الملا عمر العودة إلى  أفغانستان فرد بأنه «سيواصل الجهاد ضد القوات الأجنبية وعبيدها الأفغان» واعتبرت طالبان العرض الأميركي للحوار أنه إعلان هزيمة، وأنه محاولة فاشلة لشق صفوف المعارضة…

– إجراء محادثات مع إيران كشريك للتفاهم والبحث عن أهداف مشتركة بينهما منها أنهما ضد تسلم إسلاميين للحكم في أفغانستان وفي هذا البند ظهرت عدة مؤشرات غير مطمئنة: فقد صرح رئيس الشرطة الإيرانية الجنرال إسماعيل أحمدي مقدم في 13/4/2009م «أعربنا عن استعدادنا لتدريب الشرطة الأفغانية (وهذا مطلب أميركي) وأعن أن «سفيراً إيرانياً زار حلف الأطلسي للمرة الأولى منذ قيام الجمهورية الإسلامية». وأوضح أن الإيرانيين مهتمون «بإمكانية التعاون حول أفغانستان. وأعلن متحدث باسم الحكومة الإيرانية في 7/3/2009م أن إيران ستبحث الدعوة الأميركية لحضور المؤتمر الدولي بشأن أفغانستان في 31/3 في لاهاي ومستعدة للمساعدة في أفغانستان. وأعلن روبرت وود المتحدث باسم الخارجية الأميركية باحتمال لقاء الإيرانيين، وأضاف أن الهدف هو وضع سياسة دولية متسقة في التعامل مع الوضع على الأرض في أفغانستان وباكستان. وكان أوباما قد فتح باب التعامل والتنسيق مع إيران بتصريح له في 21/3 أعلن فيه أن بلاده مستعدة لإنهاء سياسة مقاطعة بلاده لإيران منذ ثلاثة عقود. وكذلك أعلن البنتاغون أنه يفكر في طريق إمداد عبر إيران من ميناء شاباهار على بحر العرب لتزويد القوات الأميركية في أفغانستان بما تحتاجه من دعم لوجستي لها. وذلك بعد أن أصبحت ممرات الإمداد في باكستان غير آمنة وخاصة ممر خيبر. كذلك تم عقد مؤتمر قمة بين الرؤساء الثلاثة أحمدي نجاد وكارزاي وزرداري من أجل التنسيق بينهم فيما يتعلق بمحاربة (الإرهاب) وأعلن نجاد فيه صراحة: أن «أصدقاءكم أصدقاؤنا وأعداءكم أعداؤنا». وهو يقصد زرداري وكارزاي.

– التركيز على المناطق التي توفر الحماية للأفغان في باكستان بحيث يتم التأكد من أن المقاومة لن تعود قادرة على بناء قدرتها القتالية لمدة طويلة.

وهناك أمر قد فرض نفسه على أميركا وهو أن جبهة الحرب قد توسعت وتعقدت وأصبحت تشمل الحدود الأفغانية والباكستانية، وأصبحت تواجه طالبان باكستان بالإضافة إلى طالبان أفغانستان. فأصبح خوف الولايات المتحدة من باكستان وعلى باكستان أكبر بكثير من خوفها من أفغانستان نفسها.

فباكستان دولة تعتبر أساسية في المنطقة لدى أميركا. وقد استهلكتها الإدارة الأميركية في حربها على الإسلام والمسلمين استهلاكاً يكاد يكون كاملاً، واستخدمتها ضد المسلمين في أفغانستان وحتى داخل باكستان لدرجة أن أحرقت عميلها (مشرف)، والآن جاءت بزرداري وتستهلكه بالطريقة نفسها. وقد أعطلى هذان الحاكمان أسوأ مثال للحكام العملاء الخونة الذين خاضوا في دماء شعبهم بشكل مكشوف، وهذا ما أدى إلى زعزعة النظام في باكستان بصورة مزعجة لأميركا. وما رفض القبائل لهذا الواقع وحمل السلاح إلا نتيجة طبيعية لما ترتكبه أميركا بحق المسلمين من مجازر. وما الغارات التي تشنها الطائرات بدون طيار وتوقع القتلى والجرحى بالمئات والآلاف إلا صورة من صور هذا الظلم الذي يشارك فيه الجميع. وما الهجوم الذي يشنه الجيش الباكستاني على وادي سوات وتشريد حوالى مليوني لاجئ ونازح مع مايصاحب ذلك من مآسٍ إنسانية وتخريب حياة الملايين من المسلمين إلا من آثار هذه السياسة الظالمة (في آخر إحصاء ذكرت جريدة الشرق الأوسط في 27/05/2009م أن عدد النازحين بلغ 4.2 مليون نازح. وأن الجيش يعد نفسه للهجوم على وزيرستان بعد الانتهاء من الهجوم على وادي سوات)… ووصل الأمر بديفيد كيكولن مستشار بيترايوس إلى التعبير عن قلقه من احتمالات انهيار الدولة في باكستان خلال ستة أشهر، وأبدى خوفه من أن يضع المسلمون (المتشددون) أيديهم على 100 رأس نووي، وأعلن أن باكستان دولة فاشلة، ويشكل الجيش والأجهزة الأمنية دولاً داخلها، وفقدت حكومتها السيطرة على 70% من الأراضي.

وهذا ما يفزع أميركا ويجعلها تذهب يميناً وشمالاً لتأمين الدعم والاستقرار لأوضاع باكستان. فأعلنت هيلاري كلينتون أن أفغانستان وباكستان والولايات المتحدة تواجه تهديداً مشتركاً وتحدياً مشتركاً وهدفاً مشتركاً. وأعلن هولبروك أن الولايات المتحدة تولي باكستان قدراً كبيراً من الأهمية من الناحيتين الاستراتيجية والسياسية مما يدفعها إلى تقديم دعم واضح لتعزيز الاستقرار والديمقراطية في باكستان برئاسة الرئيس المنتخب (عميلها زرداري).

وأعلن مولن أن البنتاغون يتابع باهتمام شديد المواجهة السياسية في باكستان، وأبدى خشيته من أن تؤدي المواجهة إلى تفجر أزمة.

ومن أجل احتواء هذا الوضع الصعب عقدت قمة (بين أوباما وزرداري وكارزاي) وأعلن فيها أن القمة المصغرة هذه ستخصص للتخلص من معاقل طالبان في باكستان. وقمة بين زرداري وكارزاي وأحمدي نجاد لتنسيق التعاون بينهم لمحاربة (طالبان) وأصبحت التصريحات الأميركية والأطلسية تصب في اتجاه واحد وهي أن يدرك زعماء باكستان أن «مكافحة (المتشددين) أمر يصب في مصلحتهم مثلما هو يصب في مصلحة الولايات المتحدة والأطلسي». وتشدد على «وجوب أن تبذل باكستان جهوداً أكبر لقمع المقاومة في مناطق القبائل الجبلية على الحدود الباكستانية الأفغانية».

وهكذا نرى أن المشكلة قد تعقدت على أميركا أكثر بكثير مما كانت عليه. وامتدت إلى باكستان وهذا في غاية الخطورة بالنسبة للولايات المتحدة.

ومما يذكر كذلك أن أميركا كما تمسك بالقيادة السياسية في باكستان كذلك فإنها تمسك بالقيادة العسكرية فيها. فقائد الجيش الباكستاني الآن هو إشفاق كياني وهو بيد الأميركيين يوجهونه كيفما أرادوا لضرب المسلمين، ويؤمنون تغطية سياسية له من قبل زرداري وجيلاني. ويهددون هذه الأخيرين به. وكم أثنى مولن على كياني هذا وتكلم باسمه. ومن ذلك: «إن آخر ما يفكر فيه كياني هو الاستيلاء على السلطة» وأضاف: «كيلاني يود عمل الشيء الصحيح لمصلحة باكستان ولكنه في وضع حساس جداً» وواضح ما في مثل هذه الأقوال من تهديد مبطن للقيادة السياسية من إمكان تحرك الجيش ضدها إذا لم تتحرك وفق سياسة الولايات المتحدة.

ومعلوم أن الجيش في باكستان له نفوذه في السياسة الباكستانية، فقد حكم أكثر من نصف سنوات استقلال الباكستان الإحدى والستين، واحتفظ بدور مهيمن في الشؤون السياسية حين لم يكن ممسكاً بزمام الحكم رسمياً.

أميركا الآن في وضع صعب جداً. ويزداد صعوبة مع ازدياد إجرامها، وهي مهددة بالفشل في أفغانستان التي يطلق عليها أنها «مقبرة الإمبراطوريات» فكيف وقد دخلت الباكستان على الخط. والمراهنة اليوم على الجيش الذي يقوده رئيس سيلقى ربه وفي رقبته عشرات آلاف القتلى وملايين المشردين من شعبه من بني جلدته، من الذين يبكي عليهم قلب وعين كل مسلم غيور على دينه… فهل يدرك أهل الحق والإيمان من الجيش الباكستاني -وما أكثرهم- أنهم مسؤولون عن وقف ما يقوم به قائدهم؟ هل يدركون أن عليهم نصرة الله ورسوله ودينه وشعبهم المسلم المقهور المظلوم؟… هل يدركون أن الله سيعذبهم إن لم يحزموا أمرهم في أخذ قرارهم بوضح حد لهؤلاء، والعمل مع أمتهم التي تريد تطبيق شريعتها؟ لقد وضعتهم قيادتهم السياسية والعسكرية أمام أمرين لا ثالث لهما: فإما أن ينطبق عليهم قوله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) [القصص 8]، وإما أن ينطبق عليهم قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ) [الصف 14]. فإذا كان حكامهم قد فتحوا لهم أبواب جهنم ليوردوهم فيها (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) [هود 98]، فإن دعوتنا لهم للعمل على استلام الحكم وتسليمه لأهل الحق والإيمان من دعاة الخلافة الراشدة… لتقيم في الأمة أمر دينها ولتقيم الجهاد في سبيل الله لتحيي به الأمم الأخرى وتدخلها عن قناعة في رحاب الإسلام.

هاتان دعوتان، وشتان ما بينهما، قال تعالى: (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النار) [غافر 41].

إن في ذلك لذكرى لمن ألقى السمع وهو شهيد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *